هـــــــــــــــــــــام جــــــــــــــــــــدا: الدعوة إلى الله هي مهمة الرسل وأتباعهم

يوجد صفحات من موقع "دار الإسلام" مخصصة لمساعدة أصدقائكم من غير المسلمين عن طريقكم بدعوتهم إلى التعرف على الإسلام بأحد السُبل والخيارات التالية:
1- عن طريق صفحات لتعريف بالإسلام بأكثر من 90 لغة
2- عن طريق الحوار مع مختصين داخل الموقع للتحدث المباشر مع غير المسلمين والمسلمين الجدد
3- عن طريق كتب مميزة
4- عن طريق الأسئلة والأجوبة والفتاوى التي يسترشد بها لهداية الناس بمختلف اللغات
5- وطرق أخرى ستكتشفونها بأنفسكم
للدخول للموقع يرجى الضغط على الرابط التالي: https://islamhouse.com

أنظروا إلى فضل إدخال الناس للإسلام:

قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[فصلت:33]، وقال صلى الله عليه وسلم:لَئَنْ يَهْدِي بَكَ اللهُ رجلاً واحداً خيرٌ لكَ مِنْ حُمْرِ النعم متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله.رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أَجُورِ مَنْ تبعه، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً،رواه مسلم. فأبشر أخي الكريم، أختي الكريمة، فإن الله سيكتب لك أجر كل خير سيعمله من يسلموا بسببك، و أتمنى أن تجتهدوا في دعوة الناس إلى دين الله.

في الأخير لا تتردوا في نشر هذه الصفحة وشكرا






السبت، 23 يونيو 2012

النظام المالي والاقتصادي في الاسلام


مـقدمة:
      لا يقتصر الشرع الإسلامي الحنيف على النواحي العقادية والعبا دية والخلقية بل هو منهاج حياة يشمل النشاط السياسية والإداري والاجتماعي والاقتصادي للمجتمع ، وإذا كان عبادة الله تعالى هي الهدف الشريعة الإسلامية فإن اعمار الأرض وإقامة مجتمع الأتقياء القوى المعتمد على ذاته هو الهدف النظام الاقتصادي الإسلامي ، وإذا كانت غاية النظام الإسلامي تحقيق المقاصد الشرعية الخمس التي تتمثل في الحفاظ على الدين ، والنفس ، والمال ، والعرض ،والعقل ، فإن غاية النظام الاقتصادي تحرير الناس من العوز والحاجة بقضاء حاجاتهم المتعددة للأفراد في ظل ندرة الموارد المتاحة ، وهذا هو لب المشكلة الاقتصادية .
 ويعني علم الاقتصاد بصفة عامة بوضع الحلول لهذه الحاجات المتعددة للأفراد في ظل ندرة الموارد ، ويقوم أي نظام اقتصادي على أمرين ،يتمثل أولهما في المذهب الذي يقوم عليه ، ويتمثل الأمر الثاني في التطبيق ، ونعني بالمذهب الاقتصادي الأساس الفلسفي الذي يقوم عليه هذا النظام ، أو بمعنى آخر ، مجموعة المبادئ والأصول التي يتكون منها هذا النظام الاقتصادي التي تعمل على حل المشكلة الاقتصادية أما الأمر الثاني المتعلق بالجانب التطبيقي للنظام الاقتصادي فيعني بوضع الطرق التنفيذية أو التطبيقي للمبادئ والأصول التي وردت بالمذهب وبمعنى أوضح فهو الجانب العملي للنظام الاقتصادي بما يشمله من أدوات وعلاقات الإنتاج وغيرها مما يلزم لحل المشكلة الاقتصادية والنهوض بالمجتمع ،هذا وقد وضعت الشريعة الإسلامية الغراء أصول ومبادئ النظام الاقتصادي دونما اهتمام بكل التفصيلات أو التطبيقات وذلك مراعاة الظروف المجتمع الإسلامي سواء تعلقت هذه الظروف بالتطور الزماني أو التغير المكاني باعتبار أن القواعد الشرع الحنيف مرنة تساير المكان والزمان فيما لا نص فيه .
   كما وضعت الشريعة الغراء القواعد والأصول المالية التي تنظم الموارد والنفقات والموازنة العامة التي تقوم عليها خطة الدولة الإسلامية من حيث النشاط الاقتصادي والاجتماعي وغيرها من الأنشطة والوظائف التي تقوم بها الدولة وتحتاج لمخصصات مالية، وهناك علاقة وطيدة بين علم الإقتصاد والنظام المالي حيث يعني النظام المالي بدراسة اقتصاد الدولة من خلال الميزانية العامة التي يسعى من خلالها لتقدير أوجه الإنفاق العام والموارد المالية في كافة أنشطتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها .


إشكالية البحث:
 على ضوء هذا العرض يمكن صياغة وتحديد الإشكالية الرئيسية للبحث في السؤال التالي :
هل في تطبيق النظام المالي الإسلامي ازدهار وتنمية الإقتصاد وهل موارده كافية لإشباع كل حاجات المجتمع وتمويل النظام الاقتصادي وحل مختلف المشاكل في الدول ؟
 وعليه سنحاول تفكيك هذه الإشكالية إلى الأسئلة الفرعية التالية :
- ماهي مفاهيم وأولويات ومبادئ النظام المالي والاقتصادي الإسلامي؟
- ماهي خصائص وأصول وقواعد النظام المالي والاقتصادي الإسلامي ؟
- ما هي موارد  ونفقات هذا النظام وهل النظامين الاقتصادي والمالي متكاملان فيما بينهما ؟

فرضيات البحث:
للإجابة على الأسئلة السابقة الذكر قمنا بصياغة وبلورة الفرضيات التالية :
- ان جهل مفاهيم ومبادئ النظام المالي والإقتصادي الإسلامي والتخلي عنهما يؤدي الى ظهور النقائص في الأنظمة الإقتصادية .
-  ان موارد الدولة الإسلامية ترتكز بشكل كبير على الزكاة
- ان النظامين المالي والإقتصادي يشكلان نظام متكامل وفعال .
أهمية البحث:
يعتبر البحث مهم وذلك من عدة أوجه منها أنه يساهم في اثراء المكتبة الاقتصادية بمعلومات قد تكون غير متوفرة في مراجع أخرى هذا من جهة ومن جهة أخرى قلة من يتطرق إلى هذا الموضوع.
أسباب اختيار الموضوع :
إن أهم الأسباب التي دفعتنا إلى اختيار الموضوع محل الدراسة هي :
- الحرص على تفعيل التراث الإسلامي في المجال المالي لإبراز أهم مزاياه
- باتباع النظام الإسلامي يتم تحقيق الازدهار الاقتصادي دون الأخذ بمبادئ الغرب ونظرياته ، بينما نجد اليوم المسلمين ينتهجون النظام المالي الغربي ويعيشون أزمة مالي بكل مظاهرها وآثارها .

أهداف البحث :
يرمي هذالبحث الى تحقيق جملة من الأهداف أهمها :
- التعرف على مختلف أنواع الموارد والنفقات التي شرعها الإسلام .
- تحديد معالم النظام المالي والإقتصادي في الإسلام .
- مدى مساهمة تكامل النظامين المالي والإقتصادي الإسلامي في دفع عملية التنمية .

منهج البحث : للإجابة على اشكالية البحث ومحاولة اختيار الفرضيات اعتمدنا على المنهج الوصفي والتحليلي معا حيث استعملنا الأول في تحديد التعاريف والمفاهيم المرتبطة بالموضوع ، أما المنهج الثاني فقد تم اعتماده في تحليل طبيعة العلاقة بين مختلف المفاهيم المتعلقة بالدراسة .
حدود وإطار البحث:
 إن الدراسة المتناولة هي دراسة اقتصادية بالدرجة الأولى، تتعلق بمحاولة تقريب المفهوم النظام المالي والاقتصادي في الإسلام  وتتحدد دراستنا للموضوع من جانبين الزماني والمكاني فالجانب المكاني يتمثل في الدول الإسلامية، حيث سنتعرض للنظام المالي الذي انتهجته الدولة الإسلامية.    
أما الجانب الزماني فيمكن أن يحدد من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عهد الخلفاء الراشدين
إلى الإئمة الفقهاء وصولا إلى العصر الحديث.









هيكل الدراسة :
لقد تناولنا دراسة الموضوع من خلال ثلاثة فصول حيث أن :
- الفصل الأول : خصص لدارسة الإقتصاد الإسلامي و أولويات التنمية في الإسلام و كان ذلك في إطار ثلاثة مباحث، إذ تعرضنا في المبحث الأول إلى ماهية الإقتصاد الإسلامي أما المبحث الثاني فتمثل في أولويات التنمية الإقتصادية و كان الثالث في مبادئ التنمية الإقتصادية في الإسلام.
الفصل الثاني: تناولنا من خلاله خصائص و أصول الإقتصاد الإسلامي و ضوابط المعاملات المالية بالتطرق إلى ثلاثة مباحث حيث ركزنا في المبحث الأول على خصائص الإقتصاد الإسلامي و الثاني على أصول الإقتصاد الإسلامي و كان الثالث على القواعد و الضوابط الفقهية في المعاملات المالية.
الفصل الثالث : ارتأينا  تقسيمه إلى مبحثين حيث تطرقنا في الأول إلى الموارد و النفقات المالية و الموازنة العامة و في الثاني تكامل النظام المالي و الاقتصادي في الإسلامي.
و في الأخير نجد الخاتمة التي جاءت كتلخيص عام لما احتوته الدراسة التي خلصنا من خلالها إلى عدة نتائج مكنتنا من إبداء بعض التوصيات في هذا الموضوع مع طرح بعض الآفاق المستقبلية لفتح باب البحث من جديد.






















الفصل الأول


الاقتصاد الإسلامي و أولويات التنمية في الإسلام .








تمهيد:

 لا يقتصر الشرع الإسلامي الحنيف على النواحي العقائدية و العبادة و الأخلاق بل هو منهاج حياة يشمل تنظيم النشاط السياسي و الإداري و الاقتصادي المجتمع وإذا كانت عبادة الله تعالى هي هدف الشريعة الإسلامية فان اعمار الأرض و إقامة مجتمع الأتقياء القوي المعتمد على ذاته هو هدفه النظام الإسلامي .
وإذا كانت غاية النظام الإسلامي تحقيق المقاصد الشرعية الخمس التي تتمثل في الحفاظ على الدين و النفس و المال و العرض و العقل فان غاية النظام  الاقتصادي تحرير الناس من العوز والحاجة بقضاء حاجاتهم المتعددة في ضل ندرة الموارد المتاحة و يعنى علم الاقتصاد بصفة عامة بوضع الحلول بهذه الحاجات المعتمدة للأفراد1.
   هذا و قد وضعت الشريعة الإسلامية أصول و مبادئ النظام الاقتصادي دونما اهتمام بكل التفصيلات أو التطبيقات و ذلك مراعاة لظروف المجتمع الإسلامي سواء تعلقت هذه الظروف بالتطور الزماني أو التغير المكاني باعتبار أن قواعد الشرع الحنيف مرنة تساير المكان و الزمان فيما لا نص فيه2.
كما وضعت الشريعة القواعد والأصول المالية التي تنظم الموارد والنفقات والموازنة العامة التي تقوم عليها خطة الدولة الإسلامية من حيث النشاط الاقتصادي والاجتماعي وغيرها من الأنشطة والوظائف التي تقوم بها الدولة وتحتاج لمخصصات مالية.
   ووفقا لما تقدم سوف نقوم بدراسة الاقتصاد الإسلامي وأولويات التنمية في الإسلام من خلال المباحث التالية :
المبحث الأول : ماهية الاقتصاد الإسلامي
المبحث الثاني : أولويات التنمية الاقتصادية
المبحث الثالث: مبادئ التنمية الاقتصادية في الإسلام.



1   - إبراهيم القاسم رحاحة، مالية الدولة الإسلامية، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1999ص12.
2  -  حسين حامد محمود،النظام المالي والاقتصادي في الإسلام، دار النشر الدولي ، م ع السعودية،2000،ص5.
المبحث الأول : ماهية الاقتصاد الإسلامي
    نبين في هذا المبحث محتوى وماهية الاقتصاد الإسلامي من حيث بيان مذهبه ونظامه ثم نميز بين الاقتصاد الإسلامي من الناحية النظرية وأخيرا نقارن من الناحية العملية أو التطبيقية بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصاديات الوضعية .
  المطلب الأول : الاقتصاد الإسلامي مذهبا ونظاما
    قلنا أن الإسلام أسلوب حياة أي لا يقتصر على الناحية التعبدية بل يشمل كافة نواحي المعيشة سواء على مستوى الدولة أو الأفراد وسواء علاقات الأفراد ببعضهم البعض أو علاقاتهم بالدولة فهو شامل للنواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها .
 ويعرف الاقتصاد الإسلامي بأنه " ذلك الاقتصاد الذي تحكمه المبادئ والأسس الواردة بمصادر الشرع الإسلامي  و اجتهادات الفقهاء والتي من خلالها يتم توجيه النشاط الاقتصادي لتحقيق صالح المجتمع الإسلامي .
  - بناء على ذلك فإن الاقتصاد الإسلامي يعد مذهبا من حيث المبادئ والأسس التي تحكمه والواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية ،وهذه المبادئ الاقتصادية التي وردت في القرآن والسنة على الرغم من قلتها ثابتة لا تقبل التغيير ومستمرة ما دامت الحياة مستمرة ويجب على المجتمع الإسلامي تطبيقها مهما تطورت سبل الاقتصاد وطرق إنتاجه1.
وتمثل المبادئ التي تكون المذهب الاقتصادي الإسلامي فيما يلي :
أ- المساواة  بين الأفراد في الأصل والنشأة ، حيث يقول تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) *.
ب- التفاوت بين الأفراد في الرزق حيث يقول الله تعالى : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) **.
ج- حق العمل وكفاية الإنسان حيث يقول تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ )***.


* سورة النساء ، الآية 1.                     *** سورة الملك، الآية 15    
** سورة الزخرف، الآية 32.            1 -ابن قدامة، المغني ، دار الحديث ، القاهرة ، 1996، ص 16.
    وقوله : ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )*. بالنسبة لمن يستطيع العمل الظروف معينة ولا يقدر على رزقه فإن له حد الكفاية1 وافعالة ممن لديهم قدرة على الإنفاق وسعة الرزق حيث يقول تعالى : (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ** وقوله : (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) ***وبالإضافة لذلك فإن الله تعالى دعا للهجرة لطلب الرزق حيث يقول سبحانه : (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) ****.
د- تعاون الأفراد دون تصارع الطبقات : حيث يقول الله تعالى : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) *****.
هـ - ملكية المال لله تعالى والإنسان مستخلف فيه : حيث يقول تعالى (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) قيل في تفسير هذه الآية ((يأمر تعالى عباده بالإيمان به وبرسوله،وبما جاء به،وبالنفقة في سبيله،من الأموال التي جعلها الله في أيديهم،واستخلفهم عليها،لينظر كيف يعملون))  و- المحافظة على المال حيث يقول تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )******.
ز- ترشيد الإنفاق حيث يقول تعالى : (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً)*******.
ح- الملكية  في الإسلام  ذات  وظيفة  اجتماعية وتعني أنها ملكية من أجل منفعة الفرد والمجتمع حيث   يقول تعالى  (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)********.
ط- التوفيق بين مصالح الفرد ومصالح الجماعة حيث يقول تعالى في حق من يستخدم ماله استخداما غير سليم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ،فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)********* .ويقول صلى الله عليه وسلم (( لاضررولاضرار )) حديث شريف .
* سورة الجمعة، الآية 10.
1 -أبو عبيد القاسم ابن سلام ، كتب الأموال ، دار الفكر ، 1981، ص 55.
** سورة الذاريات الآية 19.   *** سورة النور آية 33.    **** سورة النساء الآية 100.  ***** سورة المائدة، الآية 02.
****** سورة المائدة الآية 38. *******سورة الفرقان ، الآية 67.  ******** سورة التوبة ، الآية 34.
********* سورة البقرة ، الآية 279.
ي – تقييد الحرية الاقتصادية بما ينفع الفرد ولا يضر بالآخرين حيث يقول تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ )* ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا يحتكر إلا خاطئ )) رواه مسلم وأبو داود وأحمد وابن ماجة والدرامي.
ك- الحث على التنمية وعدالة التوزيع حيث يقول الله تعالى : (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)** .
وبالنسبة لعدالة التوزيع يقول تعالى : ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) ***.
  ويعد الاقتصاد الإسلامي نظاما من حيث أوجه الحلول والتطبيقات المختلفة للمبادئ والأسس السابقة التي وردت بالمذهب الاقتصادي الإسلامي بحيث تتناسب مع ظروف المكان والزمان لكل مجتمع إسلامي وهذه الحلول والتطبيقات الاقتصادية يرجع في شأنها لآراء المجتهدين الإسلاميين وهي قابلة للتغيير في إطار المبادئ التي جاء بها  الإسلام ومثال ذلك تحديد المعاملات المستجدة التي تدخل في الربا ، ومعرفة حد الكفاية وكيفية تحديد العدالة الاجتماعية من الناحية الاقتصادية وغيرها من النواحي التطبيقية أو العملية الاقتصادية.
والحقيقة أن النظام الاقتصادي الإسلامي يحكمه المبدآن التاليين :
أ- تحقق المصلحة العامة يعني تحقق شرع الله تعالى:
   الشريعة الإسلامي وضعت لمصلحة العباد، فالشريعة مبناها وأساسها على الحكم مصالح العباد في المعاش، وهي عدل كلها ورحمة كلها وحكمة كلها1.
  ومن ثم فالعباد مأمورون بعبادة الله تعالى سبحانه وإلى ذلك فإن العباد مطالبون بالعمل الصالح لنفع أنفسهم والتكاليف الشرعية كلها راجعة لمصالح العباد في دنياهم وأخراهم  والله غني عن عباده  ولا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين فالأصل في المنافع الإباحة وفي المفاسد المنع ، والخلاصة أن غاية الشرع هي المصلحة وحيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله في حدود الشرع وضوابطه أي إذا كانت المصلحة تخالف الشرع فعندئذ لا تتحقق القاعدة ، وأن السبيل إلى تحقيقها هو اجتهاد الرأي في إطار تعاليم الدين الحنيف .

