هـــــــــــــــــــــام جــــــــــــــــــــدا: الدعوة إلى الله هي مهمة الرسل وأتباعهم

يوجد صفحات من موقع "دار الإسلام" مخصصة لمساعدة أصدقائكم من غير المسلمين عن طريقكم بدعوتهم إلى التعرف على الإسلام بأحد السُبل والخيارات التالية:
1- عن طريق صفحات لتعريف بالإسلام بأكثر من 90 لغة
2- عن طريق الحوار مع مختصين داخل الموقع للتحدث المباشر مع غير المسلمين والمسلمين الجدد
3- عن طريق كتب مميزة
4- عن طريق الأسئلة والأجوبة والفتاوى التي يسترشد بها لهداية الناس بمختلف اللغات
5- وطرق أخرى ستكتشفونها بأنفسكم
للدخول للموقع يرجى الضغط على الرابط التالي: https://islamhouse.com

أنظروا إلى فضل إدخال الناس للإسلام:

قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[فصلت:33]، وقال صلى الله عليه وسلم:لَئَنْ يَهْدِي بَكَ اللهُ رجلاً واحداً خيرٌ لكَ مِنْ حُمْرِ النعم متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله.رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أَجُورِ مَنْ تبعه، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً،رواه مسلم. فأبشر أخي الكريم، أختي الكريمة، فإن الله سيكتب لك أجر كل خير سيعمله من يسلموا بسببك، و أتمنى أن تجتهدوا في دعوة الناس إلى دين الله.

في الأخير لا تتردوا في نشر هذه الصفحة وشكرا






السبت، 23 يونيو 2012

النظام النقدي الدولي في ظل العولمة الاقتصادية

الفصـل الأول:  العولمة الاقتصادية دوافعها وأبعادها



مقدمة.
لقد شهد العالم والاقتصاد العالمي موجة تحرر التجارة العالمية بكل جوانبها، السلعية، وحقوق الملكية الفكرية والاستثمار المتعلق بالتجارة، والذي يعني إزالة كل القيود التي تقف عاتقاً أمام تحركات السلع والخدمات، ورأس المال، والعمالة إلى جانب تحرير التجارة العالمية، كانت هناك الثورة التكنولوجية والمعلوماتية بكل أبعادها، وتحول الاقتصاد العالمي بالفعل إلى قرية صغيرة متزامنة الأطراف، وأصبحت سوقاً واحداً تتسع فيه دائرة ومجال المنافسة بين الأعوان الفاعلين في هذا السوق، وهؤلاء أصبحوا ليسوا فقط الدول والحكومات، بل منظمات اقتصادية عالمية وشركات متعددة الجنسيات،
نحاول في هذا الفصل تحليل مفهوم العولمة الاقتصادية، ومختلف التقلبات الأساسية لها، وكذلك المحركات أو المؤسسات التي تسعى إلى قيام العولمة الاقتصادية بكل أبعادها، وخصائصها. كذلك مختلف التكتلات الاقتصادية، التي تجسد العولمة بكل خصائص على أرض الواقع، وكذلك مختلف الآثار الإيجابية والسلبية التي تنجم عن العولمة الاقتصادية عن طريق:
المبحث الأول: العولمة الاقتصادية، الأنواع والخصائص.
المبحث الثاني: مؤسسات العولمة وخصائصها.
المبحث الثالث : المشاكل التي تطرحها العولمة وكيفية مواجهتها.


المبحث الأول: العولمة الاقتصادية الأنواع والخصائص
إن العولمة مثيرة للجدل، نجم عنها فوائد كبيرة عن طريق زيادة الاندماج الاقتصادي والمجتمع العالميين، حيث ساهمت العولمة بقدر مهم في زيادة نصيب الفرد من الدخل الحقيقي في العالم، إلى مستوى لم يبلغه طوال تاريخه، عن طريق زيادة اندماج التجارة الدولية، والتدفقات الرأسمالية علـى المستوى العالمي، بالإضافـة إلـى الاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما أنها زادت من درجة التهميش بالنسبة للبلدان النامية، وزيادة معدلات الفقر. واتساع الفجوة بين العالم المتقدم تكنولوجياً والدول النامية، بالإضافة إلى اختلال التوزيع العالمي للدخل، هذه العلاقة الجديلة القائمة بين فوائد وسلبيات العولمة الاقتصادية نابعة من خصائص تعريف العولمة الاقتصادية وأنواعها، التي نحاول دراستها في هذا المبحث.
المطلب الأول: مفهوم العولمة الاقتصاديـة:
كثرت تعريفات العولمة، ولم تتفق الآراء على تعريف واحد وشامل وجامع لها لتشعب المحتوى الفكري للمفهوم. وخاصة من ناحية جانبه الاقتصادي، أخذ ينتشر على كافة المستويات الإنتاجية والمالية والتسويقية والتكنولوجية والإدارية. ولذلك نحاول تقديم مختلف التعاريف التي تحلل الجانب الاقتصادي للعوامة.
محمد الأطرش: تعني العولمة الاقتصادية كتعريف مثالي: اندماج أسواق العالم في حقول انتقال السلع والخدمات والرساميل، والقوى العاملة ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق، بحيث تصبح هذه الأسواق سوقاً واحدة كالسوق القومية".
حسب هذا التعريف المثالي، يتضمن أن هناك درجات من العولمة وكلما كان وضع أية دولة أقرب إلى هذا التعريف المثالي، كان وضع اقتصادها أكثر عولمة.
إن منطق الرأسمالية المهيمنة هو تعظيم الأرباح الخاصة، ولأجل ذلك تعمل في حقل التجارة الخارجية، وحقل الرساميل، إزالة كل القيود الخارجة والداخلة في وجه انتقال السلع والخدمات، ورساميل بغية تحقيق التوسع الخارجي، ودفع حالة الكساد عن النظام الرأسمالي.
عبد المطلب عبد الحميد: يشير مصطلح العولمة إلى عملية تعميق مبدأ الاعتماد المتبادل بين الفاعلين فـي الاقتصاد العالمي، بحيث تزداد نسبة المشاركة في التبادل الدولي، والعلاقات الاقتصادية الدولية لهؤلاء من حيث المستوى والحجم والوزن، في مجالات متعددة وأهمها السلع والخدمات، وعناصر الإنتاج، بحيث تنمو عملية التبادل التجاري الدولي لتشكل نسبة هامة من النشاط الاقتصادي الكلي، وتكون أشكالاً جديدة لعلاقات الاقتصادية الدولية في الاقتصاد العالمي.
هذا التعريف للعولمة، يركز على أنها عملية قائمة على تعميق الاعتماد المتبادل، وتحويل الاقتصاد العالمي إلى سوق واحدة تزداد فيه نسبة المشاركة في التجارة العالمية، على أساس إعادة النظر في مبدأ التخصص وتقسيم العمل الدولي، للوصول إلى نمط جديد للتخصص وتقسيم العمل الدولي، والفاعلون هنا ليس فقط الدول والتكتلات الاقتصادية بل بالدرجة الأولى الشركات المتعددة الجنسيات، حيث تتم حوالي %40 من التجارة الدولية عبر تلك الكيانات العملاقة المتعددة الجنسيات.
جلال الشافعي: تظهر العولمة الاقتصادية أساساً في نمو وتعميق الاعتماد المتبادل بين الدول والاقتصاديات القومية، وفي وحدة الأسواق المالية، وفي تعميق المبادلات التجارية في إطار نزعت عنه قواعد الحماية التجارية، بحكم ما نتج من دورة الأرجواي للجات، وإنشاء منظمة التجارة العالمية، وهذه الأبعاد الاقتصادية تبرز بوجه خاص من خلال عمل التكتلات الاقتصادية العالمية، ونشاط الشركات المتعددة الجنسيات،  والمؤسسات الدولية الاقتصادية، كالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي، وكذلك انتشار التجارة الالكترونية.
ويشير هذا التعريف، إلى تحول العالم إلى منظومة من العلاقات الاقتصادية المتشابكة، والتي تزداد عمقاً وتشابكاً بسيادة نظام اجتماعي واحد في العالم كله تقريباً. حيث تتبادل كل أجزاء العالم الاعتماد بعضها على البعض فيما يتعلق بكل من السلع والخدمات والأسواق ورؤوس الأموال، والعمالة والخبرة الفنية.
صادق جلال العظم:  العولمة وصول نمط الإنتاج الرأسمالي عند منتصف هذا القرن إلى نقطة من عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتبادل، إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج ذاتها، أي أنّ ظاهرة العولمة التي نشهدها هي بداية عولمة الإنتاج ورأس المال الإنتاجي، وقوى الإنتاج الرأسمالي، وبالتالي علاقات الإنتاج الرأسمالية أيضاً، ونشرها في كل مكان مناسب وملائم خارج اقتصاديات المركز الأصلي ودوله.
ويرى Gabriel Wackerman  في العولمة الاقتصادية على أنها: تعطي حيوية للعلاقات الاقتصادية الدولية، وتعمل على تكثيفها وتركيزها عن طريق إنشاء الاتحادات الاقتصادية والنقدية، وهذا الاتفاق يؤدي إلى استقلالية الدولة والمشروع الاقتصادي، وبالأحرى يغير من علاقة الحكومات مع التنمية الاقتصادية. تصح هذه الأخيرة أكثر حرية في عملية الاستثمار والانتقال لعناصر الإنتاج والسلع والخدمات والحكومة، تأخذ مكانة جديدة ضمن مسؤوليات لعملية المراقبة والتنظيم.
إذ يرى Jeam- Louis Muchielle  العولمة هي عملية توسيع وتعميق نشاط الشركات في إنتاج وبيع السلع والخدمات في أكبر عدد ممكن من الأسواق.
كما تتضمن العولمة كذلك رفع القيود أمام المعاملات المالية، حيث وصلت قيمة الدوران فـي اليوم ما يعادل 2000 مليار دولار سنة 2000.   وهو نتيجة لعولمة المالية.
وتواصل العولمة في نفس الوقت في تحرير حركات رؤوس الأموال، لأن سيادة السوق مرتبطة بالاستقرار المتعاملين الماليين، من أجل لعب دور المضاربين في المعاملات المالية.
وحسب هذه التعاريف، يمكن لنا أن نقول أن العولمة الاقتصادية هي نتاج لمجموعة من الأسباب والعوامل:
1- انهيار نظام بريتون وودز (1973 – 1971) بإعلان الرئيس الأمريكي السابق نيكسون عام 1971، عن وقف تحويل الدولار إلى الذهب بسبب نقص الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، نقصاً شديداً  بسبب الحرب الفيتنامية؛ والاستثمارات الأجنبية الأمريكية في الخارج، بالإضافة إلى زيادة المساعدات الخارجية في إطار محاربة المدّ الشيوعي في ظل الحرب الباردة؛
2- عولمة النشاط الإنتاجي، عن طريق إعادة التقسيم الدولي للعمل بواسطة شركات متعددة الجنسيات؛
3- عولمة النشاط المالي، واندماج أسواق العالم، عن طريق تحرير سعر الصرف وحرية انتقال رؤوس الأموال؛
4- تغير مركز القوة العالمية، من القطبية الثنائية إلى أحادية القطب؛
5- تغير هيكل الاقتصاد العالمي وسياسات التنمية.
على ضوء هذه التعريفات، يمكن القول أن العولمة في رأينا لا تخرج عن كونها السمة الرئيسية التي يتسم بها النظام الاقتصادي العالمي الجديد، الذي بدأ يتشكل في العقد الأخير من القرن العشرين، والقائم على تزايد درجة الاعتماد المتبادل بفصل اتفاقيات تحرير التجارة العالمية، والتحول لآليات السوق وتعميق الثروة التكنولوجية والمعلوماتية، التي حولت العالم إلى قرية صغيرة تختفي فيها كل الحدود السياسية، ويتعدد فيها المتدخلون من دول وتكتلات اقتصادية، ومنظمات دولية، وشركات متعددة جنسيات. ومن ناحية أخرى، نرى أن العولمة الاقتصادية حسب هذه التعاريف يميزها عدة خصائص.
المطلب الثاني: خصائص العولمة الاقتصاديـة
أصبحت العولمة الاقتصادية أحد أهم المعالم الرئيسية في النشاطات الاقتصادية العالمي، بل أنها تضع النظام الاقتصادي الدولي في مواجهة تحديات لم يسبق له مواجهتها، تعمل العولمة كل ذلك من أجل تطوير الإنتاج واستثمار، والتجارة على المستوى العالمي، وبالأحرى محاولة صياغة نظام عالمي جديد يسمح بالانتقال الحرّ للسلع والخدمات، ورؤوس الأموال دون حاجز يذكر. فيا ترى ما هـي الخصائص الرئيسية التي تميز العولمة؟
-1 سيادة آليات السوق والسعي لاكتساب القدرات التنافسية:
إن أهم ما يميز العولمة هي سيادة آليات السوق، واقترانها بالديمقراطية، بدلاً من الشمولية واتخاذ القرارات في إطار المنافسة، والجودة الشاملة من خلال الاستفادة بالثورة التكنولوجية والمعلومات، وتعميق القدرات، الممثلة في الإنتاج بأقل تكلفة ممكنة، وبأحسن جودة، وبأعلى إنتاجية والبيع بسعر تنافسي، على أن يتم ذلك بأقل وقت ممكن.
-2 نحـو سـوق عالمـي:
تتجه العولمة الاقتصادية لتشكل السوق العالمي، بحيث ترى أن الاقتصاديات القومية ما تزال تحتل الموقع المسيطر في الأنشطة الاقتصادية، ولا تزال الحكومات أدوارها التي تلعبها على مستوى السيطرة واسعة النطاق، كما لا تزال الدول هي اللاعب الرئيسي سواءاً بالنسبة للتجارة والاستثمار، وتكوين رأس المال، ففي حالة الدول المتقدمة يتم إنتاج حوالـي %90 من المنتجات الاستهلاكية في الوطن، و %90 مـن المنتجات يتم بيعها في السوق المحلية، وتظل المدخرات، الودائع المحلية هي مصدرها الرئيسي في التمويل.   فالعولمة تعمل على تعزيز وعولمة السوق الإنتاجي والتجاري والمالي.
-3 تزايـد الاعتمـاد الاقتصادي المتبـادل:
تعميق الاعتماد المتبادل بين الدول والاقتصاديات القومية، وتعمق المبادلات التجارية من خلال سرعة، وسهولة تحرك السلع، ورؤوس الأموال، والمعلومات عبر الحدود مع النزعة إلى توحيد الأسواق المالية، خاصة مع إزالة كثير من الحواجز الجمركية، والعقبات التي تعترض هذا الانسياب، يعد انتشار منظمة التجارة العالمية، التي بدأت نشاطها في أكتوبر 1995، وهو ما يشاهد الآن بعد توحيد بورصة لندن وفرانكفورت، اللتين تتعاملان في حوالي 4 آلاف مليار دولار، كذلك توحيد بورصات أوروبية أخرى، وهناك اتجاه نوح إنشاء سوق مالية عالمية موحدة، تضم معظم أو جميع البورصات العالمية، وتعمل لمدة 24 ساعة.
-4 تزايد دور أكبـر المنظمـات العالميـة:
لعل من الخصائص الهامة للعولمة، هي تزايد دور المؤسسات الاقتصادية العالمية في إدارة وتعميق العولمة، وخاصة بعد إنشاء المنظمة العالمية للتجارة. إذ أصبحت ثلاث مؤسسات تقوم على إدارة العولمة من خلال مجموعة من السياسات النقدية، والمالية والتجارية، المؤثرة في السياسات الاقتصادية لمعظم الدول.
-5 وجود أنماط جديدة من التقسيم الدولـي للعمـل:
حيث تتسم العولمة بوجود أنماط جديدة من تقسيم العمل الدولي، وقد ظهر ذلك واضحاً في طبيعة المنتج الصناعي، حيث لم يهدف إمكان دولة واحدة مهما كانت قدرتها الذاتية أن تستقل بمفردها في عمليات الإنتاج، وإنما أصبح من الشائع اليوم أن نجد العديد من المنتجات الصناعية مثل السيارات الصناعية مثل السيارات والأجهزة الكهربائية، والحسابات الآلية وغيرها، يتم تجميع مكوناتها في أكثر من دولة، بحيث تقوم كل واحدة منها بالتخصص في وضع أحد المكونات فقط. وهذا ما يعرف بالتقسيم داخل السلعة الواحدة، وبالتالي أصبحت قرارات الإنتاج والاستثمار تتخذ من منظور عالمي ووفقاً لاعتبارات الرشادة الاقتصادية، فيما يتعلق بالتكلفة والعائد.
-6 تعاظم دور الشركات المتعددة الجنسيات:
إن عملية الإنتاج بالنسبة للشركات المتعددة الجنسيات، أخذت بعداً جديداً، إذ أصبحت نسبة الإنتاج الخارجي الإنتاج الداخلي كبيرة جداً، وهذا ما يدعم عملية عولمة الإنتاج، وتعاظم دور الشركات المتعددة الجنسيات في الخارج.
ويضاف إلى أن الشركات المتعددة الجنسيات، عملت على تفكيك العملية الإنتاجية في العالم وفق قانون التنظيم الدولي للعمل الجديد، الذي يحقق أقل كلفة، وأكثر ربحية بالنسبة لهذه الشركات العملاقة، وأكبر سوق. وبذلك كان يزرع النظام الجديد للإنتاج.
وتمتلك هذه الشركات العملاقة إمكانيات تمويلية هائلة، إذ لعبت دوراً مهماً في تمويل الثورة التكنولوجية التي تعد بين أهداف العولمة، وبالتحديد العولمة الاقتصاديـة.
ويشير التقرير الذي نشرته مجلة فورش في يوليو 1996، عن أكبر خمسمائة شركة متعددة الجنسيات فـي العالم، وأن إجمالي إيراداتها تصل إلى حوالي %40 من الناتج الإجمالي العالمي. وتستحوذ الشركات المتعددة الجنسيات في مجموعها على %40 من حجم التجارة الدولية.
- 100 شركة متعددة الجنسيات ذات المركـز الأول في العالم موجودة كليـاً في الدول المتقدمة تراقب 3/1 مـن الاستثمار الأجنبي المباشر.
- انتقال 200 شركة من المرحلة 1992 – 1982 من 3000 مليار إلـى 59.000 مليار من المبيعات.
- نتائج 350 مؤسسة الأولى صناعية مجتمعة تقدم رقم أعمال يفوق 4/1 من الإنتاج العالمي؛
- إذن الشركات المتعددة الجنسيات تراقب أكثر من 2/1 إجمالي الناتج الوطني العالمي.
- عدد العمال في نهاية هذا القرن وصل إلى 73 مليون عامل.
-7 تقليص سيادة الدولة القوميـة:
إن العولمة هي تقليص فاعلية الدولة، أو التقليل من دورها واعتبار الشركات المتعددة الجنسيات والمنظمات العالمية شريكاً في صنع القرارات. وهذا يعني أن مبدأ السيادة، أخذ بالتآكل نتيجة علاقات الدول فيما بينها في مختلف مجالات الحياة.   لذلك فمن خصائص العولمة، نقل السلطة من المؤسسات الرسمية للدولة إلى مؤسسات عالمية تتولى تسيير العالم وتوجيهه، وهي بذلك تحل محل الدولة وتهيمن عليها.
وهذا ما يضعف السيادة الوطنية في مجال السياسة النقدية والمالية، حيث اضطرت الحكومات في مختلف بلدان العالم، إلى إلغاء قوانين التحكم في السوق، وتطبيق قوانين تحرير الأسواق، من أجل اكتساب ثقة الأسواق العالمية. وهو ما يكلفها عدم السيطرة على الكتلة النقدية بسبب دخول وخروج رؤوس الأموال الناجم عن تحرير سعر الصرف وسعر الفائدة، مما قد يؤدي إلى حدوث تضخم وتغيير أسعار الفائدة الحقيقية.
كما أن العولمة المالية تؤثر على السيادة الوطنية في مجال السياسة المالية، ذلك بالتأثير على معدلات الضرائب من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية، الأمر الذي أدى إضعاف السياسة المالية لدى الدولة.
-8 زيادة انتشـار البطالـة:
زيادة انتشار البطالة في المجتمعات، وخاصة في الدول النامية بسبب الاتجاه إلى استخدام الأساليب كثيفة رأس المال، التي تعتمد على استخدام عدد أقل من القوى العاملة، وذلك بسبب الحاجة إلى تخفيض تكاليف الإنتاج، وزيادة مستوى الجودة. فلا مكان للمنافسة في السوق العالمية الموحدة بعد إنشاء منظمة التجارة العالمية. إذ أصبحت التطور التكنولوجي هو منبع البطالة. وهناك من المفكرين من يقول أن تطور الآلات مسؤول عن نهاية العمل، وهو سبب تطور البطالة في الدول الرأسمالية.
المطلب الثالث: أنواع العولمة الاقتصادية
1. العولمة الانتاجية
إن الشكل الجديد لنظام الإنتاج تجسد من خلال تفكيك العملية الإنتاجية، على المستوى العالمي، الناتج عن التقسيم الدولي الجديد للعمل "في الوقت الذي تتشكل فيه شبكة إنتاج عالمية، تعمل على تحويل كل بلد إلى جزء من النظام الإنتاجي العالمي"
يلاحظ أن عولمة الإنتاج تتم دون وجود أزمات مأساوية، كما حدث بالنسبة للعولمة المالية، وتتحقق عولمة الإنتاج بدرجة كبيرة من خلال الشركات المتعددة الجنسيات، وتتبلور عولمة الإنتاج من خلال اتجاهين:
أولاً: الاتجاه الخاص بعولمة التجارة الدولية:
يلاحظ أن التجارة الدولية زادت بدرجة كبيرة خلال عقد التسعينات، حيث تطورت التجارة العالمية بمعدلات أسرع من نمو معدلات الناتج المحلي الخام، كما تزايد موقع التجار ضمن مكونات الناتج المحلي الخام، إذ لم تكن تمثل إلا أقل مـن %30 لتتجاوز حالياً في الكثير من الدول، %40 مع تغير في بنية التجارة الخارجية من خلال النمو المتعاظم لموقع الخدمات من ضمنها.
وإذا أخذنا الفترة 1997 – 1990، كمثال نجد أن النمو السنوي لحجم التصدير العالمي، بلغ معدله %7 مقابل %3 للناتج المحلي الإجمالي العالمي.
إن عولمة التجارة الدولية تحققت بفضل إزالة الإجراءات الجمركية، والإدارية في المعاملات التجارية الدولية. كان ذلك بفضل اتفاقية التعريفة الجمركية للتجارة الدولية GAAT، التي أدت إلى انخفاض الإيرادات الجمركية في الدول الصناعية من %40 إلـى %4 بالنسبة للضرائب، فإن حجم التجارة الدولية اليوم وصل إلـى 16 مرة عما كان عليه في 1950، وحجم الإنتاج تضاعف بـ 5.5 مرة في 1997، وسجل ارتفاع بنسبة %9.5 وهو أكبر معدل منذ عشرات السنين. كما وصلت صادرات السلع والخدمات إلى 6500 مليار دولار لأعضاء المنظمة العالمية للتجارة.
ما بين 1996 – 1980 التبادل المتحول من السلع والخدمات ارتفع بـ %6.7 في السنة كمعدل متوسط، وهو يفوق نسبة ارتفاع PIB بمرتين %3.2 في نفس المرحلة.
ويمكن القول أن تبادل السلع والخدمات، ارتفع بـ 12 مرة أمام الإنتاج العالمي.
الجدول التالي يبين معدلات نمو إجمالي التجارة العالمية ما بين 2000 – 1996:
جدول رقم (01): معدلات نمو إجمالي التجارة العالمية ما بين 2000-1996
                                    1996 1996 1997 1998 1999 2000
إجمالي التجارة العالمية 91 65 101 42 53 124
الاقتصـاد العالمـي 36 40 42 28 35 48
المصـدر: محمد حداد، مرجع سابق، ص 70.
من خلال الجدول، يظهر لنا جلياً أن معدلات نمو التجارة العالمية تفوق دوماً معدل نمو الاقتصاد العلمي، وهو ما حققته العولمة التجارية بفضل المنظمة العالمية للتجارة "OMC".
ولدينا الجدول التالي يبين درجة اندماج التجارة العالمية في ظل العولمة، أي الناتجة عن تطبيق قواعد والتزامات المنظمة التجارة العالميـة.

الجدول رقم (02) : تطور اندماج التجارة العالميـة
المؤشـر حسب المنطقـة 1991-1993 1994-1996 1997-2004
نسبة نمو التجارة العالميـة 3.9 7.7 6.1
نسبة نمو الاقتصاد العالمي 1.1 3.0 3.3
سرعة الاندماج 2.9 4.7 2.7
منظمة التعاون والاقتصاد والتنمية 0.8 4.2 2.7
البلدان مرتفعة الدخل
البلدان النامية 6.7 5.0 1.9
بلدان إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء 0.4 1.4 0.4
شرق آسيا 5.8 5.1 1.7
جنوب آسيا 4.1 1.5 3.2
أوروبا وآسيا الوسطى 7.3 8.3 1.4
الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية 0.3 0.9 1.3
أمريكا اللاتينيـة 9.6 8.2 2.2
المصدر: مواجهة العولمة ضرورة بالنسبة للبلدان الضعيفة، تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي CNES، الدور العاشرة، 2001، ص 17.
وحول تقديرات البنك العالمي بالنسبى لاندماج الأسواق خلال الفترة 2004 – 1997، فإن سرعة اندماج بالنسبة للبلدان النامية ستشهـد انخفاض مستمر بحيث انخفضت حسب الجدول مـن 6.7 خلال 1993 – 1991 إلى 1.9 خلال الفترة 2004 – 1997. أما بالنسبة للبلدان شرق آسيا، كذلك تشهد انخفاض مستمر من 5.8 في الفترة 1993-1991، إلى 1.7 خلال الفترة 2004-1997.
وبصفة عامة، بالنسبة للفترة 2004-1997، على الصعيد العالمي تشهد انخفاض من 4.7 خلال الفترة 1996-1994 إلـى 2.7 خلال 2004-1999، وهذا راجع إلى انخفاض الاندماج لبلدان شرق آسيا، وأمريكا اللاتينية و الكرابيي، كذلك دول منطقة التعاون الاقتصادي التي تراجع معدل الاندماج من 4.7 في الفترة 1996-1994 إلى 2.7 خلال الفترة 2004-1997.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أن القارة الإفريقية تسجل حالياً أقل من %2 من مشاركتها في التجارة العالمي.
ونحاول دراسة مساهمة بلدان العالم في التجارة الدولية:
جدول رقم (03): توزيع نسبة المشاركة في التجارة الدولية:
البلـدان أو المناطـق الصادرات % الواردات
- الاتحاد الأوروبي
- جنوب شرق آسيا
- الولايات المتحدة الأمريكية
- اليابان
- أمريكا اللاتينية
- أوروبا الوسطى والشرقية
- العالم العربـي
- الصيـن
- بلدان لإفريقيا جنوب الصحراء
- الهنـد 40.4
12.2
11.8
9.8
4.8
3.6
3.5
1.4
1.4
0.6 38.3
13.2
16.1
6.2
5.4
4.3
3.4
2.6
1.4
0.7
المجمـــــــــوع 100% 100%
المصدر: تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي، CNES، مرجع سابق، ص 18.
من خلال هذا الجدول، يتضح جلياً أن نسبة المبادلات التي تتمتع بها كل من الأقطاب العملاقة الثلاثة، اليابان، الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، تفوق %60 مـن كل الصادرات والواردات، وإذا مـا أضيفت إليها منطقة جنوب شرق آسيا، تصبح أكثر من %70 أو %75 من التجارة العالمية، تتحكم بها هذه الأقطاب الأربعة. بينما البلدان النامية، لم تستفيد من إجراءات عولمة المبادلات، لاسيما البلدان الإفريقية من التجارة العالمية، لأن انخفاض الامتيازات الجمركية يزيد من المشاكل التي تعاني البلدان الإفريقية في قدرتها على المنافسة في السوق العالمية. وسيؤدي إلى توجيه الاقتصاديات الإفريقية مباشرة نحو تصدير المنتجات التي يسهل تسويقها في السوق العالمية. إن التسابق على رفع الرسوم الجمركية في إطار تطبيق إجراءات عولمة المبادلات، وفق درجة تحويل المواد يشجع استيراد المواد الأولية، ويرهن بذلك تحقيق التنمية الصناعية في البلدان النامية.
وذلك رغم التدابير الانتقالية التي صدرت عن اتفاقيات مراكش لفائدة البلدان النامية، قصد تأهيل اقتصادياتها، إلا أنه تبدو هذه التدابير جد محدودة، حيث أنها تتسم بطابع تقني واضح لا يأخذ بعين الاعتبار الحقائق الموضوعية في بلدان العالم الثالث.
ينبغي الأخذ بعين الاعتبار الحالات العديدة التي تقسم البلدان وفق مستوى تنافسيتها العام:
- غالبا ما تصدر البلدان النامية منتوجاً واحداً، تواجه اقتصاديات متنوعة قادرة على توليد الانسجام والشراكة خارجياً، دون التركيز على العامل التنافسي؛
- مستويات التكنولوجيا جد متفاوتة، ولا يزال نقل التكنولوجيا بطيئاً جداً.
وقد ولدت هذه الأوضاع عولمة تجارية لصالح الدول المتقدمة، أي لم تستفيد دول العالم الثالث من إزالة الحواجز الجمركية والإدارية على انتقال السلع والخدمات وعناصر الإنتاج،  في تقوية اقتصادياتها وتحديثها.
عولمة السـوق:
تتجسد العولمة التجارية بالنسبة للدول المتقدمة، عن طريق عولمة السوق بإنشاء مجموعة متعددة الجنسيات الموجودة في عدة دول، على شكل شبكة من فروع الإنتاج والتجارة والبحث والتطوير.
وجود سوق عالمية عن طريق الانتشار العالمي السريع لتكنولوجيا، وهو الذي حفز ظهور عالمية الطلب على هذه التكنولوجيا، والتي بدورها ولدت عالمية أو عولمة العرض. إذ يمكن لنا أن نقول بأن عولمة السوق تكونت بعنصرين، عولمة الصرف وعولمة الطلب.
 عولمـة العرض:
1- إن زيادة وسرعة توليد التكنولوجيا، وانتشار المعرفة الذي كان يأخذ عشرة سنوات، أصبح أقل من سنة في الوقت الحالي؛
2- عدد كبير من شركات البلدان المتقدمة تأخذ اليوم قوة تكنولوجية قابلة للمقاومة، وإبقاء الاحتكار التكنولوجي؛
3- من جانب البحث والتطوير والوصول إلى تكنولوجيا جديدة، تسمح بتطوير السوق وإمداده.
بتحليل هذه العناصر، تبين أن الشركات المتعددة الجنسيات، ترتكز في سوق الدول المتقدمة. وتزامنا مـع توظيف الاستغلال السريع المحتمل بفضل التطور التكنولوجي السريع،  عولمة العرض، أصبحت تسمح الحصول على اقتصاد السلم في الإنتاج السريع وبأكبر كمية للإنتاج المتأمل.
عولمـة الطـلب:
بمعرفة سريعة للمنتوجات الجديدة، يتكون مستهلكون في القارات الثلاثة، يطلبون في نفس الوقت منتوج متشابه عن طريق محاكاة الطلب، فيتغير عدد مستهلكي المنتوج من رقم معين إلى أضعاف هذا الرقم، بفعل عملية المحاكاة. رغم هذه العولمة للطلب، إلا أنه يبقى تسجيل المستهلكين حسب البلد الأصلي، ولأجل ذلك كان من  الضرورة للشركات المتعددة الجنسيات أن تعرض منتوجها في كل المناطق.
وبناءاً على عولمة السوق، وفق عولمة العرض والطلب، عن طريق الشركات متعددة الجنسيات، أصبحت العولمة التجارية كقوة تضطلع بها المؤسسات الكبرى التي تتاجر داخل هذا التنظيم، فالتجارة العالمية أصبحت بين هذه الشركات والإحصائيات تبين أن ظاهرة العولمة ناتج عن نشاط الشركات متعددة الجنسيات في التجارة العالمية، هذا ما يعكس قوة ثقل هذه الشركات.
في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1983، أنتجت 4/3 صادرات الولايات المتحدة من شركات متعددة الجنسيات، مقابل 2/1 من الواردات الأمريكية من وراء الشركات المتعددة الجنسيات.
في بريطانيا، في بداية الثمانينات، كانت الشركات المتعددة الجنسيات مسؤولة عن %80 من الصادرات فـي هذا البلد، %30 منها أجنبية.
في الثمانينات بين 3/1 & 5/1 من التبادل العالمي لدول الرئيسية المتطورة هو تبادل بين الشركات.
في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1985، كان التبادل بين الشركات %30 فـي الصادرات، و %40 فـي الواردات.
في اليابان، وصل التبادل بين الشركات 3/1 & 4/1 من التجارة الكلية، أما في بريطانيا %30 من الصادرات تخص التبادل بين الشركات كتعددة الجنسيات.
في %42; 1994 من الصادرات البحرية الأمريكية، كانت متجهة إلى فروعها في الخارج، أما اليابان فكانت النسبة %43.
إذن من خلال هذه الإحصائيات، تبين لنا أن جل المبادلات التجارية تحدث بين الشركات المتعددة الجنسيات، فهي الركيزة الأساسية في دفع عملية عولمة السوق، وبالتالي تحقيق العولمة التجارية.

