هـــــــــــــــــــــام جــــــــــــــــــــدا: الدعوة إلى الله هي مهمة الرسل وأتباعهم

يوجد صفحات من موقع "دار الإسلام" مخصصة لمساعدة أصدقائكم من غير المسلمين عن طريقكم بدعوتهم إلى التعرف على الإسلام بأحد السُبل والخيارات التالية:
1- عن طريق صفحات لتعريف بالإسلام بأكثر من 90 لغة
2- عن طريق الحوار مع مختصين داخل الموقع للتحدث المباشر مع غير المسلمين والمسلمين الجدد
3- عن طريق كتب مميزة
4- عن طريق الأسئلة والأجوبة والفتاوى التي يسترشد بها لهداية الناس بمختلف اللغات
5- وطرق أخرى ستكتشفونها بأنفسكم
للدخول للموقع يرجى الضغط على الرابط التالي: https://islamhouse.com

أنظروا إلى فضل إدخال الناس للإسلام:

قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[فصلت:33]، وقال صلى الله عليه وسلم:لَئَنْ يَهْدِي بَكَ اللهُ رجلاً واحداً خيرٌ لكَ مِنْ حُمْرِ النعم متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله.رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أَجُورِ مَنْ تبعه، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً،رواه مسلم. فأبشر أخي الكريم، أختي الكريمة، فإن الله سيكتب لك أجر كل خير سيعمله من يسلموا بسببك، و أتمنى أن تجتهدوا في دعوة الناس إلى دين الله.

في الأخير لا تتردوا في نشر هذه الصفحة وشكرا






الاثنين، 25 يونيو 2012

الإندماج الإقتصادي للسّياسة الجبائية -الفصل8


الفصل الثّامن
الإندماج الإقتصادي للسّياسة الجبائية
عن طريق الإنسجام









مقدمة الفصل:
تتجاوز السّياسة الجبائية المنسجمة آفاق الإقتصاد العمومي الذي يتكيّف،  يعوّض، و يصحّح النّشاط الإقتصادي الخاص أو يتدخّل على مستوى آليات الإقتصاد الوطني، ففي هذه المرحلة فإن الإقتصاد العمومي و الإقتصاد الخاص يساهمان وفق مخطط عمل مشترك و منسجم لتحقّيق بعض الأهداف التي لا يمكن الوصول إليها دون القيام بهذا التّنسيق، وعلى هذا الأساس فإن التوسّع المستديم للإنتاج لن يتأتى إذا كان قطاع ما من الإقتصاد العمومي كالنقل بالسكك الحديدية مثلا لا يستجيب لمتطلبات الإنتاج المتجّه نحو التزايد.
كذلك لا يمكن مواصلة النّمو الإقتصادي إذا كانت السّياسة الجبائية المعتمدة لا تسمح بتكوين كاف لرأس المال، و لعلّ الأمثلة المتعلقة بالإنسجام من هذا المنظور كثيرة ومتنوّعة، لكن يمكن حصرها في إطار مثالين رئيسيين: و هما التوسّع المتوازن و تنمية الإقتصاديات المتخلّفة.