* سورة البقرة، الآية188.               *** سورة الزخرف، الآية 32.
** سورة الجمعة ، الآية 10.
1 -ابن القيم الجوزية ، المسائل الفقهية اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية ، دار الصفا القاهرة بدون سنة النشر ، ص 35.
ب- تغيير الأحكام بتغير الأزمنة والأمكنة:
  يقول ابن القيم الجوزية في هذا الباب " باب عظيم وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة1 أوجب من الحرج المشقة وتكلف ملا سبيل إليه ، ما يعلم أن  الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لاتأتي به فإن الشريعة مبناها وأساسها صالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ومصالح كلها ،والأدلة في هذا الباب كثيرة تأخذ منها قوله تعالى : (وما جعل عليكم في الدين من حرج)*، وقوله (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )**،وقوله صلى الله عليه وسلم : يسرو ولا تعسروا واسكنوا ولا تنفروا ،وما خير الرسول بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما .

المطلب الثاني : التمييز بين علم الاقتصاد الإسلامي 2
    علم الاقتصاد ، كما يعرفه الاقتصاديون هو العلم الاجتماعي الذي يبحث دراسة المشكلة الاقتصادية من خلال تعرضه للأفراد في علاقتهم الاجتماعية المرتبطة بهذه المشكلة حيث يهدف النشاط الاقتصادي إلى إشباع حاجات الأفراد المتعددة في ظل الموارد النادرة عن طريق القوانين أو النظم الاقتصادية التي تحكمه كنظام " تناقص المنفعة " وتزايد الغلة والعرض والطلب وأقل تكلفة وغيرها من النظم التي تحكم هذا العلم . فعلم فاقتصاد الوضعي يدرس ما هو قائم لإيجاد الحلول للمشكلة الاقتصادية وعلى هذا فهو علم نظري يحوي عدة نظريات والنظرية تعني بدراسة ما هو قائم دون أن تتطرق للتطبيق .
وعلى النقيض من ذلك فقد جاء الاقتصاد الإسلامي في إطار منظومة متكاملة أو هو جزء من كل3 متماسك ومتناسق وهذه المنظومة ترتكز على عدة مبادئ ، وهي مبادئ المذهب الاقتصادي الإسلامي وهي تهدف في النهاية إلى تحقيق شرع الله ومصلحة المجتمع أما المذاهب الأخرى كالمذهب الرأسمالي أو الاشتراكي فشعارها صالح الفرد والجماعة مع اختلاف التفسير إلا أنها شعارات تعثرت تطبيقاتها وحادت عن تحقيق أهدافها وسنبين ذلك التفرقة بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصاديات الوضعية .

1 -علي زغدود ، المالية العامة ، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون ، 2005، ص109.
* سورة الحج ،الآية 78.    ** سورة البقرة ، الآية 185.
2 -عبد المجيد مزيان ، النظريات الاقتصادية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 1988، ص 86.
3 -عبد الله ، مصارف الزكاة في الشريعة الاسلامية ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، 1983، ص123.
المطلب الثالث:  التفرقة بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصاديات الوضعية 1
  إن التطبيقات الاقتصادية تختلف باختلاف المبادئ والأصول التي يعتنقها كل مذهب وقلنا أن المذاهب متعددة فمنها المذهب الرأسمالي والمذهب الاشتراكي فما مبادئ هذان المذهبان في مجال النشاط الاقتصادي وما موقف الإسلام منهما ؟
   يقوم المذهب الرأسمالي على أساس حرية الفرد المطلقة فيما يصنع وما يدع ولانشأة للدولة به إلا في حالة الإخلال بالأمن والدفاع عن البلاد حيث يردع ويمنع في حالة الاعتداء وبناءا على ذلك فإن وظائف الدولة في النظام أو المذهب الرأسمالي هي المحافظة على الأمن الداخلي والخارجي والقيام بالقضاء وما عدا ذلك لا دخل للدولة في ذلك والملكية الخاصة أو ملكية الأفراد هي السائدة سواء تمثلت هذه الملكية في الملكية الزراعية أو العقارية أو الصناعية أو التجارة ويرى الباحث الرأسمالي في هذا النظام أنه مبني على قواعد غير محددة تحديدا دقيقا بالزمان والمكان ،بل يراه نظاما عالميا أكثر مما هو محصور في قارة ما فليست أوروبا وأمريكا هي البلاد الوحيدة التي يمكن أن تنفرد بالنظام الرأسمالي ،ويتأثر هذا النظام العمال نتيجة لتحكم أصحاب الملكيات ورأس المال فيهم مما ينعكس على أجورهم ومستوياتهم المعيشية فغاية الاقتصاد الرأسمالي هو تحقيق أكبر عائد أو أعلى كسب مادي لأصحاب رأس المال من خلال نظامه الاقتصادي الذي يقوم على أساس قوى السوق القائمة على حرية العرض والطلب ومن ثم يتحدد السعر ،والمقابل للنظام السابق المذهب أو النظم الاشتراكي والذي يقوم على أساس التخطيط المركزي للنشاط الاقتصادي مستهدفا مصلحة الجماعة ومن ثم فهو ينظر للملكية الجماعية  أو العامة إن صح التعبير مع تهميش ملكية الفرد وتشمل هذه الملكية العامة ملكية الدولة لوسائل الإنتاج والتجارة والمصانع والزراعة وتحدد أجور العمال الثابتة نتيجة لمشاركتهم في هذا النشاط الاقتصادي2 .ومبادئ المذهبين السابقين وإن اختلفا على نحو ما سبق إلا أنهما يشتركان في قيامها على فلسفة واحدة ألا وهي النظرة المادية للأشياء فكلاهما ينظر ، للكسب المادي البحت سواء على المستوى الفرد أو الجماعة ، فالمادية مطلوبة لذاتها دون النظر للأخلاق أو المثل أو القيم أو المبادئ أو الضمير كما يسميه مفكرو الغرب ، وتترتب عليهما علاقات مادية بحتة دون روابط مثالية أوأخلاقية.


1 -فوزي عطية، الإقتصاد و المال في التشريع الإسلامي و النظم الوضعية، دار الفكر العربي، بيروت، 1988، ص111.
2 -كامل موسى، المدخل إلى التشريع الإسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ،1989،ص203.
 وعلى العكس من ذلك فإن النموذج الإسلامي يسعى للتوفيق بين الفكر والعمل في ظل ظروف المجتمع حيث يربط بين الجانب المادي والجوانب الروحية والأخلاقية أي بين سلوك الفرد وعقيدته وبين الدنيا والآخرة .
    وحيث يجب ممارسة المجال الاقتصادي على أوفي إطار ما شرعه الله من حلال فنقوم به ومن حرام فنجتنبه وذلك لتحقيق صالح الأفراد بتمام الكفاية حاجات الأفراد المشروعة ومن ثم تتوافر الحياة الآمنة الكريمة في ظل القيم والمبادئ الإسلامية 1
    وهذه المبادئ الإسلامية انعكست على شتى مناحي الإقتصاد الإسلامي  فالملكية في الإسلام لله، وأن الإنسان مستخلف فيها ومن ثم فإن الملكية لم تعد على النهج الرأسمالي في أن الفرد حر فيها بل لها وظيفة اجتماعية وأن كلا من الملكية الخاصة والعامة أمانة ومسؤولية في يد المستخلف عليها يجب أن يراعى فيها أوامر الله تعالى التي تنتهي للنفع العام وخدمة المجتمع . كما أن أساس الرزق في الإسلام هو العمل لقوله تعالى :
    (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)* ، ومن لم يستطع العمل لمرض أو هرم فله الكفاية على من لديه المال والقدرة وهذا كله من أجل تحقيق النفع والخير العام .










1- محمد عبد المولى، أنظمة المجتمع و الدولة في الإسلام، الشركة التونسية، 1973،ص66.
* سورة الجمعة، الأية10.


المبحث الثاني: أولويات التنمية الاقتصادية

      تعتبر التنمية الاقتصادية من أهم أولويات الإقتصاد الإسلامي للنموذج في هذا المبحث أولويات التنمية الاقتصادية، أهداف التنمية الاقتصادية ويلي ذلك حتمية الأخذ بنظام تنموي إسلامي .

المطلب الأول: أهداف التنمية الشاملة
    تهدف التنمية الاقتصادية الشاملة إلى إجراء تغييرات جذرية أكثر جوانب الحياة المختلفة في المجتمع بصفة عامة بحيث لايقتصر النمو الحارث على جزئية واحدة من هذه الجوانب أو مجال معين دون غيره من المجالات فمثلا إذا قام المجتمع بإحداث نمو في النشاط الاقتصادي فقط وذلك بتحقيق طفرة في كمية ونوعية الإنتاج فيكون قد حقق هدفا واحدا من عملية التنمية الحقيقية الشاملة وتكون التنمية حينئذ اقتصادية ولا غير وأيضا إذا كان هذا التغيير في المجال الاجتماعي كزيادة فرص التعليم أو كان التغير سياسيا كتغيير أسلوب الحكم فإن المجتمع يكون قد حقق هدفا اجتماعيا أو سياسيا من عملية التنمية دون غيرها 1.
  بينما إذ تحققت التنمية في كل من أوجه النشاط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي على السواء عبر فترة زمنية معينة عندئذ نقول بأن هذا المجتمع قد تمكن من تحقيق أهداف خطة تنموية حقيقية شاملة ، لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية فقط ولكنها تتضمن جوانب أخرى تعتبر ضرورية لحياة الإنسان كفرد من جهة وعاملا من أهم عوامل النهوض بالمجتمع إلى حياة أفضل ومستوى أعلى من الرفاه الاقتصادي من الجهة الأخرى.2
   ولكي تتحقق تلك الحياة الفضلى للأفراد وذلك الرفاه الاقتصادي للمجتمع لابد من وجود ثلاث أهداف أساسية يقصد المنضمون تحقيقها من عملية التنمية وهذه التنمية وهذه الأهداف هي :
1- ضمان استمرارية الحياة . 2- احترام النفس . 3 - الحرية الاقتصادية
   

1 -فكري نعمان، النظرية الاقتصادية في الإسلام، دار القلم، دبي، 1985،ص99.
2 -كريمة كريم، الإقتصاد المصري، كلية التجارة، جامعة الأزهر،1997،ص169.
      ويشير الهدف الأول إلى وظيفة النشاط الاقتصادي في المجتمع التي يجب أن تنحصر في توفير الحاجات الضرورية للإنسان وتلبيه المتطلبات الأساسية كالمأكل والمشرب والملبس والمأوى حيث يمكن التغلب على مظاهر الفقر والجوع والفاقة الناتجة عدم تحقيق الإشباع لتلك الحاجات ، كما يهدف إلى تحسين فرص العمل وتقليل عدد العاطلين وتحقيق عدالة التوزيع للدخول سواء بين الأفراد أو بين المناطق المختلفة في المجتمع ، كأن يتم تنمية إقليم على حساب إقليم آخر . أما الهدف الثاني الخاصة باحترام النفس. فإنه يعني تأمين الحياة الكريمة لجميع أفراد المجتمع ، عن طريق تلبية الحاجات غير الاقتصادية كالحاجة إلى التعليم والثقافة والصحة والأمن وسهولة الحصول على الخدمات المتنوعة وغيرها وهذا يؤدي إلى اكتساب القيم والأخلاق الحميدة واحترام النفس والاعتزاز بالذات والإحساس بالكرامة وذلك باعتبار أن الفرد هو العنصر الهام في عناصر التغيير الاجتماعي ، لأن البناء الثقة في نفوس الأفراد والجماعات تساعد كثيرا على مواجهة التحديات التي تواجه عمليات التنمية الشاملة في مراحلها الأولى غالبا بينما الهدف الثالث المتعلق بمفهوم الحرية الاقتصادية فإن ذلك ليس له علاقة بالحرية السياسية وإنما المقصود منه تحرر الأفراد من العبودية الاقتصادية كالفقر والحاجة كالجهل والمرض حيث أن تنمية قدرات الإنسان المادية والفكرية تسمح له بتحقيق طموحاته وتساعده على تقوية اعتماده على النفس وتمكنه من المشاركة في إبداء الرأي بقوة وصراحة وتفسح المجال أمام المساهمة الفعالة في اتخاذ القرارات البناءة في المجتمع . دون خوف من الفشل أو تردد في الرأي خشية التعرض للأنظمة والإجراءات المعوقة في طريق التنمية 1.
الفرع الأول : أولويات التنمية الشاملة في الإسلام 2
    ينحصر الهدف النهائي لكل عملية تنموية في توفير الحاجات الضرورية لجميع الأفراد في المجتمع وبما أن أي عملية تنموية لا تستطيع تلبية جميع الحاجات دفعة واحدة مهما كانت قدرتها على الانطلاق نحو التقدم والتطور ولأن تلك الحاجات ليست جميعها على درجة واحدة من الأهمية للأفراد لذا فإنه كان من الضروري ترتيب هذه الحاجات ووضعها ضمن سلم تفضيل وجدول أولويات وأسبقية أهداف يتم العمل على تحقيقها في مراحل التنمية المختلفة وفق هذا الترتيب بحيث يتمشى ذلك الترتيب مع الظروف الاقتصادية السائدة في المجتمع .

1-محمد البشير فرحان، الحاجات البشرية، دار البحوث للدراسات الإسلامية، إمارات دبي، 2001،ص167.
2 -محمد عباس محرزي، الإقتصادية في المالية العامة، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون، 2003،ص89.
وانطلاقا من هذا المبدأ فقد قام النسق الإسلامي على أساس ضرورة الالتزام بأولويات التنمية الاقتصادية الشاملة التي جعل ترتيبها على النحو التالي :
أولا: الحاجات الضرورية
    يجب على التنمية الاقتصادية الشاملة في المجتمع الإسلامي الذي يعاني من التخلف الاقتصادي أن تهتم أولا بإشباع جميع الحاجات الأساسية للسكان من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، ما لم تكن هذه الحاجات قد أشبعت من قبل.
     ووفقا لتلك الأولويات فإنه يجب أن تشمل التنمية الشاملة جميع السلع والخدمات التي يحتاجها الأفراد ويتعين على المجتمع توفيرها لهم في المقام الأول وتوجيه معظم الطاقات الإنتاجية نحو تحقيقها وتتمثل تلك الأولوية في توفير المنتجات الغذائية لضمان حياة الإنسان ويتبع ذلك تجهيز كل ما يلزم من أجل تطوير تلك الصناعة ونموها كالنهوض بالإنتاج الزراعي والحيواني وتطوير الناتج وتحسين السلالات الحيوانية وغيرها .
      ويلي ذلك تطوير صناعة الملبوسات وكل ما يتعلق بها من الحرف الإنتاجية وتوفير المساكن الصحيحة المناسبة للظروف البيئية والإنتاجية لكل فرد وما يرتبط بها من أثاث وأدوات بحيث تتوفى فيها كل أسباب الراحة للإنسان وحفظ الكيان الاجتماعي للأسرة1.
     ومن الحاجات الضرورية في هذه المرحلة أيضا الاهتمام بالمرافق العامة لتوفير المياه الصالحة للشرب والكهرباء ووسائل الاتصال والخدمات الصحية والتعليم والتربية البدنية والخلقية وغرس القيم والمبادئ الإسلامية في النفوس حتى يقدم الأفراد على العمل في مشاريع التنمية بجد وإخلاص2 .
      ومن الضرورات الهامة كذلك تأمين الدعوة الإسلامية وتحقيق الأمن لجميع الأفراد في كافة الظروف ويتحقق ذلك بتخصيص جانب من الطاقة الإنتاجية في تجهيز الجيوش للدفاع عن الوطن ورفع دعائم الإسلام .