. ثانياً: الاتجاه الثاني الخاص بعولمة الاستثمار الأجنبي المباشر
حسب الأمم المتحدة، فإن تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، انتقل من 55 مليار دولار سنة 1980، إلـى 240 مليار دولار سنة 1990، ثم ارتفع إلى 347 مليار
دولار في السنة في 1996، بنسبة ارتفاع في المرحلة 1995-1985 تقدر بـ %200.   كما تواصل زيادة تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث بلغ في سنة 1998 حوالي 650 مليار دولار.
كما نلاحظ أن معدل نمو الاستثمار الأجنبي المباشر، زاد بمعدل أسرع وأكثر من معدل نمو التجارة العالمية، حيث كان معدل نمو الاستثمار المباشر يصل في المتوسط إلى %12 خلال عقد التسعينات، بينما التجارة العالمية كانت أقل من ذلك. والجدول التالي يبين معدل النمو السنوي للمراحل 1996-1981، ومعدل نمو التجارة الدولية، والإنتاج الداخلي الخام، العالمي، الإنتاج الخام لرأس المال الثابت.
جدول رقم (04):: النمو المقارن لـ PNB العالمي، FBCF، والتجارة الدولية بالاستثمار الأجنبي المباشر
المـؤشـرات القيمة بالسعر الجاري بالمليار دولار معدل النمو المتوسـط %
1981-1985 1986-1990 1991-1996
تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر 347 0.8 27 12
مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر 3187 5.4 20 11
بيع فروع الشركات المتعددة الجنسيات بالخارج 6412 1.3 17 4
PNB* العالمي 30140 2.1 10.7 6.4
FBCF ** 6088 0.7 10.6 405
صادرات السلع والخدمات 6111 -0.1 14.3 7.4

المصدر: محمد حداد، مرجع سابق، ص72.
من خلال هذا الجدول، يتبين لنا أن التدفقات السنوية للاستثمار المباشر، تفوق كل من نمو المبيعات لدى الشركات المتعددة الجنسيات، كذلك نمو التجارة الدولية، والإنتاج العالمي.
يفوق الاستثمار الأجنبي المباشر على التجارة العالمية، في نصف المرحلة الثانية من الثمانينات، كان نتيجة للتدويل السريع لنشاطات الإنتاج للشركات الأوروبية واليابانية 1990-1980، مخزون الاستثمار الدولي المباشر للشركات الأمريكية تضاعف، أما الشركات الأوروبية تضاعف أربع مرات. وفيما يخص الشركات اليابانية كذلك نفس الشيء.
خلال هذه العشريـة، أصبح المصـدر الأول للاستثمار الأجنبي المباشر هي أوروبا أكثر أهمية مـن الولايات المتحدة الأمريكية بمرتين، وأربع مرات من اليابان.
نلاحظ أن 5/3 من الاستثمار الأجنبي المباشر، هو بين كل من الأقطاب الثلاثة (اليابان، أمريكا، أوروبا)، و 4/3 من هذا الاستثمار هو بين الدول المصنعة، و 4/1 من هذا الاستثمار داخل أوروبا وحدها.
يمكن القول كذلك أن هيكل أقطاب الاستثمار لم يتغير، وعند تجريد التدفقات الأوروبية الداخلة، حيث نجد أن كل من أوروبا وأمريكا تمتلك 3/1 من المخزون العالمي، للاستثمار الأجنبي المباشر، مقابل 6/1 لليابان، ويقسم الباقي على الشركات الكبرى العالمية بـ %40 شركات أمريكية، و %38 شركات أوروبية، و%22 شركات يابانية.
والجدول التالي يشرح كيفية توزيع مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر من 1996-1960 عبر العالم.
جدول رقم (05): الاستثمار الخارجي المباشر بالنسبة لمنطقة الأصل بالمليار دولار
المنطقة                    السنة 1960 1967 1973 1980 1985 1990 1996
العالـم 68 112 211 513 685 1684 3187
النسبـة % 100% 100% 100% 100% 100% 100% 100%
الدول المتقدمة فـي اقتصاد السوق 98.5 97.3 97.1 98.8 96.9 95.8 91
الولايات المتحدة الأمريكية 47 50.4 48 42.9 36.6 25.6 25
اليابـان 0.7 1.3 4.9 3.7 6.4 12.1 10.4
الاتحاد الأوروبـي 45.6 40.2 39 41.5 41.7 46.1 44.2

المصـدر: Jean Luis Macchic; Op.cit, P 55.
يبين الجدول مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي كان يتوزع بنسبة %98 في الدول المتقدمة، بصفة عامة لكن في المرحلة 1996-1990، نلاحظ نمو الاستثمار الأجنبي بالنسبة للدول السائرة في طريق النمو، كالصين، جنوب شرق آسيا.
في المرحلة 1996-1994، حصة الدول المتقدمة من الاستثمار المباشر %85، واستقبلت %61 من الاستثمار المباشر بينها كان لصالح الدول السائرة في طريق النمو.
ومما سبق، يظهر لنا أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة انتقلت من 594 مليار دولار عام 1982، إلى 4772مليار دولار عام 1999. وبمعدلات التدفق السنوي، فقد انتقلت من 85 إلى 865 مليار دولار خلال نفس الفترة. وقد انتقلت حصة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في التشكيلة الإجمالية لرأس المال المحلي على مستوى الصناعة العالمية من 23 إلى %11.1 في الفترة 1998 – 1980 .
وتتمركز الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عدد قليل من البلدان، حيث استقطبت عشرة بلدان نسبة %74 من المجموع العالمي في سنة 1999، وفيما يخص الاستثمار الموجه إلى العالم المتخلف فقد استفادت عشرة بلدان فقط مما يزيد عن %80 من مجموع هذه الاستثمارات، وتعتبر البلدان النامية تدفق الاستثمارات الأجنبية كعامل أساسي يتوقف عليه نجاح سياساتها التنموية.
الحركة الجديدة للاستثمار في المناطق الناميـة:
حصة الاقتصاديات النامية كمنطقة استقبـال للاستثمار الأجنبي المباشر ضعيفة ومنخفضـة، 3/1 مـن مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الستينات 1960، و4/1 في 1980. و 5/1 في 1990. حيث أن 2/1 من هذا الاستثمار يرتكز في أمريكا الجنوبية، و 3/1 في آسيا.
هذا التراجع في حصة الدول النامية، من مخزون الاستثمار المباشر الأجنبي راجع إلى تغير مجالات الاستثمار في ذلك الفترة. ففي الحرب العالمية الثانية، الجزء الأكبر من لاستثمار الأجنبي المباشر كان مركزاً فـي قطاعات الزراعة والمنجمية، والاستثمار الأجنبي المباشر كان أقل تأثراً بمنطق المنافسة بين الشركات على السلم العالمي.
الاتساع السريع للاستثمار الأجنبي المباشر، راجع إلى الأشكال الجديدة للاستثمارات في القطاع الصناعي والخدمات، هذا الاتساع انقطع في سنوات السبعينات نتيجة ظهور أزمة الدين. وبعد ذلك أخذ مستوى لم يسبق وأن أخذته منذ سنوات الثمانينات 1996، 1987، وجه الاستثمار الأجنبي المباشر نحو المناطق النامية في أوروبا الشرقية، وشرق آسيا، تطور بـ %25، 15 مليار دولار سنة 1987، بينما التدفقات الصافية الكلية للاستثمار الأجنبي المباشر نحو هذه البلدان فاقت 35 مليار دولار سنة 1991، و 90 مليار دولار سنة 1995، حيث قدرت 3/1 من التدفقات العالمية.
4/3 من الاستثمار الأجنبي المباشر الموجه للدول النامية في 1995، كانت من نصيب (المكسيك، الأرجنتين، الصين، إندونيسيا، البرازيل، تيلندا، التشيلي، هونغ كونغ، بولونيا).
الصين وحدها أخذت 100 مليار دولار في 1995، 1993، حيث أصبحت البلد الثاني المستقبل بـ IDI بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
الجدول رقم (06): توزيع الاستثمار الأجنبي المباشر على الدول النامية بمليار دولار.
المناطق                                السنوات 1987-1989 1990-1992 1993-1995 1996-1998
- إفريقيا جنوب الصحراء
- إفريقيا الشمالية والشرقية
- جنوب آسيـا
- الشرق الأقصـى
- أمريكا اللاتينيـة
- أوروبا الشرقيـة
- المجمـــــــــــــوع 1.7
2.1
0.4
7.1
7.0
0.1
18.4 1.4
2.2
0.5
15.5
1.6
2.3
33.8 2.3
3.2
1.4
44.9
18.1
8.1
77.9 4%
6%
2%
52%
28%
8%
100%
المصـدر: حداد محمد. مرجع سابق. ص 69 .
نلاحظ أن إفريقيا جنوب الصحراء تتحصل في المتوسط من 2 – 1 مليار دولار سنوياُ، بمعـدل %4، من المبلغ المخصص للدول النامية من التدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والعالم العربي يتحصل سوى 3-2 مليار دولار في السنة، كذلك جنوب آسيا، استقطابها للاستثمار بـ1-0.5 مليار دولار سنوياً. بينما أمريكا اللاتينية، ومنذ سنة 1987 أصبحت أرضية خصبة للشركات متعدد الجنسيات التي تنقل الاستثمار الأجنبي المباشر، وكذلك أوروبا الشرقية أصبحت قطب جديد يستقطب الاستثمار المباشر بعد 1990.
2. العولمة الماليـة
بدأت البذور الأولى للعولمة المالية في الستينات والسبعينات، ثم تسارعت في الثمانينات، بحيث يمكن القول بأن العالم على مشارف التسعينات كان قد أصبح قرية مالية واحدة، واندمج النشاط المالي في العديد من الدول بالاقتصادي العالمي، بحيث أصبح من الممكن الحديث من دولية النشاط المالي واندماج في الأسواق المالية. فماذا نعني بالعولمة المالية، وما هي وسائلها ومراحلها وأهدافها ؟
أ- مفهوم العولمة الماليـة:
هي إلغاء كل القيود على حركة رؤوس الأموال في العالم، وتعتبر العولمة المالية هي الناتج لعمليات التحرير المالي، والتحول إلى ما يسمى بالانفتاح المالي، مما أدى إلى تكامل وترابط الأسواق المالية، وزيادة تدفق رؤوس الأموال عبر الحدود لتصب في الأسواق المالية العالمية.  
ب- مفهوم التحرر المالـي: للتحرر المالي معنيان رئيسيان:
1- المعنى الواسـع: ويراد به مجموعة الأساليب والإجراءات التي تتخذها الدولة لإلغاء أو تخفيف درجة القيود المفروضة على عمل النظام المالي، بغية تعزيز مستوى كفاءته وإصلاحه كلياً.
2- المعنـي الضيـق: يقصد به عملية تحرير عمليات السوق المالية من القيود المفروضة عليها، والتي تعيق عملية تداول الأوراق المالية ضمن المستويين المحلي والدولي.
ج- العوامل التي أدت إلى عولمة النشاط المالـي:
هناك عدة عوامل التي أدت إلى عولمة النشاط المالي، ولكنها تمت على مراحل:
-1 تطور سوق العملة الأوروبية الدوليـة:
بدأت بظهور سوق اليورو والدولار، وهي سوق للعملات خارج حدودها الوطنية، ولا تخضع للقيود والضوابط التي تفرضها السلطات النقدية الوطنية، وقد ساعدت عدة عوامل على نمو هذا السوق.
- توظيف الاتحاد السوفياتي المخزونة من الدولار من أجل تنميته خلال الحرب الباردة، دون وضعه في السوق المالي الأمريكي؛
- عجز ميزان المدفوعات للولايات المتحدة الأمريكية في الستينات، وما ترتب عليه من خروج الدولار؛
- اتساع نشاط الشركات المتعددة الجنسيات التي كانت تحتفظ بأصولها السائلة في سوق اليورو دولار، نظراً لمرونته ومزاياه؛
- وكذلك كانت الحكومات والبنوك تحتفظ باحتياطياتها مـن العملات الأجنبية في هذا السوق، للإستفادة مـن حرية التعامل، وغياب القيود. وقد ساعد في إعطاء دفعة قوية لسوق اليورو دولار الارتفاع الشديد في أسعار البترول، أربعة أضعاف في الحرب الصهيونية العربي 1973، بالإضافة إلى ثورة أكتوبر 1979. هذه العوامل مجتمعة قلبت بعمق شكل التدفقات المالية بالخصوص في دول الخليج.
فكان فائض التبادل يقارب 360 مليار دولار في 8 سنوات (1981-1974)، 2/1 نصف هذه الموارد وظفت في سوق اليورو دولار، و %40 من الفائض المتبقي استثمر في بلدان "OCDE"، و %15 قدمت على شكل قروض للدول السائرة في طريق النمو، و %5 قدمت للمنظمات الدولية.
-2 تطور سوق السندات الأوروبية الدوليـة:
مازالت سوق السندات الأوروبية الدولية، هي أكثر أسواق رأس المال من حيث درجة التحرر، وسهولة الوصول إليها من أجل الحصول على قروض طويلة الأجل من جانب المقترضين الدوليين، وقد تحسنت السوق الثانوية تحسناً كبيراً في السنوات الأخيرة، حققت هذه السوق العمق والسيولة في أواخر السبعينات، وأصبحت سوق السندات الأوروبية الدولية جزءاً لا يتجزأ من عمليات التمويل، والعمليات المصرفية الدولية، مما ساعد على نشأة سوق رأس المال طويل الأجل.
-3 إزالة القيود على القابلية للتحويل لأغراض الحساب الجاري:
إزالة القيود والحواجز على انتقال رؤوس الأموال، قامت أوروبا بإزالة هذه الحواجز لأغراض الحساب الجاري في 1959-1958، ثم تلتها الولايات المتحدة الأمريكية في 1959، وسار على نهجها عدد من الدول، وقد ظهرت أنّ الدول النامية التي قامت بإزالة القيود المفروضة على خروج ودخول رؤوس الأموال إليها، قد شهدت زيادة في التدفقات الواردة إليها وليس العكس.


-4 تحرير القطاع المالي والمصرفي:
لم تقم الدول النامية بإزالة القيود على حركة رؤوس الأموال فقط، بل اتجهت إلى تحرير القطاع المالي بها، فعملت العديد من الدول على توسيع مدى تحرك أسعار الفائدة، أو إزالة السقوف المفروضة على أسعار الفائدة، وخفضت من نسبة الاحتياط القانوني، وقللت من تدخل الدولة فـي تخصص الائتمان، وعملت علـى خوصصة البنوك وشركات التأمين، كما تمت إزالة العديد من الحواجز المؤسسية التي تفصل بين السوقين المحلي والدولي، مما ترتب عليه اندماج الأسواق المحلية في الأسواق العالمية الذي ترتب عليه دفعة قوية لتسارع عملية العولمة.
5 - اتساع قاعدة القروض المشتركة:
كان من التجديدات الهامة في سوق الائتمان الأوروبي الدولي مفهوم سعر الفائدة المعوم، الذي قضى عملياً بالنسبة للبنوك، على مخاطر التقلبات في تكاليف تحويل القروض متوسطة الأجل. بالإضافة إلـى ذلك، من أجل ضمان هامش ربح للبنوك القائمة بالأقراض، وللتمييز بين التصنيفات الائتمانية المختلفة للمقترضين، تضاف زيادات مختلفة عن السعر LIBOR، كذلك من التجديدات العامة في سوق القروض الأوروبية طريقة القروض المشتركة، حيث يمكن قيام أحد البنوك بتوفير جزء كبير من القرض من مقترض واحد من دون زيادة المخاطر الائتمانية في ذلك البنك، وذلك يجعل القرض مشتركاً بين عشرات البنوك الدوليـة.
6- فروع البنوك الأجنبيـة:
تلعب هذه الفروع دوراً فعالاً وحيوياً في عملية عولمة النشاط المالي، وتكمن أهمية هذه الفروع في أنها تقوم في أغلب عملياتها بالعملات الأجنبية، ولصالح غير المقيمين أو لصالح الشركات متعددة الجنسيات، وهذا ما يساعد على نقل المستجدات المالية بين المراكز المالية المختلفة في العالم.
7- ثورة المعلومات والتطور التكنولوجي:
كانت ثورة المعلومات وما صاحبها من التوسع في استخدام الحاسب الآلي، وثورة البرامج، والتطور التكنولوجي الهائل في وسائل الاتصال من العوامل التي ساعدت على عولمة النشاط المالي، واندماج الأسواق، كما كان لها أثر كبير في الأسواق المالية العالمية. فأصبح في الإمكان لملايير الدولارات أو أي عملية أخرى تعبر الحدود في ثواني معدودة، هذه التقنية المتطورة تؤدي إلى المزيد من الضغوط للاتجاه نحو المزيد من التحرير وإزالة الحواجز.