المبحث الأول: سياسة التوسّع:La politique d'expansion
يجب أن يؤدي التوسّع الإقتصادي إلى إرتفاع نسبة الرّفاهية الاجتماعية عن طريق أحسن و أكبر إشباع للحاجات، و نظرا للأهمية التي تعطيها المجتمعات المعاصرة للحاجات العمومية، فإن تلبية هذه الأخيرة و إشباعها يجب أن يتواصل و يتحسّن كما هو الحال بالنسبة للحاجات الفردية أو الخاصة، ففي بعض الحالات يمكن أن تتّجه الجهود نحو إشباع فئة معينة من الحاجات عوض فئة أخرى، لكن يجب أن لا يتّم هذا التّصور وفق أفق طويل المدى،  وإلا أدّى هذا الوضع إلى نمو قطاع على حساب قطاع آخر أو بدون مساهمته، فعلى سبيل المثال إذا كان إرتفاع نسبه الرّفاهية في المجتمع يؤدي إلى وجود إمكانية حصول أكبر عدد ممكن من الأفراد على سيارة  فيجب في المقابل إنشاء أو المحافظة على الوضعية السليمة لشبكة ملائمة من الطرق.
و عليه يجب إثارة تقدّم و نمو الإقتصاد الكلّي و صيانته من خلال الجزيئين المكوّنين له و هما الإقتصاد العمومي و الإقتصاد الخاص، فلا وجود لتوسّع حقيقي إذا لم يشارك هذين الاثنين في حركية النمو الكلّي الذي يجب أن يتواصل بدون اللاّتوازنات، و بدون المعوقات و الفوارق.
فهناك مشكل إنسجام يطرح حتى يكون التقدّم متجسدا بالموازاة في المجالين، وبذلك فإنّنا نتجاوز القضايا البسيطة للوقاية أو التخفيض في اللآّتوازنات لنصّل في النهاية إلى تنسيق الجهود، و إلى المساهمة دون منافسة غير مجدية ضمن مخطط عمل شامل و موحد.
فالإنسجام لا يضمن المساهمة العقلانية والفعّالة لكلّ قطاع فحسب، و إنّما يتعدّى ذلك إلى الحفاظ على وضعية التقدّم المتوازن للنّشاط الكلّي، و بذلك يصبح توازن النّشاط شرطا لإنسجام التوسّع الذي يتجاوزه و يشمله، و لهذا يتعيّن على السّلطات العمومية تصوّر و إعداد السّياسة الجبائية بما يتماشى و التصوّر المشترك للأهداف الواجب بلوغها بين القطاع العمومي و القطاع الخاص.
و عليه فإن النّظام الجبائي يعتبر أداة للتأثير على كل ميادين الإقتصاد الوطني، وذلك من خلال الأحكام المالية و الجبائية، بحيث يمكن ممارسة وظيفة الإنسجام و هو ما يظهر التميّز و الإختلاف عن وظائف التكيّف، التصحيح و التعويض التي تعرضنا إليها سابقا.
كذلك يجب أن نفهم جيّدا أن سياسة التوسّع تتجاوز بكثير المخطط الكينزي الذي يهدف إلى محاربة الانكماش أو الرّكود الإقتصادي، بحيث يتم إمتصاص المداخيل الفائضة أو الحدّ من النّزعة الإّدخارية المفرطة قصد إنعاش الإستهلاك الذي يؤدي إلى تحفيز الإستثمار الإضافي لرفع مستوى النّشاط الإقتصادي  وزيادة حجم الدّخل و التّشغيل معا.
و بعيدا عن هذا يجب على السّلطات العمومية أن تسهر على إقامة  توزيع صحيح بين الإستثمار و الإستهلاك، مع أن التاريخ الإقتصادي أثبت أن الإستهلاك يتّجه عادة نحو الإرتفاع السّريع أكثر من اللاّزم و أن الإستثمار هو من يختنق أحيانا. بالإضافة إلى هذا فإننا لا نتوقف على إعتبار الاستثمار العمومي مجرد وسيلة لتوسيع التشغيل، و إنّما نعتبره أداة لتنمية التجهيز المنتج، بحيث يحصل بذلك على دوره الحقيقي و هو المساهمة في توسيع رأس مال الأمّة.
و بالتأثير في توزيع الدّخل بين الإستثمار و الإستهلاك، و المساهمة في تطوير القدرات الإنتاجية للمجتمع عن طريق الإستثمار العمومي، فإن الدّولة تؤثر بقوة في ظروف العيش للأجيال الحالية و الأجيال اللاّحقة، و هو الأمر الذي يعتبر من بين العوامل المحدّدة للإختيارات الأساسية التي يخضع لها كل جيل بحيث يمكن أن نتساءل:  ما هو حجم الإشباع الذي يمكن أن نسمح به في الحاضر؟ و ما هو حجم الإشباع الذي يمكن أن نضحي به في المستقبل؟  ولعلّ هذا ما يمثل محتوى سياسة التوسّع بصفة عامة.
المطلب الأول: حكومة التوسّع
يتم إعداد سياسة التوسّع لحلّ بعض المشاكل المتعلّقة بتحديد الإتجاه التوسعي، إمكانيات التوسّع و كذا المخاطر التي يمكن أن تحتويها هذه الأخيرة، كما يتم تنفيذ هذه السّياسة من خلال حكومة في الدّولة تدعى بحكومة التوسّع.
1- تحديد الاتجاه التوسّعي :
لا يتحقق التوسّع وفق إتجاه مطلق و مستمر، مستثنيا كلّ تغيّر( )، لذا فإن الأمر يتعلّق من جهة بتحديد مستوى التوازن الذي يثبّت عنده النّشاط الإقتصادي التوسّعي، و من جهة أخرى تحديد الطريقة التي تسمح بإظهار النقاط التي ينقطع أو ينحرف عندها الإتجاه التوسّعي.
فعادة ما نتوقع تعرض النّشاط الإقتصادي لمجموعة من التغيّرات تدور حول مستوى للتوازن يعتبر "عاديا"، فهذا الأخير يمكن تعرّيفه بالأخذ بعين الإعتبار حالة التوازن عند التّشغيل الكامل، أو مقارنته بإتجاه معين أو حسب المساواة المحقّقة بين الإدّخار و الإستثمار.
ففي الحالة الأولى فإن البطالة تعتبر مؤشرا للاّتوازن المؤقت المتوجّه نحو الرّكود و حتّى إن تمّ الحفاظ على توازن الأسعار، فإنّنا نسجّل توازنا منقوصا أو غير تام و بهذا المعنى فإن وجود حجم معين من العوامل غير المستعملة يظهر عدم بلوغ النّشاط الإقتصادي للمستوى الذي عنده يتّم إستعمال كل الطاقات الإنتاجية، أمّا الإختفاء التدريجي للبطالة، فهو يدّل على وجود حالة توسّع تسمح بالإقتراب من مستوى التوازن للتشغيل الكامل و هو أقصى حدّ للتوسّع.
و في الحالة الثانية فإن التوازن يحدّد وفق إتجاه معيّن يتميّز بتطور مجموعة من المعطيات الإقتصادية الأساسية ضمن نسق متوازن، مع وجود بعض التقلّبات، وهكذا يمكن تحديد التقلّبات الظرفية لسعر الفائدة أو لمعدّل الرّبح التي تندرج ضمن الإتجاه الطويل نحو الإنخفاض أو نحو الإرتفاع للفائدة و الرّبح.
أمٌا في الحالة الثالثة، و التي تنبثق من النّظرية الكينزية فإن مستوى التوازن الذي يمكن أن يشهد النّشاط الإقتصادي ضمنه مجموعة من التذبذبات، يتحدّد بمستوى الدّخل المحقّق عندما يساوي الإدّخار المتوقع، الإستثمار غير المستحّث، و بذلك يتعيّن على السّياسة الجبائية الحرص على تحقيق المساواة بين الإدّخار و الإستثمار في إطار سياسة إقتصادية شاملة و ذلك من خلال تخفيف العبء الجبائي على المتغيرين، ممّا يسمح بتحفيز الإدّخار الإختياري، إنعاش القرض العمومي و كذا الأسواق المالية و النقدية، تحفيز الإستثمار عن طريق سعر الفائدة، التوسّع النقدي و الإستثمار العمومي....الخ. و تجدر الملاحظة أن ما يحدّد طبيعة الإتجاه من حيث مستواه فيما إذا كان متوازنا أم غير متوازن هو التطوّر في المدى الطّويل، ممّا يؤدي إلى إعتبار التّقلبات في المدى القصير( توازن أو لا توازن) عاملا لزيادة كثافة الإتجاه التوسّعي.
و عليه فإنّه يتّم إعداد المستوى العادي للتوازن عن طريق إستقرار دالة الإستهلاك و التي بتحديدها لحجم إنفاق نوعا ما مستقر بالنسبة لسلسلة زمنية، فإنها تمثل حالة عادية يمكن من خلالها تحديد التقلّبات بالمقارنة( )، و بذلك فإن تحديد الإتجاه التوسّعي يكون بدلالة الإستهلاك حيث نميّز بين طريقتين كما يلي:
الحفاظ على إستقرار الميل نحو الإستهلاك بغرض زيادة الإنفاق الإستهلاكي تحت تأثير حجم الدّخل، و بذلك يمكن تمويل زيادة الإستثمار بتزايد حجم الإدّخار (فائض الدّخل المرتفع عن  الإستهلاك المتزايد بمبلغ أقل).
تسهيل و إثارة إرتفاع ميل الإستهلاك، ممّا يؤدي أساسا إلى زيادة الإنفاق الإستهلاكي. وفي كلتا الإمكانيتين يجب أن لا يشكّل الإقتطاع الجبائي عائقا، كما أن عملية الإختيار تتوقّف على البرنامج المتوقّع و على القرار السّياسي لتوجيه الجهود نحو زيادة تكوين رأس المال أو زيادة حجم الإشباع. و في هذا الصدّد فإن السّياسة الجبائية الملائمة، تسمح  بالتأثير على حجم الإدّخار و الإستهلاك عن طريق الإخضاع المكثّف أو الإخضاع المخفّف، بالإضافة إلى إمكانية تمويل الإستثمار العمومي عن طريق الإيرادات الجبائية، و هنا تبرز أهمية الإقتطاع الجبائي في إعداد توزيع  بين الإستثمار و الإستهلاك.
2- خطر التضخّم و إشكالية الإستثمار أو الإستهلاك :
إنٌ تغيّرات النّشاط، اللآّتوازنات وكذا الإتجاهات التوسّعية تؤدي إلى وجود مشكل يستوجب الحّل و يتمثّل في كيفية المحافظة على إستقرار الأسعار، و لعلّ هذا يدمج ضمن أولويات الخطاب السياسي حيث يتمّ اعتماد التوسّع الإقتصادي دون أيّما تضخّم، ممّا يفسّر بوضوح الخطر الحقيقي الذي تحتويه كل سياسة توسّعية و هو نشأة المظاهر التضخّمية.
فالتوسّع يفترض الوصول إلى وضعية التّشغيل الكامل، غير أنّنا قد نلاحظ تواصل الإستثمار رغم التّشغيل الكامل لكلّ عوامل الإنتاج، و بذلك فإن الأثر المضاعف ينتج على المستوى النّقدي بدون مقابل على المستوى الحقيقي، و وفق هذا الطّرح لا يمكن للإنتاج أن يتزايد نظرا لوجود التشغيل الكامل، غير أن الإستثمار الإضافي يؤدي إلى زيادة المداخيل النّقدية، و بذلك نشهد مزايدة و تنافسا من قبل المقاولين في سبيل الحصول على عوامل الإنتاج، حيث ترتفع الأجور، كما ترتفع أسعار المواد الأولية و تكاليف رؤوس الأموال، و هو الأمر الذي يغذّي إرتفاع الأسعار عند الإنتاج، و يتزامن هذا الوضع مع مزايدة المستهلكين على المنتوجات نظرا لإرتفاع مداخيلهم، وبذلك يعرف الإقتصاد الوطني اتجاها عاما نحو الإرتفاع.
و إذا كان هناك سوء إعداد أو سوء إحترام لبرنامج التوسّع، فإن من شأن هذا أن يؤدي إلى الظّهور المبكّر لمضائق الإختناقles goulets d'étranglement التي تكبح النّشاط التوسّعي في حين يمكن مواصلة الإستثمار، و هنا تحصل القطيعة بين العرض الكلّي و الطّلب الكلّي الذي يحدث إرتفاع الأسعار، فالأمر يرتبط إذن بإنسجام سيء بين الإستثمار و الإستهلاك.
كذلك لا نكتفي بتوقع برامج التوسّع و كذا مخصصات الإدّخار الموجّهة نحو الإنفاق الإستثماري أو الإنفاق الإستهلاكي، بل يجب تحديد إستعمالات هذه المخصّصات أيضا. حيث تمنح  قطاعات الإستثمار نفس الأهمية المعطاة لحجم مخصّصات الإستثمار، علما أن مضاعف الإستثمار الكلّي ما هو في الواقع إلا الصّيغة المختصرة لمجموع المضاعفات القطاعية(1)
و بصفة عامة فإن لإختيار قطاعات الإستثمار أهمية بالغة في تحديد حجم الأثر المضاعف الذي يتعلّق بزيادة الدّخل الوطني، فمشكل التوزيع بين الإستثمار و الإستهلاك ليس له خاصية  كمية فقط،  بل له خاصية نوعية أيضا.
ممّا سبق نستخلص أن الإنسجام غير الكافي  لوظيفتي الإستثمار و الإستهلاك يؤدي إلى ظهور الضّغط التضخّمي، الذي يؤدي بدوره إلى ندرة السّيولة النّقدية اللاّزمة لتمويل عجز الموازنة (تمويل الإستثمار العمومي)، و بذلك تلجأ السّلطات العمومية إلى تسبيقات مؤسسة الإصدار و ينتج عن هذا الوضع تراكم الآثار التضخّمية أي إنضمام آثار التضخّم ذات المصدر الموازناتي إلى الآثار التضخّمية الناشئة في قطاع الإستهلاك، حيث نلاحظ إنتعاشا للنّشاط الإقتصادي و تدهورا للوضع المالي و هو الأمر الذي يتطلّب إتّخاذ مجموعة من التدابير النقدية الهادفة إلى كبح الإستثمار من هذا الشكل، كرفع أسعار الخصم و الفائدة أو تبني تدابير جبائية ترمي إلى تقليص الإستهلاك و مراقبة المداخيل و الإخضاع المكثّف للنّشاط الإستثماري بغية تطويقه. وتجدر الملاحظة أن سياسة التوسّع تحتوي على بعض المخاطر يجب التعايش معها وترويضها قدر الإمكان.
المطلب الثاني : الإستثمار العمومي  خلال فترة التوسّع :
لا يمكن النّظر إلى إشكالية التوزيع بين الإستثمار و الإستهلاك من زاوية الآثار المترتبة على الدّخل و النّشاط فقط، فهي تمتّد إلى مخطط مزدوج. يرتبط بتوزيع الإستثمار الكلّي بين حصّة الإقتصاد الخاص و حصّة الإقتصاد العمومي من جهة و وسائل تمويل الإقتصاد العمومي من جهة أخرى، و بذلك نكون قد تجاوزنا الطّرح النظري المتعلّق بسياسة التّشغيل الكامل، فضمن هذه الأخيرة ننطلق من وجود إدّخار وفير يتحتّم على الإستثمار العمومي توظيفه، لكن في حالة التوسّع لا مجال للحديث عن وفرة الإدّخار أو حتى عن نقصه، لأن الأمر يتعلق بمشكل توزيع الإدخار الموجود بين الإستثمار الخاص و الإستثمار العمومي بطريقة تسمح بإنسجام تقدّم أو نمو الكتلتان المكونتان للإقتصاد الوطني، كما أن هناك أيضا قضية أخرى تتمثل في تحديد مصادر التمويل الخاصة بالإستثمار العمومي.