1  -د.يوسف القرضاوي،فقه الزكاة،مكتبة وهبة ،القاهرة،1986،ص168.
2  -محمود عطية ،موجز المالية العامة،دار المعارف،الاسكندرية،1969ص49.
ثانيا : الحاجات الكمالية  
     تأتي الحاجات الكمالية في المرتبة الثانية من مراتب أولويات التنمية الشاملة ، وتتمثل في كافة السلع والخدمات المتطورة الحديثة فتعمل على تحسين الظروف المعيشة للأفراد ويتحقق ذلك في توفير المرافق العامة الحديثة واستخدام وسائل التكنولوجيا ونشر العلوم والمعارف بصورة أشمل وأوسع مما كانت عليه في المرحلة السابقة.
 ومن المهم أن لا يتم الانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية إلا بعد التأكد من تمام الكفاية لجميع الأفراد من حاجاتهم الأساسية الضرورية .

ثالثا:  الحاجات الترفيهية أو التحسينية
في هذه المرحلة تكون عملية التنمية قد وصلت إلى أبعد مدى يمكن أن تبلغه وأخذت تسعى بأهدافها إلى تحقيق الزيادة وتحسين مستوى المعيشة في المجتمع والارتقاء به إلى أقصى درجات الرفاه الاقتصادي1 .

الفرع الثاني :أهمية تحديد أولويات التنمية
     إن تحديد أولويات عملية التنمية كما في الترتيب السابق وتصنيف السلع بين ضرورية وكمالية وترفيهية يعتبر ترجمة حقيقية لمراحل التطور الاقتصادي في المجتمع ، وتستخدم دلالة للتعبير عن مستوى الاقتصادي سواء انتعاشه أو ركوده وتفسير ذلك أنه في المراحل الأولى لعمليات التطور يكون المجتمع مشغولا بتوفير السلع الضرورية للأفراد بينما تكون بعض المنتجات في عداد السلع الكمالية وتكون متنحية عن مجال الاهتمام  ولكن تظل هكذا إلى حين حتى إذا ما تم توفير كل ما هو ضروري وتم تحقيق الوصول إلى المرحلة التالية من التطور انتقلت السلع الكمالية كانت مؤجلة من قبل ، لتصبح من عداد السلع الضرورية وفي نفس الوقت تظهر في الأسواق    السلع  الترفيهية2 ، فلا يتمكن المجتمع من تلبية حاجات أفراده منها إلا بتمام عملية التنمية الشاملة وفق الأولويات المحددة من قبل على الوجه الأكمل .


1  -عبد المجيد مزيان ،مرجع سابق ص93.
2  -موفق محمد عبده،الموارد المالية العامة،دار حامد عمان 2004،ص39.
    وتظهر أهمية تحديد الأولويات  في عملية التنمية الشاملة على النحو السابق في النقاط التالية :
1 - إن تحديد هذه الأولويات يتمشى مع ما أوجبه الإسلام على الدولة الإسلامية ، في توفير فرص الكفاية لإشباع الحاجات الضرورية لمعظم الأفراد ومنحهم جميع حقوقهم للعيش في حياة كريمة خاصة في المراحل الأولى لعملية التنمية إذ لا يجوز أن يجوع مسلم أو يعرى بينما يكون غيره منعما في الحياة، وذلك بسبب إحداث تنمية اقتصادية تعمل على توفير الكماليات أو السلع الترفيهية قبل الضروريات. فإن الإسلام أوجب على الدولة إعطاء كل فرد حقه من المأكل والملبس والعيش في مسكن يليق به، وتوفير فرص التعليم والعمل له. والتمتع بالخدمات الصحية والشعور بالأمن والطمأنينة في وطنه وذلك بأن تحمي الدولة دم المسلم وماله وعرضه فإذا توفرت هذه الحقوق الأساسية للجميع، انتقلت الأهداف التنموية تلقائيا إلى المراحل التالية من عمليات التطور1.
2 - إن تحقيق الإشباعات الضرورية لحاجات الأفراد في المراحل الأولى لعملية التنمية ، يعتبر دافعا لهم إلى بذل المزيد من الجهد وحافزا على العمل ويكون سببا في زيادة حرصهم عليها لأنه من الطبيعي إذا حدثت استثمارات تنموية وكان يقصد بها إشباع النواحي الكمالية لفئة معينة قبل أن تكون حاجات الكفاف لجميع الأفراد قد أشبعت تماما ، فإن ذلك ينشئ شعورا بعدم الاطمئنان لدى أصحاب هذه الحاجات غير المشبعة فيؤدي هذا الإحساس إلى تزعزع الثقة لديهم
3 - إن التوزيع العادل لثمار التنمية الاقتصادية على  أفراد المجتمع ، لا يتحقق في المراحل الأولى لتلك العمليات ، إلا في صورة سلع أو خدمات يتم توزيعها على كافة الشعب ، وبذلك يشعر الأفراد بأن بؤرة الجهود التنموية وهدف الدولة من هذه التنمية هو الإنسان نفسه ، فتزداد ثقتهم في المشاريع القائمة ويتولد الإحساس لديهم بضمان الحقوق في ثمارها ، فلا تستكمل المراحل الأخرى لعملية التنمية بالشكل الجدي المرتقب 2.
4 - إن توفير الصناعات  الحربية  وتجهيز الجيوش  في المراحل  الأولى  من عمليات  التنمية الاقتصادية  الشاملة ، يؤدي إلى تأكيد  الشعور بالأمن  والاطمئنان  لدى الأفراد .


1  -محمود عطية،مرجع سابق ص50.
2 - منذر قحف،السياسات المالية،دار الفكر ،بيروت،1999،ص،43،42.
      وتتحقق للمجتمع  القوة  الحربية  اللازمة  لحماية  مكاسب  عملياته التنموية  من الاعتداءات الخارجية المحتملة أو من الاضطرابات  الداخلية  المتوقعة  والتي  تعتبر من  أسوأ المعوقات  التي تتعرض طريق تقدم المجتمعات وتطورها ، فتعمل مراحل التنمية الباقية وفق الخطط المرسومة لها .
5 - إن تأمين الضرورات المادية لإشباع الحاجات البشرية وتحقيق المستوى الثقافي الملائم للأفراد، وتوفير الخدمات الصحية بدرجة كافية في المجتمع كما هو مقرر في المراحل الأولى لعملية التنمية الاقتصادية الشاملة، تكون من نتائجه:
    القضاء على مظاهر الفقر والجهل والمرض وزيادة الدخل القومي ورفع مستوى المعيشة للأفراد وتحقيق الرفاه في المجتمع ، كل ذلك يجعل المجتمع مهيئا لاستقبال المراحل التالية من عمليات التنمية لتوقعه الحصول على المزيد من المكاسب كتلك التي حصل عليها من قبل .
  المطلب الثاني : حتمية الأخذ بنظام تنموي إسلامي
   إن نشأة النظريات العلمية في مجال العلوم الاجتماعية ، تعتبر نتاجا أمينا وتعبيرا صادقا عن خبرة واضعيها لأنه من الطبيعي أن يتأثر واضعوا تلك النظريات وعلى الأخص في المجال الاقتصادي بواقع الحياة الاجتماعية التي نشأوا فيها وأن تتشبع أفكارهم بالمبادئ والقيم والأخلاقيات التي تفرض عليهم البيئة التي يعيشون فيها فلا ينبغي تجريد أي نظرية عن واقعها الاجتماعي الذي نشأت فيه لأن أي مجتمع له قيمه وعاداته وتقاليده بل ظروفه السياسية والاقتصادية التي تختلف كثيرا عن غيرها في المجتمعات الأخرى ، الأمر الذي لا يصح معه استيراد فكر مذهبي دخيل ومحاولة تطبيقه في أرضية مغايرة عن الأرضية التي نشأ بها ، فيصبح الإنسان مقلدا للأفكار التي صاغها تجارب غيره وخبراته ، لذا فقد أصبح من الضروري البحث عن نظرية تنموية اقتصادية تتمشى مع الظروف البيئية والاجتماعية للمجتمع المسلم وتنبثق من التشريعات الدينية لهذا المجتمع1 .
    مع نبذ كل ما هو مستورد أو دخيل على القيم الإسلامية ليس ثقليلا من أهمية العلم ولكن لأنه لا يصح الفهم أن يخلو الإسلام من كل شؤون الإقتصاد ، مادمنا نؤمن بالرسالة الخاتمة وبأنها جاءت بدين قويم كامل.


1  -اميرة عبد اللطيف مشهور ،دوافع الاستثمار في الاقتصار الاسلامي،رسالة دكتوراه ،كلية الاقتصاد،القاهرة،1995،ص65.
وبذلك تتأكد حتمية الأخذ بنظام تنموي إسلامي مستقل عن غيره من سائر الأنظمة للأسباب التالية1 :
1 - إن الدين الإسلامي له أسلوبه الخاص في تنمية شخصية الإنسان المسلم كفرد وتكوين صفات المجتمع الإسلامي ككل فيكون ذلك عاملا قويا وسببا أكيدا لإمكانية الوقوف أمام كل المشكلات التي تطرأ خلال تطبيق عمليات التنمية ، و لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال التعاليم الإسلامية الخالصة .
2 - إن المجتمع الإسلامي له صفاته وخصائصه التي تميزه عن المجتمعات الأخرى الأمر الذي يتطلب معه أن تكون خططه التنموية نابعة عن هذه الخصائص ومنبثقة من تلك الصفات متمشية مع التعاليم والمبادئ الإسلامية .
3 - إن من أهم شروط التنمية السليمة توفر الحرية الاقتصادية ولذلك فإنه عند استيراد أي نمط اقتصادي من  الأنظمة الأجنبية يجب أن ينتفي شرط التبعية الاقتصادية حيث لا يتصور إلا فيما ندر أن يرتبط اقتصاد ما باقتصاد آخر إلا إذا كان ذلك نتيجة ضغط سياسي بوسيلة أو بأخرى .
     













1  - محمد احمد ثابت عريضة،الاسلام و وضع الاسس الحديثة الغربية،مصر ،1960،ص73.
المبحث الثالث: مبادئ التنمية الاقتصادية في الإسلام.
      إن خلو التشريع الإسلامي من المصطلحات الاقتصادية لا يعني خلوه من  المبادئ الكلية المؤدية إلى مفهومها الحديث ، كما لا يعني رفضه التام لبعض المبادئ والقواعد والأحكام التي تهدف إلى تحقيق مستوى لائق من المعيشة بكل مسلم وتعمل على محاربة الفقر والجهل ونشر العلم وتنادي بتحقيق العدالة في التوزيع للدخول والمكاسب وما هذه العبارات إلا الجوهر الحقيقي والدعامة الرئيسية التي قامت عليها نظريات التنمية الاقتصادية بمسمياتها الحديثة .
   وبناءا على ذلك من خلال التعاليم الشرعية يمكن اشتقاق بعض المبادئ التي يرتكز عليها مضمون التنمية الاقتصادية في الإسلام وصياغتها في خمسة مبادئ أساسية على النحو التالي:

المطلب الأول: التهيئة النفسية للأفراد وتعبئة الموارد الطبيعية1

  أولا – التهيئة النفسية للأفراد :
   
     قبل أن يبدأ الإسلام في تشريع معين فإنه يمهد لهذا النوع من التكليف ويهيأ له الأفراد نفسيا أولا من أجل التحول عن المفاهيم القديمة إلى قلب ما هو جديد نافع والأخذ بهذا المبدأ يضمن شيئين هامين .
     أ- الاستيعاب الكامل لهذا التكليف بحيث يتحول التشريع إلى عقيدة أو مبدأ.
    ب- ترجمة هذا الاستيعاب التام إلى أنماط سلوكية تؤثر في حركة الحياة وتدفع بها إلى الأمام  

ثانيا - تعبئة الموارد الطبيعية :
   حيث تشكل الموارد الطبيعية الجانب المادي من عمليات التنمية بصفة عامة وهي تشمل جميع الموارد المادية التي خلقها الله للإنسان وسخرها له وذللها له من أجل منفعته فأورد القرآن معظم هذه العناصر في عدة آيات من سورة واحدة ليلفت إليها أنظار البشر ويحث بها الناس في آخر كل آية على التفكر والتدبر والتأمل في خلق الله .

1 - محمد البشير فرحان ،مرجع سابق،ص181.
حيث يقول تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ،يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ، وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ، وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ، وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)*.
 المطلب الثالث: تنظيم الموارد المالية للدولة والتشغيل الكامل للعمالة
أولا – تنظيم الموارد المالية للدولة .
    إذ يعتبر النظام المالي انعكاسا صادقا لكل من النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المجتمع ، والنظام المالي في الإسلام له من الخصائص والصفات العامة ما تميزه بها عن غيره من النظم المالية الأخرى ، إذ أنه يعكس تأثير التعاليم الدينية على جميع المعاملات فيه ويوضح آثار انعكاس تلك التعاليم عليه الأمر الذي يفر السبب الحقيقي في حدوث ذلك التقدم السريع والتطور الحاصل في الدولة الإسلامية في العهد النبوي وعصر الخلفاء الراشدين مما يؤكد على أن أدوات النظام المالي في الإسلام قد حققت جميع أهدافها وأدت كل وظائفها على أكمل وجه في كل من الإيرادات العامة والنفقات العامة للدولة على النحو التالي :
1 - فمن حيث الإيرادات العامة :
      فقد حققت الدولة الإسلامية حصيلة ضخمة من الأموال نتيجة تعدد مصادر التمويل التي شرعها الإسلام التي من بينها الزكاة والغنائم والفيء والجزية كما قررت بعض الإعفاءات المتنوعة لكل من العاجزين والمساكين .
2 - أما من حيث النفقات العامة:
     فقد ساعدت سياسة الإنفاق في الدولة الإسلامية على تأمين حاجات الفقراء الضرورية ، ورفع مستوى معيشتهم والقضاء على مظاهر الفقر في المجتمع الإسلامي وتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي في الدولة المسلمة فكان ذلك سببا في تهيئة المناخ النفسي السليم للأفراد وتحقيق الاستقرار السياسي في المجتمع وهما من أهم مقومات عملية التنمية الاقتصادية1 .

* سورة النحل، أية 10-14.
1 - موفق محمد عبده ،مرجع سابق ص94.
ثانيا-التشغيل الكامل للعمالة .
    وهو رابع المبادئ الإسلامية الهادفة إلى تحقيق التنمية الاقتصادية في الإسلام حيث إن العمل هو الوسيلة الوحيدة للإفادة من موارد الطبيعة التي خلقها الله لعباده ،فالعمل يساهم في زيادة الإنتاج ويعمل على جلب الثروات فيؤدي ذلك إلى رفع مستوى المعيشة للأفراد وتحقيق الرفاه الاقتصادي في المجتمع المسلم .وتعددت وسائل الإسلام في محاربة البطالة والقضاء على كافة البواعث النفسية التي تقلل من فاعلية الإنسان وتقعده عن العمل ومن تلك الوسائل ما يلي1:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( و الذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه) البخاري.
2 - نبذ الإسلام الإعراض عن العمل بدعوى التوكل على الله.
3 - حث الإسلام على العمل في أي مكان على وجه الأرض فمن ضاق به العيش في مكان إقامته، هاجر إلى مكان آخر سعيا في طلب الرزق .
4 - أجبر الإسلام العامل المتخصص على أداء العمال التي لا يتوفر لها عدد من القائمين عليها، حتى يتم تلبية جميع الحاجات اللازمة للناس من إنتاج هذا العمل فمثلا:
      إذا كان الناس يحتاجون إلى فلاحة قوم ولا يجدون من يؤديها ويقوم بها صارت هذه الأعمال مستحقة على الجميع فيجبر ولي الأمر القادرين عليها للقيام بها ولا يجعلهم يطالبون الناس بزيادة عن هذا العرض ،
5 - حث الإسلام جميع العاملين على إتقان العمل المباح وطلب منهم مراعاة الجانب الأخلاقي في أعمالهم2 .
المطلب الثالث: تحقيق العدالة في التوزيع.
    وهو المبدأ الأخير من المبادئ الإسلامية في إقامة دعائم التنمية الاقتصادية في الدولة المسلمة ، حيث يهدف الإسلام إلى تحقيق عدالة التوزيع ، لأن المشكلة التي تواجه العالم اليوم ، ليست مشكلة إنتاج بقدر ماهية مشكلة توزيع ، فان ما يتم إنتاجه في الوقت الحاضر أو مستقبلا يكفي حاجات الناس ومع هذا فإن المشكلة الاقتصادية تزداد حدة يوما بعد يوم3.