د- أهداف التحرير المالـي:
هناك عدة أهداف تبتغيها استراتيجية التحرير المالي، وأبرزها:
- تحقيق كفاءة أكبر وفعالية أعلى لعمل الأسواق المالية بهدف تعبئة المدخرات المحلية والأجنبية، والاستفادة منها في تمويل اقتصاداتها وزيادة معدلات الاستثمار؛
- زيادة فرص وصول المستثمر والمقترض المحلي إلى مجالات الاستثمار ومصادر التمويل الدولية، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الترابط بين السوق المالية المحلية والعالمية؛
- استراتيجية التحرر المالي، تتزامن مع النـزعة الشديدة نحو تحرر التجارة الدولية، وإضفاء الطابع الدولي للمعاملات المالية، كما في المعاملات التجارية، ولاسيما بعد إدخال تجارة الخدمات المالية المصرفية ضمن مفاوضات التجارة  متعددة الأطراف، وإخضاعها لولاية المنظمة العالمية للتجارة؛
- كثرة التغيرات الاقتصادية التي اجتاحت الاقتصاديات الرأسمالية من تغيرات في سعر الصرف، وفي مقدمتها الدولار، وتغيرات أسعار الفائدة الدولية، التي عملت على تغيير النظام النقدي والمالي الدول، مما دفع هذه الاقتصاديات إلى إعطاء حرية أكثر للتحويلات الخارجية، مع تحرير تحويل العملات وحركة رؤوس الأموال؛
وباختصار، يهدف التحرير المالي إلى جعل سوق المالية أكثر فاعليـة، إذ تكون لديها القدرة على المنافسة، مـع بقية الأسواق المالية الدولية، لتوفير فرص الاستثمار ومصادر للاقتراض.
هـ- إجراءات التحرير المالي في الأسواق المالية الدولية الرئيسية:
وتتلخص إجراءات التحرير المالي فيما يلي:
1- إلغاء ضوابط الصرف: وذلك باعتماد سعر الصرف متغير، يتحدد وفق تغيرات قوى العرض والطلب؛
2- تحرير معاملات حساب رأس المال، ويعني ذلك حرية انتقال الأموال من و إلى الاقتصاد، وبالتحديد مـن و إلى الأسواق المالية. وهذه الحرية تزيد من إمكانية امتلاك المعنيين بالأصول الحقيقية والمالية والنقدية الأجنبية، وتسمح لغير المقيمين بامتلاك الأصول المحلية وتداولها؛
3- تحرير أسعار الفائدة في القطاع المالي؛
4- السماح للشركات المساهمة الأجنبية الدخول في السوق المالية؛
ويمكن الاستدلال على نجاح عملية التحرر بمؤشرين هما:
1- تطور حجم المعاملات عبر الحدود: في الأسهم والسندات في الدول المتقدمة، حيث تشير البيانات إلـى أن المعاملات الخارجية في الأسهم والسندات كانت أقل من %10 من الناتج المحلي الإجمالي، فـي هذه الدول عام 1980، بينما وصلت إلى ما يزيد عن %100 في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا عام 1996، وإلى ما يزيد عن %200 في فرنسا وإيطاليا، وكندا في نفس العام.
2- تطور تداول النقد الأجنبي: على الصعيد العالمي فإن الإحصائيات تشير إلى أن متوسط حجم المعاملات اليومية في أسواق الصرف قد ارتفعت من 200 مليار دولار سنة 1986 إلى 1500 مليار دولار سنة 1996، أي بحوالي 70 ضعف حجم التجارة العالمي. وإذا أضفنا حجم عمليات التبادل العالمي، وحجم تجارة الأسهم والصندوق وقروض البنوك والأصول المالية الأخرى، في عام واحد فسيبلغ إجمالي السنوي للأصول المالية العامة للعالم. 400.000 مليار دولار، أو ما يشابه معدل أكثر من 30ضعف إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لعام واحد للعالم.
د- تدفقات رؤوس الأموال في الدول الناميـة:
لقد بلغت تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية إلى مبالغ هائلة في العقود الثلاثة الماضية، شهدت الفترة 1981-1973 تدفقات كبيرة لرؤوس الأموال إلى مختلف دول العلم، وذلك أساساً في صورة قروض مصرفية حتى أزمة الديون 1982. ولكن منذ بداية التسعينات شهد هذه الدول ظفرة كبيرة في شكل آخر من التدفقات المالية، الخاصة إليها، فبلغ المتوسط السنوي الصافي لتدفقات لرأس المال الخاص إلى الدول النامية 15.1 مليار دولار في 1988-1983، بينما ارتفع إلى 107.6 مليار دولار 1995-1989، ثم بلغ 231 مليار دولار سنة 1997. وجدير بالذكر أن حجم هذه التدفقات هو مؤشر على درجة الاندماج العالمي.
لكن هذه الزيادة في التدفقات كانت على شكل استثماري في الأسهم والسندات، حيث تزايد استثمار المحفظة في التسعينات بـ 07 مرات ما بين 1993-1989، حيث وصل إلى 55.8 مليار دولار. إلا أنه شهد تقلبات حادة بعد ذلك بسبب الأزمات المالية العالمية، حيث انخفض إلى 45 مليار دولار فـي 1993، إلـى 32.6 مليار دولار، 32.5 مليار دولار 1994، و 1995 بسبب أزمة المكسيك، وانخفض من 45.8 مليار دولار في 1996 إلى 32.5 مليار دولار في 1997، بسبب أزمة شرق آسيا.
وما تزال التدفقات المالية الخاصة منحصرة في عدد قليل من الدول النامية، وتشير الدراسات إلى أنّ هذه التدفقات تتجه إلى الدول التي تحقق اقتصادياتها نمواً مرتفعاً نسبياً. فتستحوذ بذلك دول آسيا وأمريكا اللاتينية على القدر الأعلى
المبحث الثاني: مؤسسات العولمة وأدواتها.
المطلب الأول: مؤسسات العولمة
. يشهد عالم اليوم في ظل تطورات هائلة وإرهاصات عصر طابعه العام شديد الخصوصية، يستمد خصوصيته من تلاشي دور الدولة، وذوبان شخصيتها بل حدودها السياسية، في ظل تعاظم دور المؤسسات التي تحكم العلاقات الدولية حالياً.
لقد استطاعت هـذه المؤسسات أ ن تترجم مفهومها الإيديولوجـي الليبرالي الذي أسست عليـه من خلال اعتماد النظام الرأسمالي الليبرالي للسياسات المالية والاقتصادية والتجارية، فكانت السلطة الدولية لتشاور والتنسيق في النظام النقدي الدولي، والسلطة المعنوية في المقام الأول. لدفع عجلة التنمية في النظام الرأسمالي، كما أنها سلطة تمتلك حق إنشاء القواعد والضوابط واتخاذ الإجراءات ضد الذي يخل أو لا يلتزم بقراراتها.
أولا :  صندوق النقد الدولي (FMI) : تم إنعقاد مؤتمر بروتن و ودز من 01إلى 22 جويلية 1944.تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة ، و كان للتشاور و مناقشة المشروعين السالفي الذكر ، و بعد المشاورات للبحث في سبل و ضع القواعد الرئيسية ، و الظروف الملائمة للنظام النقدي الدولي ، تم التوقيع على نص الإتفاقية من طرف ثمانية و عشرون (28) دولة فقط من اصل أربع و أربعون (44) دولة حضرت المؤتمر، و ذلك في 22 ديسمبر 1945، و بذلك إكتسبت الاتفاقية قوة قانونية ، و شرع الصندوق في نشاطه في بداية 1946 .
أوكلت إلى الصندوق الدولي مجموعة من الأهداف ، كان الإعتقاد السائد بأنها ستحقق الإستقرار في النظام النقدي العالمي ، و يمكن تلخيصها فيما يلي :
 1-تشجيع التعاون النقدي الدولي.
 2-تحقيق الإستقرار النقدي الدولي.
 3-تقديم المساعدة الإنتمائية و توفير حد أدنى من السيولة للدول لاعضاء.
 4- رفع القيود و إزالة الحواجز و التخلص من أساليب الرقابة التي تعيق تطور التبادل التجاري الدولي.
 5- تقديم المساعدات الفنية للدول الأعضاء عن طريق وضع الخبراء الماليين والإقتصاديين العاملين بالصندوق تحت تصرفهم .
و قـد بدأ الإلتزام الفعلي بإجراءات تحقيق هذه الاهداف بعد خمس سنوات من إمضاء الإتفاقيـة. و بطبيعة الحال ، يعتبر الصندوق أحد أهم المؤسسات العالمية في النظام العالمي الجديد ، التي تخدم مصالح الدول الرأسمالية القوية ، و هذا من خلال الميكانزمات التي يستعملها مع الدول النامية ، حيث يطبق نفس الوصفة لجميع الأمراض دون مراعاة  ظروف أي بلد ، و في الوقت الذي كانت تعاني فيه الدول النامية من إختلالات هيكلية في موازين مدفوعاتها ، كان يقدم الصندوق حلول و قتية و عاجلة ، أزمت الوضعية و زادت من المشاكل ، و هذا ليس إعتباطا ، و إنما هناك أدلة من الواقع على الطبيعة الحقيقية لصندوق النقد الدولي، على أنه وسيلة للإشراف على النظام النقدي للسوق الرأسمالية العالمية و أهم هذه الأدلة ما يلي :
1 – و ضع الترتيبات المالية لمساعدة الدول الرأسمالية الكبرى ، فلقد حصلت فرنسا و بريطانيا وحدهما عامي 1969-1970 على 83 %  من الإئتمان الممنوح.
2 – لجوء الصندوق الدولي إلى الأقراض من أجل حماية العملات الرئيسية و بصورة متزايدة (الجنيه الإسترليني و الدولار الامريكي).
3 – عندما ظهرت حقوق السحب الخاصة عام 1969 ، تقرر توزيعها على الأعضاء بنسبة حصة كل عضو ، و بذلك فإن الدول الأكثر حاجة إليها (الدول النامية) لم تنل إلا القليل ، و هذا في المقابل فإن الدول المتقدمة هي التي أخذت حصة الأسد.
4 – توزيع الحصص في الصندوق هو خير دليل على أنه أداة في يد الدول الرأسمالية الكبرى المتقدمة و خاصة الولايات المتحدة الأمريكية . و نقول في الأخير أنه رغم التطورات التي شهدها الصندوق و المساعدات التي كان يقدمها إلى الدول النامية ، إلا أنه كان في كل مرة يؤكد على انه وسيلة لفرض الهيمنة و السيطرة على الدول النامية ، تستعملها الدول الغربية الرأسمالية الكبرى ، من خلال الشروط القاسية التي يفرضها على الدول التي تلجأ إليه :
1- ضرورة إتباع سياسة ليبرالية لتسيير الإقتصاد و فتح المجال الإقتصادي للسوق.
2- إلغاء الدعم على المواد الاستهلاكية ، و تقليص الإنفاق الحكومي إلى ابعد حدود.
3- تقليص الدور الاقتصادي للدولة.
4- تشجيع الشركات المتعددة الجنسيات على الاستثمار .
5- الإستجابة الكلية لشروط الصندوق و تنفيذها بحذافرها وبكل صرامة.
كل هذه الشروط قاسية جدا إذ أنها تجعل سيادة الدول المستدينة ، شكلية فقط.
ثانيا :  البنك العالمي (BM) :
أسس البنك الدولي للإنشاء و التعمير بنفس تاريخ إنشاء صندوق النقد الدولي و الذي أصبح يسمى فيما بعد البنك العالمي ، ليقوم بمهمة تكميلية معه، أي انه لما يقوم الصندوق بتوفير الإئتمانات القصيرة الأجل لمعـالجة الإضطرابات في مـوازين المدفوعات للدول الأعضاء، لتحقيق نوع مـن الاستـقرار و الثبات في أسعار الصرف ، يقوم البنك بمهمة إعمار الدول التي تضررت من الحرب العالمية الثانية و الدول النامية فيما بعد ، و ذلك عن طريق توفير الإئتمان الطويل و المتوسط الأجل للمشروعات التنموية .كما يمكن تلخيص أهداف البنك في النقاط التالية :
1- تشجيع عمليات الاستثمار و التوظيف في الدول الأعضاء لتخفيف الأضرار الناجمة عن الحرب العالمية الثانية .
2- تشجيع الاستثمار الأجنبي و توفير الشروط و الضمانات اللازمة لذلك .
3- مساعدة الدول الأعضاء على تحقيق التوازن في موازين مدفوعاتها .
4- تنمية التجارة الخارجية للدول الأعضاء.
5- تنظيم عمليات الإئتمان و الإقراض الدولية.
 و بطبيعة الحال فإن دور و عمل البنك تطور من خلال تطور النظام العالمي ، حيث أصبح يعد أحد الأقطاب الثلاثة المسيرة و المنظمة له، حيث توسعت أنشطته لدرجة أن اصبح يرمز إليه كمجموعة تضمن ثلاث مؤسسات رئيسية يطلق عليها مجموعة البنك العالمي و هذه المؤسسات هي  :
1- البنك الدولي للإنشاء و التعمير.
2- الرابطة الدولية للتنمية.
3- مؤسسة التمويل الدولية.
تأسست الرابطة الدولية للتنمية في 1960 ، هدفها تنمويا برامج التنمية في البلدان التخلفة بشروط أكثر امتيازية ، أما مؤسسة التمويل الدولية و التي أنشأت في عام 1956 ، فهدفها دعم التنمية الإقتصادية في البلدان أقل نمو ، أما البنك الدولي للإنشاء والتعمير فأنشأ في مؤتمر بريتون و ودز سنة 1944.
تعمل المجموعة على المساعدة في تحقيق التقدم الاقتصادي ، و رفع مستوى المعيشة ، من خلال توجيه الموارد المالية من الدول المتقدمة إلى الدول السائرة في طريق النمو. بكل اختصار يسعى البنك إلى تدعيم عولمة النشاط الإقتصادي و خاصة المالي ، و يتجلى ذلك في عملية تصفية القطاع العام كشرط من شروط تقديم القروض و المساعدات ، و يعمل البنك العالمي على تسخير كل قوته المالية لتشجيع راس المال الخاص الدولي ، و ذلك بشتى الطرق منها:
1- العمل كوسيط لتدفق الأموال إلى الخارج.
2- تقديم مساعدات مباشرة إلى الشركات المتعددة الجنسيات.
3- يضغط من اجل زيادة الإعفاءات الضريبية للاستثمارات الأجنبية.
4- يرفض تقديم القروض إلى الحكومات التي تمارس سياسة التأميم.
ثالثا: الإتفاقية العامة للتعريفية الجمركية(GAAT) و المنظمة العالمية للتجارة( (OMC.
إذا كان النقد الدولي و البنك العالمي يشكلان الآلية النقدية و المالية على التوالي ، فإنه توجد آلية أخرى لا تقل أهمية على المستوى الاقتصادي و التجاري سارت بذات الإتجاه و هو تجسيد النظام الليبرالي ، إن العولمة كانت ملامحها ظاهرة و تأكدت عندما خطت خطوات كبرى عن طرق مؤسسات لها إطارها الدولي ، تسعى بكل ما أوتيت من قوة و سلطة لتحقيق أهداف العولمة ، و فيما يلي ، القطب الثالث في مؤسسات العولمة و هو المنظمة العالمية للتجارة التي كانت تسمى من قبل بالاتفاقية العامة للتعريفية الجمركية.
1- الإتفاقية العامة للتعريفية الجمركية: هي إطار للمفاوضات التجارية المتعددة الأطراف لتحرير التجارة
الخارجية ، وفقا للقواعد و الأحكام المتفق عليها ، و هي بمثابة محكمة دولية ، يتم فيها تسوية المنازعات التجارية بين الدول الأعضاء ، و تعتبر الأساس الذي يمكن تسميته بالنظام المتعدد الأطراف للعلاقات التجارية  .
يرجع إنشاء الاتفاقية العامة للتعربفة الجمركية إلى الدورة الاولى للمجلس الإقتصادي للأمم المتحدة التي انعقدت في أفريل 1946 ، حيث تقرر بالإجماع ، عقد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة و العمالة بهدف وضع مشروع ميثاق منظمة التجارة العالمية ، حيث أنشئت لجنة تحضيرية لهذا الغرض ، كان من أبرز أعمالها وضع الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية (GATT)  ، و في عام 1947 تم التوقيع على الإتفاقية
تعتبر هذه الاتفاقية إنفاق عام و في نفس الوقت مؤسسة تعقد إجتماعات منظمة من قبل مندوبي الدول الموقعة عليها ، و مركزها الدائم في جنيف ، و منذ إنشائها قامت بتنظيم ثمانية جولات تفاوضية حول الحواجز الجمركية ، و فتح الحدود و حرية إنتقال السلع و الخدمات و الأموال و الأشخاص و التكنولوجيا و هذه المفاوضات و الجولات هي كالآتي : (90)
أ‌- مفاوضات جنيف 1947 بمشاركة 23 دولة.
ب‌- مفاوضات آسي 1949 بمشاركة 13 دولة.
ج-مفاوضات توركواي 1950-1951 بمشاركة 38 دولة.
د- مفاوضات جنيف 1955-1956 بمشاركة 26 دولة.
هـ-جولة ديلون 1959-1962 بمشاركة 26 دولة
و-جولة كيندي 1964-1967 بمشاركة 62 دولة
ز-جولة طوكيو 1973-1976 بمشاركة 102 دولة
ك-جولة الأورغواي 1986-1993 بمشاركة 118 دولة
و تعمل الإتفاقية و فق مجموعة من المبادئ   التي حددتها أثناء المفاوضات التي كانت تقوم بها و هي كالآتي
ا-مبدأ عدم التمييز.  
ب-مبدأ تحرير التجارة الخارجية.
ج-مبدا الشفافية.
د- مبدأ منع القيود الجمركية.
كما تسعى الإتفاقية العامة للتعريفة الجمركية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف نذكر منها ما يلي  :
أ‌- المساعدة على رفع مستوى المعيشة.
ب-تنشيط الطلب الفعال.
ج- رفع مستوى الدخل القومي.
د- تشجيع حركة رؤوس الأموال و الاستثمارات.
هـ- تسهيل عمليات الوصول إلى الأسواق و مصادر الموارد الأولية.
2- المنظمة العالمية للتجارة : هي عبارة عن امتداد للاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية ، حيث أنها أنشئت
في الجولة الثامنة من جولات الإتفقاية العامة للتعريفة الجمركية و التي تعتبر آخر جولتها و هي جولة الأورغوي (1986-1993) التي اكتملت في ما سمي ببيان مراكش سنة 1994 و تبلورت معها إنشاء المنظمة العالمية للتجارة على أن تدخل حيز التنفيذ في 01/01/1995 ، و بذلك اكتمل ثالوث النظام العالمي الجديد ، حيث تحققت قوة صنع القرارات في جميع المجالات الاقتصاد و المالية و التجارية
لقد تم إنشاء المنظمة العالمية للتجارة من اجل تطبيق التوصيات التي أقرتها جولة الأورغوي لتحرير التجارة الخارجية ، و التي تستغرق 10 سنوات ، أي حتى مطلع 2005 ، كما تختص المنظمة بأعمال الإدارة و المراقبة و تصحيح أداء العلاقات التجارية الدولية على أساس  المبادىء   التي تم إقرارها في الاتفاقيات  .
إن الـمنظمة العالميـة للتجارة مستـوحاة من الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية، وبالتالي فهدفهـا
الرئيسي هو تحرير التجارة الخارجية وينبثق من هذا الهدف مجموعة من الأهداف هي كالأتي :
أ-رفع الدخل القومي و الطلب الفعال غي الدول الأعضاء.
ب-تشجيع حركة رؤوس الأموال و حرية دخولها و خروجها.
ج-توسيع و تكثيف إنتاج البضائع و المتاجرة بها.
د-تسوية النزاعات التجارية بين الدول الأعضاء.
هـ- منع كل الممارسات العرقلة للمنافسة الحرة.
و-إزالة الحواجز الجمركية.
ز-التوفيق بين التنمية و حماية البيئة.
كـ-مساعدة الدول النامية على تنفيذ اتفاقيات (GAAT).

رابعا: الشركات المتعددة الجنسيات.
لعل أهم ظاهرة شهدتها نهاية القرن الماضي، هي ظاهرة تعدد قومية المؤسسة الاقتصادية الواحدة، أو انتشارها واشتغالها عبر قوميات متعددة، وتعتبر هذه الشركات من بين الخطوات الأساسية لنشوء ظاهرة العولمة، وذلك من خلال قيامها هي بنفسها بعولمة عمليات انتاجها وتوزيعها، وفي سياق ذلك دفعت هذه الشركات بالحكومات إلى اعتماد قوانين وتشريعات هدفها جعل السوق هي المسؤولة عن إنتاج وتوزيع الثروات العامة. ثمة اليوم، في العالم حوالي أربعون(40) ألف شركة متعددة الجنسية منها أربعة آلاف فقط في البلدان الأقل تطور ويفوق الوزن الاقتصادي لهذه الشركات بعض البلدان المتطورة، كما أن لها وزن سياسي مهم ينمو ويتعاظم بسرعة  .
وفي حقيقة الأمر هذه، الشركات اكتسبت القوة بفضل الخصائص التي تتمتع بها والتي هي على النحو التالي  :
1-ضخامة حجمها وتزايد نسبة إنتاجها.

2-أصلها من البلدان المتقدمة وتستثمر في الأسواق الاحتكارية.
3-ميزانيتها ورقم أعمالها أكبر أحيانا من بعض الدول المتقدمة.
4-اختلاف وتعدد مصادر مردوديتها.
5-لديها مجموعة من الفروع في العالم.
إن هذه الخصائص التي تتمتع بها هذه الشركات جعلها تحتل مكانة أساسية في عملية تدويل الاستثمار والإنتاج والخدمات والتجارة، فاستطاعت أن تحقق عالمية أنماط الإنتاج من حيث الشكل والوسائل والتسويق والدعاية والاستهلاك، وبذلك أصبحت الفاعل المركزي في العولمة، تغذيها وتسهر على حمايتها، فتولت كثير من هذه الشركات قيادة موجهة التعولم، باستخدام الأساليب الأكثر تطورا في دعم جهود التعولم منها  :
1-زيادة درجة الاعتماد المتبادل داخليا وخارجيا.
2-زيادة انفتاح المشروعات على الأسواق العالمية.
3-زيادة استقطابها للتكنولوجيا والابتكارات الحديثة.
ويمكن أن نلخص قوى العولمة الاقتصادية فيما يلي:














شكل رقم (01) : مؤسسات العولمة وتفاعلاتهـا



المصدر: محسن أحمد الخضري، مرجع سابق، ص 73.
المطلب الثاني: أدوات العولمة:
حتى تتضح العولمة بشكل جيد، ويتم تكريسها وتطبيقها على أرض الواقع، استعملت هذه الأخيرة عدة أدوات وضوابط تجعلها تسير إلى الأمام بخطى ثابتة ومجمل هذه الأدوات هي اتفاقيات التبادل الحرة وبرامج إعادة الهيكلة والخوصصة.
أولا: اتفاقيات التبادل الحر.
بدأ العمل بهذه الاتفاقيات في القارة الأمريكية، وهي اتفاقيات التبادل الحر الثنائية، بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية، التي دخلت موضع التطبيق في 01/01/1989 وهي التي أطلقت عملية الدمج الاقتصادي كما هي معروفة اليوم على مستوى البلدان الأمريكية، وفيما بعد صارت الاتفاقية ثلاثية بدخول الميكسيك في المفاوضات من أجل التبادل الحر في بلدان أمريكا الشمالية، والتي وضعت حيز التنفيذ في 01/01/1994، وفي نفس العام شرع رؤساء الدول والحكومات الأمريكية بمفاوضات غرضها إقامة منطقة التبادل الحر بين البلدان الأمريكية، وهي اتفاقية مرشحة للتطبيق في 2005  .
 وفي الوقت الذي تستمر فيه المساعي لترسيخ التبادل الحر على المستوى الإقليمي، تنشط بعض الجهات في إعداد مرحلة أشمل لحرية التبادل ويتم إعداد هذه المرحلة داخل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وذلك عبر مفاوضات أفضت إلى توقيع الاتفاقية المتعددة الأطراف حول الاستثمار، إن هذه الاتفاقية من شأنها أن تصنف قدرة أي حكومة على إعاقة حرية انتقال الرساميل، وتكون أيضا فوق إرادة الشعب وفوق مصالح وثقافته وحقوقه الاجتماعية.
ثانيا: المناطق الحرة.
هي المنطقة التي يتم فيها تصنيع وتحويل المواد المستوردة من الخارج بدون ضرائب، والتي تكون المواد المصنعة منها معدة للتصدير مباشرة، ويدعى البعض أن لهذه الأداة نتائج إيجابية على الاقتصاد الوطني، لأنها تفتح المجال للوصول إلى التكنولوجيا المتطورة، لأجل ذلك شجعت المنظمات المالية العالمية على إقامة المناطق الحرة في التسعينات مما دفع ببلدان العالم الثالث إلى طلب القروض الضخمة لتأمين كلفة إقامة مثل هذه المناطق، بغية تشييد أبنية ضخمة ومصانع التجميع وتمديدات الغاز والماء والكهرباء والمكاتب، وهذا كله لجذب المستثمرين الصناعيين.
تعمل المناطق الحرة على ترسيخ التطور التكنولوجي الذي يسمح لها بتشجيع الإندماج الاقتصادي العالمي، وتحقيق العولمة كما تساعد على تقوية الشركات المتعددة الجنسيات، التي تبحث على الربح في أي مكان شرط أن يكون هناك الاستقرار الاقتصادي والسياسي وتوفر الأمن.
ثالثا: برامج إعادة الهيكلة.
قامت دول العالم الثالث بتنمية اقتصادياتها الموجهة نحو تشجيع التصدير، وإقامة المناطق الحرة أو التخصص الزراعي، لكن هذا كان بواسطة الاستدانة الكبيرة، حتى تستطيع أن تبنى البنية التحتية، قصد جذب الشركات المتعددة الجنسيات،  ولكنها في المقابل واجهت صعوبة كبيرة في تسديد ديونها لقلة مواردها المالية، وبذلك اضطرت هذه البلدان في مطلع الثمانينات إلى إعادة التفاوض حول ديونها، وإلى الحصول على قروض جديدة على هذا الأساس فرض صندوق النقد الدولي والبنك العالمي عمليات إعادة الهيكلة التي بفضلها تلتزم الحكومات بما يلي :
1-تخفيض المصاريف الحكومية.
2-إزالة العوائق أمام التجارة الدولية.
3-حرية تحديد الأسعار حسب قانون السوق.
4-خصخصة المؤسسات العمومية.
5-دعم عمليات التصدير.
6-ارتفاع نسبة الفائدة.
7-نزع الدعم على أسعار الخدمات والسلع.
8-تخفيض قيمة العملة.
باختصار إن برنامج إعادة الهيكلة لها تأثيرات سلبية، حيث ينخفض المستوى المعيشي للسكان في البلدان الفقيرة وينخفض مردود صادراتها، ويستمر الدورات في حركة الدين المفزعة وفي حقيقة الأمر أن هذه البلدان الفقيرة تعمل دائما في زيادة غنى البلدان الغنية.
رابعا: الخوصصة.
تعد من بين أهم أدوات العولمة حيث تسعى الدول الكبرى والمنظمات الاقتصادية العالمية، إلى تصفية القطاع الاقتصادي المملوك للدولة من خلال بيعه إلى الأفراد والشركات بحجة توسيع قاعـدة الملكية، وزيادة كفاءة التشغيـل والإدارة، إن الأهداف الحقيقية من ورياء تبنى هذه الأداة هي كالآتي  :
1-إضعاف القدرة الاقتصادية للحكومات الوطنية: بعد تصفية القطاع العام، ومن ثم الحدس من قدراتها على التأثير كلاعب رئيسي في الأسواق المحلية.
2-إضعاف السيطرة الحكومية على الأفراد، لأنها فقدت سلطتها وسيطرتها على ملايين العمال الذي كانوا يعملون لديها.
3-إتاحة المجال أمام رأس المال الخاص المحلي، والأجنبي للسيطرة على الاقتصاديات المحلية من خلال تملك حقوق الملكية في المشروعات الاقتصادية.
المبحث الثالث: أثار العولمة ومشاكلها وكيفية مواجهتها.
اجتاحت ظاهرة العولمة، وتيارها السريع الدول والحكومات وباتت على كل لسان إما رافضا لها، أو قابلا بها، أو محذرا منها، أو معتبرا إياها واقعا حتميا علينا أن نتعامل معه، وفي حقيقة الأمر أن كل ظاهرة من الظواهر لها عدة تفاعلات، وتدور حولها النقاشات، فمن كان على وفاق معها فإنه يكثر من مدحها ويظهر إيجابياتها ومحاسنها، أما من كان ضدها فيبحث لها عن عيوبها ومساوئها، ولذلك سنتحدث في هذا المبحث على الآثار الإيجابيـة والسلبيـة للعولمة ثم نتحدث عن المخاطر التي تعيق نشأتها وتتربص بها  ثم نتحدث عن المشاكل التي تطرحها على أرض الواقع وكيفية مواجهتها، ثم نتحدث عن نتائج العولمة وفي الأخير نتكلم عن فروقات العولمة.
المطلب الأول: آثار العولمة.
إن العولمة كظاهرة تكتسب قوة جديدة من حيث تحولها كتيار متدفق ومندفع تفوق قوته مجرد النزعة الإنسانية اتجاه الوحدة واتجاه إنها عزلة الفرد عن عالمه إلى استخدامها كأداة ووسيلة لتحقيق حقوق الإنسان والدفاع عن نفسه ضد أي انتهاك لحقوقه، وفي الوقت ذاته زيادة دوره في إدارة العالم وتنمية مصالحه ومكاسبه، يقال هذا بالنسبة للدول المتطورة، أما ما يعرف في الدول المختلفة فهو العكس، فإن هذه الظاهرة تزيد من السيطرة والهيمنة على شعوب هذه الدول، كما تنتهك حقوقهم بدافع الديمقراطية والحرية،  وخير دليل على ذلك  هو ما جرى ويجري في العراق وفلسطين، حيث  احتلت الأولى بدافع حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية، وهل تأتي هذه المبادئ فوق رؤوس الدبابات ونيران الرشاشات وعلى الطائرات والمروحيات، كل هذه الأمور هي ضد العبارات اللامعة والشعارات البراقة التي يتغنى بها الغرب، أما الثانية فاحتلت بدافع حقوق الإنسان لكن بالنسبة للدول العظمى، وبدافع حقوق الإنسان، يذبح ويقتل الأبرياء في فلسطين وبدافع الحرية والديمقراطية ترمل النساء وتيتيم الأطفال ويقتل الرجال في العراق ولذلك يمكن القول أن للعولمة نوعان من لأثار هما :
1-الأثار السلبية ذات المخاوف الشديدة.
2-الأثار الإيجابية ذات قدرة جذب هائلة.
أولا: الآثار السلبية للعولمة.
يرفض الكثير من المفكرين والكتاب في العالم الثالث مفهوم العولمة، باعتباره يعبر عن ظاهرة تعمل على أمركة العالم، وتهميش الشعوب وإذلالها وجعل العلم يعيش داخل قوالب جامدة، فرضتها عليه قوى الإنتاج والإعلام الأمريكية، والتي تحاول أن تجعل من العالم نسخة مماثلة مما لديها من ثقافة وسلوك أمريكي محض، وبذلك تنمط العالم وتجعله مشوها ومنسخا عن ذاته وخصوصياته وعن واقعه.
ويرى الدكتور عبد المجيد الصالحين أن الأثار السلبية للعولمة تتمثل فيما يلي :
1-زيادة سيطرة الشركات المتعددة الجنسيات على حركة التجارة والاستثمار.
2-زيادة البطالة في الدول النامية، وذلك بعجز هذه الدول عن منافسة الشركات العظمى ذات التكنولوجيا العالية.
3-تقليص دور الحكومات في تسيير شؤونها الداخلية.
4-توسيع هوة التفرقة بين المجتمعات ونقصد الشمال والجنوب.
5-التفاوت في توزيع الدخل بين دول العالم.
6-هدم الهوية الثقافية للأمة.
7-عودة الاستعمار إلى الدول الضعيفة بأشكال جديدة.
8-الهيمنة الاقتصادية الغربية وتدمير اقتصاديات الدول الأخرى.
9-تصدير الجريمة المنظمة وغسيل الأموال والأمراض الخطيرة.
10-إعادة ترسيخ ظاهرة الطبقية في المجتمع.
أما الدكتور محسن أحمد  الحضري فيظهر مساوئ العولمة وآثارها السلبية من خلال الشكل الموالي.
شكل رقم (02): مساوئ العولمة وأثارها السلبية.