1- متطلبات التوسّع و محدّدات الإستثمار الكّلي :
إنٌ للإستثمار العمومي ضمن سياسة بعث النّشاط و سياسة التّشغيل الكامل طابعا تكميليا أو إضافيا، حيث يجب أن يمتدّ وراء الحدود التي وصل إليها التكوين الخاص لرأس المال بهدف الحصول على حجم إستثمار كلّي كافي وضروري للمحافظة على مستوى الدّخل و الإنتاج المرغوب فيهما، أمّا ضمن سياسة التوسّع فإن الإشكال يختلف لأن الأمر يتعلّق بتوزيع حجم إدّخار معين بين الصنفين لتكوين رأس المال، و الذّي يمكن أن يكون غير كاف نتيجة ظاهرة تزايد الإستهلاك التي تطبع كّل حالة توسّعية) (.
 ففي الزّمن الأول للرأسمالية كان يخشى من نقص الإدّخار، غير أن وفرة الأرباح مكّنت من المحافظة على حجمه ببقائها مغلقة ضمن الحلقة الضّيقة للمقاولين المدّخرين، أمّا في أيامنا هذه فإن تقنيات إعادة توزيع المداخيل قد غيّرت الوضع السّابق، بحيث أن طريقة الإحتياطات و طريقة التمويل الذاتي تضمنان  حاجات المؤسسات من التمويل لكنّهما يقلصان من حجم الإدّخار المعروض في الأسواق المالية.
كذلك فإن تزايد الأجور يؤدي إلى تزايد الإستهلاك من جهة أخرى، و عليه يمكن القول بأنه بالرّغم من تزايد المداخيل فقد ينشأ عرض شحيح للإدّخار يضع السّلطات العمومية في وضع حرج، بحيث لا يجب عليها اللّجوء إلى تقنيات تعبئة الموارد المالية تحت الضّغط، كما لا يجب أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام احتياجات الإقتصاد العمومي، لذا فإن التوزيع بين الإستثمار العمومي و الإستثمار الخاص يتحدّد في النقطة التي عندها يصل الإستثمار الكلّي إلى إمتصاص كل الإدّخار المتاح، و من هذا المنطلق  فإننا نلاحظ و جود وضع تنافسي يجب تحقيق إنسجامه مع الأخذ بعين الإعتبار إمكانية زيادة الإدّخار عن طريق النّظام المصرفي  أو عن طريق تطبيق سياسة الإدّخار الإجباري، حيث يعتّد بالإقتطاع الجبائي.
كذلك فإن هناك إشكالا أساسيا يهيمن على هذا المجال و هو يتمثل في كيفية تحديد كمية رؤوس الأموال الممكن إنتاجها بغض النّظر عن سهولة أو صعوبة التمويل، فهذا الإنتاج يتحدّد بحجم العناصر الحقيقية أو الفيزيائية ككميّة و نوعية اليد العاملة المستعملة، حجم و طبيعة الموارد الأولية، الطاقة، ظروف النقل...إلخ. فكل هذه الوسائل محدودة حيث يخصّص جزء منها لإنتاج السّلع الإستهلاكية و الجزء الآخر يخصّص لإنتاج رؤوس الأموال (السّلع الإستثمارية).
و المشكل يظهر أولا في شكل حقيقي لكنّه يظهر فيما بعد في شكل نقدي يتمثّل في كيفية تمويل هذه العناصر الحقيقية، فالمداخيل الموزّعة بمناسبة القيام بعملية الإنتاج يتّم إستعمال جزء منها في شراء السّلع الإستهلاكية و إذا كانت النّفقة جدّ معتبرة، فإننا نشهد (كما سبق بيانه) ميلاد ظاهرة تضخّميه تخلّ بتوازن الأسعار و تقضي على التوزيع الأصلي بين مخصصات الإستهلاك و مخصّصات الإدّخار، و بذلك نقترب من حدود الاستثمار( ). لذا فإن التوزيع ذو الطابع الحقيقي يفترض تدعيم التوزيع الأصلي للدّخل بين الإستهلاك والإدّخار. ولّعّل ذلك يأتي من خلال إستعمال خدمات السّياسة الجبائية المراقبة لتطوّر الطّلب.
و أخيرا فإن حجم الإستثمار الكلّي المحدّد بمختلف هذه العوامل هو الذي يستوجب التوزيع بين الإستثمارات العمومية و الإستثمارات الخاصة،  لكن كيف يتم هذا التوزيع؟
2- توزيع الإستثمار الكلّي بين إستثمار عمومي و إستثمار خاص:
حسب المبادئ التقليدية للإقتصاد السّياسي يجب توفير كل التسهيلات للإستثمار الخاص بإعتباره أكثر إنتاجية، بحيث أن موقع الخواص يسمح لهم بمعرفة الإستعمال الأمثل لرؤوس الأموال، أمّا المبادئ الحديثة المطبّقة فإنها تستند لتصوّر جديد يأخذ بعين الإعتبار ظهور هياكل جديدة، و بذلك فإن خاصية الضرورة أخذت مكان خاصية الإنتاجية.
و عليه فإن توسّع الإقتصاد العمومي إلى أنشطة أساسية تحتّ سلطة الدّولة أدّى إلى ظهور القطاعات القاعديةSecteurs de base  حيث إنتاجها يتحكّم في مجموع الإقتصاد الوطني، كقطاع الطاقة، النقل، بعض المواد الأولية و تكوين الموارد البشرية ....الخ، و بمقتضى متطلبات التوسّع فإنّ الإستثمار العمومي يصبح من أولويات السّلطات العمومية.
و تترجم هذه الأولوية في الواقع من خلال إختيار تقنيات التمويل حيث نجد نفقات الإستثمار العمومي ضمن نفقات الموازنة الممّولة بالإقتطاع الجبائي، و في هذا السّياق نشير إلى إمكانية اللّجوء إلى سياسة القرض العمومي(*)لأن تنويع مصادر التمويل يسمح بتفادي نقاط الضّغط بحيث أن الإعتماد على الإقتطاع الجبائي فقط، يؤدي إلى ثقل العبء الجبائي في المدى الطويل و بذلك إنتشار مظاهر التهرّب و الغّش الجبائيين، و إضافة إلى هذا فإنه يؤدي إلى نقص العرض في السّوق المالية، ممّا يؤدي بدوره إلى إرتفاع أسعار الفائدة ثم إرتفاع أسعار الإنتاج في النهاية.) (
كذلك، فإن من شأن أولوية تمويل الإستثمار العمومي أن تؤدي إلى منح القروض المصرفية للمؤسسات الخاصة، بحيث أن السّلطات العمومية تلزم البنوك بتخصّيص جزء من إحتياطاتها لأغراض التعاقد العمومي، فهذه الوسيلة لا يمكن لها الاستمرار إلا بفضل توفر الدّولة على سهولة التسديد لصالح البنوك التي لها أزمة سيولة عن طريق عملية إعادة الخصم لدى بنك الإصدار( )، غير أن هذا الأمر يعتبر خطيرا نظرا لأنه قد يؤدي إلى مظاهر تضخّمية و إلى إختلال نظام القرض بسبب الخلط بين مدّة  الودائع لدى البنوك التجارية و مدة القروض الممنوحة للقطاع العمومي، بالإضافة إلى أنه يؤدي تناقص حجم الدّعم الذي يجب أن يقدمه النّظام المصرفي بصفة رئيسية إلى القطاع الخاص،  لذا فإننا نلح على ضرورة تخصيص مصادر تمويل خاصة بالقطاع العام و أخرى خاصة بالقطاع الخاص و هذا لضمان إتجاه سياسة التوسّع في المسار الصحيح خاصة و أن العامل المالي يعتبر محدّدا لها.