1 -  احمد محمد المصري ، الإدارة في الإسلام،مؤسسة شباب الجامعة،الإسكندرية،2003ص82.
2-  احمد يوسف ،المال،في الإسلام،القاهرة،1991،ص46.        3-  محمد احمد ثابت ،مرجع سابق ص95.
 وقد حدد الإسلام أحكاما خاصة من أجل تحقيق عدالة التوزيع والتملك منها على سبيل المثال ما يلي1:
1 - ألغى الإسلام الحمى، وبذلك يكون قد نفى مبدأ السيطرة على الأرض وحمايتها بالقوة.
2 - منع تملك المياه المكشوفة الطبيعية كالبحار والأنهار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون شركاء في ثلاث : في الماء والكلأ و النار وثمنه حرام )قال أبو سعيد الماء الجاري
3 -قرر بأن العمل هم أساس التملك للثروات الطبيعية وأصدر عدة أحكام توضح ذلك منها:
        أ – أنه من أحيا أرضا ميتة فهي له، ومن حفر على معدن حتى يكشفه فله أن يتملك الكمية التي كشفت عنها الحفرة فقط.
       ب- للفرد أن يتملك أي مصدر من مصادر الثروة الطبيعية بالحيازة كأن يحصل على الحيوان بالصيد والخشب بالاحتطاب والماء من النهر بوضعه في إناء والحجر الطبيعي بحمله.
















1  -إبراهيم قاسم رحاحة،مرجع سابق ،ص115.


خلاصة الفصل:

    وبتطبيق هذه المبادئ الإسلامية تتحقق أهداف التنمية الاقتصادية الشاملة والتي تنحصر أهدافها في تحقيق الإشباعات القصوى لجميع الحاجات ولكل الأفراد في المجتمع وتحقيق عدالة التوزيع لجميع العوائد من هذه العمليات التنموية بصورة سليمة .  
     كما وضعت الشريعة القواعد والأصول المالية التي تنظم الموارد والنفقات والموازنة العامة التي تقوم عليها خطة الدولة الإسلامية من حيث النشاط الاقتصادي والاجتماعي وغيرها من الأنشطة والوظائف التي تقوم بها الدولة وتحتاج لمخصصات مالية.


















الفصل الثاني






خصائص و أصول الاقتصاد الإسلامي وضوابط المعاملات المالية






تمهيد :
 
    سوف  نخصص هذا الفصل لدراسة خصائص وأصول الإقتصاد الإسلامي وضوابط المعاملات المالية وذلك من حيث صفات وخصائص طبيعة المال والملكية في الإسلام والقيود الواردة عليهما والتوازن الاجتماعي والاقتصادي الذي يسعى لتحقيق صالح الفرد والجماعة في إطار مبادئ الشرع الحنيف .
    هذا وتتمثل خصائص الإقتصاد الإسلامي في بيان طابعه التعبدي وكونه يجمع بين الثبات والتطور وأنه يفي بالحاجات المادية والروحية للإنسان وأنه يجمع بين صالح الفرد وصالح الجماعة .
 أما أصول الإقتصاد الإسلامي فنحاول أن نعرف من خلالها موقف الشريعة الغراء من المال والملكية بوصفها ملك لله وأن الإنسان أو المجتمع مستخلف عليهما ونعالج مدى تدخل الدولة في حرية الفرد الاقتصادية لتطبيق شرع الله من ناحية ومن ناحية أخرى لتحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي اللذين حرصت عليهما تعاليم الشرع الحنيف .
 أما الشطر الثالث فسنحاول معرفة ماهية القواعد والضوابط الفقهية في المعاملات المالية .
 وسندرس هذه الضوابط بالتفصيل ونأخذ على ذلك أمثلة من الواقع .
ويشمل هذا الفصل مايلي :
 المبحث الأول : خصائص الاقتصاد الإسلامي
المبحث الثاني : أصول الاقتصاد الإسلامي .
المبحث الثالث: القواعد و الضوابط الفقهية قي المعاملات المالية.







المبحث الأول : خصائص الاقتصاد الإسلامي
  تنوعت خصائص الإقتصاد الإسلامي إذ أن هذا الاقتصاد جزء من كل ، أي جزء من الشرع الحنيف ، ومن ثم تأثر هذا الاقتصاد بالنواحي التعبدية الواردة بالدين  كما أن الشرع الإسلامي لم يبين كل التفصيلات الخاصة بالاقتصاد بل أورد المبادئ الكلية وترك التطبيق والتفصيل ليناسب مع كل وقت ومكان وأن الطابع التعبدي لا يعني اقتصار الشرع على الناحية الروحية بل حمل في طياته بعض النواحي المادية المنظمة ، والتي تهدف في النهاية لتحقيق صالح الفرد والجماعة1 .
المطلب الأول : الطابع التعبدي للاقتصاد الإسلامي2 .
  قلنا فيما سبق  أن المذهبين  الرأسمالي  والاشتراكي  يقومان على  فلسفة مادية  بحتة،  سواء بنظرتهما للنشاط الاقتصادي أم للإنسان القائم عليه. وكان من آثار ذلك هدفها يتعلق بالكسب المادي سواء للفرد أو للجماعة وأنهما ينظران الى أن خضوع الفرد للعقيدة يؤدي لعرقلة نشاطه وحريته مما يترتب عليه عدم تواجد الجوانب الروحية والأخلاقية التي تحفز الفرد على مواصلة مجهوده من ناحية وفساد الأخلاق والقيم من ناحية أخرى .
   وما سبق يناقض ما جاءت به الشريعة الإسلامية حيث أن الهدف مما جاءت به الشريعة هو عبادة الله ومراقبته والخوف منه، وأن القاعدة الأساسية في دراسة النظام الاقتصادي عدم فصله عن العقيدة بوصفها ركيزة السلوك الإنساني في شتى الأمور ، بوصفها أيضا أنها جزء من كل متماسك ومتناسق ، الأمر الذي انعكس على النشاط الاقتصادي ذاته الذي يجب أن يمارس في دائرة الحلال والحرام.  وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغى به وجه  الله " وهذا  العمل الذي  يقصد  به وجه الله  تعالى والقيام  بحق  الناس استجابة  لطلبه  تعالى ومرضاته كإصلاح الأرض و اعمارها ومنع الفساد فيها يعد عبادة مستمرة وصدقة ،  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مسلم يزرع زرعا أو غرس غرسا فأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة " ومصدر التزام المسلم بحدود الله السابقة راجع لذاته لأنه جزء من إيمانه وعقيدته.


1 – مصطفى عبد الحميد درويش ،الملكية في القانون والاسلام،مجلة مجلس الدولة،مصر ،1962،ص143.
2  - حسين محمود،مرجع سابق،ص64.
    خاصة في ظل رقابة الله تعالى لكافة ما يقوم به الفرد ومحاسبته عليه حيث يقول تعالى " وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً )*  ، ويضاف لذلك المصدر الذاتي للالتزام مصدرا خارجي لامح للإنسان فيه وهو قوة الشرع الإسلامي الذي يحدد السلوك الإنساني وخاصة في المجال أو النشاط الاقتصادي وضوابطه في إطار الحلال والحرام وذلك لتصحيح مساره كلما حاد عن تعاليم الله ومن ذلك النص على منع أنشطة معينة كالربا من أجل صلاح الأفراد والمجتمع .
المطلب الثاني: الاقتصاد الإسلامي يجمع بين الثبات و التطور .
  لقد جاء الإسلام بمبادئ وقواعد كلية عامة تنظم المجال الاقتصادي وإنه ترك التفصيلات والنواحي العملية لاجتهادات وآراء الفقهاء في ضوء هذه المبادئ والقواعد من خلال ظروف كل مجتمع سواء كانت ظروفا مكانية أو زمنية وأن هذه المبادئ والقواعد الواردة بالقرآن والسنة ثابتة لا تتغير ولا يجوز الخلاف حولها مهما تغيرت الظروف وتطورت الأمور لأنها تتعلق بالحاجات الأساسية اللازمة لكل من الفرد والمجتمع .
   ولتوضيح ذلك ذهب بعض الفقهاء إلى أن مصادر التشريع الإسلامي مرنة فيما لا نص فيه وساير مصالح الناس وتطورهم ، فنصوص القرآن فيها ، ولا تتطور أحكامها يتطور البيئات وتطور المصالح  ، أما تشريع الأحكام العملية كالأحكام المدنية الاقتصادية مما تختلف باختلاف البيئات وتطور المصالح فلم تتعرض نصوص القرآن لها بالتفصيل حيث اقتصرت على الأحكام الرئيسية والمبادئ العامة التي لا خلاف عليها وترك لكل أمة اجتهادها ففي مجال الإقتصاد ، اقتصرت على بيان حق الفقير وبعض الأمور الأخرى مما يدل على مرونتها1 .
  وبناء عليه فإن نظم الحكم الإسلامي صالح لكل عصر في حدود تفكيره  . محققا في نفس الوقت للمبادئ التي وضعها أساسا للحضارة الإنسانية لا يحيد عنها  . ولا يجري على نقيضها حيث لن يتعرض أحد فيقول : إن مراعاة التطور الفكري والعلمي الذي انتهى الناس إليه والملائمة بينه وبين النظام الإسلامي للحكم ،فيها ما يخالف هذه المبادئ وما دام النظام نفسه يقوم في حدود هذه المبادئ .


* سورة الإسراء ،اية13-14.
1  - عبد المجيد مزيان ،مرجع سابق،ص156.
 ويضيف الفقهاء إلى هذا قولهم : أن القواعد العامة الواردة بالقرآن قليلة وأنها تتناول التفاصيل إلا في أمور محصورة وانه في مجال المبادئ الاقتصادية الواردة لا ترضى عن الفردية المطلقة الواردة بالمذهب الاقتصادي الرأسمالي القائمة على أساس من الأنانية الذاتية التي لا حد لها ، بل على العكس من ذلك فإن مبادئ القرآن تحث على تضامن الجماعة وتدعو إلى مبادئ الرحمة الإنسانية التي تعبر في  الإسلام  قاعدة  مقررة  وأنه  على  الأمة  الإسلامية  أن تعبر في طريق التطور الطبيعي للحياة الإنسانية   والحقيقة أن الإسلام وضع لنظام الحكم في مجال السياسة  والاقتصاد  مبادئ عامة وترك التنفيذ لظروف كل مجتمع وفي هذه المبادئ وخاصة المبادئ  الاقتصادية  مبدأ الشورى حيث وردت آيات من القرآن الكريم تشير له بصفة عامة  دون التعرض للتفصيل حيث يقول تعالى حاثا رسوله صلى الله عليه وسلم على الشورى :( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ .)*. وقوله أيضا ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)**.
وغيرهم  من الآيات التي تدل على المبادئ دون أن نشير لكيفية التطبيق حيث تختلف طرائق تحقهها باختلاف الأمم من غير  إهمال لمعناها ومن ثم فالإسلام وضع المبادئ العادلة في مجال السياسة والاقتصاد وفي أن الناس سواء وأنه يجب تهيئة الفرص لكل القوى لكي تظهر الطاقات المختلفة المتفاوتة وتوسد كل طائفة ما تهيئه له طاقتها بحسب ظروف الزمان والمكان ومادامت تحقق في النهاية الصالح العام.
المطلب الثالث: الاقتصاد الإسلامي يجمع بين المصالح المادية و الحاجات الروحية .
  إن نشاط الاقتصادي في المذاهب الوضعية ( الرأسمالي والاشتراكي ) يقتصر على تحقيق المصالح المادية وهذه المصالح تسعى لربح الأفراد في المذهب الرأسمالي وتمثل إشباع الحاجات العامة وتحقيق الرخاء المادي في المذهب الاشتراكي ولأن هذه الأهداف مادية في ذاتها فهي مهددة بالفشل أو الصراع بين الأفراد وها هو الاقتصاد في الدول الاشتراكية مثل روسيا قد فشل واعترته النكبات والأزمات وبالنسبة للدول الرأسمالية فإن الصراع فيما بينها وبين الدول الأخرى على أشده .

* سورة آل عمران ،أية 159.
 **   سورة الشورى،آية 38.
  وعلى النقيض من ذلك فان النشاط الإنساني في النظام الإسلامي يجمع بين المصلحة المادية والطابع الديني ، وهذه المصلحة المادية في الشرع الحنيف ليست مطلوبة لذاته وإنما هي وسيلة لتحقيق صالح البشر و اعمار الأرض ومن ثم تحقيق شرع الله والجزاء عنه في الآخرة ..
  وهذا وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن معنى الوسطية في الإسلام عند المفسرين هي وسط بين الروحانية والمادية أي أنها لم تهمل الروح وتهذيب النفس وتربية الوجدان وهي تنظر للأمور المادية ، فهي نظام مثالي ، لأنها تجمع بين المادة والروح وهذا نابع من كونها شريعة الفطرة لا تعاندها ولا تقاومها ، وهي شريعة الروح لأنها ترفع الإنسان وتهذب النفس وبمعنى آخر فإن الوسطية لم تهمل جانبا على حساب آخر والدليل على ذلك منها التجرد في العبادة فقط والانقطاع عن الناس وذلك لأن العبادات تصلح المجتمع وتهذيب النفس وتربي الضمير .
 المطلب الرابع : الاقتصاد الإسلامي يجمع بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة.
        يهتم المذهب الرأسمالي بصالح الفرد ويقدمه على صالح الجماعة وعلى العكس منه فإن المذهب الاشتراكي يهدف لصالح الجماعة ن وقد انعكس ذلك على النشاط الاقتصادي حيث يؤمن المذهب الأول بمبادئ الحرية الفردية الكاملة ونظام السوق وحق الملكية المطلقة وأنه يجب على الدولة أن لا  تتدخل في النشاط الاقتصادي وتبقى على حيادها بين الأفراد ويفسرون ذلك بأن تدخلها يعوق المجرى الطبيعي المفيد للفرد والمجتمع وقد ظلت هذه الفلسفة مسيطرة على الفكر الرأسمالي حتى ظهرت عيوب مبادئه ، وهو الأمر الذي وجه أصحاب المذهب الاشتراكي إلى الأخذ بمبادئ ملكية الدولة لوسائل الإنتاج وتحديد الأجور وإتباع سياسة التخطيط المركزي ، ومع مرور السنين رأينا انهيار النظام الاقتصادي الروسي كأحد النماذج التي تطبق مبادئ المذهب الاشتراكي وفي ذات الوقت هناك الصراع القائم بين الدول الرأسمالية والذي حاولوا إنهاءه باتفاقيات التجارة الدولية (الجات ) . 1  . أما الشرع الإسلامي فهو الوسط في كل ذلك حيث راعى ذاتية الفرد وكيان الجماعة لا من ناحية المادية فقط بل النواحي الإنسانية  المختلفة حيث لم ينكر حق الإنسان في التملك وحمايته بشرط عدم إضراره بالجماعة وحيث رتب الإسلام على أصحابها حقوق كالزكاة ، وهذا الاشتراك في مال الأغنياء في صورة تعبدية مثله كمثل باقي الفروض كالصلاة والصوم .


 1  - محمد القنجري،المذهب الاقتصادي في الإسلام،مصر،1976،ص49.
 وخلاصة الشرع الإسلامي في مجال النشاط الاقتصادي الأمور الثلاثة التالية 1 :
    أ- أن الشرع مناط التشريع الإسلامي في مجال الاقتصاد هو المصلحة التي تختلف باختلاف الزمن والمكان .
   ب- أن السياسة الاقتصادية في الإسلام تقوم على الموازنة والتوفيق بين صالح الفرد وصالح الجماعة.
  ج – أنه في الظروف التي يختل فيها التوزيع ولا يتوافر حد الكفاية فإنه لا تحترم الملكية الخاصة ويضحي بالمصلحة الفردية لتحقيق صالح الجماعة .



















1  -بقاش شهيرة، رسالة ماجستار،الضريبة في النظام المالي الإسلامي،جامعة الجزائر،2006-2007.

المبحث الثاني : أصول الاقتصاد الإسلامي .