المصدر : محسن أحمد الحضري ، مرجع سبق ذكره ، ص 130
ثانيا: الآثار الإيجابية.
تكتسب العولمة ديناميكية قائمة على التنظيم الذي يحقق أعلى درجة من الارتباط و الترابط الإتصالي بين الافراد الذين يعيشون المجتمع العالمي الواحد ، و يرفع مؤيدو العولمة شعار الحلم الجميل الذي طالما سعت إليه كافة الإنشقاقات و الحواجز الفاصلة بين الأمم.
و تكمن الآثار الإيجالية للعولمة فيما يلي  :
1- تعمل على إستقرار الحياة الإنسانية و إزدهارها.
2- ترسيخ مبدأ التعاون و التعايش بين الحضارات.
3- إلغاء المسافات بين الدول و توحيد المقاييس و المواصفات للمنتجات في بقاع العالم.
4- فتح المجال أمام الأفراد لاختيار ما يلائمهم من الثقافات.
5- تتيح الفرص لمن لديهم المهارة والقدرة على العمل والاستفادة من خبراتهم.
6- تعمل على إزالة التجزئة الاقتصادية وتوفير الديمقراطية والحماية الاجتماعية وحماية الحريات.
كما يرى أصحاب هذا التيار أنه لا بد من الاستفادة من التقدم التكنولوجي المتسارع ومن تكامل الاقتصاد العالمي الذي يمكن ربما أن يمنح فرص لم يسبق لها مثيل للتخلص من الفقر ومنح ملايين البشر حياة أفضل من خلال ما يلي  :
1-تسعى إلى الوصول إلى الكمال وقبول التغيير.
2-تسعى إلى تهميش النزاعات العنصرية والمذهبية من أجل التوحد.
3-تقتضي السعي إلى الإتقان والارتفاع بمستوى الطموح الفردي والجماعي.
4-تبنى وترويج الفكر المستقبلي بعيدا عن الفكر التقليدي والتمسك بالماضي.
المطلب الثاني: نتائج العولمة والمخاطر التي تواجهها.
إن قراءة في مستقبل العولمة تستوجب الإشارة إلى النتائج التي تمحورت عنها والمخاطر التي تحدق وتتربص بها وهذا التوضيح الظاهرة بشكل جيد.
أولا: نتائج العولمة:
تكمن نتائج العولمة في المحاور التالية  :
1-المحور الأول: المكننة: هو استبدال اليد العاملة البشرية بالألات والروبوت.
2-المحور الثاني: الجرأة التجريبية: كل الأشياء لديهم قابلة للتجريب دون الاهتمام بنتائج ذلك على الإنسان والبيئة، حتى ولو كان استنساخ البشر والحيوانات ذاتهم.
3-المحور الثالث: السيطرة الاقتصادية: حيث تبقى الدول الفقيرة تابعة دائما إلى الدول الغنية في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها.
4-المحور الرابع: الإغواء الاقتصادي: يعني إظهار الأشياء على غير حقيقتها.
5-المحور الخامس: الإعلام بالسحر: حيث يستعملونه ليظهر الأشياء بطريقة جيدة حتى يتقنع بها على أنها الأحسن والأفضل ولابديل عنها.
6-المحور السادس: حواف التقنية: أو التقنية الزائفة حيث يقدمون لنا تكنولوجيا وطرق إنتاجية تظهر لنا وأنها جديدة وبمجرد تمكننا من استعمالها والتحكم فيها وإنفاق الكثير عليها، يقومون في اليوم الموالي بتطويرها وإيجاد طرق أحسن منها وبالتالي فإننا لم نفعل أي شيء، وتذهب كل مجهوداتنا أدراج الرياح، لذلك لن نستطيع منافستهم.
7-المحور السابع: غياب العنصر الأخلاقي والعنصر البيئي: حيث تتفشى المظاهر الشنيعة والأخلاق الرذيلة وفي المقابل هناك تلوث بيئي فاحش.
8-المحور الثامن: الضخامة الإنتاجية والتسارع الزماني والمكاني: وهذا هو هدف الشركات المتعددة الجنسيات وما يميزها عن غيرها من الشركات حيث أنها تمتلك قدرات كبيرة وطرق حديثة للإنتاج أما التسارع الزماني والمكاني فيحدث من خلال تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية:
ثانيا: المخاطر التي تواجه العولمة.
هناك نوعين من المخاطر التي تتعرض لها العولمة، وتحول دون بلوغها هدفها المنشود وبسرعة وهي :
1-المخاطر الداخلية:  وهي مخاطر تصيب محور وأركان نظام العولمة وهي كالآتي:
أ-احتمال أضرار تصيب الاقتصاد الأمريكي بصفة خاصة والشركات الاندماجية بصفة عامة.
ب-الخلافات الدائمة والمتكررة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، حول تجارة المنتجات الزراعية والأفلام السينمائية والأغذية.
ج-المنافسة الشرسة التي تتلقاها الشركات وهيمنتها على الأسواق.
د-غياب التعاون والتنسيق وتضارب المصالح بين أركان العولمة وهذا ما يؤدي إلى زعزعتها.
2-المخاطر الخارجية: هناك مخاطر تصيب نظام العولمة تأتيي من خارج محور وأركان العولمة وهو ما يتمثل في دور الدولة ودور المجتمعات المدنية في مصارعة ومواجهة العولمة بكل ما أوتيت من قوة، لأنها تؤثر على سيادتها ودورها في تسيير شؤونها الداخلية، وهناك أيضا تكتلات حمائية في الاتحاد الأوروبي، وتحالفات إقليمية في المحيط الهادي وأمريكا اللاتينية، وفي الأخير المخاوف التي يبديها الجميع من خطر الأمبريالية الجديدة على الديمقراطية وحقوق الإنسان وصحة البيئة.
المطلب الثالث: المشاكل التي تطرحها العولمة وكيفية مواجهتها.
إن تطبيق ظاهرة العولمة لمبادئها دون مراعاة ظروف الشعوب وحالاتهم يطرح عدة مشاكل، تسعى الدول المتضررة إلى البحث عن الطرق والحلول لمواجهة هذه الظاهرة الجارفة والتقليل من مشاكلها.
أولا: المشاكل التي تطرحها العولمة.
والتي نسميها بالكوكبة أبرزت مشكلات على صعيد اقتصاد المجتمعات أو ظروف الحياة نفسها ومن بين هذه المشكلات نذكر ما يلي  :
1-عدم استقرار الأسواق والأزمات المالية: لقد تمت التدفقات الرأسمالية العالمية، وأصبحت الأسواق أكثر تكاملا، وازداد انفتحاها على العالم، وأصبحت الأوراق المالية غير المحلية تمثل قدرا أكبر من الإجمالي واتجهت التدفقات إلى التقلب سواء عبر البلدان أو عبر الفترات  الزمنية مما أدى إلى اضطرابات كبيرة  في أسواق المال،  وحدوث أزمات مالية متتابعة ومثال ذلك ما حدث في آسيا وانهيار أسواقها المالية الناشئة بسبب التقلبات الطارئة التي حدثت مما أدى إلى سحب رؤوس الأموال وإرجاعها إلى بلدها الأصلي .
2-الإفقار: هناك ظاهرة ازدواجية، تطفو على السطح وهي اتساع الهوة بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة من جهة، واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء من جهة أخرى، وهذا ناتج  عن عدم عدالة توزيع فوائد العولمة.
3-تخريب البيئة:  نشهد اليوم بفعل تحرير الأسواق والمزاد العلني بين الحكومات لجذب الاستثمارات الأجنبية بأي ثمن، إفراطا في استغلال الثروات الطبيعية غير القابلة للتحديد كما تشهد تخريبا كثيف للبيئة نتيجة كثرة النفايات وتنوعها وخطورتها.
ونتيجة للتطورات الحديثة في مستويات الإنتاج والاستهلاك، ارتفع مستوى تلوث البيئة، فالغازات والنفايات التي تطرحها المصانع الأسمدة والمبيدات المستعملة لزيادة المردودية الفلاحية، التلوث الذي تسببه وسائـل النقل، القمامات المنـزلية وغيرها من مسببات التـلوث جعـلت البيئة في وضع متدهور، تجلى في ارتفـاع مستويـات تلوث الهـواء والمـاء، مما أدى إلى اتساع ثقب الأوزون وارتفاع درجـة الحرارة في الأرض .
4-المشاكل الاجتماعية: التي تنتج عن انتهاج العولمة، تكمن في كثرة الطلاق، زيادة نسبة الأمية، وقلة التكفل الصحي ونقص التغذية وهذا راجع إلى عدم قدرة الأفراد على دفع الفاتورة إضافة إلى الانحلال الخلقي وغيرها من الأسباب.
5-مشكلة البطالة: إن الثورة التكنولوجية واستعمال المكننة سيؤدي حتما إلى تفشي ظاهرة البطالة وانخفاض أجور العاملين غير الموهوبين خاصة، ضف إلى ذلك قإن التحول الناتج عن الثورة العلمية والتكنولوجية، دفع بالدول الصناعية إلى التركيز على الصناعات ذات الاستخدام الأكثر كثافة للتكنولوجيا والمعلومات ورأس المال على حساب الصناعات الأخرى الأكثر استخداما لليد العاملة البشرية والمواد الأولية الخاصة والوقود، مما أدى إلى الانخفاض النسبي لأهمية الصناعات الاستخراجية وتراجع موقعها في التجارة العالمية في مقابل ارتفاع أهمية الخدمات  .

ثانيا: كيفية مواجهة المشاكل التي تطرحها  العولمة.
تجدر الإشارة إلى أنه مع تسليم بعدم إمكانية خروج أي دولة رشيدة من بيئة التجارة العالمية واتفاقياتها، فإنه يمكن التمييز بين عدد من الملامح التي تساعد على مواجهة مشاكل العولمة نذكرها فيما يلـي  :
1-قدر من الكراهية وبعض من الحماس البعيد عن العاطفة والخيال حيث أنك إذا كرهت شيء تسعى جاهدا إلى البحث عن البديل المناسب.
2-تفكير مثالي يتجه إلى اقتراح وسائل تساعد على الإنقاذ، مثل إنشاء جامعات كبرى تختص بالبحث العلمي والتكنولوجي للتخلص من التبعية في هذا المجال.
3-الدعوة لإحياء المجتمع المدني.
4-ابتكار ميكانيزمات وآليات جديدة لضمان المصالح الوطنية
5-ظهور ممارسات وتوجيهات سياسية واقتصادية تهدف إلى تهذيب العولمة.
6-حتمية الوطنية: إن الوطنية ليست حربا على العولمة، ولكنها تحفيز وتنظيم وتعظيم القدرات الوطنية في استيعاب وتشغيل كل المعارف والإمكانيات المحلية والعالمية الممكنة، وبالكيفية التي تجعل من هذه القدرات الوطنية سندا لبعضها البعض، وللوطن وللمواطنين، في التنمية والاستفادة من إيجابيات العولمة وأيضا في تجنب سلبياتها ومساوئها، إن الحاجة إلى الوطنية تنطلق من عدة مرتكزات واعتبارات من أهمها ما يلي :
أ-أنانية الشمال المتقدم وتخليه عن تنمية الجنوب، وتمحور اهتماماته في تنمية ذاته والحفاظ على مصالحه.
ب-تعاظم ظاهرة التحالفات الاستراتيجية الكونية بين الدول وبين الشركات المتعددة الجنسيات والشركات العالمية، أي تعاظم الاتجاه نحو العملقة كأداة للعولمة ولمواجهتها في أن واحد.
ج-انحراف مسارات خطط التنمية الكونية من خلال المنظمات والمؤسسات الدولية، وانحيازها نحو الدول المتقدمة، أو لخدمة أهداف هذه الأخيرة.
د-الانحياز الكامل لمصدري تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإعلام، نحو إزالة ثقافة غيرهم بمختلف الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة.
7-تطبيق الحماية للتخفيض من الآثار السلبية للعولمة. لكن يجب أن تراعي مجموعة من الخصائص نذكرها فيما يلي  :

أ-أن تكون حماية مؤقتة لا تستمر إلى الأبد.
ب-أن تكون حماية نسبة أي تمثل نسبة من تكلفة إنتاج السلع بحيث إذا تغيرت التكلفة يتغير تلقائيا مقدار الحماية الممنوحة.
جـ-أن تكون حماية مندرجة أي متناقصة عبر الزمن حتى تزول بعد فترة زمنية معينة.
د-يجب ربط الحماية والدعم ببرنامج وطني لتطوير المنتجات ولزيادة الإنتاجية خاصة  من خلال البحث العلمي والتطوير التكنولوجي. ونشير أن الحماية لا تعالج أي مشكلة بذاتها، بل تمنح الدولة التي تحمي وتدعم إنتاجها فرصة لتحسين الإنتاج والارتفاع بمستوى القدرة التنافسية، لذلك تعتبر الحماية كأداة يجب حسن استخدامها والاستفادة منها على أكبر وجه.
8-وجوب تنظيم المجتمع والأفراد حتى يستطيع التطور الاجتماعي مواكبة التطور التكنولوجي، وهذا للحد من الآثار السلبية للتطور التكنولوجي على المجتمع  .

خلاصة الفصل:
يتسم النظام الاقتصادي العالمي الجديد بإزالة الحواجز والقيود الكمية الإدارية والجمركية من المبادلات العالمية ويعمل على تحقيق التحرير والاندماج بين الأسواق العالمية على مستوى السلع والخدمات وأسواق رأس المال والصناعات التكنولوجية والإبداعات، كما أدى إلى نمو التجارة العالمية بمعدلات أسرع من نمو معدلات الناتج المحلي الخام وإلى نمو تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وزيادة أهمية شركات متعددة الجنسيات فـي الاقتصاد العالمي من أجل الوصول إلى التكامل العالمي ولبلوغ هذه الدرجة استعملت العولمة الاقتصادية المؤسسات المالية الدولية من البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، سبيل توفير الشروط الضرورية لقيام العولمة المالية، والمنظمة العالمية للتجارة حالياً "الجات سابقا" من أجل توفير المناخ المناسب للعولمة التجارية والشركات متعددة الجنسيات من أجل تحقيق العولمة الإنتاجية.


الفصل الثاني: النظام النقدي الدولي



المبحث الأول: مفاهيم عامة حول النظام النقدي
تتعدد النقود المتداولة في كل مجتمع فهناك نقود معدنية و ورقية و كتابية والكترونية و غيرها، و لذلك فلابد من وجود نظام أو رابطة قانونية تنظمها جميعا و تتبين علاقة كل منهما بالأخرى، و لذلك فكل دولة لها نظامها النقدي الذي يتكون من مجموعة النقود المتداولة بين الناس و التنظيمات المختلفة التي تستعمل على النقود القيام بوظائفها المختلفة (وسيط تبادل، مخزن للقيمة، أداة دفع).
المطلب الأول: تعريف النظام النقدي
نعني بالنظام النقدي جميع أنواع النقود الموجودة في بلد ما و جميع المؤسسات ذات السلطات و المسؤوليات المتعلقة بخلق النقود و إبطالها، و جميع القوانين و القواعد و التعليمات و الإجراءات التي تحكم هذا الخلق و الإبطال و في الأنظمة النقدية الحديثة للأقطار المتقدمة تتألف النقود بأنواعها من النقود الورقية و المسكوكات و ودائع البنوك التجارية أما المؤسسات فتتكون من الحكومة الوطنية. بخاصة منها الخزينة العامة (وزارة المالية) و البنك المركزي. و البنوك التجارية أما القوانين و القواعد و التعليمات و الإجراءات العديدة و المتنوعة تهدف عموما لجعل الكتلة النقدية قابلة على دفع الاقتصاد نحو تحقيق أهداف الاستخدام الشامل و استقرار المستوى العام للأسعار و النمو المستمر بمعدلات عالية في الوقت الذي تؤدي فيه إلى جعل النقود تعمل بطريقة مثلى كوسيلة مبادلة و مقياس للقيمة و أداة للادخار و الدفع المؤجل ، و يمكن تحديد النظام النقدي على مستويين:
المستوى المحلي: هو مجموعة القواعد التي تتضمن تعيين وحدة التحاسب النقدية و تلك التي تضبط إصدار و سحب النقد الأساسي من التداول في الداخل .
المستوى الدولي: يمثل مجموعة العلاقات الدولية لمنبثقة عن التجارب العملية و الاتفاقيات الدولية التي يتواجد في ظلها وسيلة أو وسائل دفع تقبل في تسوية الحسابات الدولية، كما تمثل الشكل الغالب الذي تستودع فيه الدول الدائنة حقوقها المالية قبل لدول المدينة. أو تعبير آخر هو النظام الذي يوفر ما يطلق عليه النقد الدولي. أي ذلك الشيء الذي يستخدم وسيطا في التبادل الدولي و مقياس للقيد الأجنبية و مستودعا لها أو ما يسمى بالسيولة الدولية .



المطلب الثاني: خصائص النظام النقدي
إن النظام النقدي مثله مثل أي تنظيم اقتصادي آخر، و هو مجموعة العلاقات و التنظيمات التي تميز الحياة النقدية لمجتمع ما خلال فترة زمنية معينة و نطاق محدد و عليه فإن النظام النقدي يتمتع بثلاث خصائص رئيسية
أولا: نظام اجتماعي
إن النظم النقدية كما يقول نيركس لم تخلق لذاتها، و إنما هي أدوات اقتصادية تتخذ لتسهيل إنتاج و تبادل المنتجات و هي تعكس بالضرورة الاقتصاد الذي وجدت لخدمته، بل هي لا تشير إلا وفقا له. فالنظام النقدي في الاقتصاد الرأسمالي يختلف عن النظام النقدي في النظام الاشتراكي أو في الاقتصاد المختلف، و لا يمكن أن تتصور مثلا أن النقود أو المؤسسات أو العلاقات النقدية في اقتصاد وطني معين يتبع القيم الإسلامية، تتمثل في أشكالها و وظائفها مع مثيلاتها في النظم الأخرى.
فكل اقتصاد معين يناسبه نظام نقدي و مصرفي معين و متى عرفنا نوع نقده و انتمائه و هذا هو المعنى الحقيقي للخاصية الاجتماعية للنظام النقدي، فالأخير هو جزئية تنتمي إلى حقيقة كلية هي المجتمع فالروابط النقدية هي أساسا روابط اجتماعية.
ثانيا: نظام تاريخي
أي أنه يتطور و يتغير مع تطور و تغير النظام الاقتصادي و الاجتماعي، فالنظام النقدي مثله في ذلك مثل أي نظام آخر يولد من فراغ أو يتخذ وضعا ساكنا. بل هو يولد من خلال الظروف السائدة في فترة زمنية معينة و يتطور بتطور تلك الظروف.
فالنظام النقدي يمثل الشكل الخاص لتداول النقود في اقتصاد المبادلة الرأسمالية و هذا الأخير بالرغم من احتفاظه بمقوماته و أهدافه الأساسية خضع لتغيرات كثيرة خلال مراحل تطورها حين تغير في العلاقات النقدية، فمع تطور الاقتصاد الرأسمالي من المرحلة المنافسة إلى مرحلة الاحتكار، ومن مرحلة الوحدات الإنتاجية الصغيرة إلى مرحلة الوحدات الإنتاجية الكبيرة، تطور النظام النقدي من مرحلة قاعدة النهب إلى مرحلة قاعدة النقد الورقية و من مرحلة الليبيرالية النقدية إلى مرحلة التدخل النقدي.
ثالثا: نظام مركب
النظام النقدي كأي نظام اقتصادي يتمتع بخاصية مركبة بمعنى أنه يتكون من مجموعة من العناصر يوجد من بينها عنصر أساسي واحد و الباقي مجموعة عناصر ثانوية. فالعنصر الأساسي هو الذي يلعب دور المسيطر في عملية تنظيم تداول النقود أما العناصر الثانوية فهي مشتقة منه أو تابعة له.
و العنصر الأساسي في النظام النقدي "القاعدة النقدية" فهي المقياس الذي يتخذه المجتمع كأساس لحساب القيم الاقتصادية و مقارنتها بعضها البعض.
فالوظيفة الأساسية لقاعدة النقد هي المحافظة على القيمة الاقتصادية للنقود في الداخل و الخارج و أي تقلبات في القاعدة النقدية تؤثر في القوة الشرائية للنقود، و في قدرتها على أداء وظائفها الزمنية (الزمانية الحالة كوسيط للمبادلة و المستقبلية كمخزن للقيمة و المكانية) أي بالنسبة لعلاقتها مع العملات الأجنبية. و مرد هذا أن قاعدة النقد هي تغيير حقيقي عن ظاهرة الندوة في الموارد النقدية. فكفاءة القاعدة النقدية تقاس بقدرتها على التحكم في عرض النقود القانونية عن طريق غطاء الإصدار و النقود الائتمانية عن طريق التحكم في خلق الودائع و وقاية البنك المركزي على البنوك التجارية. و إلى جانب العنصر الأساسي المتمثل في قاعدة النقد. هناك أيضا العناصر الثانوية و التي ينبغي أن تتوفر صفتان أساسيتان هما:
أ- الصفة القانونية:
أي أن الدولة تتدخل بمالها من سلطان بإعطاء وحدة النقد قوة إبراء مطلقة في الوفاء بكافة الالتزامات بحيث لا يكون للمدين أو الدائن الحرية في الاختيار بقبولها أو رفضها. فيجبر الدائن على قبولها وفاء لدينه. كما أن الوفاء بها يعني انقضاء الدين.
ب- الصفة النهائية:
و يقصد بها أن لها سعرا إلزاميا بحيث لا يسمح بتحويلها إلى أي نوع آخر من النقود.
و بناء على ذلك فالنقود الأساسية بصفتها نقودا قانونية و نهائية تمثل قمة السيولة، أما أدوات الدفع الأخرى فهي تتمتع بدرجات متفاوتة من السيولة إذ تتحول عاجلا أو آجلا إلى نقود أساسية بحسب دورة النشاط الاقتصادي. و تختلف علاقة كل أصل من تلك الأصول (نقود ائتمانية أذونات الخزينة، أوراق مالية) بالنقود الأساسية تبعا لمقدرتها على التحول إلى نقود قانونية و نهائية بأقل نفقة ممكنة و في أقصر فترة زمنية.
المطلب الثالث: أنواع الأنظمة النقدية:
لقد عرف العالم عدد من الأنظمة النقدية المختلفة، و يؤخذ اسم النظام النقدي أو القاعدة النقدية من السلعة أو السلع التي تثبت وحدة النقد بدلالتها، فإذا تم تثبيت عملة الدولة بالنسبة إلى الذهب قيل أنها تتبع قاعدة الذهب، و إذا تم ربط العملة كالذهب و الفضة في آن واحد أطلق على النظام النقدي اسم قاعدة المعدنين، أما إذا ثبت بالنسبة للفضة قيل أنها تسير على قاعدة الفضة، أما إذا لم يتم ربط العملة الخاصة فالدولة بأي معدن قيل أنها تتبع النقدي الورقي.
و نتناول في هذا المطلب كل هذه الأنواع المذكورة
1. النظام النقدي المعدني:
إن الاعتبارات التي دعت الاستخدام النقود السلعية و بناء النظام النقدي السلعي أصبحت غير مقبولة أمام زيادة التبادل و تطور الحاجة حسب عجز النظام النقدي السلعي في تلبية مختلف الحاجات التبادلية بصفة عادية، لكن الفكر البشري لم يتوقف في البحث عن النظام الأحسن و الأفضل و سرعان ما توصل إلى نظام أرقى من سابقه و المتمثل في النظام النقدي المعدني و الذي يمكن تقسيمه إلى:
أولا: نظام المعدنين: و يقصد به تحديد نسبة قانونية بين عيار الفضة و الذهب، و في هذا النظام توجد نقود من المسكوكات الذهبية و إلى جانبها نقود من المسكوكات الفضية، و مع وجود نسبة قانونية تحددها الدولة بين الذهب و الفضة، ففي القرن الثامن عشر أخذت
السلطات الحاكمة في البلاد الأوروبية في تحديد معدل يربط بين المعدنين و قد صدرت عدة قوانين نقدية تحدد أسس نظام المعدنين .
شروط قيام نظام المعدنين : و يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أ- تعريف الوحدة النقدية بوزن معين من المعدنين بموجب قانون مما يحدد العلاقة بين قيمتي معدن الفضة و معدن الذهب حيث أن صفة القبول العام تعطي للمعدنين على أساس هذه العلاقة.
ب- إعطاء القوة الوقائية الغير محدودة للمعدنين في تسوية المعاملات و الالتزامات و إبراء الذمم.
ج- حرية سلك النقود بالنسبة للأفراد الذين يملكون الذهب و الفضة أو الاثنين معا.
د- تساوي القيمة التجارية و النقدية (التبادلية) بناءا على تفاعل قوي العرض و الطلب فإن القيمة التجارية تكون مخالفة للنسبة القانونية للمعدن حسب تعريف الوحدة النقدية، و عليه يجب تعديل الأخيرة (القانونية) وفقا لمعطيات الأولى (التجارية).
هـ- تحديد النسبة القانونية بين المعدنين تبعا للنسبة التجارية لكل منهما و ظلت النسبة القانونية للمعدنين ثابتة نسبيا خلال فترة زمنية طويلة لكن هذا الاستقرار تغير مع مرور الزمن بالارتباط مع التغيرات الحاصلة في إنتاج كل من المعدنين أو لأحدهما، و فيه ظهرت التباينات في النسبة القانونية للمعدنين من جهة و القيمة التجارية لهما من جهة أخرى، و انحازت الصفة النقدية للمعدن ذو القيمة القانونية و الصفة التجارية للمعدن الثمين، و ظهرت فكرة النقود الجديدة و النقود الرديئة و سميت هذه الظاهرة بـ: "قانون جريشام" و هذا ما عرف قاعدة النقود الرديئة أنها تطرد النقود الجيدة من التداول.
النقود الجيدة: هي تلك النقود التي قيمتها التجارية كسلعة أكبر من قيمتها القانونية كنقد.
النقود الرديئة: هي تلك النقود التي قيمتها التجارية أقل من قيمته القانونية كنقد بمعنى أن المشرع قد منحها معدلا قانونيا مرتفعا أكثر من قيمتها كسلعة في السوق، و قد يكون سبب رداءة هذه النقود العوامل الطبيعية كوجودها بوفرة في الطبيعة مما يعني إصدار كميات كبيرة منها تفوق الحاجة إليها، و كل ذلك يجعل الأفراد يفضلون استخدامها لتسوية معاملاتهم التجارية، و بذلك تختفي العملة الجيدة من التداول.                
ثانيا: نظام المعدن الواحد (قاعدة الذهب)
وفقا لهذا النظام يتم تحديد قيمة العملة (الوحدة النقدية) بما تحتويه من ذهب و قد شمل هذا النظام ما يلي:
1- نظام المسكوكات الذهبية: يقصد بنظام المسكوكات الذهبية أو نظام القطع الذهبية أن يتم استخدام القطع الذهبية من وزن، عيار معين كنقود أو كعملة لها قوة إبراء مطلقة و مع ذلك فقد تتداول إلى جانب الذهب أنواع أخرى من النقود المعدنية و غير المعدنية لها قوة إبراء محدودة فهي نقود اختيارية، و لكن في جميع الحالات كانت المسكوكات الذهبية هي النقد الأساسي أو الإنتهائي .
و يتعين لتطبيق هذا النظام توفر عدة شروط
شروط قيام نظام المسكوكات الذهبية: يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أ- تحديد وزن و عيار الوحدة النقدية
ب- حرية سك العملة، أي حرية تحويل الذهب من شكله المعدني إلى مسكوكات ذهبية لدى مؤسسات سك النقود.
ج- حرية الصهر بمعنى حرية تحويل الذهب من شكله النقدي (مسكوكات) إلى شكله المعدني و السلعي و ذلك لدى مؤسسات اصهر المعدني.
 قابلية تحويل العملة المتداولة إلى نقود ذهبية بالسعر القانوني الثابت للذهب.
هـ- حرية استيراد و تصدير الذهب و ذلك من أجل المحافظة على ثبات أسعار الصرف.
و قد استمر العمل بهذا النظام في غالبية الدول حتى الحرب العالمية الأولى و تعد انجلترا أو من اتبع هذا النظام بمقتضى قانون 1816. حيث أصبحت النقود الذهبية هي وحدها التي تتمتع بقوة الإبراء القانونية و بخاصة النهائية.
كما صدر عام 1844 قانون بإعادة تنظيم بنك انجلترا، و بذلك أصبح الاقتصاد الانجليزي و هو الذي كان أكبر قوة اقتصادية في العالم في ذلك الوقت قائما على قاعدة المسكوكات الذهبية، و من انجلترا انتقلت هذه القاعدة إلى باقي الاقتصاديات الصناعية الرأسمالية.
2- نظام السبائك الذهبية:
نظام النقد وفق السبائك يقوم على نفس الشروط التي يقوم عليها نظام المسكوكات الذهبية إلا أنه توجد شروط أخرى تحدد وزن و عيار السبيكة و المتمثل فيما يلي:
أ- أن يتم يتداول الذهب في شكل سبائك ذهبية، و تكون هذه الأخيرة محددة الوزن و العيار بموجب القانون.
ب- حرية تحويل النقود النائبة عن الذهب (النقود الورقية) إلى ذهب حسب قيمة كل سبيكة لدى السلطات النقدية.
و يقتصر هدف هذا النظام مقارنة بالنظام السابق إلى عدم تداول المسكوكات و تعتبر ضمان و غطاء للإصدار الورقي، و وسيلة لتسوية المدفوعات الدولية و لم يترك هذا النظام حرية السك موجودة لجميع الناس، و بذلك فإن حامل الأوراق النقدية لا يستطيع إبدالها بما يقابلها من الذهب لدى السلطات النقدية إلا إذا كان لديه المبلغ الكافي لشراء سبيكة محدودة الوزن.
و لقد تمكن هذا النظام من تحقيق النتائج التالية :
- تجميع الذهب لدى السلطات النقدية بعد أن كان في التداول النقدي على شكل مسكوكات و في هذا صيانة للذهب و توفير ما كان يضيع سنويا.
- إن حرية استيراد و تصدير الذهب و توفير إمكانية بيعه للأفراد على شكل سبائك قد حافظت على ثبات قيمة النقد الورقي بالنسبة للذهب و بالتالي تحقيق نوع من الاستقرار في أسعار صرف العملات.
- لم تعد السلطات النقدية بحاجة للاحتفاظ باحتياطي ذهبي لأن إمكانية السحب من هذا الاحتياطي على شكل سبائك محدودة، و هذا ما وفر و حقق ميزة التغطية النسبية الضئيلة.
- إن تواجد الذهب في خزائن السلطة النقدية مكن لها من تخفيض قيمة نقدها لأن النقود الموجودة و المحجوزة عند الأفراد عبارة عن نقود ورقية تستطيع الدولة و بكل سهولة تخفيض قيمتها بالنسبة للذهب.
- مكافحة الاكتناز، إن ربط عملية إبدال النقود الورقية بالذهب بوزن سبيكة معدنية كان يقلل من فرص الأفراد على الذهب و اكتنازه.
3- نظام القطع الذهبية :
في هذا النظام تكون العلاقة بين الذهب و النقود الورقية غير مباشرة و يتوسط هذه العلاقة نقد أجنبي أخر قابل للإبدال بالذهب، و تلجأ إلى هذا النظام الدول التي ليست لها احتياطا "كافيا" من الذهب، و في هذه الحالة تلجأ إلى نقدي أجنبي معطى بالذهب لتغطية نقدها و من أهم قيام هذا النظام ما يلي:
أ- تعريف الوحدة النقدية الوطنية بالنسبة إلى نقد أجنبي، هذا الأخير مرتبط بالذهب
ب- تتعهد السلطات النقدية لحاملها (النقود الورقية) بإبدالها عند الطلب بما يقابله من نقد أجنبي بالسعر المحدد قانونا
ج- السلطات النقدية تحتفظ باحتياطي كاف من النقد الأجنبي لمواجهة طلبات الإبدال.
د- تسمح السلطات النقدية بالإبدال في أي وقت و بأي كميات لحامل النقد المحلي.
2- النظام النقدي الورقي:
انهازت قاعدة الذهب تماما بأشكالها المختلفة باندلاع الحرب العالمية الثانية فقد كان يتم تمويل الحرب من خلال إصدار كميات كبيرة من أوراق البنكنوت بالإضافة إلى التوسع في الائتمان، و ما صاحب ذلك من شعور الأفراد بعدم الأمن في تلك الفترة مما دفعهم إلى سحب أرصدتهم من الذهب في البنوك، ناهيك عن التكاليف الباهضة التي يتطلبها الاحتفاظ بالنظام الذهبي، كل هذه العوامل ساهمت بشدة نحو الأخذ بنام نقدي جديد يرتكز على النقود الورقية.
و أهم ما يميز النقود الورقية الإلزامية عن الأنظمة السابقة ما يلي :
1- ليس للأوراق الإلزامية قيمة في حد ذاتها، أي لا يوجد لها قيمة ذاتية كالنقود السلعية.
2- غير قابلة للتحويل إلى ذهب أو فضة
3- القوة الشرائية للورقة النقدية غير ثابتة طالما أن بوسع الحكومة إصدار الكمية المطلوبة عند الضرورة، و يقوم نظام النقود الورقية الإلزامية على تدخل الحكومات و السلطات النقدية و يأخذ هذا التدخل صور معينة أهمها :
- شراء المعدن بثمن محدد حتى لا ترتفع قيمة الوحدة النقدية بالنسبة لذلك المعدن و في الوقت نفسه تبيع السلطات النقدية المعدن بثمن محدد.
- المراقبة و التحكم في عرض النقود لتحقيق التوازن الاقتصادي
- الإسراف في إصدار الأوراق الإلزامية لأغراض إيرادية بحتة.
و هناك معارضين لهذا النظام في اعتقادهم أن يقود الاقتصاد إلى هاوية التضخم النقدي، و بالتالي قد يؤدي إلى انهيار النظام النقدي بكامله كما حصل في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، و يترتب على التضخم اتساع الفجوة بين دخول الأفراد و إلحاق الضرر بالطبقات الفقيرة و أصحاب الدخل الثابت، و مع ذلك نجد من يقف إلى جانب النظام النقدي الورقي و يرد أنصار هذا النظام بالنقاط التالية    
1- لا يمكن اعتبار التضخم صفة ملازمة للنظام النقدي الورقي، بل إن المسؤولية عن حدوث التضخم تقع على القائمين على إدارة هذا النظام، فهم المسؤولين عن الإفراط في إصدار النقود الورقية الإلزامية.
2- إن إتباع النظام النقدي الورقي لم يأت اختيارا بل فرضته ظروف الحرب العالمية الأولى و حاجة الحكومات إلى المزيد من النقود لتغطية نفقات الحرب، ثم الظروف الاقتصادية و زيادة حجم المبادلات و الحاجة المتزايدة إلى النقود لتغطيتها.
3- إن هذا النظام يتميز بمرونة في العرض يفتقر إليها النظام الذهبي إذ يمكن مواجهة الانكماش الاقتصادي عن طريق ضخ المزيد من النقود الورقية في التداول
3- النظام النقدي الآلي:
يشهد النظام النقدي الورقي بعد الأزمة النقدية العالمية الكبرى 1929 / 1933 تغيرات متسارعة خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ظهرت بوادر استخدام الورق البلاستيكي، و مع التطور الحاصل في مجال الالكترونيات الدقيقة الذي استغل في مجال الخدمات و المبادلات لا سيما في عرض خدمات الجهاز المصرفي و من أهمها بطاقة الدفع الالكترونية و يعود الفضل في ذلك إلى شركات البترول الأمريكية، حيث أدخل الأمريكي DINERSCLUB  عام 1950 استخدامها في المجال التجاري و الخدمي بالإضافة إلى وسيلة دفع في الأعمال المصرفية و ذلك لما تتمتع به من مزايا (سرعة إجراء المبادلات، تجنب مخاطر حمل النقود، فعالية الدفع) و خاصة عند بناء شبكة الأنترنات حيث زاد التعامل بها ، و من كل هذا يمكن القول أن جانبا من المعاملات النقدية اليوم يخضع لنوع من النقود الالكترونية و تنظيم جديد و إجراءات خاصة تسمى بالنظام النقدي الآلي.
النظام النقدي بين النقود الورقية و النقود الالكترونية:
لقد أثارت زيادة الإقبال على العملة الورقية في السنوات الأخيرة و خاصة مع استخدام عملة (EURO)  الورقية و المعدنية في بداية 2002 انتباه المهتمين بالاقتصاد النقدي، فمع وجود بطاقات الائتمان و المعاملات المصرفية الهاتفية و استخدام شبكة الأنترنات في المجال النقدي المصرفي، فهل هناك تناقص على الطلب على العملة الورقية ليست هناك مؤشرات تدل على أن الناس في الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا أو اليابان على وشك التخلي عن استعمال العملات الورقية بل أن الشواهد تدل على عكس ذلك و لنبدأ بــ:
الولايات المتحدة الأمريكية: ففي نهاية عام 2001 كان مجموع العملات الموجودة في أيدي الأفراد يزيد عن 620 مليار دولار أو ما يعادل تقريبا 2200 دولار لكل فرد و حوالي     65  من إجمالي المبلغ السابق موجود على شكل أوراق نقدية من فئة 100 دولار و هو ما يعني حتما أن الأسرة الأمريكية تحتفظ بــ 60 ورقة من فئة 100 دولار.
أوروبا: حيازة العملة الورقية في أوروبا هي أقل قليلا من مثيلتها في الولايات المتحدة الأمريكية و اليابان و مع ذلك ففي آخر عام 2000 قبل دخول العملات الورقية و المعدنية لليورو إلى التداول كانت حصة الفرد من العملة المحلية مثل المارك الألماني و الفرنك الفرنسي تزيد عن 1000 دولار في معظم الدول، بينما تزيد حصة النمساوي عن 1800 دولار للفرد الواحد و هذا بتحول العملات المحلية إلى الدولار وفق سعر الصرف السائد لهذه السنوات.
و بالتالي الطلب على العملة الورقية في العقود الأخيرة و إمكانية إجلال نظام النقود الالكترونية مكان النقود الورقية، هذا النظام لا زال في إطار التكوين و التشكيل و تتجاوز نسبة تطبيقه في مختلف الاقتصاديات و ذلك حسب التطورات التكنولوجية التي يعتمد عليها الجهاز المصرفي لاقتصاد ما.
بالإضافة إلى أن الأمر يستغرق كثيرا من الوقت حتى يتم ابتكار نقود الكترونية أكثر كفاءة تضمن عدم معرفة شخصية الحائز بنفس الطريقة التي تقدم بها النقود الالكترونية السائدة حاليا بالإضافة إلى عدم قابلية الدول و الحكومات لهذا الابتكار لأنه يفقدها السيطرة على منابع الثروة و الحد من عملية تهريب الأموال و النقود .
المبحث الثاني: النظام النقدي الدولي من قاعدة لذهب إلى قاعدة التعويم المدار
بعد ظهور النقود و قيامها بالوظائف الأساسية أصبح من الضروري على الدولة أن تتدخل للإشراف على نظامها النقدي وفقا للنمو و المصلحة التي تراها.
هذا على المستوى الداخلي للدولة أما على المستوى الدولي فإننا نجد أن الأمر لا يختلف فالنقود تدخل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في التبادل بين الدول و لذلك فإنه لا بد من وجود نظام نقدي عالمي كفء تكون مهمته الأساسية تسهيل و تنظيم هذه العمليات أي عمليات التبادل الدولية و من أجل معرفة ماهية النظام النقدي الدولي نتطرق إلى أهم تعاريف النظام النقدي الدولي. كما تستعرض لأهم أوجه الاختلاف بين النظامين النقديين الوطني و الدولي.