المبحث الثاني : السّياسة الجبائية و تنمية الإقتصاديات المتخلّفة
 بالنظّر إلى السّياسة الجبائية موضوع دراستنا هذه،  فإن المشكل الأساسي للتخّلف يتمثّل في تمويل تكوين رأس المال و يمكن لهذا التمويل أن يتمّ من خلال صيغتين وهما:
بتعبئة الإدّخار المحّلي الذي يفترض تأهيل النّظام المالي ككّل.
باللّجوء إلى المساعدة الأجنبية التي يمكن أن تتخذ عدّة أشكال.
كذلك فإن التّنمية تحتوي على مجموعة من اللاّتوازنات، ممّا يتطلّب معرفة طبيعة مساهمة السّياسة الجبائية ضمن جهود السّياسة العامة الرّامية إلى تحقيق إنسجام التّنمية. و باعتبار السّياسة الجبائية قادرة على حّل هذه المشاكل ضمن سياق عام و على المدى الطويل، فإنه لا يعتّد بخصائصها الرئيسية فقط بحيث أن تغيّرات الظّرف التنموي و كذا المميزات الخاصة بكل بلد تتحكم دائما في تكييف أدواتها وفق ظروف الزّمان و المكان.
و من هذا المنطلّق سوف نحاول عرض الخطوط العامة لسياسة إنسجام التّنمية و ذلك من خلال خاصيتها الجبائية، علما أن هذه الأخيرة تمكّن من تحويل و توجيه الموارد و بتشجيع إستعمالها، بما يتماشى و أهداف التّنمية الإقتصادية المستديمة.
المطلب الأول : إشكالية تكوين رأس المال في الإقتصاديات المتخلّفة:
بهدف إحتواء الخصائص الأساسية التي تطبع الإقتصاد المتخلّف، ممّا يسمح بتحديد إشكالية تكوين رأس المال ضمنه سوف نستحضر في هذا الصدّد المخطط الذي قام بإعداده "راقنر نوركس RAGNAR NURKSE" في كتابه الذي يحمل عنوان "مشاكل تكوين رأس المال في البلدان المتخلفة Problems of Capital formation in Underdeveloped Countries. ( )حيث يعرف الاقتصاد المتخلف ركودا و السبب المباشر لهذا الوضع يرجع إلى نقص التجهيز برأس المال مقارنة بحجم السّكان و حجم الموارد المتاحة، و بذلك فإن  لهيكل الإنتاج الموجود مردودية ضعيفة و هو ما يعتبر نتيجة حتمية. فالمشكل المطروح إذن يتمثل في كيفية زيادة التجهيز برأس المال، لكن هذا الهدف يعتبر شاق المنال نظرا للصّعوبات التي قد تظهر من جانب الطلب على رأس المال، كما تظهر من جانب العرض له و التي قد تؤدي إلى انكماشهما معا.
1- نقص الطّلب على رأس المال :
بالرّغم من ضرورة إنشاء حجم معتبر من رأس المال، فقد يظهر طلب ضعيف عليه، و سبب هذا الضّعف يرجع إلى حالة السّوق التي تحدّد سلوك المقاولين أو المنظّمين.
فالقدرة الشرائية المتواجدة في السّوق ضعيفة و غير كافية و هنا لا يتعلق الأمر بقدرة شرائية نقدية من السّهل زيادتها، و لكن الأمر يتعلق بالقدرة الشرائية الحقيقية الضعيفة نتيجة المستوى المنخفض للمردودية ،الذي يرّد إلى إنحصار عملية الإنتاج في هيكل قديم أو قاصر و بتكاليف مرتفعة) (، بحيث و بالنسبة لمستوى معين من الأجر فإن إرتفاع تكلفة الإنتاج الحقيقية تؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية الحقيقية التي تؤدي بدورها إلى ضعف الطلب الاستهلاكي) (.
و بالتأثير فإن الطلّب الفعلي (توقعات المقاولين للطلب الكّلي) يكون منخفضا، فالمقاول أو المنّظم غير محفز على الإستثمار، ممّا يؤدي إلى بقاء الطلّب على رأس المال ضمن مستويات منخفضة.
كما أن نقص الإستثمار، لا يسمح بنمو الدّخل و يحافظ على إنخفاض المردودية ممّا يؤدي إلى إنكماش السّوق و بذلك نكون منحصرين ضمن سلسلة من التأثيرات تتفاعل بالتوالي كابحة بذلك زيادة الطلّب على رأس المال رغم أهميته.
2- نقص عرض رأس المال :
و يطابق الوضع السابق نقص في عرض رأس المال و هو السبّب الثاني لركود الإقتصاديات المتخلّفة. فحسب المفهوم الكينزي للرّكود فإن فائض الإدّخار مقارنة بإحتياجات الإستثمار يؤدي إلى إنكماش النّشاط. لكن الآلية تختلف في هذه الفرضية، حيث يؤخذ قانون المنافذ بعين الإعتبار و الذي بمقتضاه كل زيادة في الإنتاج يتم إمتصاصها من قبل المستوى الضعيف للاستهلاك،  فالعرض ينشئ طلبا خاصا به هذا من ناحية، كما نعلم أن إنخفاض الدّخل يؤدي إلى إرتفاع الميل نحو الإستهلاك، مما يؤدي على إستهلاك الدّخل الإضافي تاركا هامشا ضيقا للإدّخار وراءه من ناحية أخرى، و بذلك لاينتج إدخار مفرط، و لكن ينتج نقص الإدّخار، كما يمكن أن يتواجد هذا الأخير لدى الطبقات الراقية من حيث الدّخل نظرا لإتساع فوارق و فرص التوزيع في المجتمع.  لكن المضاربة، صيانة رأس المال الموجود و كذا الإستهلاكات الكمالية تمتص الجزء الأكبر من مدّخراتها، لذا فإنّ التوازن بين الإدّخار و الإستثمار يتحقّق عند مستويات متدنّية، و العرض المتواضع لرأس المال يبقي الإقتصاد في حالة الرّكود.
و تضاف هذه الوضعية لضّعف الإستثمار إلى ضعف الأثر المضاعف و هذا حتى و إن كان المعامل المضاعف مرتفعا (وهو أمر طبيعي نتيجة إرتفاع ميل الإستهلاك) حيث بتطبيقه على مستوى متواضع من الإستثمار الإضافي يؤدي إلي إرتفاع الدّخل بكميّة ضئيلة نظرا لأن كمية  تضاعف الدّخل تتحدّد بالمعامل و بحجم الإستثمار الإضافي المعتمّد و قد نلاحظ نموا متوقفا(*)
وإذا أدّت زيادة عدد السّكان إلى زيادة اليدّ العاملة و بذلك زيادة الإنتاج و هو ما يعتبر نموا خاماCroissance brute   أي تزايد حجم السّكان و حجم الدّخل معا، لكن ليس هناك نموا صافيا Croissance nette  يحدث إزدهار التنمية. و تجدر الملاحظة أن المشكل لا يكمن في تزايد عدد السّكان، و إنّما يكمن في عدم القدرة على توجيه رأس المال البشري هذا نحو توسيع و تجديد هيكل الإنتاج الوطني، ممّا يسمح بسهولة تكوين رأس المال المادي.
و خلاصة ما سبق ذكره هو أن سبب ركود الإقتصاديات المتخلّفة يوجد في العلاقة الدائرية التي تجمع كلاّ من الطّلب و العرض الكلييّن، مظهرة بذلك العجز في تكوين رأس المال بحيث يمكن إعداد وصف لمجموع التأثيرات كما يلي:
فمن جانب الطّلب الكلّي فإن نقص الدّخل الحقيقي الذي يبقي على تدني السّوق يؤدي إلى ضعف الطّلب الفّعلي، ممّا يؤدي بدوره إلي إنكماش الإستثمار و بقائه ضمن مستوى متدني، و هو الأثر الذي يحدث ضعف الإنتاجية و بذلك وجود الدّخل ضمن وضع منخفض.