     ندرس أصول الاقتصاد الإسلامي من خلال موضوعات يتعلق أولها بالمال في الإسلام ونخص ثانيها بالقيود التي تفرضها الدولة الإسلامية على النشاط الاقتصادي وتدخلها فيه ، أما الموضوع الثالث فيتعلق بازدواج الملكية في الإسلام وتنتهي بإيضاح التوازن الاجتماعي كأحد الأصول التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي .
المطلب الأول: المال في الإسلام 1
       يتطلب موضوع المال في الإسلام تعريفه وبيان خصائصه ثم تقسيماته ثم توضيح مفهومه لدى الاقتصاديين مع تمييزه عن مفهومه في الإسلام وأخيرا نبين توجهات الإسلام بالنسبة للمال.
 أولا: تعريف المال .
    هو اسم للقليل والكثير من المقتنيات فهو اسم للأرض التي غرست نخلا أو ما يملك من الذهب والفضة وما يمكن ادخاره للانتفاع به وقت الحاجة والتصرف فيه على وجه الاختيار
ثانيا: خصائص المال في الإسلام .
 من التعريفات السابقة للمال يمكن إبراز الخصائص التالية :
1- أن المال يميل إليه الإنسان كالذهب والفضة والأرض والثمار وغيرها على ما هو دونه فلا يقبل عليه كالتراب وغيره.
2- أن يكون غير آدمي فالإنسان لا يصلح أن يكون محلا للمال .
3- أن يكون محرزا فعلا أو يمكن إحرازه أي يكون في مكنة وسيطرة مالكه
4- أن يتحقق منه النفع وقت الحاجة إليه كالثمار والذهب وغيرها .
5- أن يكون مما يجري فيه البذل والمنع أي  يعتبره المجتمع شيئا ذا قيمة أو منفعة الأمر الذي يؤدي إلى حمايته والمحافظة عليه وأنه في حالة إتلافه يضمه متلفه أي يطلب العوض عنه .



1  - صالح مفتاح ،الموارد المالية للدولة في الاقتصاد الإسلامي،رسالة ماجستار،جامعة الجزائر،1994 ،ص79.
 ثالثا : المال والثروة بين الإقتصاد الوضعي والإسلام .
1- يقسم الاقتصاديون المال إلى أموال مباشرة أو استهلاكية وأموال إنتاج ويقصدون بالأموال المباشر أو الاستهلاكية الأموال ذات المنفعة المباشرة للإنسان أو هي الأموال المعدة لإشباع حاجات الأفراد كالغذاء والوقود والسكن.
 أما أموال الإنتاج فتشمل موارد الطبيعة كالأرض والآبار والحيوانات والموارد الأولية وأدوات الإنتاج كالآلات والمنشآت ولهذا تسمى الأموال غير مباشرة وهي تستخدم لإنتاج أموال اقتصادية جديدة .
2- يفهم الاقتصاديون الثروة على أنها الأشياء التي تشبع حاجة الإنسان بصفة مباشرة أو غير مباشرة أيضا الثروة هي المخزون من السلع الاقتصادية التي تشبع الحاجات والموجودة في وقت معين وتنقسم إلى ثروة الفرد وثروة الدولة.
 ومن ثم فالثروة أموال ذات شروط معينة تتمثل فيما يلي1 :
       أ - أن يكون قابلة للتملك بعكس الهواء أو الحرارة الشمس رغم أهميتها.
      ب – أن تكون محددة الكمية بالنسبة للأشياء التي تشبع الحاجات أي يتوافر شرط الندرة.
      ج – أن تكون ذات قيمة تجارية أي قابلة للتصرف فيها مقابل مال .
3- يعرف الاقتصاديون المنفعة بأنها الأشياء والخدمات التي تشبع حاجات الإنسان ويقسمون المنفعة إلى منفعة شكلية ومنفعة زمنية وخدمات شخصية ويقصدون بالمنفعة الشكلية تحويل المادة الاقتصادية كالدقيق إلى الخبز وبالنسبة للمنفعة المكانية فهي تقل السلع الاقتصادية من مكان إلى آخر أما المنفعة الزمانية فهي تخزين السلع إلى وقت طلبها وأخيرا يقصدون بالخدمات الشخصية التي تؤدي إلى إشباع الحاجة كعلاج الطبيب وعمل المهندس أو المدرس وغيرهم .
4- الثروة والمنفعة لدى الفقه الإسلامي .
    أ-تعد الثروة عند الفقه الإسلامي مالا  إذا توفرت فيها الشروط التالية:
- أن يقبل فيها التصرف .- أن يضمن من يقوم بإتلافها .- أن تكون مما يبيح التصرف فيها



1  -أميرة مشهور، مرجع سابق،ص81.
    ب – المنفعة لدى الفقه الإسلامي :
هي الفائدة المقصودة من الأشياء والأعيان المالية مما يمكن حيازته بنفسه كالسكن وقراءة الكتب، ويلزم لديها شروط هي:
- أن يكون مشرعة ومن ثم فالخمر لا يتحقق فيها المنفعة.
-  أن يرجع في مالية الشيء أو نفعه للعرف الجاري
-  أن تشبع حاجة الإنسان .
   رابعا : تنبيهات الشرع الإسلامي بالنسبة للمال .
   المال في الإسلام له وظيفة اجتماعية فهو ليس لمصلحة صاحبه فقط ولكن مخصص أيضا لصالح الجماعة ومن ثم يلزم على صاحب المال أن ينميه لسد حاجته وحاجات من حوله بما لا يتعارض مع تعاليم الشرع الحنيف.
 وتنمية المال إلى تكامل الدورة الاقتصادية له وبما يعود بالخير على المجتمع ككل وذلك بسبب إقامة فرص العمل لأفراد المجتمع وبتسهيل حاجات الأفراد منه.
 وبناء على ما سبق فالفرد ملتزم بالتوجيهات التي قررها الشرع بالنسبة للمال سواء في الحصول عليه أو كيفية إنفاقه واستثماره وتتمثل هذه التوجيهات فيما يلي:
1- عدم استغلال الفرد لأخيه بسبب المال أو إهدار كرامته.
2- عدم حبس المال عن التداول بين الناس أو اكتنازه بين أشخاص معينين.
3- استخدام الفائض عن حاجة الفرد في خدمة المجتمع .
المطلب الثاني: تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي.
 إن المذاهب الوضعية التي يسير عليها النشاط الاقتصادي في بعض الدول تتمثل في المذهب أو النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي وقلنا سابقا أن النظام الرأسمالي يأخذ بالحرية الفردية المطلقة أي حرية الأفراد في ملكيتهم الخاصة وأنشطتهم الاقتصادية وعلى هذا الأساس يقوم النشاط الاقتصادي للدولة ومن ثم يأتي تدخل الدولة على سبيل الاستثناء وبهذا الكيفية فإن النشاط الاقتصادي يصبح بعيدا عن القيم المرتبطة بمبادئ العدالة والخلاق وأن الهدف العام هو الكسب المادي ومن ثم توجد المعاملات الربوية والإنتاج أو الصناعات المحرمة 1.
 
1  - محمد أمان زكي،موجز المالية العامة،دار حامد،عمان1996،ص123.
أما بالنسبة للنظام الاشتراكي فإن الأساس هو تدخل الدولة في كافة الأنشطة الاقتصادية وفقا للخطة القومية وأن الأساس الملكية هو الملكية العامة مما يترتب عليه قلة النشاط الاقتصادي الخاص.
   ورأينا أن الإقتصاد الإسلامي يضع للمشروعية أي للأفراد الحرية في النشاط الاقتصادي ولكن في دائرة الحلال وبعيد عن الأنشطة المحرمة مع الحث على مشروعية الحصول على المال واستثماره تحقيقا للخير العام . وحول موضوع تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وحرية الأفراد الاقتصادية نبحث موضوعين :

أولا : حدود النشاط الاقتصادي بين الأفراد والدولة .
 يحكم هذا الموضوع قاعدتين :
     القاعدة الأولى : الحرية الاقتصادية للأفراد .
    تقوم مبادئ الشرع الحنيف على أساس حرية الأفراد في نشاطهم الاقتصادي وملكيتهم الخاصة ما دامت تقوم على أسبابها المشروعة ولم تحقق ضررا للأفراد .
     والنشاط الاقتصادي يقوم على حق تملك الأموال الاقتصادية سواء تمثلت هذه الأموال في أموال استهلاكية أم أموال مباشرة تشبع حاجات الأفراد وتحقق النفع المباشرة لهم أم تمثلت في أموال انتاجية تتعلق  بالعقارات والآلات التي يقوم عليها هذا النشاط وهذه الحرية أو هذا الحق السابق مباح ومصون في الإسلام من خلال أدلة الشرع حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه" كما صانت مبادئ الإسلام هذه الحرية أو هذا الحق عن طريق وضع ضوابط وشرط لكيفية تدخل الدولة سواء لتحقيق سلامة المعاملات أو تحقيق شرعيتها وكيفية اخذ الحقوق والواجبات وسنوضح ذلك في القاعدة الثانية.
القاعدة الثانية: حق الدولة في التدخل في النشاط الاقتصادي.و تقوم على ثلاثة أمور .
-الأمر الأول: التدخل المباشر للدولة في النشاط الاقتصادي.
-الأمر الثاني: التدخل غير المباشر للدولة في النشاط الاقتصادي.
-الأمر الثالث: توجيه النشاط الاقتصادي.


1  - محمد أمان زكي،مرجع سابق،ص139.
-الأمر الأول: التدخل المباشر للدولة في النشاط الاقتصادي :
    قلنا إن الأصل هو قيام الأفراد بالنشاط الاقتصادي ولكن هناك من الأمور التي يجب على الدولة أن تقوم بها منها المرافق العامة والصناعات البترولية والثقيلة والتعليم والصحة إلى غير ذلك من إقامة الجسور والهواتف والسكك الحديدية وهذا التدخل من قبل الدولة هو تدخل تكاملي أو تعاوني يقوم إلى جانب النشاط الاقتصادي الخاص بالأفراد وذلك بغرض تحقيق الصالح العام
-الأمر الثاني:  التدخل غير المباشر للدولة .
 وهي مجموعة الإجراءات الرامية لتحقيق مقاصد الشرع في الجانب الاقتصادي لنشاط المجتمع والتي يجب على ولاة الأمور القيام به لتحقيق صالح المسلمين .وهذه السياسة في شقها الاقتصادي تتمثل في مراقبة الأسواق من حيث مشروعيتها والقيام على تنظيمها أو بمتابعتها.
   وتتمثل مجالات تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي فيما يلي1 :
1- تحقيق سلامة ومشروعية هذا النشاط كمنع الربا والمعاملات غير المشروعة أو الاحتكار .
2- حماية النشاط الاقتصادي من العدوان والسرقة وغيرها .
3- أخذ الحقوق والواجبات التي تتعلق بهذا النشاط كالزكاة .
4- نزع الملكية الخاصة لبعض أدوات الإنتاج للنفع العام .
-الأمر الثالث: توجيه النشاط الاقتصادي ( التخطيط الاقتصادي )2
   إن تركيب الدولة في العصور المتقدمة وكبر  تعدادها وكبر حجم أنشطتها وبخاصة النشاط الاقتصادي يتطلب توجيها واعيا لكافة أنشطتها وبخاصة النشاط الاقتصادي حتى تتحقق التنمية الاقتصادية الشاملة ويمكن إشباع حاجات الأفراد لتحقيق الصالح العام والتقدم الاقتصادي المنشود .ويتمثل هذا التوجيه الواعي فيما يسمى التخطيط العام للأهداف الدولة المراد تحقيقها سواء على مدار الزمن الطويل أم القصير ويتمثل التخطيط العام لأنشطة الدولة في طياته النشاط الاقتصادي . ويعد التخطيط مطلبا شرعيا يقوم على اعتبارات موضوعية قوامها معايير محسوبة واضحة لتحقيق الأهداف المرجوة بأقل وقت وهو من فروض الكفاية على كل من الأفراد والدولة.



1  - عبد المجيد هيكل ،التخطيط الاقتصادي واستغلال العمالة،دار النهضة،القاهرة،1988،ص90-91.
ثانيا : نهج الدولة الإسلامية في الملكية الخاصة والحرية الاقتصادية:
  نبين في هذا المجال أربعة أمور أساسية :
 أ- نهج الدولة في مجال استخدام المال :
  حثت نصوص القرآن والسنة الشريفة الدولة على رقابة طرق استخدام المال عند صاحبه منه وتعامله مع الآخرين مع تدخلها في حالة المعاملات غير المشروعة أو صرف المال على غير مقتضى المصلحة أو الإسراف والتبذير فيه أو الإضرار بالغير طبقا لما يلي :
 - منع المعاملات غير المشروعة كالربا وتجارة الخمر وغيرها:
 - فبالنسبة للربا:
  يقول تعالى ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)*. والأدلة على ذلك كثيرة .
  - وبالنسبة لعدم أكل أموال الناس بالباطل :
  يقول تعالى : ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بالإثم وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )** .
- امابالنسبة للتجارة غير المشروعة : سواء في جنس العمل أو كون التجارة مشروعة وما يترتب عليها غير مشروع ، فبالنسبة للتجارة غير المشروعة كبيع الخمر واللحم الخنزير إلى غير ذلك أما بالنسبة للتجارة المشروعة وما يقوم عليها من عمل غير مشروع كالتطفيف في الميزان .
- وبالنسبة لمنع الإسراف أو التبذير : يقول تعالى ( يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ  الأعراف وقوله " إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً الإسراء )***.
- وبالنسبة لمنع الاحتكار : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من احتكر فهو خاطئ " صحيح مسلم ، ولهذا يحق لولي الأمر أن يحدد سعر البيع ويكره المحتكر على طاعته .
- بالنسبة لمنع الأضرار بالغير : منعت الشريعة الإضرار بالغير نتيجة قيام الأفراد بأنشطتهم الاقتصادية بل ان الشرع بلغ في منع الإضرار بالغير حد نزع الملكية من صاحبه على الرغم من أنها تدر دخلا ونفعا لصاحبها .

* سورة البقرة اية285.            ** سورة البقرة آية 188.         *** سورة الإسراء آية 27.
   ب- عدم تعطيل المال عن النماء :
جاءت الآيات والأحاديث في عدم كنز المال أو تعطيله بما يعوق نماءه أو استثماره ويؤدي لفوات مصلحة على المجتمع أو أفراده ومن ثم يحق للدولة التدخل لإعادة الأمور إلى نصابها .
ج – منع تركيز الثروة في يد فئة معينة :
 تعد ملكية المال في يد صاحبه على سبيل الاستخلاف لأن الملك والمال لله1 ، وكما سنوضح في دراسة الملكة المزدوجة على أن على المستخلف مراعاة حق الله فيهما كما يحدثنا التاريخ أيضا أنه في عصر الدولة الإسلامية بالأندلس انتزعت الأراضي الزراعية من ملاكها الكبار ووزعت على الفلاحين البسطاء .
  د- نزع الملكية في صالح نفع المسلمين :
 يحق للدولة أن تنزع الملكية الخاصة ، لصالح نفع المسلمين2 وأساس ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حمى النقيع وهو موضع معروف بالمدينة لخيل المسلمين ومنع ملكيتها الخاصة وجعلها لعامة المسلمين والأمثلة في هذا الباب كثيرة حتى في عهد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه حيث قال لأصحاب الأرض عندما طلبوها: المال مال الله وعباده،والله لولا ما أحمل في سبيل الله ما حميت من الأرض شبرا في شبر.
المطلب الثالث: الملكية المزدوجة والتوازن الاجتماعي

الفرع الأول : الملكية المزدوجة :
  تعتبر الملكية بصفة عامة سلطة على مال يستخلف فيه الفرد لمدة من الزمن قد تطول أو تقصر ويقصد بالملكية المزدوجة الملكية الخاصة والعامة ، وسوف نرى في هذا المطلب معنى الملكية ومفهوم الملكية في النظام الوضعي وطبيعة الملكية في الإسلام ومضمون الاستخلاف ونطاقه وحماية حق الملكية والواجبات الواردة في حق الملكية والآثار الواردة على حق الملكية .



1 ،2 – الشيخ محمد أبو زهرة ،مرجع سابق ص71.

 أولا: معنى الملكية:
    الملك احتواء الشيء والقدرة على الاستبداد به ، وملك أي شيء يملكه ، ليس له ملك أي ليس شيء يملكه له 1 والملكية في الإصلاح الفقهي هو " الملك هو الاختصاص بالأشياء ، الحاجز للغير عنها شرعا ، الذي به تكون القدرة على التصرف في الأشياء ابتداء ، إلا لمانع يتعلق بأهلية الشخص

ثانيا : الملكية في النظام الوضعي : (الرأسمالي والاشتراكي ) :
 يقوم النظام الرأسمالي الذي يأخذ بمبادئ المذهب الفردي الذي يهتم بالفرد على أساس حرية التملك للأموال سواء كانت عقارية أو منقولة أو تمثلت في وسائل الإنتاج منشآت وآلات وغيرها ويترتب على ذلك عدم تدخل الدولة في حق الملكية إلا في أضيق الحدود ومن ثم فإن نطاقه الملك الخاص والمشروعات الخاصة التي يقوم عليها النشاط الاقتصادي ، والحقيقة أن الملكية في هذا النظام حق مطلق لصاحبها يفعل كما يشاء ، وحق دائم أي مرتبطة بصاحبها .