المطلب الأول: تعريف النظام النقدي الدولي
تعددت تعاريف النظام النقدي الدولي من طرف المفكرين الاقتصاديين الذين اختلفوا في نقاط و اتفقوا في نقاط كثيرة و من بين التعاريف ما يلي:
التعريف الأول: هو مجموعة القواعد و الأدوات و المؤسسات المتعلقة بتسوية المدفوعات الدولية .


التعريف الثاني: هو مجموعة القواعد و الأهداف و الأدوات و التسهيلات و المنظمات للتأشير على المدفوعات الدولية .
التعريف الثالث: هو مجموعة القواعد و الآليات و التنظيمات التي تتكفل بتصريف أمور العلاقات النقدية بين الدول على نحو يدعم فعالية التجارة متعدد الأطراف .
مما سبق نستخلص التعريف الشامل أو الإجمالي التالي:
النظام النقدي الدولي هو مجموعة القواعد و الآليات و التنظيمات التي تتكفل بتسوية المدفوعات الدولية و تصريف أمور العلاقات النقدية بين الدول على نحو يدعم فعالية التجارة الخارجية الدولية متعدد الأطراف.
و هناك أوجه اختلاف أو فروق هامة بين النظام النقدي الدولي و النظام النقدي الوطني، و تتجسد هذه الفروق في الاختلافات القائمة بين طبيعة التجارية الداخلية و التجارية الدولية يمكن إيجازها في النقاط التالية:      
أولا: من حيث سلطة التحكم في عرض النقود
لكل دولة بنك مركزي يتحكم في النظام النقدي المحلي من خلال وضع سلطة لهذا النظام توجه سياستها الاقتصادية بما تراه مناسبا لنظامها الاقتصادي و لأوضاعها الاقتصادية الداخلية هذا على المستوى المحلي، أما على المستوى الدولي فإنه لا توجد حكومة عالمية مركزية و لا بنك مركزي عالمي لديه السلطة لإدارة و توجيه النظام النقدي الدولي و بالتالي غياب الهيئة العالمية التي تتحكم في عرض النقود و الطلب عليها.
و صندوق النقد الدولي اعتبر بمثابة البنك المركزي العالمي الذي يسعى إلى تحقيق نمو متوازن للتجارة الدولية، و نظرا للتضارب في المصالح الاقتصادية بين الدول يجعل استحالة هيئة مركزية دولية تتحكم في عرض النقود.
ثانيا: من حيث طرق تسوية الحقوق و الديون
تختلف طرق تسوية الحقوق و الديون الخارجية بين النظامين النقديين، أم في نطاق المعاملات الدولية فإن العملة المحلية لا تتمتع بقوة الإبراء في تسوية المعاملات بين الدول و من هنا يتوجب على الدولة تسوية المعاملات بالعملة الدولية المعمول بها
ثالثا: من حيث القيمة الداخلية و الخارجية للنقود.
تتمثل القيمة الداخلية للنقود في قوتها الشرائية للسلع و الخدمات داخل الاقتصاد الوطني الذي تنتمي إليه، أما القيمة الخارجية فتتمثل في نسبة مبادلة وحدة النقد المحلية بغيرها من العملات الأخرى "سعر الصرف" ففي ظل الذهب هناك ثبات في سعر الصرف بين العملات مع وجود علاقة وثيقة بين مستوى الأسعار المحلية و العالمية و عند انهيارها تعني أن هناك رقابة على الصرف، بحيث لم تعد قيمة النقود الخارجية تعكس قيمتها الداخلية بشكل يتحدد فيه سعر الصرف .
المطلب الثاني :نشأة النظام النقدي الدولي
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبح لا مناص من التفكير في وضع نظام نقدي دولي جديد و بالفعل اجتمع في 01 جويلية 1944 ممثلوا الولايات المتحدة الأمريكية و انجلترا بالإضافة إلى ممثلي 42 دولة أخرى في "بريتون وودز" في الولايات المتحدة الأمريكية لوضع أسس نظام نقدي دولي جديد الذي يسمى باسم المدينة التي وقع فيها الاجتماع، و كانت الدول المشاركة منقسمة إلى كتلتين رئيسيتين هما:    
أ‌- مجموعة الدول المدينة بقيادة لوفد البريطاني
ب‌- مجموعة الدول الدائنة بقيادة الوفد الأمريكي
و استغرق المؤتمر من 1 إلى 22 جويلية و مما ميزه وجود طرحان أساسيان لإقامة النظام النقدي الجديد هما "خطة اللورد كينر" و "خطة هوايت".
1- خطة اللورد كينر:
جاءت بريطانيا بمقترحات تضمنتها خطة اللورد "جون مينارد كينر" سعت من ورائها إلى تحقيق العبء على الدول المدينة تدعو هذه الخطة إلى إقامة مقاصة متعددة الأطراف للديون بين البنوك المركزية بتقديم اعتمادات للبنوك التي تجد نفسها على العموم في وضعية مدينة و بإمكان البنك العالمي أن يلعب بالنسبة للبنوك المركزية التابعة لمختلف الدول دورا مماثلا لذلك الدور الذي يلعبه البنك التجاري بالنسبة لزبائنه كما اقترح كينر أن تتحدد كمية النقد الدولي على أساس الحاجة التجارية الدولية إليه و على أساس هذه الحجة يمكن للعالم أن يزيد أو يخفض كمية النقود الدولية لمواجهة أحوال التضخم أو الانكماش،
على أن يكون النظام متمركزا على عملة دولية جديدة لا تسيطر عليها أي بلد أطلق على هذه العملة " BONCOR" و هي وحدة حسابية قياسية نقدية تستخدم في تسوية المدفوعات الدولية على أن تكون الدول موافقة على استعمالها، تحدد قيمة "البانكور" بالذهب و لكن بقابلية التغيير حسب الأحوال بمعنى أن الدول التي تعاني عجزا في ميزان المدفوعات تلجأ لبيع الذهب أو الاقتراض من الاتحاد الأوروبي و قد حدد حجم الحصة المفترضة على أساس إجمالي التجارة الخارجية للدول الأعضاء و يقترح لذلك رسما سنويا يقدر بـ: 1  على الدول المستفيدة من موازين مدفوعاتها فائض يفوق رصيدها الدائن فيه نصف حصتها و اقترح أيضا السماح بتخفيض قيمة العملة في حدود 5  و ذلك إذا تجاوز حجم قروضها  25  من حصتها سنويا .
ب- خطة هوايت:
جاءت الولايات المتحدة الأمريكية بمقترحات ترمي من خلالها لدعم مركز الدول الدائنة الكبرى و باقي الدول الأخرى سعيا منها لاعتلاء مكان الريادة الدولية لما تحوزه من قوة اقتصادية.
جاءت خطة هوايت بتدابير تسمح للدولار بأن يصبح وسيلة للدفع و التسوية الدولية بدون منازع، و تم اقتراح وحدة حساب محددة بالنسبة للذهب تدعى "UNITAS"، تحدد الدول قيمة عملتها بالذهب أو البوينثاس، و ليس من حقها تغيير هذه القيمة إلا بموافقة أربع أخماس الدول الأعضاء في الصندوق(5/4) الذي ينشأ لتأثيث قيمة العملات للدول الأعضاء، و يقع حسابات مدينة و أرائية تقيد فيها الأرصدة باليونيثاس و يمكن سحب العملة سواء بالذهب أو العملات الأخرى كما اقترح أن يكون حجم ما تملكه الدولة من الذهب و النقد الأجنبي و حجم دخلها القومي، و مدى تقلبات ميزان مدفوعاتها هو الذي يحدد قوتها التصويتية، و بذلك منحت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر قيمة تصويتية لما تملكه من احتياطي ذهبي و الذي يعتبر الأكبر عالميا و في الدول المجتمعة في المؤتمر بشكل خاص.
و على إثر المفاوضات التي تمت في هذا المؤتمر تم الخروج بنتائج هامة منها إرساء نظام نقدي دولي يقوم على قاعدة الصرف بالذهب حيث يرتكز بصفة رئيسية على قابلية تحويل الدولار الأمريكي فقط إلى ذهب هذا من ناحية و على تثبيت أسعار العملات الأخرى بالنسبة للدولار الأمريكي من ناحية أخرى، و من ثم تصبح العملات مربوطة بشكل أو آخر بالذهب من خلال الدولار، كما تم بموجب هذا المؤتمر إنشاء هيئتين نقديتين دوليتين هما: صندوق النقد الدولي (FMI)، البنك الدولي للإنشاء و التعمير (BIRD) .
المطلب الثالث: مراحل النظام النقدي الدولي
مر النظام النقدي الدولي بعدة مراحل و سنتناول هذه المراحل ابتداء من قاعدة الذهب إلى قاعدة التعويم المدار
أولا: النظم النقدي الدولي وفقا لقاعدة الذهب
وفقا لهذه القاعدة كانت كل دولة تحدد قيمة الوحدة الواحدة من عملياتها الوطنية بوزن معين من الذهب و سادت قاعدة الذهب معظم دول العالم خلال القرن 19 حتى بداية الحرب العالمية الأولى متخذة بذلك صيغتين:
- صيغة المسكوكات الذهبية
- صيغة السبائك الذهبية    
1- صيغة المسكوكات الذهبية:
في هذه الصيغة كان التعامل يتم بنوعين من النقود:
النوع الأول:
يتمثل في النقود المعدنية الذهبية و تكون قيمة العملة مساوية لقيمة وزن الذهب المكون لها.
النوع الثاني:
يتمثل في النقود الورقية القابلة إلى التحول إلى ما يساوها من الذهب لدى البنك المركزي.
يتم النظام تحديد وزن معين و ثابت من الذهب لوحدة النقد بحيث تكون قيمة العملة مساوية بما يقابلها من ذهب، و يمكن تحويل النقود الورقة إلى ما يساوها من الذهب في شكل مسكوكات ذهبية بدون أي تكاليف معها إمكانية تحويل السبائك الذهبية و العكس و بدون أي قيود، كما يتميز هذا النظام بحرية تصديد و استيراد الذهب.
و يعود أسباب التخلي عن هذه الصيغة إلى توسيع النشاط الاقتصادي و التبادل التجاري و ارتفاع حجم الإنفاق الحكومي لتمويل نفقات الحرب و مقابل قلة كميات الذهب المتاحة لمواجهة التوسع في استخدامه و لذلك اعتمدت الصيغة الانية1.
2- صيغة السبائك الذهبية:
في هذه المرحلة يخذ في الذهب في التداول بهدف توفير الذهب كمعدن و تخزينه، و تحل الأوراق النقدية محل النقود المعدنية في التداول النقدي و كان أول من تبقه هذه القاعدة بعد الحرب العالمية الأولى في انجلترا و فرنسا بمثابة الخطوة الأولى اتجاه التخلي عن اكانية تحويل الأوراق النقدية إلى ذهب في العملات الداخلية و هو ما تم عمليا في فرنسا عام 1931 و في انجلترا عام 1936 و في ظل هذه القاعدة و فرت السلطات النقدية بعض الاحتياطات من الذهب.
في ظل قاعدة الذهب يكون سعر الصرف بين مختلف العملات ثابت تقريبا طالما ترتبط العملات بالذهب، و سنتعرض الآن تقلبات أسعار للصرف في ظل هذه القاعدة.
- أسعار الصرف في ظل قاعدة الذهب
كما ذكرنا في السابق أن سعر الصرف في هذا النظام الأصل فيه ثابتا، لأنه إذا ارتفع ثمن إحدى العملات فيكفي أن يقوم الأفراد بشراء الذهب و بيعه لدولة هذه العملة سعر التعامل مما يعود بثمن العملة على الأصل.
و مع ذلك فإن الثبات المطلق السعر الصرف لا يتحقق ذاتها، و تقوم في الواقع حدود يتغير داخلها سعر الصرف و هذه الحدود هي ما يعرف بنقطة خروج الذهب و نقطة دخوله، و ترتبط نقطة دخول و خروج الذهب بالنفقات اللازمة لنقل و تأمين الذهب من دولة لأخرى.
و لتوضيح ذلك نفترض أن كل من الجنيه الإسترليني و الدولار على قاعدة الذهب معنى ذلك أن الجنيه الإسترليني يعادل وزنا معينا من الذهب تتعهد السلطات النقدية الانجليزية بالبيع و الشراء على أساسه و أن الدولار الأمريكي كذلك يعادل وزنا معينا من الذهب تتعهد السلطات النقدية الأمريكية بالبيع و الشراء على أساسه1، و مع بداية القرن العشرين عرف العالم عدة نظم نقدية تميزت في مراحل تطورها بأزمات عديدة مع فترات من الاستقرار و أول نظام ظهر في مطلع هذا القرن هو نظام أسعار الصرف الثابتة في ظل قاعدة الذهب الذي عرف أزمات في الثلاثينات و بعده ظهر نظام أسعار الصرف الثابتة في
مؤتمر "بروتن وردز" سنة 1944 بالولايات المتحدة الأمريكية و الذي دام ربع قرن قبل انهياره.
فإذا ارتفع ثمن الدولار عن سعر التعادل فالأفضل أن يقوم المستورد البريطاني ببيع بعض الجنيهات الإسترلينية و شراء الذهب من سلطاته النقدية وفقا للسعر الرسمي ثم يقوم بتصدير الذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية و يشتري دولارات بالثمن الرسمي2.
لكن عملية تصدير الذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية لن تتم إلا إذا كان ارتفاع ثمن الدولار عن سعر التعادل بقدر يزيد عن نفقات تقل الذهب و التأمين عليه و يطلق على الحداة على الذي يقبله المستورد الانجليزي للدولار زيادة على سعر التعادل بنقطة خروج الذهب، إذ أن أي ارتفاع بعدها سيؤدي إلى خروج أو تصدير من انجلترا إلى الولايات المتحدة الأمريكية و العكس بالنسبة لانخفاض ثمن الدولار عن سعر التعادل و يطلق على الحداة و في الذي يقبله المصدر الأمريكي للدولار اسم نقطة دخول الذهب إذ أن أي انخفاض بعدها لسعر الدولار سيؤدي إلى دخول أو استيراد الذهب من انجلترا، و يتحدد الصرف بين هذين الحدين وفقا لظروف العرض و الطلب.
ثانيا: النظام النقدي الدولي وفقا لاتفاقية بروتن وودز:
بعدما أعلنت انجلترا انهيار قاعدة الذهب بإلغاء قابلية تحويل الجنيه الإسترليني إلى الذهب في عام 1931 تتبعها بقية الدول و أصبح النظام النقدي قائما على حرية تقويم العملات حيث شهدت تلك العنوه تنافسا محموما بين البدل في تخفيض عملاتها من ناحية و فرض القيود الحماية من ناحية أخرى3 و قد
كانت الدول الحليفة قد بدأت لفترة طويلة قبل نهاية الحرب العالمية الثانية العمل لتطوير نظام من شأنه أن يعزز ثلاث أهداف   :
- إزالة قيود التجارة فورا
- تحقيق تحويل العملات التي تلاشت كلية نتيجة الرقابة على نظام الصرف التي شملت العالم.
- الحفاظ على أسعار صرف مستقر بين مختلف العملات
و قد قام النظام النقدي الدولي بعد الحرب العالمية الثانية على أسس و مبادئ معينة صاغها مؤتمر الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1944 في اتفاقية عرفت باتفاقية بروتن وودز و انتهت في أن هذا المؤتمر إلى إنشاء صندوق النقد الدولي يعرض تحقيق الأهداف التالية 2 :
- دعم و تنشيط التعاون النقدي الدولي
- تشجيع النمو المتوازن في التجارة الدولية و إزالة الحواجز بأمل تأمين العمالة الكاملة في الداخل و تأمين و ثبات سعر الصرف
- تجنب حروب تخفيض العملات التي تهدف إلى تنشيط الصادرات و دعم المنافسة على المستوى الدولي
- حرية تحويل العملات بين الدول و إقامة نظام متعدد الأطراف للتسويات الدولية
- تقديم المساعدات لتصحيح الخلل المؤقت في موازين المنوعات
كما استقر هذا المؤتمر بإنشاء البنك الدولي للإنشاء و التعمير و قد انحصر اهتمامه في منح قروض ميسرة و طويلة الآجل إلى الأقطار النامية لتمويل عملية التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و لو جزئيا  3.
و قد قام هذا النظام على نظام الصرف الثابت القابل للتعديل بالإضافة إلى أسعار التعادل الذهبية و قابلية العملات، و سنعرض مختلف أسعار الصرف السائدة في ظل هذا النظام.
أسعار الصرف في نظام بروتن وودز:
يقوم هذا النظام على قاعدة الصرف بالذهب و لكن ليس بالصيغة التي كان عليها نظام قاعدة الذهب فهو يرتكز بصفة رئيسية على قابلية تحويل الدولار الأمريكي فقط إلى ذهب من جهة، و على تثبيت أسعار صرف العملات الأخرى بالنسبة للدولار الأمريكي، و عليه فتصبح علاقة العملات الأخرى بالذهب غير مباشرة، ترتبط به من خلال تثبيت قيم عملات الدول الأعضاء و من أهداف الصندوق التي تسعى لتحقيقها كما ذكرنا 4