أمٌا من جانب العرض الكلّي فإن إمتصاص الإستهلاك لكلّ الدّخل الضعيف تقريبا يؤدي إلي محدودية الإدّخار الذي قد لا يطلب من طرف الإستثمار الضعيف أيضا، و بذلك لن يكون هناك تكوين لرأس المال و تبقي الإنتاجية في أدنى مستوياتها، ممّا يثبّت الدّخل الحقيقي في مستوى منخفض.
لذا فإنه يعتبر من الضروري كسر هذه العلاقة الدائرية للخروج من حالة توازن الرّكود بحيث يمكن تنمية الإستثمار بهدف رفع مستوى الإنتاجية، ممّا يسمح بالحصول على أسعار حقيقية منخفضة محدثة بذلك إرتفاع الدّخل الحقيقي و إتّساع السوق.
لكن كيف يمكن الحصول على هذا الإستثمار المعتبر و الإدّخار غير كاف لذلك؟  فهناك مشكلتان تطرحان في هذا السّياق و هما: تعبئة الإدّخار الوطني و قضية التمويل الأجنبي للإستثمار، و عليه فإن تمويل تنمية الإستثمار الوطني بتعبئة الإدّخار الداخلي يصبح من بين أولويات السّلطات العمومية للإقتصاديات المتخلّفة، خاصة و أن اليد العاملة تتجاوز بكثير هيكل الإنتاج الموجود و يظهر هذا من خلال البطالة المقنعة ذات الأشكال المختلفة و المتعدّدة كإنتشار الأنشطة الطفيلية التي تقوّي الإقتصاد الموازي. وهنا تظهر أهمية مساهمة السّياسة الجبائية من خلال:
- تعبئة الإدّخار النّقدي الدّاخلي لتمويل الإستثمار الوطني.
- جذب الإستثمار الأجنبي.
- تحقيق التوازن المالي للتنّمية الإقتصادية.