   أما النظام الاشتراكي فينظر للفرد على أنه كائن اجتماعي تتأسس حقوقه من خلال المجتمع المتضامن إذ أن لكل فرد وظيفة اجتماعية تهدف للصلح العام أو صالح الجماعة ، ومن ثم فإن الأساس هو من ملكية الجماعة أو ملكية الدولة لكافة وسائل الإنتاج بمعنى أن الملكية الجماعية هي أساس النشاط الاقتصادي للدولة ، ومن ثم يضيق نطاق الملكية الخاصة في هذا النظام على العكس ما رأينا في النظام الرأسمالي الذي يعد الملكية الخاصة للنشاط الاقتصادي2 .
 
    وفي المقابل لنظامين السابقين فإن الإسلامي يزاوج بين الاتجاه الفردي الوارد بالنظام الرأسمالي كأساس لملكية النشاط الاقتصادي وبين الاتجاه الجماعي الاشتراكي فأساس للنشاط الاقتصادي، ولكن بمفهومه ومبادئه الواردة بالشرع الحنيف.


1  - مصطفى درويش،مرجع سابق،ص142.
2  - احمد أبو إسماعيل،أصول الاقتصاد،دار النهضة العربية،مصر،1993،ص93-94.

ثالثا: طبيعة الملكية في الإسلام 1: تقوم الملكية في الإسلام على الحقائق التالية :

    الحقيقة الأولى: أن كل ما في الوجود ملك لله.
   الحقيقة الثانية : أن نعم الله مسخرة للناس .
   الحقيقة الثالثة: الدولة والفرد خلفاء على حق الملكية.
   الحقيقة الرابعة: تكامل الملكيتين الخاصة والعامة.

الفرع الثاني : التوازن الاجتماعي
 
 أشرنا إلى أن المال أو الملك في يد صاحبه على سبيل الاستخلاف أو الإبانة ، وأن هذا يعني أن المال أمانة ومسؤولية يجب أن تراعي الشروط والضوابط التي وضعها الله تعالى ومنها تحقيق التوازن الاجتماعي وهو أهم الأهداف التي من أجلها جاءت المبادئ الشرعية التي نظمت النشاط الاقتصادي والملي في الإسلام .
  وهذا يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية ووسيلته في ذلك التوازن الاجتماعي فالإسلام يستهدف بكافة مبادئ الاقتصادية والمالية إقامة العدالة الاجتماعية بأن يضمن لكل فرد العيش الكريم أو حد الكفاية 2 حيث يقول تعالى:( يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) *






1 – محمد شوقي،مرجع سابق،ص68.
2 – بقاش شهيرة، ،مرجع سابق،ص125.
* - سورة الأعراف أية 31-32.
المبحث الثالث : القواعد والضوابط الفقهية في المعاملات المالية :
 
 هناك خمس قواعد كبرى في الإسلام وهي:
المطلب الأول: الأمور بمقاصدها1.
    تعتبر هذه القاعدة من القواعد الخمس الكبرى التي ذكرها العلماء في كتب القواعد حيث اعتبروها القاعدة الأولى ، وذلك لأنها تحدد صحة عمل العبد من فساده ، والأساس لفعل الأحكام الشرعية .
الفرع الأول: معنى القاعدة .
هذه القاعدة بينة المعنى واضحة العبارة، فهي تعني أن النية معتبرة في كل عمل يقوم به المكلف ، ويدور العمل مع النية ، فتجعل الشيء حلالا أو حراما ، وصحيحا أو فاسدا ، أو صحيحا من وجه ، فاسدا من وجه آخر .
 الفرع الثاني : أدلة القاعدة
أولا : الأدلة من القرآن .
1- قوله تعالى : (..وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .)* .
2- قوله تعالى :( .... وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا... )**.
 وجه الدلالة : أن الله تعالى نص على أن الرجعة إنما تثبت لمن قصد الصلاح ، وأما من قصد الضرار فلا تجوز له الرجعة.
3- قوله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )***.
وجه الدلالة: بين الله أن الخلع المأذون فيه، إنما يباح إذا ضنا أن يقيما حدود الله.


1 – ابراهيم علي الشال نالقواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية ،دار النفائس،الاردن،2002،ص116.
 *  سورة البقرة،اية228.
** سورة البقرة،اية231.
***  سورة البقرة،اية229.
ثانيا: الأدلة من السنة النبوية:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى..."
وجه الدلالة: بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الأعمال بحسب النيات، وأن الذي يقرر صحة العمل من فساده هو النية، وهذا علم في جميع الأعمال سواء كانت عبادات أو عادات.
الفرع الثالث: الفروع الفقهية لهذه القاعدة
  يندرج تحت هذه القاعدة ما لا يحصى من المسائل الجزئية إلا أننا سوف نقتصر على ذكر المسائل الخاصة في المعاملات المالية:
أ- بيع العينة:
    وهو أن يبيع سلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها منه بأقل من الثمن حلاً.
وصورة هذه المسألة: أن يكون شخص محتاجا لمال فيذهب إلى صاحب محل فيشتري منه مثلا جهاز تكييف (1500) درهم مؤجلة، ثم يشتري البائع من المشتري الجهاز بألف درهم نقدا حالا أي يسدد فورا، فيكون المشتري قد أخذ ألف درهم نقدا ويرد للبائع (1500)درهم إلى أجل ويكون هذا هو الربا.
ب- بيع التورق:
   وهو أن يشتري سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها لغير البائع بأقل من قيمتها من أجل النقد.
وبيع التورق شبيه ببيع العينة في أن المتباعيين محتاجان إلى النقد، إلا أن في بيع التورق يبيع السلعة لغير البائع، وفي بيع العينة يبيعها للبائع.

المطلب الثاني:  اليقين لا يزول بالشك 1
الفرع الأول:  معنى القاعدة
   تعريف اليقين لغة:
 هو العلم وإزاحة الشك وتحقيق الأمر، وهو نقيض الشك.
 وفي الاصطلاح:
 هو اعتقاد الشيء بأنه كذا، مع اعتقاد أن لا يكون إلا كذا مطابقا للواقع، غير ممكن للزوال.

1  - ابراهيم الشال، مرجع سابق،ص121.
فالقيد الأول (اعتقاد الشيء بأنه كذا) جنس يشتمل على الظن أيضاً.
القيد الثاني (مع اعتقاد ألا يكون إلا كذا): يخرج الظن    
القيد الثالث( مطابقا للواقع): يخرج الجهل.
القيد الرابع (غير ممكن الزوال): يخرج اعتقاد المقلد المصيب.
 تعريف الشك لغة:
 جمعه شكوك، وهو نقيض اليقين، وهو التردد بين شيئين، سواء استوى طرفه أو رجح أحدهما على الآخر.
   إذا فيكون معنى القاعدة، أن الإنسان إذا تيقن من فعل الشيء، أو عدم فعله، ثم طرأ على هذا اليقين شك، فإن هذا الشك يكون غير معتبر، ولا يجوز للمكلف أن يلتفت إليه.
الفرع الثاني: أدلة القاعدة:
يمكن الاستدلال لهذه القاعدة بعدة أدلة منها:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيئا أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحاً"
2- عن عبد الله بن زيد – رضي الله عنه – قال: شكي إلى النبي صلى عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال" لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحاً."
وجه الدلالة:
    بين النبي صلى عليه وسلم في هذين الحديثين أن الأصل في الإنسان المتوضئ أن يكون على طهارة، ولا يصرف عن هذا الأصل بمجرد الشك أو الظن، فيبقى الإنسان على يقينه وهو الطهارة، ولا يخرج من هذا، ولا يخرج من هذا الأصل إلا إذا تيقن الحدث، كأن يسمع صوتا، أو يجد ريحاً.
الفرع الثالث: الفروع الفقهية للقاعدة:
الأصل في العادات العفو والإباحة، ولا يحظر منها إلا ما حظره الشارع، وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى:( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ )*.

* سورة يونس الآية 59.
ولهذا  ذم  الله  المشركين  الذين  شرعوا  ما لم  يأذن به الله في سورة الأنعام حيث قال جلا و علا: ( وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)*.
المطلب الثالث: المشقة تجلب التيسير
    الفرع الأول : معنى القاعدة
هذه القاعدة واضحة بينة المعنى، ففي تعني بمعناها العام أن الأحكام التي تترتب على تطبيقها مشقة وعناء على المكلف،فإن الشريعة تخففها عليه وتيسر له حتى يستطيع القيام به.
الفرع الثاني: أدلة القاعدة:
أدلة هذه القاعدة كثيرة من الكتاب والسنة، نذكر بعضا منها:
أولاً: الأدلة من الكتاب
1- قوله تعالى:( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً )**. قوله تعالى: ( شهر رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)***.
2- ثانياً: الأدلة من السنة:
1- عن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تجاوز من أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه."
2- عن أبي هريرة رضي لله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه".
 الفرع الثالث: الفروع الفقهية للقاعدة
1- مفسدة الغرر أقل من الزنا، لذلك رخص الشارع فيما تدعو إليه الحاجة، وذلك لأن تحريمه أقل ضرراً من ضرر الربا، وذلك مثل بيع الحيوان الحامل أو المرضع، وإن لم يعلم مقدار الحمل أو اللبن "
2- جواز بيع الحب والثمر في قشرة كالباقلاء، و الجوز والحب في سنبله، وبيع المغيبات في الأرض، وذلك لأنه مما تدعو إليه الحاجة.
* سورة الانعام،اية138.
** سورة النساء اية 28.      *** سورة البقرة اية 185.
 المطلب الرابع: لاضرر ولا ضرار1
الفرع الأول: معنى القاعدة:
   هذه القاعدة تنص على منع الضرر وتحريمه مطلقا، ويشمل ذلك الضرر العام والخاص، وتمنع وقوع الضرر قبل وقوعه بطرق الوقاية الممكنة، ورفع الضرر عند وقوعه بما يمكن من التدابير التي تزيل آثاره، وتمنع تكراره.
    الفرع الثاني: أدلة القاعدة
 لهذه القاعدة أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، منها:
قوله تعالى:( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )*.
    بين الله في هذه الآية عدم جواز الإضرار بالزوجات، ولا يجوز للزوج أن يمسك للزوجة من أجل أن يدخل الضرر عليها، فهو إما أن يمسك زوجته بالمعروف، ويحسن عشرتها، أو يطلقها إذا كرهها، أو إذا كانت العشرة بينهما مستحيلة.
 الفرع الثالث: الفروع الفقهية للقاعدة :
1  - لا يجوز تلقي السلع قبل أن تجيء إلى السوق، وذلك لأن البائع قبل أن يهبط السوق يكون جاهلاً بقيمة السلع، فيغره المشتري فيشتري من السلعة دون قيمتها، لذلك أثبت البائع الخيار، وذلك لدفع الضرر عنه.
2 - لا يجوز غبن المسترسل، وهو الذي لا يماكس، بل الذي يقول: خذ وأعطني، ويكون جاهلاً بقيمة المبيع، فيبيع السلعة أكثر من  ثمنها بكثير، فهذا المسترسل يثبت له الخيار لدفع الضرر عنه.
المطلب الخامس: العادة محكمة2
الفرع الأول: معنى القاعدة
أي تحكيم العرف في أمور المسلمين،حيث وضع العلماء شروطاً للعمل بالعرف، حتى يكون حجة للعمل به.

* سورة البقرة اية 231.     1-2  احمد الشال مرجع سابق ص156.
 و هذه الشروط:
1- أن تكون العادة والعرف مطردة أو غالبة.
2- ألا يخالف العرف نصا شرعياً من كتاب أو سنة، وذلك لأن الأصل في العرف أنه لا يعمل به إلا إذا تعذر نص شرعي في المسألة، فإذا لم يوجد النص عمل بالعرف، ولا شك أن يكون هذا العرف موافقا للأحكام الشرعية، غير مخالف لها، فإذا تعارف الناس مثلاً على شرب الخمر، أو لعب الميسر أو خروج النساء عاريات، أو القيام بالبدع، فإن هذا العرف غير مقبول.
ولا يجوز العمل به، أمل إذا لم يخالف الأحكام الشرعية، وكان موافقا للأصول العامة جاز العمل به.
 الفرع الثاني: أدلة القاعدة
    أولا: الأدلة من القرآن
1- قوله تعالى: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )*.
2- قوله تعالى( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )**.
ثانياً الأدلة من السنة:
    عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفي وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)
فهذا الحديث بين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر العرف في نفقة المرأة، حيث لم يحدد لها شيئا معينا، بل أن تأخذ من مال زوجها بقدر حاجتها بالحسنى وهذا لا يعرف إلا بالعرف.

الفرع الثالث:  الفروع الفقهية للقاعدة:
1- الإذن العرفي في الإباحة أو التمليك أو التصرف بطريق الوكالة، كالإذن اللفظي.
2- إذا كان رجل متحدثاً لأمير في تحصيل أمواله ذ، وكان العلاف يقتضي أن يكون له العشر، فله أن يأخذ العشر، بإذنه أو بغير إذنه.


* سورة البقرة اية 228.
** سورة البقرة اية 233.




خلاصة الفصل:

    إن ما شرعه الله فيه صلاح الدنيا والآخرة وكذلك فان الشريعة ليست تطهير الروح فقط وان كان ذلك مهم ولكنها أيضا غاية في اصلاح الجماعة الانسانية وتطهيرها من شهواة البشر.
     لا يعني اقتصار الشرع على الناحية الروحية بل حمل في طياته بعض النواحي المادية المنظمة ، والتي تهدف في النهاية لتحقيق صالح الفرد والجماعة.


























الفصل الثالث





الموارد و النفقات المالية وتكامل النظام الاقتصادي والمالي في الإسلام











تمهيد :

   يقتضي الإنفاق العام أن يلتزم بمبادئ الشرع الحنيف لتحقيق الأهداف المرجوة. أما الموازنة فهي المعادلة والمقابلة والمساواة بين الموارد المالية الإسلامية وأوجه الإنفاق المختلفة وهو ما تحرض عليه الدولة الإسلامية تنفيذا لتعليمات الخالق جل وهلا حيث يقول " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولو يقتروا كان بين ذلك قواما "  والقوام يعني الوسط والاعتدال كما سيتضح في هذا الفصل الذي  قسم إلى:
المبحث الأول : الموارد والنفقات المالية في الإسلام والموازنة العامة
المبحث الثاني: تكامل النظام الاقتصادي والمالي في الإسلام.














المبحث الأول: الموارد والنفقات المالية في الإسلام والموازنة العامة

إن من مقاصد الشريعة الإسلامية حماية الدين والعقل و النسل والعرض والمال والنفس1 ،فكان لابد للدولة الإسلامية من موارد وأموا للقيام بالوظائف المناطة بها فكانت من مواردها الزكاة والخراج والجزية والعشور وسوف نتطرق إلى كل واحدة منها على حدة .

المطلب الأول: الموارد المالية في الإسلام.
أولا: الزكاة:
   الزكاة فريضة مالية فرضها الله تعالى حقا للفقير في مال الغني وهي تشكل أساسا أهم للموارد الضرورية للدولة وقد حدد الشارع شروطا معينة لابد من توفرها في المال حتى يكون قابلا للزكاة كما بين الأوعية الخاضعة لها وحدد مصادرها .
خصائص2 الزكاة :
 يمكن حصر أهم خصائص الزكاة في النقاط التالية :
- زرع المحبة والمودة بين الناس لأن الناس جبلت أنفسهم على محبة من أحسن إليهم.
- دفع آفات المجتمع كالجريمة والسرقة و البغض والحسد.
- لم يترك أمر يترك دفعها وجمعها للأفراد، وإنما هو واجب الدولة، فهي تتولى مهمة جمعها أو تحصيلها وتوزيعها.
- الملك التام وهو قدرة المالك على التصرف فيما يملك تصرفا تاما.
- النماء بان يكون المال الذي تجب فيه الزكاة ناميا كنبات الأرض والأنعام أو قابلا للنماء وعروض التجارة والمعادن كالذهب والفضة.
- النصاب هو مقدار معين من المال محدد شرعا لا تجب الزكاة في أقل منه
- حولان الحول: يعني يكون قد مر على النصاب المدة المحدودة لاستحقاق الزكاة وهي الحول أي اثنا عشر شهرا.


1  - سامي رشيد خلف،النظرية الاقتصادية الإسلامية،دار النفائس ،الأردن،1991.
2  - يوسف القرضاوي ، مرجع سابق ص326.
- الحرية: فلا تجب الزكاة على العبد.
- الإسلام: فلا زكاة على الكافر بالإجماع.
- البلوغ والعقل وهما شرطان للتكليف.