و من نجد أن الصندوق بدأ يمارس نشاطه و أوجب على الأعضاء أن تقوم بتحديد أسعار تعادل عملاتها على أساس الذهب أو الدولار الأمريكي بالوزن و المعيار المحددين عام 1944 و كذلك إلغاء الرقابة على الصرف.
و تلتزم الدول الأعضاء في الصندوق بالمحافظة على التطبيق الفعلي لسعر التعادل الذي حددته عملتها، هذا الالتزام لا ينصب إلى المعاملات الجارية أو الحالية، أما المعاملات المحلية بأنها تخرج عن هذا الالتزام و ذلك لصعوبة تطبيقه عليها و مع هذا فإن الهامش الذي يبتعد به سعر الصرف الذي تتم المعاملات الأحلية على أساسه عن سعر التعادل لا يعني أن يتجاوز ما يعتبره الصندوق حلا معقولا، ربما أن سعر الصرف للعملة لا يمكن أن يظل ثابتا عند سعر التعادل و ذلك لأسباب عملية دجته فقد راعى الصندوق في اتفاقية هذه اسكالية و رأى جواز أن تتم هذه المعاملات الجارية على أساس سعر الصرف يزيد أو يقل بمقدار 1% عن سعر التعادل، و في جويلية 1959 سمح الصندوق بأن يزيد مقدار ابتعاد سعر الصرف عن سعر التعادل إلى 2% و وصل إلى 2.25% 3 ديسمبر 1971 طبقا لاتفاقية "السميثونيان".
و بمقتضى نظام بروتن وودز كان يمكن للدول أ تمول عجزها المؤقت في موازين مدفوعاتها باستخدام احتياطاتها الدولية و بالافتراض من صندوق النقد الدولي أما في حالة وجود خلال هيكلي أي وجود عجز (أو فائض) 3 ميزان مدفوعاتها، فإنه يسمح للدولة بأن تغير السعر الاسمي لعملتها 3 حدود 10% دون اشتراط الموافقة المسبقة للصندوق1.
و بالتالي يمكن حصراهم الآتي التي قام عليها نظام "بروتن وودز" فيما يلي:
- تثبيت سعر الدولار بالذهب و قابلية تحويله إلى ذهب يواقع 35 دولار للآوفية.
- تثبيت أسعار صرف تعادليه رسمية لعملات الدول الأعضاء في الصندوق الدولي على أساس الذهب و الدولار
- المحافظة على أسعار الصرف المعلن عنها من قبل الصندوق مع السماح تقلبها حول سعر صرف التعادل بحدود 1%.
- إتاحة قدر من السيولة الدولية تحت شروط معينة إلى الدول التي تعاني من عجز مؤقت من موازين مدفوعاتها
- تحقيق تجارة متعددة الأطراف و تبنى قابلية التحويل بين العملات و رفع الرقابة على عملية الصرف الخارجي و كذلك رفع الحواجز الجمركية أمام حركة التجارة.
ثالثا: النظام النقدي الدولي وفقا لقاعدة التقويم المدار:
سنتناول في دراستنا في هذه القاعدة على العناصر التالية:
- نظام التقويم المدار
- أهم خصائصه
أ- نظام التقويم المدار:
منذ سنة 1973 و حتى الآن أصبح النظام النقدي الدولي يقوم على قاعدة التقويم المدار لأسعار الصرف هذه القاعدة التي فرضت نفسها و لم يقصد أحد اجتيازها لأن نظام التقويم كان نتيجة انهيار نظام "بروتن وودز" و لم تأت كمرحلة تزيل ماقبله من المراحل بل تعرض مواجهة الفوضى التي سادت أسواق الصرف الأجنبي والمضاربات التي أحدثت العديد من الاختلالات1.
وفقا لهذه القاعدة تقوم السلطات النقدية في كل دولة بمسؤولية التدخل في أسواق الصرف الأجنبي للحد من آثار التقلبات قصيرة الآجل لأسعار الصرف دون محاولة التأثير على اتجاهات أسعار الصرف في المدى الطويل.
و هكذا انتهى الأمر إلى تحرك صندوق النقد الدولي في اتجاه إدخال بتعديلات على اتفاقية إنشائه، و تم التوصل إلى اتفاق بيان بعض أحكام الصندوق أطلق عليه اتفاقية "جامايكا" و الذي دخل حيز التنفيذ في 1978 بعد أن حصل على الأغلبية المطلوبة من مجموعة القوة التصويتية 60% من مجموع الدول الأعضاء في الصندوق.
انعقد مؤتمر جامايكا في جانفي 1976 أين لمح الصندوق النقد الدولي بنظام حرية سعر الصرف أو نظام التقويم سواء كان فرديا أو مشركا.
و قد تضمن التعديل الثاني لاتفاق صندوق النقد الدولي بعض الأحكام الجديدة فيما يتعلق بدور الذهب في النظام النقدي الدولي نلخصها فيما يلي2:
1- إلغاء السعر الرسمي للذهب و السماح للبنوك المركزية للدول الأعضاء ببيع و شراء الذهب في الأسواق بدون قيود
2- إنهاء دور الذهب كوحدة لتقييم حقوق السحب الخاصة و عدم إمكان اتخاذه كأساس لتقويم العملات الوطنية للدول الأعضاء في الصندوق حتى لو أعيد نظام أسعار التعادل مستقبلا.
3- إلغاء كل الأحكام المنظمة باستخدام الذهب في التعامل ما بين الصندوق و الدول الأعضاء و من ذلك على سبيل المثال عدم استخدام الذهب في دفع حصة الأعضاء الجدد في الصندوق أو عند زيادة حصص الأعضاء القدامة في الصندوق.
4- يقوم صندوق النقد الدولي بالتصرف في ثلث ما بحوزته من الذهب (4655 طن) بحيث يتم إعادة نصف الكمية إلى الدول الأعضاء أي سدس الكمية الكلية من الذهب
5- يمكن للصندوق بأغلبية 85% من القوة التصويتية أن يقوم بالتصرف في جزء أو في كل ما تبقى لديه من رصيد ذهبي
ب- أهم خصائص نظام التقويم المدار:
عدم الأخذ النظام أسعار الصرف الرسمية أو المركزية كهدف و إنما تختار السلطات النقدية مستوى محددا لسعر الصرف يكون هدفا لسياسة سعر الصرف الأجنبي التي تتبعها الدول الأعضاء في النظام النقدي الدولي1.
يدخل البنوك المركزية في أسواق الصرف الأجنبي من خلال ما يعرف لاسم "أموال موازنة الصرف"و هي الأموال التي ستهدمها البنوك المركزية لشراء و بيع العملات الأجنبية في مقابل العملات الوطنية للحفاظ على سعر الصرف عند المستوى الذي اختارته هذه البنوك.
و يتمثل الهدف الرئيسي من وراء البنوك المركزية من استخدام "أموال موازنة الصرف" في الحفاظ على الاستقرار البني داخل أسواق الصرف المالية.
و في ظل هذا النظام يعرض الدولار الأمريكي لقوى ضغط عديدة خلال الفترة الممتدة من 1973 إلى 1978 انتهت تنقليه الشديد و كان الاتجاه النزولي لقيمة الدولار هو الصفة الغالية.
 المبحث الثالث: تقييم نظام النقد الدولي:
المطلب الأول: انهيار النظام النقدي الدولي :
1- أسباب انهيار نظام الذهب:
يمكن أن نجمل العوامل و الأسباب العامة التي أدت في مجموعها إلى اهيار قاعدة الذهب الدولي فيما يلي2:
- تطور نظرة الأفراد إلى الشيء الذي يستخدم نقد أعلى أساس أن أهمية لا تكمن في طبيعة المادة التي يصنع منها أو التي يقبل التحويل إليها، بل كفاءة لوظائف التي يقوم بها.
- التراجع المستمر عن مبدأ الحرية الاقتصادية و نمو القوميات الاقتصادية الذي كان سبب في نمو القوى الاحتكارية في أسواق السلع و العمل و ما نتج عن هذا من تجميد الأسعار والأجور في الاتجاه النزولي الأمر الذي أدى إلى خصم العلاقة بين مستويات الأسعار و حركات الذهب.
- ودال عصر الحرية في التجارة الدولية
- التحركات غير العادية للذهب و رؤوس الأموال التي أدت إلى سوء توزيع الذهب بين الدول حيث أصبح في الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا.
2- انهيار نظام "بروتن وردز":
يمكن أن تؤجزها في ثلاث عناصر
أ- عجز ميزان المدفوعات الأمريكي:
كان نظام "بروتن وردز" يقوم على التزام الخزانة الأمريكية ببيع الذهب سعر 35 دولار للأوجية إلى الحكومات و البنوك المركزية و المؤسسات النقدية في العالم1.
فمنذ الخمسينات بدأ ميزان المدفوعات الأمريكي يحقق عجزا كبيرا و مستمر الأمر الذي قلص شدة من احتياطات الذهب في الخزينة الأمريكية و ساد اليقين بضرورة تعديل أسعار تعادل العملات.
و إزاء فشل الو.م.آ في إقناع الدول التي حققت موازنين مدفوعاتها فوائض ضخمة و بصفة خاصة ألمانيا الغربية آنذاك و اليابان بدفع لسعر الصرف عملاتها، اجتح من الضروري لجوء الو.م.آ على تخفيض قيمة الدولار و بدأت كميات كبيرة من رؤوس الأموال الأمريكية في السوق إلى الخارج و بدأت التحويلات الكثيفة للدولار الأمريكي إلى الذهب و العملات القوية الأخرى و بصفة خاصة المارك الألماني، الأمر الذي أدى إلى حدوث المزيد من الاختلافات في ميزات المدفوعات الأمريكي.
و هنا اضطر رئيس الو.م.آ آنذاك "ريتشارد نيكسون" إلى أن يعلن في 15 أوت 1971 تعليق قابلية تحويل الدولار لأمريكي إلى ذهب معلنا بذلك نهاية نظام "بروتن وردز" و في نفس الوقت فرضت الو.م.آ ضريبة  إضافية مؤقتة على الواردات قدرها 10%.
ب- وجود لتوقيف الذهب في ظل اتفاقية "بروتن وردز":
من الشعرات التي أتضح كذلك نظام "بروتن وردز" الإعتراف منذ البداية بوجود سوقين للذهب هما: السوق الرسمية و السوق الحرة فيما يخص الأولى يتم فيها تبادل الذهب للأغراض النقدية مع اختيار نطاق التعامل معها على السلطات النقدية في الدول الأعضاء2 .
أما السوق الحرة فيتم التبادل فيها لأغراض التجارية و لا تخضع تعاملاتها للأحكام التي تقضي لها اتفاقية "بروتن وردز" و بمقتضى هذه الاتفاقية التزام السلطات النقدية للدول الأعضاء عند تعاملها بالذهب اتباع القواعد التالية:
- عدم تجاوز سعر الصرف التعادلي عند الشراء 1% و عند البيع أقل من 1%
- كذلك عدم وجود عوائق تحول دون بيع الذهب المستخرج حديثا من المناجم الواقعة في أراضي الدول الأعضاء.
3- مزايا عيوب نظام التقويم:
تختلف الآراء حول تقييم نظام التقويم بين مؤيد و معارض حيث يبني المؤيدون نظرهم على الحجج
التالية1:
1. تتكفل قوى السوق في ظل نظام أسعار الصرف الحر أو نظام التقويم بإحدى التغييرات اللازمة في سعر الصرف للقضاء على الخلل في ميزان المدفوعات.
2- إعفاء البنوك المركزية في دخل العالم المختلفة من عبء التدخل في أسواق الصرف للتأثير على القيمة الخارجية لعملتها الوطنية لرفع أسعار عملاتها في  حالة الانخفاض أو تحجمها في حالة الارتفاع.
3- عدم الحاجة على احتفاظ البنوك المركزية في دول العالم المختلفة باحباطات نقدية في صورة ذهب و عملات أجنبية لعدم تدخلها في أسواق الصرف الأجنبي كعارضة أو طالبة لعملتها.
4- عدم اضطرار الدول المطبقة لهذا النظام تكييف سياستها النقدية و المالية لمتطلبات التوازن الخارجي لميزان المدفوعات أو الالتجاه إلى اتباع بيانات تجارية نقدية للحد من واردات الدولة من الخارج أو تدفق رؤوس الأموال من الخارج أو من الداخل على الخارج.
في حين يتمسك المعارضون في تأييد وجهة نظرهم بما يلي:
1- تعرض عمليات التصدير و الاستيراد لمخاطر اقتصادية نظرا لاحتمالات تغير سعر الصرف بين وقت التعاقد و وقت تسليم و يخلف هذا الوضع حالة عدم الثقة في المعاملات الاقتصادية الخارجية.
2- تعرض الاستقرار الاقتصادي الداخلي لهزات عنيفة نتيجة لتعليان في أسعار الصرف بين عملات الدول المختلفة
3- يؤدي الأخذ بنظام التقويم المدار على نقص حركات رؤوس الأموال طويلة الآجل سبب وجود عنصر عدم التأكد في استقرار قيمة الأموال المستثمرة في الخارج و العائد بالنسبة لها للاستثمارات.
4- تؤدي التقلبات في أسعار الصرف على تشجيع حركات المضاربة التي تؤدي إلى المبالغة في رفع أو خفض قيمة العملة.
و من الواضح أن تدخل الدولة في مثل هذه الحالات تعتبر ضرورة حتمية للحد من إتباع تقلبات أسعار الصرف و هو ما يحمل البنوك المركزية عتبا ماليا للتدخل في أسواق صرف العملات.
المطلب الثاني: إصلاحات النظام النقدي الدولي:
اتفقت الأطراف الموقعة على اتفاقية "سهيبثونيان"* على ضرورة الإصلاح النقدي و قد شكلت لذلك لجنة مؤقتة بإعزاز من مجلس محافظي صندوق النقد الدولي تتكون من عشرين عضوا يمثلون المناطق و الدول التي من حق كل منها تعيين مدير تنفيذي في الصندوق.
و انتخبت اللجنة في أول اجتماع لها "جون تيرنز" وزير مالية كندا رئيسا لها و قد عقدت هذه اللجنة أربعة اجتماعات لبحث موضوع تعديل بعض أحكام اتفاق صندوق النقد الدولي، ثم محاولة التوصل إلى اتفاق محدد بشأن النظام الجديد لأسعار الصرف و كذلك تحديد دور الذهب في النظام النقدي الدولي، و لقد تقرر أن يعقد الاجتماع الخامس في "كينحستون" جاميكا في 7-8 جانفي 1976 و تم التوصل إلى اتفاق بشأن تعديل بعض أحكام الصندوق أطلق عليه اتفاق جاميكا و الذي دخل حيز التنفيذ في أول أفريل 11978 بعد أن حصل على الأغلبية من مجموع القوة التصويتية من طرف الدول الأعضاء في الصندوق.
و هذا الاتفاق لا يعتبر خطوة لإصلاح النظام النقدي الدولي بقدر ما اعتبر تقنيا للأمر الواقع، ففيما يتعلق سعر الصرف تم تعديل المادة الرابعة من اتفاق الصندوق التي كانت تلتزم الدول بتحديد أسعار صرف عملاتها وفقا لنظام إقرار أسعار الصرف أو أسعار التعادل بحيث أصبحت تسمح بتحديد أسعار الصرف وفقا لنظام حرية سعر الصرف أو نظام التقويم سواء كان التقويم فرديا أو أجماعيا، و على الرغم من اختلاق نظم الصرف المتبعة في هذه المرحلة فإن التعديل قد أكد على ضرورة قيام أعضاء الصندوق يبذل كل الجهود الممكنة لإيجاد نظام مستقرة لأسعار صرف عملاتها، و تجنب النقليات كما التزمت الأعضاء
بالامتناع عن التلاعب بأسعار الصرف بهدف عرقلة إجراء تعديلات لا بد منها في موازن مدفوعاتها أو تعرض الحصول على مزايا تنافسية جائزة في مواجهة بعضهم البعض2.
و تعتبر مسألة نظام الاحتياطي النقدي الدولي ذات أهمية قصوى في مجال الإصلاح، و قد تركزت الجهود في هذا الموضوع حول تطوير حقوق السحب الخاصة ليكون لها الوزن الأكبر في الأصول الاحتياطية الدولية مع تقليل أهمية الذهب و عملات الاحتياطي الدولية لعناصر للسيولة الدولية، في ديسمبر 1978 وافق صندوق لنقد الدولي على إصدار جديد لحقوق السحب الخاصة قيمته 4 مليون وحدة في الأعوام 1979-1980-1981 و كان هذا هو الإصدار الأول منذ أن تم أول تخصيص عامي 1980-1982.
و قد كانت هناك وجهات نظر متتا نية حول هذا الموضوع، إذ رأت الولايات م، آ إلغاء الصفة النقدية للذهب تمتما في حين رأت الدول الأخرى و خاصة فرنسا ضرورة استمرار الذهب في أن يلعب دورا رئيسيا في أي نظام نقدي مستقبلا.
قد تضمن هذا التعديل لاتفاق صندوق النقد الدولي بعض الأحكام الجديدة فيما يتعلق بدور الذهب في النظام النقدي الدولي نلخصها فيما يلي:
1- إلغاء السعر الرسمي للذهب و السماح للبنوك المركزية للدول الأعضاء ببيع و شراء الذهب في الأسواق بدون قيود
2- إلغاء دور الذهب كوحدة لتقييم حقوق السحب الخاصة و عدم إمكانية اتخاذه كأساس لتقويم العملات الوطنية للدول الأعضاء في الصندوق حتى و لو أعيد نظام أسعار التعادل مستقبلا.
3- إلغاء كل الأحكام المنظمة باستخدام الذهب في التعامل ما بين الصندوق و الدول الأعضاء و من ذلك على سبيل المثال عدم استخدام الذهب في نفع ربع حصة الأعضاء الجدد في الصندوق أو عند زيادة حصص الأعضاء القدامى في الصندوق.
4- يقوم صندوق النقد الدولي بالتصرف في ثلث ما يجوزه من الذهب بحيث تم إعادة نصف الكمية إلى الدول الأعضاء إلى سدس الكمية الكلية من الذهب1.
5- و أخيرا يمكن للصندوق فاعلية 85% من القوة التصويتية أن تقوم بالتصرف في جزء أو في كل ما تبقى لديه من رصيد ذهبي، و قد أخذت الو.م.آ حذر صندوق النقد الدولي فقامت
في ماي 1978 ببيع جزء من مخزونها الذهبي و قد أعلن آنذاك أن هذا الأجزاء يخدم بعض الأهداف الأمريكية فهو يساعد من جهة على تخفيض العجز المحقق في الميزان التجاري و الذي كان السبب الرئيسي في ضعف قيمة الدولار، ثم هو يؤكد من جهة أخرى ما اتفق عليه من ضرورة تقليص الدور النقدي للذهب تدريجيا.
و قد قامت الخزانة الأمريكية ببيع 491 طن من الاحتياطي الذهبي الأمريكي بالمزاد خلال عامي 1978-1979.، و بهذا التعديل لاتفاق صندوق النقد الدولي يكون الذهب قد خرج اسميا من إطار نظام النقد الدولي و أصبح للبنوك المركزية الحق في استخدام احتياطاتها الذهبية على النحو الذي تريده.
و نلخص من ذلك إلى أن الذهب ما زال يحتفظ بمكانته كأصل احتياطي لدى السلطات النقدية في العالم على الرغم من إنهاء دوره النقدي في إطار النظام النقدي الدولي.
المطلب الثالث: ايجابيات الثنائية القطبية في النظام النقدي الدولي:
تربع الدولار الأمريكي على عرش النظام النقدي العالمي طويلا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية باعتباره عملة الاحتياط الرئيسية في النظام النقدي الدولي و مر هذا النظام في عدد من التطورات خلال القرنين التاسع عشر و العشرين، إذ كان هناك دائما عملة ارتكاز واحدة في ظل قاعدة الذهب ثم الجنيه الإسترليني الذي كان عملة الاحتياط الرئيسية قبل نهاية الحرب العالمية الثانية.
و لكن الجديد في الأمر أننا نشهد منذ بداية القرن الواحد و العشرين نهاية القطبية الأحادية في النظام النقدي الدولي و بداية نزول الدولار الأمريكي عن العرش الذي تربع عليه طويلا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية منذ طرح اليورو كعملة احتياط جديدة في الأول من يناير 2002 و وفق الإحصاءات الأخيرة تجاوزت أوراق النقد باليورو و حجم أوراق النقد بالدولار المتداولة على نطاق العالم بدءا من اكتوبر عام 2006 على رغم أن عمر عملة اليورو لم يتجاوز الخمس سنوات.
و لذا سيكون لتلك الثنائية الجديدة في النظام النقدي الدولي تداعيات كبيرة نتيجة فقدان الولايات المتحدة و الدولار الأمريكي تلك الميزة الاحتكارية الكبرى، إذ أن اليورو كعملة ارتكاز بديلة في النظام النقدي الدولي نتيجة عملية تحول واسعة من جانب الشركات و المصارف و الأفراد من الدولار إلى العملة الأوروبية كعملة احتياط دولية، و هو ما أثبتته السنوات الأخيرة حيث أكد اليورو و قوته و استقراره في مقابل الدولار الذي خسر نحو 17% من قيمة في مقابل نظيره الأوروبي عام 2002 1.
كانت بداية تلك التداعيات في نوفمبر عام 2000، عندما تحول العراق من الدولار إلى اليورو و جعله أساسا في احتساب أسعار النفط و إجراء التسويات المالية الترتبة على الصفقات النفطية، و في عام 2002 حولت الحكومة الإيرانية نحو نصف احتياطاتها المالية الرسمية إلى اليورو على حساب الدولار و ليس سرا أن مصارف مركزية كثيرة في البلدان الأوروبية و الأسيوية، بدأت في تحويل جانب مهم من احتياطاتها النقدية إلى اليورو و كان أخرها إعلان البنك المركزي السويدي عن تقليص حصة الدولار ضمن احتياطاته الرسمية من 37% إلى 20% و من جهة أخرى جاءت إشارات من المصارف المركزية في قطر و الكويت و السعودية و الإمارات إلى أن هناك اتجاها جديا لتنويع احتياطاتها الرسمية و زيادة حصة اليورو على حساب حصة الدولار.
و بحسب بيانات صندوق النقد الدولي ما زال الدولار يشكل نحو 66% من احتياطات النقد الأجنبي على مستوى العالم عام 2004 كما أن نحو نصف تدفقات التجارة الخارجية ما زالت مقومة بالدولار الأمريكية في مقابل 30% مقومة بالعملات الأوروبية و 3% بالين الياباني بينما هناك نحو 37% من إجمالي حجم الدين العالمي مقوما بالدولار في مقابل 34.5% مقوما باليورو. 2
و لا شك في أننا نعيش فترة انتقالية مهمة في النظام النقدي الدولي في ظل النظام الجديد للثنائية النقدية الدولية، إذ ستساعد هذه الثنائية القطبية في النظام النقدي الدولي بلدانا نامية كثيرة على التمتع بقدر كبير من المناورة في عقد صفقاتها التجارية، و تنويع احتياطاتها النقدية و مقاومة الضغوط الاقتصادية الأمريكية، و استخدام اليورو في مقابل الدولار كسلاح للمناورة السياسية و تخفيف الضغوط عن اقتصاداتها و قدمت فنزويلا نموذجا بما قامت (الدولار) به عندما عقدت صفقات مقايضة مع 12 دولة من قارة أمريكا اللاتينية في مجال تصدير النفط، ما فرض ضغوطا كبيرة على الدولار الأمريكي من خلال استبعاده كأداة التسوية الصفقات النفطية الدولية بين تلك البلدان و عموما نعيش مع بداية هذا القرن قدرا من تعددية الأقطاب على الصعيد الاقتصادي العالمي مع صعود الدور الاقتصادي و التكنولوجي لبلدان مهمة في آسيا مثل اليابان و الصين و الهند و كوريا الجنوبية و كذلك بروز منطقة اليورو كمنطقة اقتصادية مهمة ذات عملة نقدية موحدة و تشير البيانات الإحصائية إلى التوازي الكبير بين مساهمة كل من الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية من حيث الإنتاج و الصادرات العالمية إذ يمثل إنتاج كل منهما نحو 45% من إجمالي الإنتاج العالمي و 15% من إجمالي التجارة العالمية .
و في الإجمال فإن الثنائية القطبية في النظام النقدي الدولي تفتح الطريق أمام التعددية القطبية في الاقتصاد العالمي و تضعف من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على مقاليد الاقتصاد العالمي و مجرياته ترافقها تعددية قطبية في مجال التكنولوجيا (اليابان-الهند- الصين-كوريا الجنوبية) وصولا إلى عالم متعدد الأقطاب ماليا و اقتصاديا و تكنولوجيا و سياسيا


خاتمة الفصل:
توصلنا في هذا الفصل إلى محاولة وضع تعريف شامل نوعا ما للنظام النقدي الدولي الذي قلنا عنه عبارة عن مجموعة من القواعد و الأدوات و الآليات و التنظيمات التي تتكفل بتسوية المدفوعات الدولية و تصريف أمور العلاقات النقدية بين دول على نحو يدعم فاعلية التجارة الدولية متعددة الأطراف.
و اعتبار هذا النظام يقوم على أساس تعامل الدول فيما بينها مع اختلاف سياستها فإنه من الصعب أن يتسم هذا النظام بالاستقرار، فبعد أن ساء العالم نظام الذهب فإنه ما لبث أن أنهار بعد الحرب العالمية الأولى، ثم خلفه "بريتون وودز" في سنة 1944م الذي انهار هو بدوره ليدخل العالم في مرحلة جديدة هي مرحلة النظام وفقا لقاعدة التقويم المدار و التي لا زالت تسعى إلى تحقيق الاستقرار في سياستها النقدية بغية الوصول إلى استقرار النظام النقدي الدولي و من أحرص الدول على هذا (الدول الأوروبية) الهدف هي الدول الأوروبية.