المطلب الثاني : السّياسة الجبائية و تعبئة الإدّخار النّقدي الدّاخلي:
إن وجود إدّخار حقيقي يفترض عملية تعبئته أي تحويله إلى إدّخار نقدي، و هو الأمر الذي يقتضي تسهيل التحصيل المباشر للمبالغ النقدية التي لا تخصّص للإنفاق في الحاضر من قبل الأفراد، و لهذا الغرض تحتوي السّياسة الجبائية على عدة طرق لتنّمية الإدّخار الوطني في إطار خاصيته الحقيقية و خاصيته النقّدية، بحيث أنه في حالة الحصول على مبالغ نقدية قابلة للإستعمال مباشرة فهذا معناه التّرجمة النقّدية لظاهرة حقيقية مصدرها ضغط أو تأطير الاستهلاك.( )
1- تشجيع الإدّخار الإختياري:
و ذلك من خلال تهذيب سلوك المدخّر حتى لا يتجّه نحو الإسراف أو إستيراد نماذج إستهلاك أجنبية تؤدي إلى تضخيم الإنفاق، و هو ما يقف حاجزا أمام تنمية روح الإدّخار لدى الأفراد و لعلّ ذلك يأتي من خلال تحديد و إعلان السّلطات العمومية عن أوجه إنفاق و إستعمال المدخرات( )، كما يجب دعم هذا العامل السيكولوجي من خلال إنشاء نظام قادر على تعبئة الإدّخار و إستقطابه بتطوير و تحديث هيئات الإدّخار من بنوك و مؤسسات التأمين بكل أنواعها و هذا فضلا على منح التنازلات الجبائية لصالح كل العمليات المتعلقة بالإدّخار، وهنا نقصد بالتنازلات  التخفيضات و ليس الإعفاءات النهائية، و بذلك يكون الهدف إقناع الأفراد بأفضلية الإدّخار الإستثماري مقارنة بالمضاربة الأكثر إنتشارا و التي ننتج أرباحا تغذي الإنفاق الإستهلاكي.
2-  تعبئة الإدٌخار الإجباري :
يسمح الإدّخار الإجباري من أصل جبائي بمنح الدّولة مباشرة وسائل تمويل تستعمل وفق أوجه محدّدة في مخطط التنمية بالإضافة إلى المساهمة في مكافحة المظاهر التضخّمية و بذلك نميّز بين فئتين من العناصر الجبائية يقع الإقتطاع الجبائي عليها بهدف تكوين الإدّخار وهما الأفراد و المؤسسات.
و بالنظر إلى الأفراد فإن الإقتطاع يكون على الاستهلاك أو على الدّخل بتطبيق التصاعدية و عليه فإن الإقتطاع الجبائي على الإستهلاك يؤدي إلى تقييد الإنفاق الجاري و توجيه مبالغ نقدّية نحو الخزينة العمومية كان من الممكن إستعمالها في شراء السّلع الإستهلاكية، و بتقييد الطلب على هذه السّلع فإن الإقتطاع على الإستهلاك يسمح بتخفيض العرض المطابق، ممّا ينتج موارد يمكن تخصيصها نحو تكوين رأس المال.
كذلك فإن الإقتطاع الجبائي على الإستهلاك يؤدي إلى تقلص الإستهلاك أو الطلب لمجموع الطبقات الإجتماعية، لكن طبقة المداخيل الضعيفة هي التي تتحمّل أكبر ضغط خاصة  إذا كانت فوارق توزيع الدّخل عميقة، فإن من شأن هذا المظهر أن يؤدي إلى ثقل الوسيلة المستعملة لتعبئة الإدّخار، لذا يجب تحدّيد حدّ أدنى للإستهلاك غير قابل للضّغط.
فإذا كان الدّخل المتوسط الفردي منخفضا، يكون من الصّعب التمادي في الإقتطاع  و إلا أدّى ذلك إلى المساس بالظّروف المعيشية للسّكان، في حين يعتبر الإقتطاع الجبائي على الإستهلاك الكمالي وسيلة ضرورية، نظرا لأن الجباية على الإستهلاك الجاري لا تصل إلى إمكانيات الشراء أو الحيازة للأفراد ذوي الدّخل المرتفع و بذلك فإن تقييد وحصر موجوداتهم يكون بالإخضاع المكثّف لإنفاقهم الكمالي.
غير أن تفشي فوارق التوّزيع الأولي للمداخيل في الإقتصاديات المتخلفة يؤدي إلى إقتطاع حصّة معتبرة للإدّخار النّقدي من المداخيل المرتفعة، و لعلّ أهمّ وسيلة يوصى بها في هذا المجال هي الإقتطاع الجبائي المباشر التصاعدي على المداخيل، لكن ليس لهذه الطريقة أيّة فعّالية في الواقع بسبب عدم نجاعة الأنظمة الجبائية التي تؤدي إلى إنتشار مظاهر التهرّب و الغّش الجبائيين، و عليه فإن فعّالية الجباية على الأفراد تتوقّف على مردودية الإقتطاع على الإستهلاك و هو ما يفترض وجود هامش معتبر بين الدّخل الفردي المتوسط و مستوى الإستهلاك غير قابل للضّغط (حدّ الكفاف)، بحيث أن هذا الأخير يتحدّد وفق القيّم الإجتماعية السائدة هذا من جهة، كما تتوقف فعالية الجباية على الأفراد أيضا على توفير الإمكانيات اللاّزمة لتطبيق الإخضاع الجبائي المباشر التصاعدي من جهة أخرى.
أمّا بالنسبة للمؤسسات فإن المشاكل تطرح بشكل آخر بحيث يتعلق الأمر بتحديد المؤسسات التي تخضع للإقتطاع الجبائي، فقد نفكرّ بدرجة أولى في المؤسسات الأجنبية التي تتواجد بكثرة في قطاع التصدير بحيث تحقق أرباحا لا يمكن للسّوق الداخلية منحها نظرا لضيقها و بذلك فإن هناك إغراءا قويّا لإخضاعها وعلى الأقل الحفاظ على جزء من الأرباح المحقّقة داخل البلاد و تفادي الترحيل القوي للأرباح الذي يؤدي إلى إختلال ميزان المدفوعات.
غير أن المؤسسات الأجنبية تحتوي على وسائل ضّغط قويّة وفعالة على الحكومات المحلّية، فهي تبحث و تنجح في الغالب في الإفلات من الإقتطاع الجبائي، و لعّل الوسيلة الأكثر سهولة تتمثل في إخضاع المؤسسات الأجنبية للنّظام العام Régime commun مع إستحداث سلسلة من الإجراءات التحفيزية كإعفاء الأرباح المحقّقة التي يعاد إستثمارها و خصمها من قاعدة الإخضاع الجبائي للنتائج، و هو الأمر الذي يساعد في تسارع  وتيرة تكوين رأس المال، و ما يعاب على هذا الإجراء هو أن رأس المال المكوّن يبقى عادة ملكية أجنبية، كما أنه يمكن للإستثمار أن ينمو في القطاعات الأكثر مردودية على حساب السوّق الداخلية.
كذلك فإن إخضاع المؤسسات الوطنية يجب أن يتّم في ظروف جدّ متميزة، حيث بالنسبة للقديمة منها يجب الأخذ بعين الإعتبار تناقص الإنتاجية التي تسمح بتحقيق الأرباح المكوّنة للمادة الخاضعة،  خاصة إذا تمّ الحفاظ على نفس هيكل الإنتاج، أمّا بالنسبة للمؤسسات ذات النشأة الحديثة يجب مراعاة الزّمن اللآّزم لتكوين المادة الخاضعة مع إقرار مجموعة من الإجراءات و التدابير الجبائية لتوجيه إستغلالها خاصة فيما يتعلق بقدرة التمويل الذاتي و إعادة الإستثمار أو توسيع النّشاط.
كما نذكر إمكانية استعمال نظام سعر الصّرف المتعدّد الذي يسمح بمراقبة و امتصاص عوائد المصدّرين و المستوردين كلّما إستدعى الأمر ذلك، و توجيه الناتج بعد ذلك نحو تمويل تكوين رأس المال. و هنا نلح على ضرورة مراعاة الحذر عند إستعمال هذا النّظام لأنه يؤدي إلى إضطراب المبادلات الدّولية،  و تجدر الملاحظة أنه في حالة قصور الإدّخار الإجباري ذو الأصل الجبائي على تعبئة الموارد المالية الضرورية خاصة و أنه شائع الإستعمال في البلدان المتخلّفة، يمكن اللّجوء إلى تقنيات أكثر فعالية كتقنية تعبئة الإدّخار الإجباري عن طريق التضّخم لكن فعالية هذه التقنية تخفي أخطارا حقيقية، لذا يجب أن يكون هذا التضّخم مراقبا و مؤطرا، و هو مالا يتّأتي إلا بإستعمال التقنية الجبائية و عليه فإن قصور هذه الأخيرة يرجع لعدم الإستعمال الصحيح لها علما أن الدّول المتخلفة دول ريعية بطبيعتها، ممّا لا يسمح لها بإنتهاج  سياسة سليمة و واضحة لتعبئة الموارد المالية و كل المحاولات لتحقيق هذا ما هي إلا حملات ظرفية تزول بمجرد انتعاش الريّع الذي تعيش عليه.
المطلب الثالث : جذب الإستثمار الأجنبي لتكوين رأس المال:
نظرا لعدم القدرة على تمويل تكوين رأس المال عن طريق الإدّخار الوطني، فإن الإقتصاديات المتخلّفة تضطر اللّجوء إلى المساعدة الأجنبية سواء كانت تمويلا أو استثمارا مباشرا، كما أن الإستثمار الأجنبي يكون عموميا أي تقوم به هيئات عمومية أجنبية أو يكون إستثمارا خاصا تقوم به هيئات أجنبية تابعة للقانون الخاص، كالأفراد و المؤسسات الأجنبية، و فيما يتعلق بجذب هذا الإستثمار بهدف تكوين رأس المال فإن هناك مجموعة من العناصر يأخذها المستثمر الأجنبي بعين الإعتبار مشكّلة بذلك مناخ الإستثمارLe climat d'investissement كإستقرار الوضع السّياسي و المؤسساتي،  وجود نظام مصرفي فعّال، سهولة الإجراءات الإدارية و العقارية بالإضافة إلى العامل الجبائي ذو الأهمية البالغة نسبيا بسبب قدرته على المساس بعوائد الإستثمار الأجنبي.
و في هذا السّياق فإن هناك مشكلتين مختلفتين يجب إيجاد حلّ لهما و بذلك يمكن استخلاص النّظام الجبائي الواجب التطبيق على الإستثمارات الأجنبية و هما:
إلى أي حد يمكن منح التنازلات أو الإمتيازات الجبائية بهدف جذب رؤوس الأموال الأجنبية؟
وما هي طريقة الإخضاع الجبائي الواجبة التطبيق في حالة عدم إستفادة الإستثمار الأجنبي من الإمتيازات الجبائية ؟
1-حدود منح الإمتيازات الجبائية للإستثمار الأجنبي :
و هو ما يمكن تسميته إصطلاحا بالإغراق الجبائيDumping Fiscal  ، حيث يعتبر الإستثمار الأجنبي عاملا ضروريا لتوسيع القاعدة الإنتاجية في البلدان المتخلّفة من خلال إمكانية إستيراد التجهيزات و المعدات( ) ، بالإضافة إلي المعرفة التقنية اللاّزمة لتطوير الصّناعات المحلّية و تحسين أدائها، و بالنسبة للعديد من البلدان فإن الصناعات الإستخراجية وصادراتها تمثل أحسن وسيلة لتحقيق الفائض الإقتصادي الضرورى لعملية التنمية، و لعلّ السّلطات العمومية لهذه البلدان المتخلّفة تعترف بوجوب تشجيع النّشاط الإستخراجي من جانب الإنتاج و التحويل أيضا، كما تسلّم هذه السّلطات بأن الموارد المالية و التجربة المهنية تأتي حتما من الشركات الأجنبية، غير أنه بالنسبة لعدّد معتبر من الموارد الباطنية فإن حجم الإستثمارات الأجنبية يتوقّف على إعتبارات تخصّ إحتياجات السّوق العالمية، و عليه فإن المنافسة الجبائية بين البلدان بمنح الإمتيازات لا جدوى منها و ليس من شأنها رفع حجم الإستثمارات الأجنبية  بالضرورة.
فإذا أقدّم بلد ما على منح إمتيازات جبائية خاصة قصد الحصول على أكبر كّمية ممكنة من رؤوس الأموال الأجنبية، قد تكون النتائج مرضية و بمجرد إقدام بلدان أخرى على محاكاة هذه الإمتيازات الخاصة لنفس الغرض، فإن من شأن هذا الوضع أن يؤدي إلى إبطال متبادل لفعاليتها، و بذلك عدم إستفادة البلدان المعنية، و هنا نشير إلى أن نفس الظاهرة تنطبق على قطاعات أخرى غير قطاع الصناعات الإستخراجية. لكن هذا الطرح لا ينطبق بالنسبة للإمتيازات الممنوحة للمؤسسات الأجنبية في إطار تنمية الصناعات المحلّية التي تغذي السّوق الداخلية، بحيث أن التنازلات الجبائية تسمح في هذه الحالة بزيادة تدفّق الإستثمارات الأجنبية خاصة إذا كانت السّوق المحلّية واعدة بتحقيق عوائد معتبرة، و بذلك يمكن توسيع هيكل الإنتاج الوطني.
2- إختيار طريقة الإخضاع الجبائي للإستثمار الأجنبي :
إنٌ إختيار أحسن طريقة للإخضاع الجبائي للإستثمار الأجنبي يعتبر مسألة معقّدة و صعبة، فالإقتطاع الجبائي بمناسبة عملية التصدير هو شكل فعّال للإقتطاع،  لكنه قد يؤدي إلى إعاقة التّنمية إذا تجاوز حدودا معينة. كذلك فإن هناك وسيلة أقل تثبيطا بالنسبة للمستثمر الأجنبي و تتمثل في الإقتطاع الجبائي على الأرباح، نظرا لأن الإخضاع لهذا الأخير يتوقف على مدى نجاح عمليات الإستثمار، لكن الصّعوبة بالنسبة لبلد التحصيل تتمثل في كيفية تحديد الأرباح الحقيقية للشركة الأجنبية.
فالمعروف أنّ الشّركة الأجنبية التي تعتمد في نشاطها على سلسلة من الفروع تتواجد في بلدان مختلفة، تستطيع تحويل أرباحها بكل سهولة من مكان لآخر بمجرد تغيير الأسعار المتعامل بها بين الفروع، و هو ما يعتبر شكلا من أشكال التهربّ الجبائي. غير أنّ عملية تحويل الأرباح لا تحبذ إذا كانت الأرباح المحقّقة خاضعة للإقتطاع الجبائي و كانت نسب الإقتطاع هي نفسها تقريبا في مختلف البلدان المعنية، في حين إنتعشت العملية مع ظهور الجّنات الجبائية  Les paradis fiscaux حيث يمكن للشّركات الأجنبية الإفلات من الإقتطاعات الجبائية بالبلدان التي تمارس فيها نشاطها و حتى في البلد أين يوجد مقرّها.
و لعّل أحسن طريقة لمعالجة هذا المشكل المرتبط بالإقتطاع الجبائي من أرباح المؤسسات الأجنبية و كذا المشكل المرتبط بالإمتيازات الجبائية هو التعاون الجبائي الدّولي فيما بين البلدان المتخلفة إقتصاديا من جهة و بينها و بين الدّول المتطوّرة من جهة أخرى و هو ما يتجسد عن طريق الإتفاقيات الجبائية الثنائية أو الإتفاقيات الجبائية المتعدّدة الأطراف، بحيث يتم توحيد الإمتيازات الجبائية الممنوحة للإستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى تحديد الإطار القانوني لإخضاع الأرباح في نفس الوقت، و ذلك بإلزام المؤسسات الأجنبية التي تنشط على إقليمها في المساهمة بصفة ملائمة و منظّمة في مداخيل الدّولة المعنية.
المطلب الرابع : السيٌاسة الجبائية و تحقيق التوازن المالي للتّنمية الإقتصادية
تعتبر إشكالية تمويل الإستثمار عنصرا أساسيا، لكنّها لا تعكس كل القضايا المالية التي تطرحها تنمية الإقتصاد المتخلّف، ولا سيّما فيما يتعلق بتحقيق التوازن المالي للتنّمية الإقتصادية الذي يسمح بالحصول على تنمية متوازنة، و لعلّ أحد أهداف السّياسة الجبائية هو تحقيق التوازن المالي الذي من دعائمه وجود هيكل جبائي ملائم لتحفيز النمو الإقتصادي و هو الأمر الذي يحدّد طبيعة الهيكل المالي و كذا اللاّتوازنات المالية التي قد تظهر أحيانا أثناء المسار التّنموي.
1.الهيكل المالي :
يرتبط الهيكل المالي لبلد متخلف إرتباطا وثيقا بحالة الرّكود السائدة التي تفرضها ظاهرة التخلّف، كما يرتبط أيضا بالتحولات و التغيّرات السّريعة و غير المنتظمة التي تظهر بمجرد بداية عملية التّنمية.
أ - الموارد العمومية :
إنّ ندرة الإدّخار تجبر السّلطات العمومية على الإعتماد بصفة منتظمة على ناتج الإقتطاع الجبائي، بحيث أن القرض العمومي وسيلة مكلّفة و لا يوصى بها نظرا لإرتفاع سعر الفائدة عادة نتيجة نقص الإدّخار، و بذلك فإن القروض العمومية تصبح مكلّفة جدّا و تؤدي إلى تحميل الموازنة العامة عبئا ثقيلا جدا و هو ما يعتبر أحد أسباب  التضّخم، كما أن التمويل الأجنبي لا يكون مرغوبا فيه أحيانا نظرا لظروف تخصيصه المحدودة و بذلك يظهر تمويل النفقات الجارية وكذا نفقات التجهيز العمومي عن طريق الإقتطاع الجبائي كوسيلة وحيدة أو على الأقل الوسيلة الرئيسية، غير أن هناك صعوبة في بناء الأنظمة الجبائية في البلدان المتخلفة بسبب هشاشة الهياكل السّياسية بالدّرجة الأولى بالإضافة إلى العوائق المرتبطة بالتقنية الجبائية كتحديد الوعاء، المراقبة و التحصيل التي يصعب تجاوزها بوجود هياكل إدارية تعمل بشكل معتّل.
فالإقتطاع الجبائي المباشر صعب التطبيق و مراقبته أصعب، لذا قد نلاحظ أحيانا اللّجوء إلى نوع من الإقتطاعات الرأسية المقنعة متبوعة بالتصّاعدية) (، و هو ما يعتبر حلا سهلا ويمكن إرجاع هذا المظهر إلى حالة الفوضى التي تسود الهياكل الإقتصادية و الإجتماعية التي حالت دون إعداد السّياسة الجبائية الواضحة المعالم و الأبعاد.
كذلك فإنه عادة ما يتّم إستعمال الإقتطاعات الجبائية على الإستهلاك وعلى المبادلات الخارجية، نظرا لإنتاجيتها، و بإعتبار المبادلات الخارجية مصدر عوائد هامة لأصحابها فإنّنا نخضع هنا مالا يمكن الوصول إليه عن طريق التّنظيم السيئ للإقتطاعات الجبائية المباشرة و هو الأمر الذي يؤثر على ظروف تكوين الأسعار.
و في هذا السّياق نلح على ضرورة تهيئة الهيكل الجبائي لتحقيق إنسجام الموارد المالية الجبائية، ممّا يساعد إلى حدّ معيّن في بناء النّظام الجبائي و بذلك المساعدة على تحقيق أهداف التّنمية الإقتصادية المتوازنة.
ب -  النّفقات العمومية :
النّفقات العمومية لبلاد متخلفة إقتصاديا هي ذات حجم هام و تفوق في أغلب الأحيان ناتج الإقتطاعات الجبائية، و بذلك اللّجوء إلى الإصدار النقدي لتغطية عجز الخزينة العمومية و زيادة التضخّم أيضا. لكن لماذا هذا الحجم من النّفقات المرتفعة و غير المنتجة في نفس الوقت ؟ و الأمر يتعلّق بالدّرجة الأولى بالنّفقات الإجتماعية و الثّقافية و التي تغطي تكلفة  الوجود البشري كالصّحة، التّربية، و التّكوين....إلخ، بالإضافة إلى التّجهيز العمومي كبناء المرافق الإدارية، المستشفيات، الطرق...إلخ، و تأتي في الدرجة الثانية النّفقات الكمالية و النّفقات العسكرية التي تثقل كاهل الموازنة العمومية فهذه النّفقات تتواجد بطبيعة الحال في البلدان المتطورة إقتصاديا لكنّها تعتبر نفقات جارية لتغطية صيانة و تجديد الهياكل الموجودة، أمّا في البلدان المتخلّفة فالأمر يتعلق بإنشاء هياكل جديدة و عليه فإن نفقات التجهيز الأول هي الأضخم، بالإضافة إلى هذا لا يكفي إنشاء الإستثمار و تمويله حتى تتخلص الموازنة من كل عبء و بالعكس حين يتم تحقّيق الإنجاز سوف نتحول إلى مرحلة التّسيير، ممّا يؤدي إلى ظهور أعباء جديدة تسجّل ضمن نفقات الموازنة.
كما أن الإستثمار العمومي يؤدي إلى زيادة مستمرة في نفقات التسيير التي تصل بسرعة إلى مبالغ هائلة، و الإنسجام من هذا المنظور يفترض أن لا نهتم فقط بإمكانيات تمويل الإستثمارات العمومية، ولكن يجب أن نهتم أيضا بإمكانيات تغطية النّفقات اللآّزمة لتسيير الإنجازات الجديدة ضمن الموازانات المستقبلية. لذا يجب تحقيق الإنسجام بين موازنة التجهيز و موازنة التسيير ليس بالنسبة للموارد الحالية فحسب بل بالنسبة لإمكانيات الإنفاق على المدى الطويل أيضا.
و عليه فإن وضع الإقتصاديات المتخلفة يتميّز بوجود مشكل في تعبئة الوسيلة الجبائية، كما أنّ هناك مشكل إنسجام بين زيادة النّفقات العمومية في المدى الطويل و الإمكانيات التي توفّرها التّنمية في المستقبل أيضا، و بذلك فإن قرارات الإنفاق التي تتّخذها السّلطات العمومية بناءا على إختياراتها تحدّد بشكل واضح طبيعة الهيكل المالي في المستقبل .
2 - التخفيض من لا توازنات التّنمية :
عندما تبدأ عملية التّنمية هناك بعض اللاّتوازنات لا تتأخر في الظهور و لعلّ التقليص منها يطرح مشاكل و أهم هذه اللاّتوازنات هي:
الإنتاج الجاري و الإستثمار.
النّقود و الأسعار.
المبادلات الخارجية.