ثانيا: الخراج
  إن للخراج أهمية كبير ة للدولة الإسلامية بما توفره من جزء كبير من الإيرادات وسنتناول مقدار الخراج ووعاءه وأنواعه .
ا- الخراج وأنواعه:
   يعرف الخراج على أنه ضريبة تفرض على الذمي في أرضه التي فتحها المسلمون عنوة فالخراج تكليف مالي يفرض على أرض الذمي التي فتحت تحت تصرفه أي تركها المسلمون تحت تصرف أصحابها .
  إن الخراج  يختلف عن الزكاة في أن الإمام الحق في أن يغير فئات الخراج كيف يشاء بما يحقق مصلحة الأمة ، وذلك أن حصيلة الخراج كانت تستعمل لمقابلة مرتبات الجند وللعطاء للأمة الإسلامية جمعاء بينما كانت محددة المصارف1.
1-1 خصائص الخراج :
  يتميز الخراج من الخصائص يمكن إجمالها في النقاط التالية:
- الخراج مورد من الموارد الدولة ويهدف لتحقيق التوازن الاجتماعي بين من يملكون ومن لا يملكون في الزمن الواحد.
- الخراج ضريبة سنوية تجيء المرة في السنة.
- الخراج ضريبة إقليمية .
- الخراج ضريبة صغار تفرض على الذمي صغارا له، وهي ضريبة أرض وعامة .
1-2 – وعاء ضريبة الخراج :
  تفرض الضريبة على الأرضين وقد أجمع الفقهاء على أن الأرض التي يستولي غليها المسلمون ويفرض عليها الخراج  صنفان .


1  -  بقاش شهيرة ،مرجع سابق ،ص79.
الأرض التي فتحت صلحا :
   هذه الأرض يتحدد حكمها على أساس ما جاء في عقد الصلح، ويمكن أن ينص في العقد على أن يصبح ملكا للمسلمين وإما على أن تبقى لأصحابها.  ففي  الحالة الأولى  تدخل في أملاك الدولة ، وفي الحالة الثانية يوضع عليها الخراج ويؤدي إلى بيت المال .
الأرض التي فتحت عنوة:
  وهذه الأرض الخراجية التي فتحت عنوة إذا أسلم أهلها فإن الخراج لا يسقط بإسلامهم ، فمن أسلم منهم فله الخيار في أرضه إن شاء أقام فيها يؤدي عنها ما كانت تؤدي وإن شاء تركها فيأخذها الإمام مع ما في يديه
1-3- مقدار الخراج :
 يختلف مقدار الخراج باختلاف أمور ثلاثة :
 أ – درجة خصوبة الأرض فيزيد الخراج على الأراضي الجيدة ذات الإنتاج الوفير عنه في الأراضي غير الخصبة ضعيفة الإنتاج
 ب- نوع المحاصيل المزروعة بالأرض .
 ج- الطريقة التي تروى بها الأرض فإن ما تلزمه مؤونة في سقيه لا يتحمل من الخراج مثلا ما يتحمله سقي الزرع بالأمطار و السيول ، فلابد لواضع الخراج مراعاة اختلاف الارضين

ثالثا: الجزية:
    تعرف الجزية بأنها فريضة مالية يلتزم بها أهل الذمة الذين يعيشون في دولة الإسلام مقابل إعفاءهم من القتال وما يتمتعون به في دولة الإسلام من حماية وطمأنينة1.
يقول الماوردي الفرق بين الجزية والخراج ثلاثة أوجه :
 - الجزية نص والخراج اجتهاد .
 - أقل الجزية مقدر بالشرع وأكثرها مقدر بالاجتهاد والخراج مقدر بالاجتهاد
 - الجزية تأخذ مع بقاء الكفر وتسقط بحدوث الإسلام، بينما الخراج يؤخذ مع الكفر والإسلام.



  1  -ابن القيم ، احكام اهل الذمة ، دار العلم للملايين ،بيروت،1961.
خصائص الجزية :
  على ضوء ما سبق يمكن حصر الخصائص فيما يلي:
 - الجزية ضريبة شخصية تفرض على الشخص الذمي باعتبار إقامته في الدولة الإسلامية
 - الجزية ضريبة سنوية لا تجيء من الذمي إلا مرة في السنة.
 - الجزية تجيء من الذمي فقط ، ولا تأخذ من المسلم المرتد .
شروط فرضية الجزية :
 يشترط لفرض الجزية على الذمي توفره على مجموعة من الشروط .
 - الذكورة والبلوغ: ولا تجب الجزية على الصبي والمرأة لعدم الأهلية
- الحرية:  لا تجب الجزية على العبد لأن العبد محقون الدم ولا مال له فهو أشبه بالنساء والصبيان والعاجز فإن كان العبد لكافي فالأصح عدم وجوب الجزية عليه لأن أسيادهم قد تحملوا بسبهم زيادة في الجزية  فلا بوجب عليهم أكثر من ذلك .
- العقل: لا تجب الجزية على المجنون لعدم الأهلية وهذا إذا كان جنونه مطبقا.
- الصحة: لا تجب الجزية على المريض إذا مرض السنة كلها أو أكثرها لأن الأكثر حكم الكل لأنه لا يقدر على القتال فلا تجب عليه الجزية.
 - القدرة على أداء الجزية :  حيث لا تجب على فقير غير معتل لا يعمل..

- سقوط الجزية:
   إن الجزية كما بينها بدل عن الحماية العسكرية  التي تقوم بها الدولة  الإسلامية لأهل ذمتها في المرتبة الأولى فإذا لم تستطع الدولة القيام بهذه الحماية لم يعد لها الحق في هذه الجزية ، وتسقط الجزية أيضا بإشراك أهل الذمة مع المسلمين في القتال والدفاع على دار الإسلام ضد أعداء الإسلام .
- سقوطها بالإسلام :
 من وجبت عليه الجزية من الذميين فأسلم أثناء الحول أو بعده تسقط عنه عند الحنفية وقال الشافعي إن أسلم بعد الحول لم تسقط عنه 1.


1  -شهيرة بقاش ،مرجع سابق،ص86.

  سقوطها بالموت :
    ذهب أصحاب المذهب الحنفي أن الجزية تسقط بالموت سواء أكان بالموت في أثناء الحول أو بعد انتهائه وللمسألة فيها أقوال محل بسطها كتب الفقه.
- سقوطها بالتكرار :
 قال الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد أنه إذا اجتمع على الذمي جزية سنين استوفيت منه كلها وقال أبو حنيفة إذا اجتمع عليه حولان تداخلت وسقطت جزية السنة الأولى.
رابعا : العشور
نتناول في العنصر ضريبة العشور ومقدارها وشروطها .
ضريبة العشور:
   العشور ضريبة  تفرض على  أموال  التجارة  الصادرة  من  البلاد  الإسلامية  و الواردة إليها ، والضرائب الجمركية  هي  ما  عرف  في الفقه الإسلامي باسم العشور وهو ما يؤخذ على التجارات التي تمر بثغور الإسلام داخلة أو خارجة سواء مر بها مسلم أو معاهد  أو الذمي1 .
  وذلك بواسطة الدولة وهي  تطبيق لمبدأ المعاملة بالمثل حيث كان التجار المسلمين تفرض عليهم ضرائب عند دخولهم أو مروهم  بديار الكفر ، وقد تطور مفهوم العشور في عهد هارون الرشيد ليتمثل كذلك تجارة الكفار العابرة للبلاد الإسلامية ( وهي تماثل رسوم العبور في الوقت الراهن ) .
- مقدار ضريبة العشور :
    العشور ضريبة بمقتضاها يحق لدولة الإسلام اقتضاء عشر2 من تلك  التجارات  التي تمر بوطن الإسلام إن كانت مملوكة لغير مسلم ولقد نشأ هذا النوع من الضرائب الإسلامية نتيجة مبدأ المعاملة بالمثل .



1  - سعيد ابو الفتوح،الحرية الاقتصادية في الاسلام،دار الوفاء،القاهرة،1988،ص185.
2  - يوسف ابراهيم يوسف،مرجع سابق،ص94.

- سياسة الإسلام في العشور :
       اتبع المسلمون في فرض العشور سياسة حكمية تصلح أن تكون نواة صالحة لعلاقة اقتصادية عظيمة لو اتبعا المصلحون ونهجو على منوالها إذا راعـوا في فرضها المصلحة أيا كانت وأحاطوا بسياج منيع من العدل والرفق وعدم الإرهاق حتى لنراهم في كثير من الأحيان  لا يشتدون في أخذها من غيرهم ، فمن ذلك إذا أخذ الحربيون من تجار المسلمين كل ما معهم فإنهم لا يعاملونهم بمثل هذه المعاملة القاسية ، يتركون لهم فضلا يوصلهم إلى مأمنهم .
  كذلك قرروا بعض الأصناف التي ترد للمسلمين إذا كان لهم إليها حاجة فإن الضريبة تخفض بالنسبة لها ، وقد تقتضي المصلحة بعدم أخذ هذه الضريبة إذا كان المسلمون في شدة الحاجة لما يدخل بلادهم ، والحكمة في هذا الإعفاء واضحة لأنهم نظروا فوجدوا أن الضريبة وان كان يدفعها التاجر إلا أنه يضيفها على ثمن بضاعته فيكون الدافع لها في الواقع هو المستهلك وفيه ما لا يخفى من الضرر عليه ولا يؤخذ العشر منهم إلا مرة واحدة في السنة ما أهو يترددون في الإقليم1 .
وعلى العاشر أن يكتب لهم وثيقة بذلك تكون حجة لهم إذا مروا بعاشر آخر فلا يأخذ منهم مرة أخرى.

المطلب الثاني: النفقات العامة في الإسلام.
   النفقة العامة هي جزء من المال من بيت مال المسلمين بقصد إشباع حاجة عامة حيث تتحدد هذه النفقة بما تحصله الدولة الإسلامية من الموارد المالية .
  الفرع الأول: مصارف الزكاة
  وردت مصارف الزكاة في القرآن الكريم حيث يقول تعالى: « إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ." *.


1  - النواوي عبد الخالق، النظام المالي في الاسلام دار الكتب القاهرة 1973،ص114.
*  سورة التوبة اية 60.

ومن ثم فمصارف الزكاة تنحصر في :
 أولا وثانيا : الفقراء والمساكين
      هم الذين لا يجدون كفايتهم وكفاية عائلتهم لا من نقود حاضرة ولا من رواتب ثابتة ولا من صناعة قائمة ولا من علة كافية ولا من نفقات على غيرهم واجبة فهم في حاجة إلى مواساة ومعونة وثم فالفقراء والمساكين يجمعها معنى الحاجة إلى الكفاية حيث لا تحل الزكاة لغني أو قوي مكسب1 .
 ثالثا : العاملون عليها :
    العاملون على الزكاة هم الذين يحبونها ويحفظونها ونحو ذلك ويشترط في عمال الزكاة
- أن يكون حرا .
- أن يكون مسلما .
- أن يكون عادلا .
-أن يكون عالما بأحكام الزكاة .
رابعا : المؤلفة قلوبهم :
 صنف الماوردي المؤلفة قلوبهم إلى أربعة أصناف :
1- صنف تتألف قلوبهم لمعونة المسلمين.
2- صنف تتألف قلوبهم للكف عن المسلمين.
 3- صنف تتألف قلوبهم لترغيبهم في الإسلام.
 4-  صنف تتألف قلوبهم ترغيبا لقومهم وعشائرهم في الإسلام.
 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي السادة المطاعين في عشائرهم ثم جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومنع هذا  السهم الخاص بالمؤلفة قلوبهم وذلك لزوال السبب بقوة دولة الإسلام2 .



 1  - حسين حامد ، مرجع سابق ص221.
2   - صالح مفتاح ،  مرجع سابق ص267.
خامسا : في الرقاب
 وهم عدة أنواع :
- نوع يأخذ من الزكاة لإعتاق العبيد به .
- نوع يأخذ من الزكاة لفك أسرى المسلمين .
- نوع أخير وهوا عطاء العبد الذي اتفق مع سيده على تقديم مال في سبيل إعتاقه فيعطى من الزكاة .
سادسا : الغارمون
هم الذين  عليهم ديون لا يجدون وفاءها فيعطون وقاء ديونهم ولو كان كثيرا إلا أن يكونوا غرموه في معصية لله تعالى فلا يعطون حتى يتوبوا1  .
سابعا : في سبيل الله
ذهب  جمهور الفقهاء إلى أن المقصود  بهم  هم  الغزاة والمرابطين لحماية  الثغور أي ما ينفق  في لجهاد ، وفي تفسير فخر الرازي على  أنها  تشمل  كل  ما يعم  مصالح  المسلمين2 .

ثامنا : ابن السبيل
 هو من انقطعت به الأسباب  وكان في سفر بحيث لا يستطيع الانقطاع بحاله فيأخذ من الزكاة ولو كان غنيا لأنه ناء بعيد عن ماله .

الفرع الثاني: مصارف الصالح العام
 يقول ابن تيمية أما المصارف  فالواجب أن يبدأ في القسمة بالأهم فالأهم من مصالح المسلمين العامة كعطاء من يحصل للمسلمين به منفعة عامة فمنهم المقاتلة وأما سائر الأموال السلطانية  فلجميع المصالح وقفا إلا ما خص به نوع كالصدقات والمغنم وص المستحقين ذوي الولايات عليهم كالولاة والعلماء والسعاة للمال وكذا صرفه في الإيمان والأجور لما يعم نفعه من سداد الثغور بالكراع بالخيل والسلاح وعمارة ما يحتاج إلى عمارته من طرقات الناس كالجسور والقناطر وطرقات المياه كالأنهار.

1، 2  -  السيد سابق ، فقه السنة ،دار الكتاب ،مصر ،1986.
  ومن ثم فالموارد المالية الإسلامية المحصلة من الجزء الأكبر من مال الغنيمة طبقا لما سبق ومن الخراج ومن الجزية ومن العشور التي تحصل من تجار غير المسلمين ومن الخمس وفقا لرأي بعض الفقهاء يوجه إنفاقه للصالح العام .
  ويقصد بأوجه الإنفاق العام رواتب أولى الأمر والقضاة وأهل الفتوى من العلماء والجند وخدمات المرافق العامة من تعليم وصحة  والإنفاق أيضا على ما يتصل بالعلوم التي تؤدي إلى زيادة العمران وحفظ الحياة ، وعلوم الشريعة الأمر الذي يؤدي لمجتمع المتقين الأخيار .(1)
  ويهدف الإنفاق العام في الإسلام إلى جعل كلمة الله هي العليا وتقدم المجتمع وتحقيق سياسة مالية معينة ومن ثم تناط فيما يلي الأهداف التالية :
أولا : جعل كلمة الله هي العليا .
ثانيا : أداة لتقدم المجتمع .
ثالثا : أداة لتحقيق سياسة مالية معينة .

أولا : الإنفاق العام يهدف إلى جعل كلمة الله هي العليا .
     ذهب ابن تيمية إلى أن الهدف من الإنفاق العام جعل كلمة الله هي العليا بوصف أن الدولة الإسلامية جهاز اجتماعي فعال وظيفته تنمية الحياة الإنسانية وفقا للمبادئ والقواعد التي وضعها الدين الإسلامي ، ومن خلال ذلك فإن النفقات العامة تعد أحد وسائل إعانة أو إعالة الفرد بمراعاة مصلحته مع صالح الجماعة .
 ثانيا: الإنفاق العام أداة لتقدم المجتمع الإسلامي
     يهدف الإنفاق العام إلى إشباع الحاجات والخير العام وذلك بتوفير العيش الكريم ومتطلبات الإنسان ، وهذا يعني توفير المال للفقراء والمساكين وغيرهم مما يعني زيادة المستهلكين أي زيادة الإنتاج وزيادة العمل الأمر الذي يؤدي لإنعاش السوق وفي ذلك يقول المفكر الإسلامي ابن خلدون "الدولة والسلطان هي السوق الأعظم للعالم ومنه مادة العمران فإذا احتجز السلطان الأموال والجبايات أو فقدت فلم يصرفها في مصارفها قل ما بأيدي الحاشية وانقطع أيضا ما كان يصل منهم وقلت النفقة فيقع الكساد  فيقل الخراج ووبال ذلك عائد على الدولة .


1 – محمد احمد ثابت عريضة، مرجع سابق ص206.