الفصل الثالث: أثر العولمة الاقتصادية على النظام النقدي الدولي

مقدمة الفصل الثالث:
إن العولمة الاقتصادية و باعتبارها موجة تحرر و إزالة لكل القيود التي تجد من حركة السلع و الخدمات و كذا رؤوس الأموال بين مختلف الدول قد كان لها بالغ الأثر على الاقتصاديات الدولية بما فيها العربية و على حد الخصوص أنظمتها النقدية باعتبار هذه الأخيرة عصب الحياة الاقتصادية و أساس المبادلات التجارية و هذا لما له من دور في تسريع العلاقات التجارية و المبادلات الدولية و يتجلى هذا الأثر من خلال التحولات الكبرى في الاقتصاديات الدولية و العلاقات النقدية العالمية و المالية و السياسات الاقتصادية في إطار ثلاث مباحث.
المبحث الأول: التحولات الكبرى في الاقتصاد الدولي
المبحث الثاني: واقع الاقتصاديات العربية في ظل العولمة
المبحث الثالث: أثر العولمة على العلاقات النقدية الدولية المالية و السياسات الاقتصادية
المبحث الأول: التحولات الكبرى في الاقتصاد
المطب الأول: التنافس بين العملات وظهور التجارة الالكترونية.
1- سيطرة العملات الرئيسية:
استخدم الدولار الأمريكي خلال نصف القرن الماضي كعملة دولية استطاعت التغلب على المنافسة التي واجهتها عملات عديدة أخرى، وتعززت قوته بسبب القوة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة الأمريكية، وقد أبدى الجنيه الإسترليني قدرا من المنافسة للدولار في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كما أدى الاستخدام المتزايد للمارك الألماني والين الياباني في الثمانينات إلى الاعتقاد بان نظام النقد الدولي سبيله لان يصبح نظام ثلاثي الأقطاب، وخلال الأعوام القليلة المقبلة (الماضية) ناولة العديد من مراكز الأبحاث الاقتصادية بالمدارسة تحول النظام المالي العالمي من نظام أحادي الأقطاب يقوم على الدولار إلى نظام ثنائي يقوم على الدولار والأورو معا مما يؤدي إلى تحولات كبيرة في الأسواق العالمية.
ومن المعروف أن هناك ثلاث وظائف أساسية للتنفيذ حيث يستخدم كوسيلة للتبادل، ووحدة للمحاسبة والتسويات الدولية وكمستودع للقيمة، ونظرا لأن اختيار العملات الدولية عملية توجهها قوى السوق في الأساس فإن وظائف النقود كوسيط التبادل وكوحدة للحساب تغلب على وظيفتها كمستودع للقيمة، وتؤدي إلى استخدام عملة دولية وحيدة أو على أكثر تقدير عملتين دوليتين.
ومن الضروري توفر عدة عوامل لكي يتم قبول استخدام عملة ما دولية بنجاح أهمها :
- توفير الثقة في قيمة العملة وتمتعها بقيمة مستقرة وصرف مستقر وفي هذا الصدد فإن متوسط معدلات التضخم ظلت أفضل من الولايات المتحدة بالمقارنة بمتوسط المعدلات في دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة خلال الفترة 1980-1988 حيث اقتصرت في الأولى على نحو 5.5% بينما سجلت في الثانية 7.7% إلا أنه عقب تصديق على اتفاقية ما ........انخفاض متوسط معدل التضخم في دول الاتحاد مجتمعة ليقتصر خلال الفترة مابين 1991-1999 على 3.2% خلال نفس الفترة في الولايات المتحدة.
- ضرورة توافر الثقة في الاستقرار السياسي للحكومة المصدرة للعملة أن يكون للبلد المصدر للعملة بأسواق مالية متحررة وواسعة وعميقة وهو يتمتع به حاليا المالي الأمريكي حيث سجل الإجمالي في أدواته نحو 9.6 تريليون دولار مقابل 3.6 في منطقة اليورو.
- الخصائص الاقتصادية للبلد المصدر للعملة، ويتمثل ذلك في حجم اقتصادها وحصصها في التجارة وترى مراكز الأبحاث الاقتصادية، إمكانية وصول اليورو إلى مكانة تنافسية مع الدولار، حيث دول المشاركة في الوحدة النقدية بقوة اقتصادية ضخمة ومؤثرة، يبلغ عدد سكانها نحو 290.4 نسمة مقابل 267.9 مليونا في الولايات المتحدة، ويبلغ الناتج المحلي العالمي مقابل 7.8 تريليونا للولايات المتحدة ونسبة 20% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ولاشك دخول الأورو كعملة منافسة للدولار تحكمه العديد من الضوابط لعل أهمها1:
- تطور الأسواق المالية الأوروبية ليس فقط من خلال عمليات الدمج عبر الحدود، وإنما من خلال أدوات مالية جديدة تزيد من جم وسيولة وفعالية وشفافية الأسواق المحلية.
- دور أوربا في تحقيق توزيع أكثر عدالة للثورة الجديدة بين دول الشمال والجنوب، الاستقرار السياسي داخل المجموعة، والذي يؤثر بدورة على الاستقرار النقدي، وقبل انضمام أعضاء جدد حيث تستهدف الوحدة التوسع شرقا فيما بعد، وعمليات دمج القطاعية لتقوية المؤسسات المختلفة حتى تستطيع المنافسة في داخل وخارج البلاد
وبعد تجربة عامين كاملين تقريبا من التعامل الأوروبي بالأورو فلم يكن بالقوة المتوقعة في الدولار الذي يفرض هيمنته يوما تلوى الآخر في ظل اقتصاد عالمي جديد أحادي الجانب، فقد ظل الحال الأوروبي بين مؤيد للأورو ومعارض له وبعد أن كانت الغالبية الأوروبية للعملة الأوربية الموحدة كيانا قوي في مواجهة الدولار الأمريكي، فإننا اليوم نرى تزايد لمعارضة للأورو وليس فقط من جانب غالبية الشعب الإنجليزي باعتباره صاحب عملة تاريخية والين الإسترليني.
ولكن جاء الرفض الدانمركي بمثابة الصدمة حيث تم إثارة العديد من الصعوبات والمخاوف الاقتصادية والسياسية التي تواجه الأورو، وزاد تأكيد ذلك تصريحات محافظ البنك المركزي الأوروبي علانية لتدخل البنك المركزي الأوروبي للدفاع عن الأورو، وزاد الجدل من جديد حول جدوى الانضمام إلى العملة الموحدة الأورو بل وسيؤثر ذلك على عملية طرح الأورو في الأسواق للتداول بديلا عن جميع العملات الأوروبية المقرر إلغاءها ليحل محلها الأورو  ∙
أصبح الأورو محل أخذ وعطاء وعديد من الاستفسارات أهمها    :
- هل يستطيع الأورو أن يقلب موازين نظام النقد الدولي من أحادي القطب إلى ثنائي القطب؟
- هل يستطيع الأورو أن يبقى صامدا في مواجهة الدولار دون تدخل الاتحاد الأوروبي للدفاع عن عملته بالوسائل المشروعة؟
ومع هذا المستقبل الغير الواضح وغير المتفائل للأورو وقد كان الأمل كبير في إنهاء سيطرة الدولار أو على الأقل مزاحمته في الزعامة على العملات الضعيفة وقليل من العملات الجديدة.
لكن كيف تستطيع الدول النامية التعامل مع الدولار؟
وهنا يثور التساؤل، هل تلجأ هذه الدول إلى تثبيت سعر الصرف أم تجعله مرنا، وما هو هامش المرونة الأكثر قبولا؟
إن التجاء الدول إلى سياسة تثبيت سعر الصرف عند السعر التي تريده إلى ضياع جزء من الاحتياط النقدي الأجنبي ويزداد هذا الأمر خطورة من الجانب الاقتصادي إذا علمنا أن هذا الاحتياطي لا يأتي من فائض أو نمو تصدري ولكنه ناتج أو مقابل بديون خارجية كبيرة1.
إن اتباع سياسة تثبيت سعر الصرف تؤدي إلى تحقيق معدل تضخم منخفض واستقرار نسبي في سعر الصرف ولكن هاته الأمور في ظل الانفتاح على العالم تزداد صعوبة وخطورة على الاقتصاد القومي بما يضيفه من أعباء كبيرة، ولذلك فإن سعر الصرف المرن بهامش منخفض أفضل في ظل الانفتاح العالمي، وتتجه الكثير من الدول النامية إلى إتباع هذه السياسة مستخدمة في ذلك بعض المعايير لتحديد سعر الصرف المناسب.
2- ظهور التجارة الالكترونية:
أ- شبكة الانترنيت:
تمارس هذه الشبكة دورها الرئيسي في توحيد العالم، وفي زيادة ترابطه واتصاله، وفي تحقيق عناصر: الفورية، الجاهزية، الحضور والإتاحة، وهي شبكة لا تخضع لسيطرة أحد وهي تطور الطرق والوسائل التي يتواصل بها الناس ويتعاملون بها مع المعرفة وتبادل السلع والخدمات والأفكار وما يتصل بحياتهم الحاضرة، وما يتعلق أيضا بمستقبلهم.
إن الانترنيت شبكة تحتوي عل معلومات مختلفة من شبكات الكمبيوتر، ذات القدرات الفائقة على نقل المعلومات وحفظها وتحديثها، وهي شبكات منتشرة على مستوى جميع المناطق في العالم وهي تتيح كافة أنواع المعارف الإنسانية، وأصبحت مراكز الانترنيت قادرة على ان تتخاطب فيم بينها، وأن تقوم بتداول وتغذية ذاتها بالمعلومات والبيانات المختلفة.
ونتيجة لهذا كله استطاعت الشركات والمؤسسات أن تغزو عالم الانترنيت، وأن مواقع وصفحات لها بشكل دائم ومستمر، ومع زيادة حجم كل موقع، وبتطوره يضاف إليه الجديد، واستطاعت الشركات والدول أيضا، أن تقيم معارض دائمة تعرض فيه منتجاتها، وبشكل فعال، ومن خلال هذه المواقع تتم عملية البيع والشراء، وبشكل متنام 2.
وقد أحدث ذلك انقلابا كبيرا في العالم، حيث تلاشت حدود الزمان وفواصل المكان وأصبح من الممكن لأي شخص في أي مكان وفي أي وقت أن يتعامل مع المشروعات والشركات ذات الموقع على الشبكة، وأن معها معاملاته بيعا وشراءا، ونقدا وآجلا، وقد ساعدت الانترنيت على زيادة الإحساس بالعولمة في مجال عقد الصفقات وعلى ازدياد اعتماد رجال الأعمال عليها في هذا المجال نظرا لما نتيجة لهم من بيانات ومعلومات فضلا عن تزايد عدد العاملين عليها، والتوسع في استخدامها من جانب الشركات والمؤسسات سواء في مجال الإعلان عن منتجاتهم، أو عمليات البيع لهذه المنتجات، وقد تزايد الاعتماد على شبكة الانترنيت واتسع ليشمل:
- مبيعات الأوراق المالية للأسهم والسندات والصكوك والأوراق التجارية والمالية الأخرى.
- مبيعات البحوث والدراسات والمعلومات من مراكز المعلومات المختلفة.
- العمليات البنكية والمصرفية التي تقوم بمد الشبكة مثل دفع الالتزامات وتقديم الخدمات المصرفية المختلفة للعملاء وقبول ودائعهم وبطاقات الدفع الخاصة بهم.
- عمليات التشاور وإجراء الحوار وكسب الأصدقاء من مختلف أنحاء العالم.
ويتكون اقتصاد الانترنيت من (04) أربعة مستويات رئيسية هي:
المستوى الأول: البنية الأساسية للشبكة أي المكونات الأساسية لها.
المستوى الثاني: التطبيقات والبرامج التي تستخدم في الشبكة.
المستوى الثالث: الوسائط وعمليات تقديم خدمات الشبكة.
لقد ساعدت الانترنيت على تحقيق العولمة فتحت مجالا واسعا للابتكار والإبداع زيادة إحساس الفرد بأنه جزء من هذا العالم وأنه عنصر فعال1.
ب- التجارة الالكترونية:
تعريفها: التجارة الالكترونية يمكن تعريفها كأي تعامل يشمل بعض التبادل قيمة عبر شبكة (اتصال)، اتصالات، وهذا التعريف العريض يتضمن2:
- تفاعلات أعمال لـ: أعمال مثل (EDI) لتبادل البيانات الالكترونية.
- تعاملات عمل لأعمال مثل المحلات المركزية على الشبكة.      
- تعاملات عميل مثل نقل قيم كالحقائب أو الحوافظ الالكترونية.
- تعاملات إدارة عميل/أعمال إلى جمهور مثل: ملئ مرتجعات الضرائب الالكترونية تعاملات أعمال يشار إليها عادة بالأعمال الالكترونية وتعاملات من عميل لبنك (بنكية إلكترونية) والتعاملات التي تتضمن إدارة عامة بالحكومة الالكترونية، شبكة الاتصال التجارة الالكترونية قد تكون شبكة خاصة مثل (شبكة المقاصة) والخاصة بالتبادل (بالتبادل) بتبادل الحسابات والشيكات بين البنوك أو انترنيت أو شبكة التلفون المحمول وفي هذا الجزء فإن التركيز على تعاملات العمل لا الأعمال عبر الانترنيت عبر نظام الدفع الالكتروني التي تعطي طريقة آمنة لتبادل القيمة بين العملاء والأعمال.
تعتبر التجارة الالكترونية قطاع مهمة من الأنشطة التي تمارس من خلال الانترنيت وما يتبعها من التجهيزات الخاصة بالبنية التحتية سواء كانت الكمبيوتر أو الشبكات الدولية كشركات الاتصال التي تؤمن
الاتصال بين الشبكات والشركات التي توفر البرامج المعلوماتية الخاصة بالانترنيت1
ويمكن تعريف التجارة الالكترونية بأنها ناتج (أي سلعة أو خدمة أو فكرة) وتسويق (تطوير منتجات، تسعير، توزيع، ترويج، إعلام، إعلان) عبر شبكة الانترنيت، ومن ثم إن التجارة الالكترونية هي تجاوز وإقصاء القيود المكان والزمان.
ولقد التجارة الالكترونية جذب واجتذاب مئات الملايين إليها فوجد فيها كل مأربه وأهدافه ووسيلة للتعايش وإشباع احتياجاته ورغباته، ووجدت فيها أطراف المبادلات الطريق الرئيسي لتصريف إنتاجها السلعي والخدمي والفكري وازدادت معها كتل المعاملات والمبادلات وأصبحت تمتلك من الوسائل العصرية ما بساعد على اختصار الوقت وتفعيل الزمن وتسيير الانجاز.
لقد فتحت التجارة الالكترونية آفاق جديدة أمام المعاملات الدولية وأصبح يسيرا على أي إنسان في كل مكان في العالم وفي أي وقت من الأوقات القيام بها والتعامل معها وفيها، وبأي شكل وبأي حجم، ولقد نجحت التجارة الالكترونية في إثراء العالم وزيادة رفاهيته وزيادة الإحساس بوحدته وفي الوقت ذاته زيادة نفعية تيار العولمة، ولقد أدى ذلك على اتساع نطاق التجارة الالكترونية وامتدادها إلى آفاق ومجالات جديد وإلى تنويع وتحديث ما يعرض فيها من منتجات سلعية وخدمية وفكرية، ومن وسائل التمويل حاضرة وآجلة، فضلا على أساليب التسويق وما تبتدع عقول الكوادر البشرية2.
وفي التجارة الالكترونية لا تذهب أنت إلى العالم بل تجد أن التجارة الالكترونية تأتي بالعالم كل إليك وتأتي بكل إيداعات البشرية بكل الأشكال، بكل الألوان والأحجام والرؤي وفي كل الأوقات من مختلف الأماكن...الأمر الذي أدى إلى ازدياد الاعتماد عليها وإلى نشوء علاقة حميمية بين أطرافها ومن ثم أصبحت هذه التجارة من تفاصيل ومفردات الحياة اليومية وهي متطورة باستمرار وتزداد كفاءة وفعالية كل يوم ومن المتوقع أن ينمو حجم التجارة الالكترونية من 37 مليار في بداية عام 1999 لتصل في نهايته إلى 176 مليار.
نظم الدفع الالكتروني:
ظهرت من نظم الدفع التقليدية ونتيجة لذلك فإن نوعي النظم مشتركة في أشياء كثيرة، ونظم الدفع الالكتروني أكثر قوة خاصة بسبب وسائل الأمن المتقدمة والتي ليس لها تماثل في نزم الدفع التقليدي، ونظام الدفع الالكتروني عموما يشير لأي نوع خدمة من الشبكات مثل الانترنيت والتي تتضمن تبادل النقود للبضائع أو الخدمات، والبضائع قد تكون بضائع طبيعية كالكتب أو الأقراص المبرمجة أو بضائع إلكترونية مثل الوثائق الالكترونية أو بالمثل وتوجد خدمات تقليدية مثل تحليل سوق المال في شكل الكتروني، ونظم الدفع الالكتروني ليست فكرة جديدة "النقود الالكترونية" فقد تم استعمالها بين البنوك في شكل نقل اعتمادات منذ عام 1960، ومنذ مدة طويلة، أصبح العملاء قادرين على سحب نقود من آلات السحب الآلي1.
نظام الدفع المعتاد مبين في الشكل التالي وحتى يشارك في نظام الدفع الالكتروني المحدد، فإن العميل والتاجر يجب أن يكونا قادرين على الوصول للانترنيت ويجب أولا أن يسجل مع مزود خدمة الدفع المقابل والمزود ينفذ بوابة دفع والتي يتم الوصول لها من كلا الشبكة العامة (مثل الانترنيت) ومن شبكة إخلاء بنك بنية خاصة.
بوابة الدفع تخدم كمتوسط بين البنية التحتية للدفع التقليدي وبين البنية التحتية للدفع الالكتروني، وشرط آخر هو أن العميل والتاجر كل منهما له حساب في البنك مربوط مع شبكة مقاصة، حساب العميل يشار إليه عادة ببنك الصادر والتعبير، يدل على البنك الذي صدر جهاز الدفع (مثل بطاقة الائتمان أو مدين) والذي يستعمله العميل للدفع.
شكل (03) :  طريقة الدفع الإلكتروني.
             










المصدر: عثماني خليدة، مرجع سابق، ص45.
البنك المكتسب يحرز سجلات دفع (أي شرائح ورق أو بيانات الكترونية) من التجار، وعند شراء بضائع أو خدمات، فإن المستهلك أو الذي يقوم بالدفع يدفع كمية محددة من النقود للتاجر أو المستفيد فإذا افترضنا أن البضائع المطلوبة (أو الخدمات) فإن التاجر يطلب من إطار الدفع (أو المدخل) الدفع يتصل ببنك الدفع بأن يؤدي فحص الصلاحية، وإذا كان كل شيء على ما يرام، فإن كمية النقود المطلوبة يتم سحبها من حساب المستهلك وتوضع في حساب التاجر1.
وهذه العملية تمثل تعامل الدفع الفعلي، إطار الدفع يرسل إشعار عن تعامل الدفع الناجح للتاجر بحيث يمكنه أن يزود البنوك المطلوبة للعميل، وفي بعض الحالات الخاصة عند طلب الخدمات ذات التكاليف المنخفضة، يمكن تسليم البنود قبل تفويض الدفع الفعلي ويتم عمل التكامل المركزي مع اللامركزي، ويمكن أن يكون نظام الدفع الالكتروني، الذي يدفع والمستفيد على الخط مع بعضهما أثناء الدفع، ليس لديها ربط إلكتروني مع بنكيها، وليس للمستفيد إمكانية أن يطلب تفويض من بنك المصدر، لذلك فلا يمكنه أن يتأكد أنه يستلم نقوده فعليا، وبدون توكيل، فمن الصعب منع الذي يدفع من أن يرسل نقود أكثر عما يمتلكه فعليا، لهذا السبب فإن معظم نظم دفع الانترنيت المقترحة مركزيا.
ويمكن أن يكون النظام المركزي الذي يحتاج للوجود المركزي لخادم توكيل والذي يمكن أن يكون جزءا من البنك الصادر أو البنك المستفيد، وبوضوح فإن النظام المركزي يحتاج لاتصالات أكثر، ولكنه آمن أكثر من النظام اللامركزي المدين أمام الدائن: يمكن أن يؤسس نظام الدفع الالكتروني على دائن أو على مدين وفي النظام المؤسس على دائن (بطاقات الائتمان) فإن الودائع ترسل لحساب الذي يقوم بالدفع، بعد ذلك يقوم بالدفع، بعد ذلك يقوم الدافع بدفع الكميات المتراكمة لخدمة الدفع، وفي النظام المؤسس على مدين (مثل الشيكات وبطاقات الدين) فإن حساب الدافع يسجل في (الدافع) الحال أي بمجرد معالجة التعامل 2.
النقود الالكترونية:
هي التمثيل الالكتروني للنقود التقليدية، ووحدة النقود الالكترونية يشار لها عادة بالعملة الرقمية أو الالكترونية والقيمة الفعلية للعملة الرقمية تولد بواسطة وسطاء (سماسرة) إذا أراد عميل شراء عملة رقمية، فإنه يتصل بوسيط ويطلب كمية محددة من العملات، ويدفع نقود فعلية، حينئذ، ممكن للعميل أن يقوم بالشراء من أي تاجر يقبل العملات الرقمية بذلك الوسيط، وكل تاجر يمكنه الاستيراد من عملات الوسيط التي تم الحصول عليها من العملاء، بمعنى آخر فإن الوسيط يأخذ العملات مرة أخرى ويضع في حساب التاجر نقود فعلية 3.
المطلب الثاني: الوحدة النقدية الأوروبية.
تمثل وحدة النقد الأوروبية الإيكو العنصر الأساسي في النظام النقدي الأوروبي، ويتم إصدار هذه الوحدة النقدية الأوروبية للتعاون النقدي، لتكون بمثابة القاسم المشترك التي تقاس عليه أسعار صرف عملات دول المجموعة الاقتصادية الأوروبية.
تتكون من نفس وحدة الحساب الأوروبية التي كانت تستعمل في الحسابات المالية لدول الجماعات الاقتصادية  الأوروبية منذ عام 1975، فقط الاختلاف هو إمكانية تغيير النسب المكونة للإيكو في سلة العملات ، عكس الذي كان يعمل به أثناء وحدة الحساب الأوروبية حيث نجد أنه بإمكان تغير مكونات سلة العملات من كل عملة، أو إضافة عملات جديدة إلى السلة، وقد حاولت وحدة النقد الأوروبية محل وحدة الحساب الأوروبية القديمة في كل المعاملات المالية التي تجري بين دول المجموعة الأوروبية المشتركة، وقد بدأ العمل بوحدة النقد الأوروبية سنة 1981م.
ويتم حساب قيمة وحدة النقد الأوروبية (وحدة الحساب الأوروبية القديمة في كل المعاملات المالية التي تجري بين دول المجموعة الأوروبية المشتركة، وقد بدأ العمل بوحدة النقد الأوروبية) على أساس سلة من مقادير محددة لعملات الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية الأوروبية، وتختلف نسب العملات التي تشكل هذه السلة باختلاف الثقل الاقتصادي لكل دولة.
إن نسب العملات في السلة تراجع كل خمس سنوات، من أجل مراجعة الاختلالات التي يمكن أن تحدث على مستوى الأسعار المركزية للعملات هذا من جهة، ولإضافة بعض العملات إلى السلة من جهة أخرى1.
والمكونات النقدية لسلة الوحدة النقدية الأوروبية هي كالتالي:
- العملة الوطنية لدولة ما.
- الوزن أو النسبة المئوية في السلة لسنوات سابقة.
- المقدار الثابت من العملة في السلة.
- سعر العملة مقوما بوحدة النقد الأوروبية.
- الوزن أو النسبة المئوية للعملة في السلة للسنة الحالية.
إن وحدة النقد الأوروبية الإيكو تقوم بوظائف النقود، بالرغم من أنها لم تسك كعملة نقدية معدنية أو كعملة ورقية، حيث تستخدم وحدة النقد الأوروبية لقياس القيم بين البنوك المركزية للدول التي تشكل المجموعة الاقتصادية الأوروبية، كما تستخدم كوسيط للمبادلات، وذلك من خلال التعامل بها في القطاع البنكي، حيث فتحت البنوك حسابات بوحدة النقد الأوروبية، كما أصدر سندات واسهم بالإيكو، ومن ثم فهي مخزنا للقيمة، كما أصبح بإمكان الأفراد فتح حسابات جارية وحسابات توفير بالوحدة النقدية الأوروبية.
1/ ميلاد العملة الموحدة الأورو:
إن التطورات للنظام النقدي الأوروبي، منذ ظهوره بينت أن النظام النقدي الأوروبي حقق بعض الاستقرار النسبي، خاصة ذلك الاستقرار الملاحظ على مستوى أسعار صرف العملات للدول الأعضاء، ورغم ذلك النظام النقدي الأوروبي تعرض لعدة أزمات منذ نشأته كأزمة انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني والليرة الإيطالية وأزمة انخفاض قيمة الفرنك الفرنسي.
وهذا النوع من الأزمات التي تعرض لها النظام النقدي، أدت بجهات الاختصاص في الدول العضو في هذا النظام إلى محاولة التعرف عن الأسباب الحقيقة التي أدت إلى حدوث هذا النوع من الأزمات، وبالتالي تجنبها1.
تطورت محاولة التعاون النقدي بين دول الاتحاد الأوروبي، حاليا من مجرد كونها ترتيبا لمواجهة الأزمات المختلفة التي تتعرض لها هذه الدول لكي تصبح هدفا في حد ذاته وهو تحديد الوحدة الاقتصادية والنقدية الأوروبية، وكانت هناك فكرتين هامتين بمثابة تمهيد الطريق لهذه الوحدة وهما تقرير "ديلور" الذي انعقد في "هانوفر" بألمانيا في جوان سنة 1989 برئاسة "جاك ديلور" وهذا تقرير نص إلى انتقال السلطة تنظيم السياسات النقدية من النظام الأوروبي للبنوك المركزية إلى بنك مركزي أوروبي مع مراقبة تقلبات أسعار صرف عملات دول الأعضاء قبل طرح عملة أوروبية موحدة في التداول.
والفكرة الثانية هي معاهدة ماستريخت التي انعقدت في شهر ديسمبر 1991 في مدينة ماستريخت والتي وقع عليها رؤساء حكومة ودول المجموعة الأوروبية وتم المصادقة عليها وإقرارها رسميا في 7 فيفري، وقد حددت هذه المعاهدة معايير صارمة لتحقيق التقارب الاقتصادي التي تشكل المجموعة الأوروبية .
2/ البعد الدولي للأورو
بصفة عامة إن أكثر ما يساهم في استقطاب المستثمرين هو توفر بالدرجة الأولى الاستقرار الاقتصادي الكلي وسلامة النظام المالي  والمصرفي وحرية انتقال رؤوس الأموال، ووجود أسواق للأوراق المالية أكثر كفاءة تعمل على توفير أدوات استثمارية متنوعة.
يمكن اعتبار العملة الموحدة "الأورو" أحد المردود الأوروبي على العولمة الاقتصادية في العالم، فمع وجود الأورو تسعى أوربا ليكون لها دور في التجارة العالمية والنظام النقدي الدولي، الذي طالما سيطر فيه الدولار، وما يزال لحد الآن.
إن ميلاد الأورو لا يعني بالضرورة أخذ مكان الدولار المهيمن، لكن هذا لا يمنع من ميلاد أن يكون عملة دولية مهمة، إذ بقوته سيدفع بأوربا لتكون لها مكانتها في المفاوضات مع الدول الأخرى في النظام النقدي الدولي، وتستطيع أن تدافع على مصالحا وكل هذا يتوقف على مدى إمكانية مساهمة الأورو والاتحاد الأوروبي.


المطلب الثالث: التكتلات الاقتصادية في زمن العولمة
في أعقاب الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة المنتصر الرئيسي، تريد إقامة نظام كوكبي يكفل حرية كاملة للمبادلات ونشر الديمقراطية والحفاظ على السلام وذلك عن طريق إقامة منظمة عالمية هي منظمة الأمم المتحدة، لكن الاتحاد السوفييتي اعترض هذه الرؤية وكان لهذا الأخير أيضا رؤيـة كوكبيـة عـن طريق تحويل البشرية إلى الشيوعية.
وحينئذ انتظم العالم حول التناقض بين الشرق والغرب وتنج عن ذلك تكتلان، الأول بقيادة الولايات المتحدة والثاني بقيادة الاتحاد السوفييتي. ومن هنا نشأ شكل إقليمي سياسي عسكري.
"بينما الأقلمة الاقتصادية، فإنها ليست قضية جديدة، فأصولها العصرية نشأت في القرن التاسع عشر بإنشاء (الزولفرين الألماني) اتحاد الجمارك في 1833 .
وتهدف المجموعات الإقليمية إلى تعزيز حرية التجارة في السلع فيما بين البلدان الأعضاء وكذلك تجارة الخدمات وتدفقات الاستثمار وحراك العمال وتسعى مجموعات أخرى إلى تحقيق تعاون أعمق مثل تنسيق لوائح للسياسات الاقتصادية داخلياً وخارجياً.
والعالم المتأقلم يكوّن التفاوض فيه بطريقة تسمح لشعوب هذه الأقاليم من ترقية شروط الإنتاج ودخولهم في حياة جديدة. ولأجل ذلك يتم إنشاء الإطار القانوني لبناء عالم متعدد المراكز.
 ويأخذ التأقلم الاقتصادي عدة أشكال   .
1- إقامة منطقة تجارة حرة.
2- إنشاء اتحاد للجمارك.
3- إقامة السوق المشتركة.
أولا: تكتلات القارة الأوروبية
أسفرت نهاية الحرب العالمية الثانية وما تمخض عنها من نتائج وتداعيات عن ظهور حاجة ملحة لمبادرة دولية لإعادة بث الروح مرّة أخرى في الاقتصاديات الأوروبية المنهكة لتكون بمثابة عملي لحالة التصالح بين فرنسا وألمانيا من جانب وتطرح خطوة أولى تجاه نظام أوروبي جديد من جانب آخر.
فقامت عدّة محاولات فاشلة لتوحيد أوروبا سياسياً في أعوام 1949، 1953، فكانت المحاولة الأولى 1949 2 عند إنشاء المجلس الأوروبي الذي كان مكوناً آنذاك من خمسة عشر دولة أوروبية ولم يكتب له النجاح بسبب الآراء والاتجاهات المتباينة التي وجدت بين أعضائه.
وكانت المحاولة الثانية عام 1953  بإنشاء منظمة سياسية أوروبية ولم تكتمل هذه المحاولة أيضاً بسبب اختلافات الأهداف السياسية والإيديولوجية ومن هنا أدركت أوروبا عدم جدوى السياسة لتحقيق وحدتها ولأجل ذلك اتجهت صوب الاقتصاد ليكون السبيل الوحيد لتحقيق حلم الأوروبيين.
في ظل هذا المناخ خرج اقتراح توحيد السيطرة على إنتاج الفحم والحديد في أوروبا اللذين كان يمثلان الركيزة الأساسية لاقتصاد أي دولة في الخمسينات فكانت معاهدة إنشاء الجماعة الأوروبية للفحم والصلب فـي 18 أفريل 1951 بهدف التوصل إلى السوق الأوروبية في هاتين السلعتين.
وفي 25 مارس 1955 أبرمت ستة دول (بلجيكا، فرنسا، وألمانيا وإيطاليا، وهولندا ولكسمبورج) معاهدتين جديدتين في العاصمة الإيطالية روما  فكان الهدف هو تكوين الكتلة الاقتصادية الأوروبية والملاحظ أن هذه المعاهدة لم تحرر على المعاهدات الثلاثة الأولى معاهدة الجماعية الأوروبية للفحم والصلب، ومعاهدة الجماعة الأوروبية الذرية ومعاهدة النيولوكس.
لقد أعطت معاهدة روما الدعم للنشاط الاقتصادي المنسجم داخل الجماعة الأوروبية والتوسع المستمر والتوازن المستقر وتحقيق المزيد من التحسن في المستويات المعيشية والعلاقات بين أعضاء المجموعة الأوروبية.
ثانيا: التكتلات الإقليمية الأمريكية
لقد ظهرت في القارة الأمريكية منذ سنوات تكتلات أو تجمعات إقليمية تهدف إلى إنشاء مناطق التبادل الحرّ أو إنشاء أسواق مشتركة، نحاول دراسة بعض هذه التكتلات الموجودة في أمريكا الشمالية، أمريكا اللاتينية ومنطقة الكراييب.
1- رابطة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية:
كانت أمريكا وكندا قد توصلتا إلى ترتيبات ثنائية خاصة في عام 1965 للتعامل مع التجارة في السيارات وقطع غيارها وبحلول عام 1987 اتفقتا على أن حجم التجارة الثنائية قد تعدى الترتيبات القائمة بينهما وبدأت المفاوضات حول منطقة التجارة الحرة الأمريكية الكندية التي دخلت حيز النفاذ في 1989.
أما المكسيك فلقد بدأت الإصلاحات الاقتصادية منذ تاريخ انضمامها إلى الجات في عام 1986. الأمر الذي مهد لبدأ المفاوضات حول منطقة التجارة الحرّة لشمال أمريكا نافتا في 12/06/1992 في تورونتو (كندا) حيث أعلنت الدول الثلاث عزمها الدخول في ترتيبات منطقة التجارة الحرّة يبدأ سيرورتها في أول يناير 1994. بهذا الاتفاق استطاعت المنطقة أن تكون سوقاً موحداً كبيراً يضم 360 مليون مستهلك  بإنتاج محلي إجمالي 6500 مليار دولار.
تناولت اتفاقية نافتا بالإضافة إلى التحرير التصاعدي لتجارة السلع العديد من المجالات الهامة بينها إزالة القيود على التجارة في العديد من الخدمات المالية. وتحرير سياسات الاستثمار في السلع والخدمات، وموازنة التجارة والتزام وتعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية، وفتح أسواق المشتريات الحكومية والالتزام بتطبيق قوانين المنافسة والتوصل لإجراءات تفضيلية لتسوية المنازعات.
سوق ميركوسور لنصف الكرة الجنوبي (MIRCOSOR):
والذي يتكون من الأرجنتين والبرازيل والبراغواي والأوروغواي. في 1991 تم توقيع معاهدة تهدف إلى إنشاء سوق مشتركة فيها تحت إسم الميركوسور يضم عدّة اتفاقيات، أهمها:
- تحرير التجارة والتزام بتطبيق تعريفة جمركية مشتركة بحلول 1 يناير 1995. وفي 17 ديسمبر 1994 التقى رؤساء الدول الأربعة في البرازيل لتوقيع وثيقة تحدد أول يناير 1995 تاريخ تطبيق التعريفة الجمركية المشتركة بـنسبة 85% من السلع المستوردة من الدول الأخرى. وتتراوح النسبة من 0% إلى 20% ويسمح لكل دولة وضع قائمة الاستثناءات التي يتم إلغائها تدريجياً وتلقائياً في غضون خمس سنوات لتصل إلى حدود التعريفة المشترك بحلول عام 2010.
ووفقا لأحكام الاتفاقية يكون التخفيض كما يلي:
- تخفيض التعريفة المحلية إلى 14% في 2010 للبرازيل والأرجنتين وفي عام 2002 للباراغواي وأوروغواي.
- بالنسبة للسلع الرأسمالية تخفيض إلى 16% بحلول 2002 للجميع بالنسبة لسلع المعلومات.
ولقد أفرزت الاتفاقية عدّة أجهزة للمتابعة والإشراف تضم:
‌أ- مجلس السوق المشترك وهو بمثابة جهاز صنع السياسات للسيركوسور ويتشكل من وزراء الخارجية والاقتصاد للدول الأربعة.
‌ب- مجموعة السوق المشتركة، وهي الهيئة التنفيذية المسؤولة عن متابعة تنفيذ المعاهدة.
‌ج- السكرتارية ومفوضية تجارية، وجهاز لتسوية المنازعات.