أ- الإختلال في العملية الإنتاجية :
هناك سلسلة من اللآّتوازنات تظهر نتيجة وجود مضائق الإختناق الناتجة عن نقص بعض عوامل الإنتاج كاليد العاملة المؤهلة، المواد الأولية ...الخ ، و تزداد حدّة ظهور هذه النقائص بتزايد حجم الإنتاج، و توجّه البلدان المتخلّفة يتمثل في اللّجوء إلى الخارج لتوسيع مضائق الإختناق كإستيراد المواد الأولية و الطاقوية و هو ما يؤدي إلى إختلال ميزان المدفوعات يؤثر سلبا على النقود. كذلك يؤدي نقص الإدّخار إلى اللّجوء إلى رؤوس الأموال الأجنبية حيث تؤدي فيما بعد إلى تسديدات و دفع خدمات الدّيون و كذا ترحيل الأرباح، ممّا يؤدي بدوره إلى ظهور أسباب أخرى لاختلال ميزان المدفوعات و بهذا نلاحظ انعكاس إختلال الإنتاج على ميزان المدفوعات.
ب -  إختلال في نظام النّقود و الأسعار:
حيث يصبح إرتفاع الأسعار ظاهرة دائمة إلى درجة أنه يمكن القول أن التضخّم هو الحمّى التي ترافق نمو الإقتصاد المتخلّف، و في هذا السّياق سوف نضيف بعض أسباب التضخّم التي تسير ضمن إتجاه تراكمي.
و بذلك يضاف إلى إختلال الإنتاج أثر النّفقات العمومية غير المنتجة في الحال، ثم تضيف المضاربة على العقارات بصفة خاصة أثرا آخر، و تتفاقم هذه الأخيرة نتيجة التوسّع العمراني الناتج عن نمو النشاطات الصناعية و الخدمية.
و ممّا لا يدع مجالا للشكّ هو أن إعادة تقييم العقارات تنتج عن ظاهرة حقيقية تظهر الرّيوع، لكنّها في الواقع هي مظاهر مضاربة بحتة تلعب دورا هاما، بحيث أن الفائض النقدي يجد له إستعمالا سهلا، كما أن إعادة التقييم هاته ما هي إلا تجسيد لإنهيار القيمة الحقيقية للنقود.
ج - إختلال المبادلات الخارجية :
و أخيرا، تجدر الإشارة إلى ظاهرة أخرى لا تقّل أهمية و هي زيادة قيمة الصادرات حيث ظهورها يؤدي إلى حصول المصّدرين على عوائد مرتفعة. كما أن لهذه العوائد أثرا تضخميّا مؤكدا، بحيث أنها تعتبر عادة متغيّرة و ذلك بسبب التقلّبات الطارئة في أسعار منتجات القطاع الأولي ( منتوجات زراعية،  صناعات إستخراجية... الخ) على مستوى السّوق العالمية، فعندما تكون هذه العوائد مرتفعة فإن جزءا هاما منها يعتبر أرباحا ظرفية تذهب نحو تغذية الإستهلاك، و هكذا فإن توجه مداخيل التصدير نحو الإرتفاع يؤدي إلى زيادة الإنفاق التضخّمي.
و تزداد حدّة هذه الإضطرابات بالنّظر إلى عدم إستقرار أسعار التصدير التي تنفصل عن حجم إنتاج المنتجات موضوع التصدير و هذا يرجع إلى فقدان التنوّع في الصادرات (تصدير المنتوجات الزراعية والإستخراجية فقط) حيث يتم بذلك عرقلة الواردات الضرورية لعملية التّنمية.
          و مما سبق نستخلص أن الإختلالين الأساسيين يتموقعان على مستوى النقود و الأسعار و على مستوى المبادلات الخارجية و بذلك فإن سياسة تخفيض الإختلالات أو اللاتوازنات سوف تتموقع أيضا عند نقطة إلتقاء هذين المجالين و هي الضّغط التضخّمي الذي يستمد قوته من إختلال ميزان المدفوعات.
و بذلك فإن مخطط عمّل الإقتطاع الجبائي يمتدّ إلى تأطير الظواهر التضخّمية من خلال ميزان المدفوعات بحيث يتم تعديل الضغط الجبائي حسب الضرورة، و هو ما يتطلب إستحداث الإقتطاعات الجبائية المرنة على الصادرات و الواردات، و هنا نشير إلى إمكانية إستعمال سياسة سعر الصّرف كعامل مساعد للسّياسة الجبائية .