ثانيا: الإنفاق العام أداة لتقدم المجتمع الإسلامي
     يهدف الإنفاق العام إلى إشباع الحاجات والخير العام وذلك بتوفير العيش الكريم ومتطلبات الإنسان ، وهذا يعني توفير المال للفقراء والمساكين وغيرهم مما يعني زيادة المستهلكين أي زيادة الإنتاج وزيادة العمل الأمر الذي يؤدي لإنعاش السوق وفي ذلك يقول المفكر الإسلامي ابن خلدون "الدولة والسلطان هي السوق الأعظم للعالم ومنه مادة العمران فإذا احتجز السلطان الأموال والجبايات أو فقدت فلم يصرفها في مصارفها قل ما بأيدي الحاشية وانقطع أيضا ما كان يصل منهم وقلت النفقة فيقع الكساد في الأسواق وتضعف الأرباح فيقل الخراج ووبال ذلك عائد على الدولة .
ثالثا: الإنفاق العام أداة لتحقيق سياسة مالية معينة :
    لقد استخدم الإنفاق  العام لتحقيق سياسة مالية في المجال الاقتصادي ومثل ذلك كتب عمر بن العاص حاكم مصر في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ما يصلح أهلها ثلاثة أشياء من بينها أن يؤخذ ارتفاعها ويصرف في عمارة ترعها وجسورها ، وهذا التوجه هو ما أمر به علي بن أبي طالب الأشتى النخعي عندما ولاه مصر حيث قال له وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلابي الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد
  ومن ثم فإن الإنفاق العام استخدم لتحقيق سياسة مالية معينة تتمثل في التقدم الاقتصادي والعمران على نحو ما سبق بالآضافة إلى تحقيق هدف اجتماعي أيضا .
المطلب الثالث : الموازنة العامة والرقابة المالية في الإسلام .
 الموازنة العامة هي بيان تقديري لنفقات الدولة و ايراداتها خلال فترة قادمة محددة من الزمان أو هي تقدير مفصل ومعتمد لنفقات الدولة و ايراداتها لمدة سنة مالية مقبلة ، هذا وقد حرص الإسلام على حسن اختيار من يقوم على الموازنة بتوجيههم ورقابتهم وحسن التدبير استنادا إلى أن العدالة ليست في وضع الموازنة بل في حسن تطبيقها وذلك لأن الموازنة تحوى الموارد المالية للدولة وأوجه إنفاقها 1.


1  - طه سلامي ،الرقابة على المال العام،دار المعارف،مصر،1987،ص91-92.
 ولهذا ربطنا دراسة الموازنة العامة بالرقابة المالية إذ أنه لا معنى للمبادئ أو القواعد ما لم يحسن تطبيقها وهذا التطبيق يحتاج رجالا أمناء ذوي ثقة مع رقابة أولي الأمر لهم.

  الفرع الأول: الموازنة في الإسلام
   يحكم الموازنة العامة في الإسلام عدة مبادئ تتمثل في:
1- مبدأ السنوية تعدلها الدولة لفترة مستقبلية مدتها سنة وذلك لأن الإيرادات يتم تحصيلها غالبا في مدة سنة كالزكاة والجزية وأيضا فإن أوجه الإنفاق العام يتم على أساس سنوي.
2- مبدأ ازدواجية الموازنة:
 تستثني الدولة الإسلامية وحدة الميزانية وذلك أن هناك موازنات مستقلة خاصة بيت مال المسلمين وموازنات أخرى تتعلق بالخمس وأخرى تتعلق بالفروق غير العادية كحالة الحرب والأزمات ومن ثم لا يجوز جمعها على نحو ما سلف .
3- مبدأ العمومية: ( مبدأ تخصص الإيرادات والنفقات ).
ويهدف هذا إلى محاربة التبذير والإسراف ومع ذلك فإن هذا المبدأ لا يطبق على إطلاقه لأن الإسلام يأخذ بالوسطية بين التخصص المطلق ورفض التخصيص
4- مبدأ توازي الموازنة:
 يقصد بهذا تساوي النفقات العامة بالايرادت العامة .
الفرع الثاني: الرقابة المالية في الإسلام 1.
    تشمل الرقابة المالية العمال في موارد الدولة الإسلامية وأوجه أخذ المال أو صرفه على النحو ما شرعه الله والرقابة تنقسم إلى قسمين:
 أولا : بالنسبة للعمال على موارد الدولة وأوجه إنفاقها:
   هذا العمل يدخل في باب الولايات المنبثق عن أداء الأمانة وتشمل الولايات من بين ما تشمل السعادة على الخراج والصدقات وغير ذلك من أموال المسلمين حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حد الصحابة موجها إياه في الخوف منها " أنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها "


1  - طه سلامي، ، مرجع سابق ص 105.
ويشترط في هؤلاء  الأمانة والقوة قال الله عزوجل ( إن خير من استأجرت القوي الأمين )*
 والقوة بحسب الولاية ففي الحكم بين الناس ترجع للعلم بالعدل مع القدرة على التنفيذ والأمانة ترجع إلى خشية الله وأن يشترط فيهم العفاف والصلح وأنه يجب الاحتياط فيمن تولى شيئا من أمر الخراج والبحث عن مذاهبهم والسؤال عن طرائقهم. ويجب أن يوفر لهم حق العيش الكريم.
ثانيا : بالنسبة للرعية
    أما بالنسبة للرعية فعليهم أن يوردوا ما عليهم من حقوق وأن يأخذوا ما يستحوذه وليس لهم أن يمنعوا السلطان ما يجب دفعه إليه من الحقوق وإن كان ظالما كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم  لما ذكر خبر الولاة حيث قال : " أدو إليهم الذي لهم فإن الله تعالى سائلهم عما استرعاهم " إنكم سترون بعدي أثرة وامورا تنكرونها ، قالوا فما تأمرنا يا رسول الله ؟قال أدوا إليهم حقهم واسألوا الله حقكم.
















* سورة القصص،آية 36.
المبحث الثاني: تكامل النظام الاقتصادي والمالي في الإسلام.
        ينبثق هذا التكامل الاقتصادي والمالي في الإسلام بوصفه فرعا من كل من خلال كل متماسك ومتناسق يجمع بين القواعد الكلية العامة الثابتة التي لا تتغير بتغير الظروف والأزمان وبين تلك التي تترك الاجتهاد الفقهاء في ضوء القواعد السابقة
المطلب الأول: الأصل العام لهذا التكامل الاقتصادي والمالي.

    والقاعدة العامة التي انطلقت منها الأسس السابقة هي عقيدة مستمدة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه وهي العقيدة تعد ركيزة السلوك الإنساني الذي يمارس في دائرة الحلال والحرام.
 والقاعدة الأخرى هي المساواة والعدل وبالنسبة للعدل فهو لعدل فهو الاعتدال والاعتدال والتوسط مطلوب في كافة الأمور 1 وبالنسبة للاقتصاد والمالية .
 يقول الله تعالى ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما  )*.

المطلب الثاني : التكامل الاقتصادي في الإسلام .
 
 قلنا إن الاقتصاد يعني الاعتدال والتوسط وفي الاصطلاح الشرعي يعني توجبه النشاط الاقتصادي للدولة وفق المبادئ والأصول التي قررها الشرع الإسلامي وأنه جزء من كل أي جزء من الشريعة الإسلامية التي تعد منهاج الحياة ..
 والشريعة على حد قول ابن قيم الجوزية مبناها وأسسها على الحكم مصالح العباد في المعاش وهي كلها وحكمة كلها سواء تمثلت مصالح العباد في الشؤون الاقتصادية أم الاجتماعية .
    ومن الحكمة أن الشرع أورد مبادئ وقواعد عامة تنظم المجال الاقتصادي ن وترك التفصيل والتطبيق لاجتهاد كل عصر بحسب ظروفه وأحواله وأصل هذا يرد في قوله تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج )**.( يريد الله بكم الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )***.

1  - حسين حامد، مرجع سابق ص 153-154.
* سورة الفرقان اية 67.      **  سورة الحج اية 78.    
*** سورة البقرة اية 185.
     وبالإضافة لما سبق فإن الإسلام يعني بالوسطية الجمع بين المادة والروح أي راعى بين المادية والحاجات الروحية فهو يدعو لإعمار الأرض والسعي للرزق ومن أن يترك ما يهذب النفس ويربي الوجدان فالإسلام شريعة الفطرة التي لم تأمر الناس بالعبادات فقط بل تحثها على العمل وأن العامل العابد خير من العابد العاكف في المسجد دون عمل ومبادئ الإسلام في المجال الاقتصادي تجمع أيضا بين صالح الفرد  وصالح الجماعة مع تقديم صالح المجتمع في حالة الضرورة كتقييده بحق الملكية أو حقوق الأفراد الاقتصادية أو الأخذ من مال الأغنياء ومن أمثلة ذلك البيع بسعر المثل للسلع والحاجات الضرورية ونزع الملكية للمنفعة العامة وغيرها من الأمور التي تستدعيها الأزمات والظروف غير العادية مع مراعاة أن الأصل هو احترام الملكية الخاصة والعامة في الظروف العادية وأن لكليهما دوره في المجتمع في إطار منظومة متكاملة تهدف لضمان العيش الكريم للفرد والخير العام للمجتمع الإسلامي أي تحقيق العدل الاجتماعي سواء بكفالة حق العمل أو إعانة الفرد في الظروف الخارجة عن إرادته كالعجز والمرض وغير ذلك وبهذا يقضي على المشكلة الاقتصادية التي تتمثل في الفقر والعوز .
من كل ما سبق يتضح أن مبادئ الإسلام في تنظيم النشاط الاقتصادي تجمع بين عبادة الخالق والسعي للرزق وبين النشاط الخاص بالأفراد والنشاط الخاص بالأفراد والنشاط الخاص بالدولة والتي تطبق في الظروف العادية والظروف غير العادية لاتجور به على حق من حقوق السابقة وتسيرها في إطار من النفع والخير العام ذلك لأن المنظم له في إطار هذا التجمع والكمال السابق الله العلي العظيم 1.

المطلب الثالث: التكامل المالي في الإسلام .
    إن مقتضى أحكام الشرع الإسلامي فيما يتعلق بمبادئ النظام المالي هو تحقيق التوازن الحسابي بين الموارد المالية للدولة الإسلامية وبين أوجه الإنفاق المتعددة من خلال سياسة مالية عالية تقوم على تدبير موارد الدولة الإسلامية ومصارفها على وجه يكفل سد النفقات التي تتطلبها المرافق العامة والمصالح المشتركة وحقوق الأفراد دون إرهاق لهم أو تفويت لمصالحهم الخاصة وذلك من خلال أخذ الموارد المالية وتوزيعها بحقها على مصارفها بحقها مع مراعاة المصلحة الأهم والاعتدال في الإنفاق .

1  - أميرة مشهور مرجع سابق ص217.
 وعن هذه السياسة المالية يقول الماوردي " إن تقدير العطايا وما يستحق من بيت مال من غير إسراف ولا تقتير ودفعه في وقت لا تقديم فيم ولا تأخير بما يعني الحصول على الموارد المالية بوجهة شرعية وإنفاقها في حلها وأوجه حقوقها بما يحقق النفع والخير العام1 .
  وهذه السياسة المالية العادلة أو الكاملة يقول فيها الشيخ عبد الوهاب خلاف " وخلاصة القول في السياسة الشرعية المالية أن الإسلام وضح الموارد المالية على أساس من العدل والرحمة والتوفيق بين المصلحة العامة ومصلحة أرباب الأموال وشرط في الأموال التي يجب الأداء منها وفي الأشخاص الذين يجب الأداء عليهم وفي مقدار الواجب ووقت أدائه شروطا تتفق وقواعد العدل ، والاقتصاد ورتب المصارف بحيث لا تهمل مصلحة من مصالح الدولة العامة وبحيث يجد ولاة الأمور سعة لتحقيق المصالح الخاصة وسد حاجة ذوي الحاجات حتى لايكونون خطرا على نظام المجتمع ورأى في جباية الإيراد وصرفه في مصارفه دفع الحرج عن أرباب الأموال من غير تفريط في المصالح العامة وشرع أحكام لمعاملة الحياة أرباب المال ومراقبة ولاة الأمر لهؤلاء الجباة على أساس  أنه  لا يحل لعامل أن يأخذ غير الواجب كما لا يحل لمالك أن يمتنع أي واجب وهذه نظم تكون نظاما ماليا عادلا على خير أساس ينشده علماء الإقتصاد وتتقبل كل إصلاح تقتضيه حال الأمم والعصور 2. وإنه كلما استقام أمر الدولة وسارت على نهج الذين اعتدل ميزانها المالي ولم يشعر أفرادها بعسف ولا إرهاق ولم تعمل مصلحة من مصالحه وكلما بعدت الدولة عن الدين اختل توازن المالي وزادت أعباء  الأفراد  وضاعت  مصالح  الدولة  فميزانية  الدولة  مرآة  عدلها  وجورها  ونظامها وفوضاها.








1 - شهيرة بقاش ،مرجع سابق ص165.
2  -مرابط فاطمة الدور المالي للزكاة في الاقتصاد رسالة ماجستار جامعة الجزائر،2003.



خلاصة الفصل:

  وخلاصة مبادئ النظام المالي الاقتصادي في الإسلام هو إتباع نهج الإلهي القويم الذي يهدف إلى العدل والرحمة وتحقيق الخير العام.
    و في السياسة الشرعية المالية أن الإسلام وضح الموارد المالية على أساس من العدل والرحمة والتوفيق بين المصلحة العامة ومصلحة أرباب الأموال وشرط في الأموال التي يجب الأداء منها وفي الأشخاص الذين يجب الأداء عليهم وفي مقدار الواجب ووقت أدائه شروطا تتفق وقواعد العدل
  والاقتصاد ورتب المصارف بحيث لا تهمل مصلحة من مصالح الدولة العامة وبحيث يجد ولاة الأمور سعة لتحقيق المصالح الخاصة وسد حاجة ذوي الحاجات حتى لايكونون خطرا على نظام المجتمع ورأى في جباية الإيراد وصرفه في مصارفه دفع الحرج عن أرباب الأموال من غير تفريط في المصالح العامة وشرع أحكام لمعاملة الحياة أرباب المال ومراقبة ولاة الأمر لهؤلاء الجباة على أساس  أنه  لا يحل لعامل أن يأخذ غير الواجب كما لا يحل لمالك أن يمتنع أي واجب وهذه نظم تكون نظاما ماليا عادلا على خير أساس ينشده علماء الإقتصاد وتتقبل كل إصلاح تقتضيه حال الأمم والعصور.








الخاتمة:

        تدور إشكالية الموضوع المعالج حول النظام المالي و الاقتصادي الإسلامي في نقطة أساسية تتمثل في ازدهار و تنمية الاقتصاد وحتى نستخلص إن كان النظام المالي الاسلامي يستطيع حل المشاكل و إشباع مختلف الحاجات و قد تبين لنا من خلال دراساتنا إن هذا الأخير قد سبق النظم الوضعية بشوط كبير و هذا ما قادنا إلى معالجة الموضوع في ثلاثة فصول معززين بخاتمة تتضمن ملخصا شاملا لها .

و لما كان النظام المالي الاسلامي تشريعي  الأصل بنيت قواعده و أسسه على الكتاب و السنة هذا ما بعث في الأفراد الشعور بالمسؤولية و روح الولاء و اخلاصا في تطبيقه و حرصا على تنفيذه بدقة فالوازع الديني هو الذي يميز النظام المالي الإسلامي عن أي نظام مالي آخر.

النتائج العامة للدراسة:

و قد توصلنا في بحثنا إلى ما يلي :

- إن الجهل بمفاهيم النظام المالي و الاقتصادي في الإسلام جعلنا نتخلى عن هذا النظام مما أدى بالشعوب إلى التخطيط في أخطاء  أنظمة الوضعية و هي تتجرع مرارا هذه الاخطاء يوم بعد يوم .
- إن مواد الدولة الإسلامية لا تتركز على الزكاة بشكل كبير و مستقل بل فقد عرف النظام الإسلامي الجزية و الخراج و العشور و قد بينا ذلك في هذا البحث .
- إن النظامين المالي و الاقتصادي في الإسلام هما نظامين بشكلان تكاملا فعالا .

 وانه كلما استقام أمر الدولة و الرعية و سارت على نهج الدين اعتدل ميزانها المالي و لم يشعر أفرادها بعسف و لا إرهاق .

وكلما بعدة اختل التوازن المالي و زادت أعباء الأفراد وضاعت الجماعة ومصالح الدولة.
   
    و خلاصة القول قد أصبح من المؤكد انه لابد من تطبيق معالم ديننا الحنيف في كل جوانب حياتنا و بالخصوص في الجانب المالي للنهوض بالدولة الإسلامية و النجاح في تعبئة الموارد لتحقيق التنمية .                    

آفاق البحث:

إن موضوع بحثنا هذا متشعب إذ يمكن تناوله من عدة زوايا، لهذا فإن الدراسة تحتاج إلى المزيد من التعمق و التحليل حتى يمكن الإلمام بالجوانب المختلفة للموضوع، خاصة في ما يتعلق بمدى تطبيق النظام الإسلامي ، لذلك نستطيع إن نقدم بعض العناوين التي تصلح لأن تكون بمثابة دراسات مستقبلية مثلا:
- واقع تطبيق النظام الإسلامي.
- علاقة النظام الإسلامي بالتنمية الإقتصادية.