خلاصة و استنتاجات الفصل الثامن
تعتبر السّياسة الجبائية المنسجمة أكثر إمتدادا بحيث أنها تتجاوز بكثير شروط التكيّف، التصحيح أو تعويض الإقتصاد الخاص، كما تتجاوز أيضا شروط التدّخل على مستوى آليات الإقتصاد الوطني. فهي بذلك تهدف إلى التنسيق فيما بين مختلف الجهود لدى الإقتصاد العمومي و الإقتصاد الخاص ضمن مخطط عمل موحّد و مشترك يسمح بتكوين كاف لرأس المال و استمراره عبر الزمن و هو ما يدعى بالنمو المستديم La Croissance durable .
و يمكن حصر التّجارب المرتبطة بالسّياسة الجبائية المنسجمة في إطار مثالين رئيسيين أولهما سياسة التوّسع الإقتصادي المتوازن التي تهدف إلى زيادة نسبة الرّفاهية الإجتماعية بمفهومها الواسع،  و هو الأمر الذي يتأتى عن طريق توسيع هيكل الإنتاج الوطني و تحديثه و بذلك ضرورة مساهمة كل من الإستثمار العمومي و الإستثمار الخاص لتحقيق هذا المسعى و يناط بالإقتطاع الجبائي في هذا السّياق توجيه النّشاط التوسعي و المحافظة على توازنه .
أمٌا المثال الرئيسي الثاني فيتمثّل في سياسة تنمية الإقتصاديات المتخلّفة حيث المشكل الأساسي لهذه الأخيرة هو كيفية تمويل تكوين  رأس المال و عليه فإن مخطط عمل السّياسة الجبائية في هذا الإطار يستند إلى المحاور التالية:
تشجيع و تعبئة الإدّخار المحلّي الذي يفترض تأهيل النّظام المالي و لا سّيما فيما يتعلق بالنّظام الجبائي الذي يعتبر أحد عناصره .
تأطير المساعدة الأجنبية التي تكون عمومية أو خاصة كما تكون تمويلا أو إستثمارا مباشر.  
التّخفيف من اللآّتوازنات أو الإختلالات التي قد تظهر أثناء المسار التّنموي كالإختلال في العملية الإنتاجية و إختلال نظام النقود و الأسعار، و كذا إختلال المبادلات الخارجية.