منطقة أمريكا الجنوبية للتجارة الحرّة:
وقّع رؤساء كولومبيا، وفنزويلا والمكسيك معاهدة للتجارة الحرّة بين دولهم بعد النافتا وذلك في يناير 1995 وتنص المعاهدة على قيام المنطقة الجديدة بخفض الحواجز التجارية والتعريفات الجمركية تدريجياً بين الدول الأعضاء على مدار الأعوام العشرة وتنسيق السياسات الاقتصادية التصديرية.
تضم هذه المنطقة سوق بـ 150 مليون مستهلك ويصل إنتاجها المحلي الإجمالي إلى 373 مليار دولار.
منطقة التجارة الحرّة لدول الأمريكيتين:
مع تزايد أهمية الترتيبات شبه الإقليمية على صعيد الأمريكيتين وظهور الرغبة في إقامة منطقة تجارة حرّة للأمريكيتين قرّر زعماء المنطقة على توسيع وتعميق التكامل الاقتصادي في نصف الكرة الغربي.
وانطلاقاً من مبادرة الرئيس الأمريكي وقتئذٍ جورج بوش اتفقت 34 دولة لاتينية مع الولايات المتحدة وكندا في ديسمبر 1994 على إنشاء منطقة تجارة حرّة للأمريكيتين FTAA بحلول 2005.
وأقرت الاتفاقية ضرورة أن تكون هذه الاتفاقية متوازنة وشاملة بالإضافة إلى تحرير قيود التجارة في السلع والخدمات وتحرير وتكامل الأسواق المالية والاستثمار وحماية حقوق الملكية الفكرية والمشتريات الحكومية. وسياسات المنافسة.
منطقة التجارة الحرة لدول الأمريكيتين تفوق سوقها 850 مليون مستهلك مما يجعلها سوقاً خصبة لزيادة المبادلات الداخلية بين دول الإقليم.
السوق المشتركة لأمريكا الوسطى CACM:
في 1960 أنشأت هذا السوق كل من كوستاريكا، السلفادور، غواتيمالا، هوندوراس، نيكاراجوا. وقد تم تشكيله وفقاً لأحكام الاتفاقية العامة لتكامل أمريكا الوسطى التي تعرف بإسم اتفاقية ماناجوا. والتي تم توقيعها في عام 1960 والتي دخلت حيز النفاذ عام 1961، لأربع دول فقط وقتئذٍ حيث انضمت إليها كوستاريكا فـي عام 1963 ولقد أقرّت الاتفاقية التحرير الفوري للتجارة في 95% من السلع.
بالإضافة إلى ذلك فقد حدّد عام 1966 كتاريخ توحيد التعريفة الجمركية وتحرير المبادلات البينية لكل المنتوجات.
ولكن ما ميّز التكتل هو الفشل، والضعف والتناقض الذي ساد فيه خصوصاً النزاع بين هندوراس والسلفادور في السبعينات انسحبت هندوراس من السوق بحكم الأمر الواقع عندما فوضّت الرسوم الجمركية عى الواردات من أمريكا الوسطى وظل السوق مستمرّاً على الورق فقط لمدّة عقدين من الزمن.
 تمّ إعادة إحياء الاتفاقية في التسعينات، إذ في القمة الرئاسية في غواتيمالا سنة 1990 دعت خطة العمل الاقتصادية لأمريكا الوسطى في عام 1992 ثمّ تشكلت مع السلفادور وجواتيلا تكتلاً عرف بإسم (المثلث الشمالي) والذي أدى إلى إنشاء منطقة تجارة حرّة في عام 1993 انضمت إليه نيكاراجوا فيما بعد لتشكل مجموعة الأربعة.
وفي أكتوبر 1993 وقّعت هذه الدول بروتوكول جواتيلا وهو بمثابة برنامج لتحديث معاهدة ماناجوا لعام 1960. يهدف إنشاء إتحاد اقتصادي ثم إقامة السوق بمشاركة بنما بإنشاء منظمة جديدة بدأت عملها في فبراير 1993 ومثلت نظاما تكاملياً لأمريكا الوسطى.
ثالثا: التكتلات الأسيوية
1- تكتل جنوب شرق آسيا:
في عام 1967 تشكلت رابطة دول جنوب شرق آسيا والتي تتكون من سبع دول هي سنغافورة، وماليزيا وإندونيسيا وتايلاند والفلبين وبورناي وفيتنام.
والهدف هو إقامة سوق مشتركة وتحقيق مزايا تنسيقية متكاملة، تعزّز القدرات التنافسية لشركات هذه الدول في الأسواق العالمية.
ولقد توجه هذا التكتل لإقامة سوق مشتركة تظم أسواق الدول الأعضاء وكذا تجمع سياسي واقتصادي وأمني هذا إلى جانب تحرير تجارة السلع والخدمات وإقامة منطقة للتجارة الحرّة بحلول 2003.
يهدف هذا التكتل للتعامل مع اليابان في الجانب الأسيوي لامتلاك اليابان القوة الاقتصادية العملاقة بناتج إجمالي يبلغ 3،4 تريليون دولار في 1992 وبمعدل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 27000 دولار، إذ تبلغ نسبة البطالة نسباً متدنية 2،2% سنة 1992، و 2% سنة 1993.
أما معدل النمو الاقتصادي في الناتج المحلي الإجمالي فقد بلغ 4.8% في عام 1990 و4% عام 1991. كما حقّق هذا العملاق فائض تجاري 64 مليار دولار سنة 1990، 103 مليار سنة 1991 و 183 مليار سنة 1992 ويبلغ فائض الولايات المتحدة الأمريكية 50 مليار سنة 1992 أما فائض الحساب الجاري لليابان فيبلغ 40 مليار دولار لسنة 1990، 85 مليار دولار لعام 1991، 121 مليار دولار لعام 1992.
إن بروز هذا التكتّل (دول جنوب شرق آسيا- اليابان) سيؤدي إلى آثار واسعة النطاق على مسار التجارة الدولية. فالتكتل الياباني – دول النمور الثمانية- يحتكر ثلث الإنتاج العالمي 1/3 بحلول عام 2010، مقارنة بالربع 1/4 حالياً وسيصل إلى نصف 1/2 من الإنتاج العالمي بحلول 2040.
2- مجلس التعاون لدول الخليج العربية:
ترجع خطوات إنشاء مجلس التعاون إلى عام 1975 حين جرت محادثات بين ولي العقد رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير قطر حين التقى مع رئيس دول الإمارات العربية.
وفي مايو 1976 دعا الشيخ جابر الصباح إلى إنشاء وحدة خليجية بهدف تحقيق التعاون في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والإعلامية والتربوية.
وبعدما تمّت محادثات مع كل من السعودية والبحرين وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة وعمان، ودعت البيانات الصادرة عن هذه المحادثات في هذه الدول إلى تحريك سريع تتضافر فيه جهود دول المنطقة للوصول إلى وحدة دولهم العربية التي تجمعها الروابط الدينية والقومية.
وأساساً ترجع فكرة إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية في 1980 على هامش القمة العربية المنعقدة فـي العاصمة الأردنية عمان.
رابعا: التكتلات في القارة الإفريقية
1- جماعة غرب إفريقيا الاقتصادية:
والتي تم إنشائها عام 1975 وضمّت 16 دولة إفريقيا غربية.  والتي كانت تهدف على إنشاء سوق موحّدة للدول الأعضاء بحوالي 220 مليون مستهلك عن طريق تحرير كلي للمبادلات التجارية الإقليمية وتحرير انتقال عوامل الإنتاج وتنسيق السياسات النقدية والميزانية الزراعية والتخفيض التدريجي والمستمر للتعريفات الجمركية على السلع ذات المنشأ المحلي، وإزالتها نهائياً بحلول عام 1989 وتطبيق تعريفة جمركية موحدة بحلول عام 1990.
لقد كانت نتائج هذه التجربة متواضعة، خاصة في الجانب النقدي، المالي بسبب عدم قابلية العملات الأجنبية لتحويل وطرد نيجيريا في عام 1974 نحو مليوني من مواطني الدول الأعضاء بتوقيف حرية انتقال الأشخاص.
لقد بقيت الحواجز الجمركية قائمة أمام التبادل التجاري. إما المشكلة الرئيسية في نجاح التجربة تكمن في نقص التمويل للمشروعات المشتركة. ولتعويض الخسائر الناجمة عن رفع الحواجز الجمركية.
2- الوحدة الاقتصادية لإفريقيا الغربية:
أنشأت هذه الوحدة في 1974، من طرف 7 دول بمجموع 70 مليون مستهلك. كان يهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية الإقليمية. وذلك بتسهيل إقامة المشاريع الوحدوية. وكذلك كانت تهدف إلى تحرير المبادلات التجارية البينية نهائيا دون أي حواجز. وتوحيد التعريفة الجمركية الخارجية.


3- منطقة التبادل التفضيلية لإفريقيا الشرقية الجنوبية:
تتضمن هذه المنطقة 15 دولة. بسوق 170 مليون مستهلك بناتج محلي إجمالي يقدر بـ 60 مليار دولار. وهدفها التحرير النهائي للمبادلات البينية وترقية التعاون الاقتصادي، التجاري وتحسين جهاز وهياكل الإنتاج وتحقيق سوق مشتركة بحلول 1992.  لكن لم ترتقي المعاملات إلى الهدف المنشود.
4- السوق المشتركة لدول جنوب شرق إفريقيا:
في عام 1993 تم التوقيع على الاتفاقية التفضيلية لدول جنوب وشرق إفريقيا وتضم 20 دولة. سوق يقدر بحوالي 300 مليون مستهلك.
5- اتحاد دول إفريقيا الوسطى:
أنشأ في عام 1968 بين جمهورية إفريقيا الوسطى الغرض منه هو إقامة سوق مشتركة وتنمية الاتصالات والتوزيع العادل للمشاريع الصناعية وإلغاء جميع الضرائب على التجارة الداخلية والتعاون في مجالات الأمن والصحة والتعليم ولم يعمّر الاتحاد طويلا حتى انهار في نهاية نفس السنة.
6- الاتحاد الجمركي والاقتصادي لإفريقيا الوسطى:
أنشأ هذا الاتحاد في 1964 وكان يهدف أساساً إلى التعاون النقدي والتنمية الاقتصادية. الوصول إلى سوق مشتركة بتعريفة جمركية خارجية موحدة وتحرير انتقال عوامل الإنتاج.
وكباقي التكتلات الإفريقية السابقة لم ينجح هذا الاتحاد لأسباب وعراقيل منعته من تحقيق التكامل وخاصة التبعية المطلقة إلى المستعمر الفرنسي للمنطقة وانعدام أدنى شروط تحقيق التكامل من طرق ومطارات، ومواصلات واتصالات وبالأحرى انعدام البنية التحتية لكل الأعضاء، الخارجة من الاستعمار حديثاً.
7- اتحاد المغرب العربي:
ظهور أول تجربة للتكامل الاقتصادي المغاربي خلال اجتماع وزراء الاقتصاد للبلدان المغاربية يوم 26 سبتمبر 1964 والثاني يوم 26 نوفمبر من نفس السنة بطنجة توصل إلى تكوين اللجنة الاستشارية المغاربية الدائمة المكلفة بدراسة مجموع المشاكل المتعلقة بالتعاون الاقتصادي في المغرب العربي.
المبحث الثاني: واقع الاقتصاديات العربية في ظل العولمة
بعد مرور قرنين من الزمن على الانفتاح العربي على العالم الخارجي، وجب علينا التوقف لاستعراض درجة اندماج الاقتصاد العربي مع الاقتصاد العالمي، وكذا أهم السمات الخاصة لعولمة الاقتصاد العربي، وكذا تأثير مؤسسات العولمة الاقتصادية على اقتصادياتنا.

المطلب الأول: العولمة المتسارعة في اقتصاديات العرب:
نلاحظ أنه خلال العقدين التاليين للحرب العالمية الثانية أدت الأحداث الدولية الكبرى بالبلدان العربية إلى اتخاذ طريقين مختلفين تماما من حيث درجة الاندماج في الاقتصاد العالمي، بينما شجع قيام الحرب الباردة بين الكتلتين الغربية والشرقية بعض البلدان العربية أهمها: مصر، سوريا، العراق على انتهاج سياسات نمائية وتبني إستراتيجية اقتصادية أقرب إلى الاستقلال والانطواء على النفس، وإعلان صورة أو أخرى من الاشتراكية العربية.
دفع تحقيق العالم العربي معدلات نمو غير مسبوقة في النمو الاقتصادي بدول عربية أخرى وعلى الأخص الدول الغنية بالنفط، إضافة إلى لبنان والأردن اندمجا بدرجة أكبر من ذي قبل بالاقتصاد العربي بأكمله، فإذا بالدول ذات الاقتصاد المتفتح على العالم يزيد انفتاحها عنه أكثر من أي وقت مضى، والبلدان ذات الاقتصاد المنغلق نسبيا تشهد تحولا جذريا نحو الانفتاح الاقتصادي، وتفكك بسرعة نظام كان يقوم على سيطرة الدول على الاقتصاد، كذلك شهد الوطن العربي منذ أواخر الستينات نمو متسارعا في معدل انتقال العمالة من الوطن العربي إلى الخارج، ولكن أهم من ذلك بكثير هو التسارع في هجرة العمالة بين دول عربية وأخرى، وكذلك شهدت الفترة نفسها بالأخص في بداية السبعينات، نمو في تدفق العمالة المهاجرة من جنوب وجنوب شرق آسيا إلى دول الخليج، كذلك في أوائل السبعينات شهد الوطن العربي تسارعا في نقل التكنولوجيا إليه، وخاصة في مجال السلاح، والنفط والبيتروكمياويات والتشييد والنقل والسياحة ووسائل الاتصالات اللاسلكية، وبنمو هذه الوسائل الأخيرة أصبح الوطن العربي معرضا من أي وقت مضى لتدفق المعلومات والأفكار وأنماط الحياة والقيم من الخرج1.
إن نسبة الانفتاح التجاري العربي الدولي، المسجلة خلال حقبة التسعينات كبيرة حقا بالقياس إلى نظيراتها في البلاد النامية الأخرى وحتى في البلدان المصنعة الكبرى، وتشير الإحصائيات المتاحة إلى أن قيمة
مجموع الصادرات والواردات تفوق قيمة الناتج المحلي الخام في أي بلد عربي1 وبالأخص الأقطار العربية النقطية التي هي من أكثر الأقطار العربية اندماجا في منظومة الاقتصاد الرأسمالي العالمي بسبب عمق موقعها في التقسيم الدولي للعمل الذي جعل منها أقطارا تعتمد على مصدر واحد وهو النفط ولذلك فإن درجة انفتاحها على دول المنظومة تصديرا أو استيرادا عالية للغاية2.
ومع ذالك فإن الكثيرين يعبرون عن آمال واسعة في آن تزداد سرعة العولمة ودرجة اندماج الاقتصاديات العربية في الاقتصاد العالمي نتيجة الاتفاقات الجديدة التي ترتبت على انتهاء جولة الأورجواي في المفاوضات التجارية والتي تمت أو ينتظر أن تتم بين عدد من الدول العربية والاتحاد الأوروبي، وسوف يؤدي ذلك بالتأكيد إلى تسارع عملية تحرير التجارة والاستمارات وتدبيرات آثار هذا التحرير في الظهور بالفعل ففي مصر مثلا من بين 548 سلعة كان استيرادها إلى مصر ممنوعا في عام 1986 لم يعد اليوم ممنوعا من الاستيراد إلا الملابس والمنسوجات، وفي تونس خفض عدد السلع التي يشترط الحصول على تراخيص استيراد بشأنها إلى أقل من ثلث ما كان عليه منذ 10 سنوات وفي الجزائر ألغي استيراد هذه التراخيص إلغاءا تاما1.
المطلب الثاني: السمات الخاصة لعولمة الاقتصاد العربي:
إن درجة قوة أو ضعف كل أثر من الآثار التي تحدثها العولمة يختلف بالضرورة من منطقة لأخرى من مناطق العالم بحسب طبيعة التجربة التاريخية لكل منها وظروفها الاقتصادية ومواردها الطبيعية والبشرية وبحسب حاجة رأس المال الأجنبي وبحسب قوة دولها أو ضعفها ونقاط القوة والضعف في ثقافتها التقليدية...
وعلى الرغم من أن الوطن العربي يشترك مع بقية مناطق العالم في معظم هذه الآثار أو كلها الإيجابي منها والسلبي فإن تجربة الوطن العربي في العولمة لها سمات معينة تميزها إلى حد كبير عن غيرها من التجارب سوف نذكر منها السمات التالية والتي كان لها دور في تحديد الأثر الصافي للعولمة على الاقتصاد العربي.
السمة الأولى: هي الدور البالغ الأهمية التي تلعبه سلعة إستراتيجية هي النفط في النمو الاقتصادي للوطن العربي ففي كثير من الدول العربية (الكويت، قطر، البحرين، ودولة الإمارات وعمان والعربية السعودية وليبيا) يمكن اعتبار أن بداية "العولمة" هي نفسها بداية اكتشاف النفط وتصديره وإن تاريخ العلاقة بين هذه الدول والعالم الخارجي يكاد يتطابق مع ما طرأ من تطورات على صادرات هذه السلعة، إن اعتماد هذه الدول الشديد على العالم الخارجي اقتصاديا و "سياسيا" سببه الأساسي اعتمادها الشديد على النفط ولكن هذه الدول حققت كذلك بسبب النفط درجة من الرخاء الاقتصادي جعلها تتميز تمييزا واضحا عن سائر الدول النامية، فهذا الرخاء نفسه المرتبط بالاعتماد الكبير على سلعة واحدة، قد سمح لهذه الدول بالتخلص من الكثير من المشكلات المتعلقة بالتنمية البشرية ولكنها كذلك خلقت لهذه الدول المصدرة للنفط مشكلات من نوع آخر، وإن تعلقت أيضا بالتنمية البشرية.
السمة الثانية: وهي بدورها تتعلق بالدور المهم الذي يلعبه النفط، هي أن الوطن العربي قد شهد في العقود الأخيرة درجة من هجرة العمالة بين دول عربية وأخرى، لا تكاد تعرفها أي منطقة أخرى في العالم أدى إلى انتشار آثار "الثورة النفطية" إلى أبعد بكثير من حدود الدولة الغنية بالنفط وهكذا تجد أن كل الدول العربية تقريبا قد تأثرت بدرجة أو بأخرى بهذه الظاهرة "العولمة" عن طريق النفط.
السمة الثالثة: هي أنه ربما لم يعرف أن جزء آخر من العالم (باستثناء الكتلة الاشتراكية) ما عرفه الوطن العربي خلال 50 عام الأخيرة، مع تعاظم دور الدولة في الاقتصاد ومن الممكن تفسير ذلك بدور الميراث التاريخي لبعض الدول العربية، كمصدر مثلا بما يعود لعصور بالغة القدم وكذلك بنوع الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها هذه الدول بشكل خاص كمياه الأنهار من ناحية والنفط من ناحية أخرى، مما حتم أن تلعب الدولة دورا هاما في إدارة الاقتصاد ومع ميل دور الدولة إلى الانحصار في العقود الأخيرة، نتيجة زيادة تيار العولمة قوة سواء فيما يتعلق بالتجارة الخارجية أو حركات رؤوس الأموال أو الاتصالات، كان من شبه المحتم أن تضعف درجة الحماية التي توفرها الدولة لشرائح المجتمع الأقل دخلا1.
 السمة الرابعة :بروز هيمنة الولايات الأمريكية بجلاء على السياسة الإقليمية في المنطقة من خلال تطور مراحل أزمنة حرب الخليج الثانية ولعل من أبرز ما أظهرته هذه الحرب أ أيضا أن تكنولوجيا الأسلحة المتطورة تفوق بشكل كبير الأشكال التقليدية الأخرى للقوة يعني ذلك أن الولايات المتحدة لا تملك فقط القدرة العسكرية وقوة التأثيرات والنفوذ وإنما لديها الإدارة والتصميم على استخدام هذه الإمكانيات من أجل حماية مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة على أن الصورة على الجانب الاقتصادي بالغة التعقيد حيث أن الولايات المتحدة دافعت ليس فقط على المصالح الاقتصادية الأمريكية ولكن على دول الثروة النفطية في الخليج بالإضافة إلى مصالح الدول العربية الأخرى المستهلكة للنفط وهو الأمر الذي يعطي الولايات المتحدة مستقبليا مهما في القضايا المرتبطة كالسياسات النفطية في المنطقة 2.
المطلب الثالث: علاقة الاقتصاديات العربية مع مؤسسات العولمة:
لقد كان من شأن اندماج الاقتصاديات العربية مع الاقتصاد العالمي وسيرها بركب العولمة أن يؤدي حتما إلى انفعالها المباشر مع آليات العولمة الاقتصادية سواء تعلق الأمر بالصندوق والبنك الدوليين أو المنظمة العالمية للتجارة أو حتى الشركات متعددة الجنسيات. نفس المرجع، ص185.
1- العلاقة مع صندوق النقد والبنك الدوليين:
عانت معظم الدول العربية من الاحتلال والمشاكل الاقتصادية نتيجة لتدهور الإنتاجية وبالتالي قدرة الاقتصاد الذاتية على تحقيق نمو متوازن ومتواصل 3، ما اضطرها إلى اللجوء إلى طلب القروض الأجنبية من أجل تلبية الحاجات الداخلية، تنعكس هذه القروض وتصبح بمثابة المدخل إلى تدخل الدول الأجنبية، حتى المؤسسات الدولية في مناهج الدول العربية الاقتصادية والمالية والنقدية فتضغط عليها 4عبر برامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي سواء تحت إشراف صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي التي تبنتها الدول العربية من أجل التغلب على تلك المشكلات والاحتلال5 وتستهدف برامج الإصلاح هذه تحرير الاقتصاد أي جعله يسير على مذهب الاقتصاد الرأسمالي الحر (اقتصاد السوق) مع إدماجه إدماجا عضويا في النظام الرأسمالي العالمي، والهدف الأكثر مباشرة لبرامج الإصلاح هو تحسين وضع ميزان المدفوعات والعلاج هو الوصفة التي وصفها الصندوق والتي تتضمن التحرير الاقتصادي وتخفيض سعر الصرف، وتخفيض الإنفاق العام وبيع القطاع العام إلى القطاع الخاص ، وإلغاء الدعم مما جعل الدول العربية ومن دون خيارها أحيانا ساحة أهمها فقدانها السيطرة تجارتها وحركتها المالية.
2- العلاقة مع منظمة التجارة الدولية:
تعتبر ثماني دول عربية من الأعضاء المؤسسين لمنظمة التجارة العالمية حيث شاركت كل من الكويت ومصر وتونس والمغرب وموريتانيا بحكم عضويتها في اتفاقيات الجات في جولة مفاوضات أورجواي حتى التوقيع على الوثيقة الختامية والتي نظمت أحكام الاتفاقية التي تم التوصل إليها بما في ذلك الاتفاق إنشاء منظمة التجارة العالمية، كما شاركت الجزائر في تلك المفاوضات ومازالت تفاوض من أجل الانضمام الكامل للمنظمة كما قامت كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر بالتوقيع على الوثيقة الختامية لأعمال جولة أورجواي، بحكم عضوية هذه الدول في الجات 1947 عند تطبيق قواعدها فترت الانتداب البريطاني، بالإضافة إلى ذلك بدأت كل المملكة العربية السعودية، الأردن وعمان والسودان ولبنان بإجراءات الانضمام، وفي مراحل مختلفة من مفاوضات العضوية بينما اكتفت اليمن بأن تكون عضوا مراقبا1.
والجدير بالذكر أن علاقة الدول العربية باتفاقيات الجات والتي كانت من البداية مهزومة وضعيفة هي في طريقها إلى دخول مرحلة جديدة بتأثير مجموعتين من العوامل، المجموعة الأولى تتمثل في شبه زوال الأسباب (العوامل المانعة)، وتتمثل المجموعة الثانية في "العوامل المشجعة" وأهمها الاستفادة من المزايا التي ستوفرها التجارة الحرة على النطاق العالمي للنمو الاقتصادي العربي خصوصا بعد تحول الجات من مجرد اتفاقية إلى مؤسسة وكيان عمل على المستوى العالمي يتأثر بسلوكها وقراراتها في الاقتصاد العالمي بأجمعه (منظمة التجارة العالمية)2 ,
3- العلاقة مع الشركات متعددة الجنسيات:
لقد كان لارتفاع معدلات الدخل والنمو الاقتصادي في الدول العربية اعتبارا من عام 1973م دورا مهما في اجتذاب العمالة الفنية والإدارية المدربة من الهند وباكستان وفلسطين ودول أخرى وإلى انتقال الاستثمارات بوجه خاص إلى دول الخليج العربي، وزيادة قدرة البنوك التجارية على الإقراض إضافة إلى الأنشطة التجارية الأخرى للقطاع الخاص وتبعا لهذه التغييرات الاقتصادية تنامت رغبة دخول الدول العربية في استثمارات مشتركة مع شركات متعددة الجنسيات.
ومما يلفت النظر أن الأقطار العربية التي كانت تنتهج سياسة هيمنة القطاع العام بدأت على استحياء التعامل مع الشركات متعددة الجنسيات في مشروعات تسليم المفتاح والتي تعتبر المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم ...........في ظل هذا النوع.
وبحلول 1980 كان هناك نحو 237 استثمارا مشتركا مع شركات متعددة الجنسيات في الدول العربية، وقد استطاعت الهيمنة على قطاع الخدمات المالية والنقل والاتصالات والمشاريع الصناعية، ومشروعات القطاع العام، خاصة القطاعات الإستراتيجية مثل قطاع الصناعة في البيتروكيماويات في الكويت وعمان والإمارات العربية والمملكة العربية السعودية، وصناعة الدواء والأسمدة والتكرير والتعدين والهندسة وأما التوزيع الجغرافي للاستثمارات المشركة المتعددة الجنسيات في الدول العربية فتظهر أولا في مصر كبلد مضيف من حيث العدد إلا أنها لا تزيد عن 10% من إجمالي رأسمال المستثمر في العمليات الاستثمارية المشتركة في الدول العربية1.
المبحث الثالث: أثر العولمة الاقتصادية على العلاقات النقدية الدولية والمالية والسياسية الاقتصادية.
المطلب الأول: أثر العولمة على صندوق النقد الدولي:
صندوق النقد الدولي هو وكالة متخصصة من وكالات منظومة الأمم المتحدة، أنشئ بموجب معاهدة دولية في عام 1945 للعمل على تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي، ويقع مقر الصندوق في واشنطن العاصمة الأمريكية، ويديره أعضائها الذين يشملون جميع بلدان العالم تقريبا بعددهم البالغ 184 بلدا.
وصندوق النقد الدولي هو المؤسسة المركزية في النظام النقدي الدولي –أي نظام المدفوعات الدولية وأسعار صرف العملات الذي يسمح بإجراء المعاملات التجارية بين البلدان المختلفة2.
1- تأثيرات العولمة الاقتصادية على صندوق النقد الدولي:
أدت العولمة إلى ظهور تحديات جديدة أمام صندوق النقد الدولي ولعل أهم التحديات وأكثرها صعوبة هي كيفية تقوية النظام المالي العالمي، بحيث يصبح أقل عرضة للأزمات المالية وأكثر قدرة على التصدي لها إذا وقعت، وكيفية دعم جهود مكافحة الفقر في البلدان منخفضة الدخل، ومنذ منتصف التسعينات حدثت زيادة هائلة في حجم المعلومات التي ينشرها الصندوق (عن أنشطته وسياساته وأنشطة وسياسات البلدان الأعضاء) لاسيما في موقعه على الانترنيت، فنشرات المعلومات المعممة، على سبيل المثال، الذي تم نشرها في ختام مشروعات المادة من حوالي 80% من البلدان الأعضاء في 1999-2000 تلخص مناقشات المجلس التنفيذي وتقدم الخلفية التي تستند غليها المشاورات.
كذلك تقوم الحكومة المعنية بإصدار خطابات نوايا في حوالي 80% من البرامج وفي أفريل 1999م، بدا المجلس التنفيذي مشروعا تجريبيا للنشر الطوعي لتقارير خبراء الصندوق في إطار مشاورات المادة الرابعة، ووافق حوالي ستون بلدا على هذا النشر على مدى الثماني عشر شهرا التالية، وفي نوفمبر 2000م حل محل هذا المشروع التجريبي سياسة النشر تنص على النشر الطوعي (أي لموافقة البلد المعني) لكل من تقارير مشاورات المادة الرابعة والتقارير الخاصة باستخدام البلدان الأعضاء لموارد الصندوق.
ولقد تعززت في السنوات الأخيرة قواعد مساءلة صندوق النقد الدولي أمام حكوماته الأعضاء والجمهور العريض عن طريق التقييمات الخارجية التي يقوم بها خبراء من خارج الصندوق لسياساته وأنشطته، ونظم التقييمات الخارجية المنشورة تقييمات التسهيل التمويل المعنى للتصحيح الهيكلي (الذي حل محله في عام 1999 تسهيل النمو والخد من الفقر) ورقابة الصندوق لاقتصاديات البلدان الأعضاء في مجال البحوث الاقتصادية، وقد تم عام 2001 إنشاء مكتب التقييم المستقل وإذ يزيد المجلس التنفيذي من شفافية الصندوق كمستشار مؤتمن لبلدانه الأعضاء على الدوام جزءا أساسيا من مهمة الصندوق1.
اشتراك القطاع الخاص في منع وقوع الأزمات وحلها.
يساهم القطاع الخاص بالنصيب الأكبر من التدفقات المالية، وهنا تبرز الدور الذي يمكن أن يؤديه القطاع الخاص في المساعدة على منع وقوع الأزمات المالية وحلها إذا وقعت، ويمكن منع حدوث الأزمات المالية، الحد من مدى تقلب التدفقات الخاصة عن طريق تحسين عمليات تقييم المخاطر والدخول في حوار أعمق وأكثر تواترا بين البلدان والمستثمرين من القطاع الخاص، فمثل هذا الحوار يمكن أن يزيد من مشاركة القطاع الخاص في حل الأزمات عند حدوثها، وذلك بأساليب تتضمن إعادة هيكلة الدين الخاص.
وتمكن لكل من الدائنين والمدينين الاستفادة من مثل هذا الحوار، كذلك فإن اشتراك القطاع الخاص في منع وقوع الأزمات وحلها من شانه أن يساعد أيضا، في الحد من "الخطر الاخلاقي"
1 (Moral Hasard)
وقد حققت العولمة فوائد كبرى لبلدان كثيرة في جميع أنحاء العالم، والحق أن الاندماج في الاقتصاد العالمي يمثل عنصرا جوهريا في أية إستراتيجية لتمكين البلدان المختلفة من التواصل إلى مستويات معيشة أعلى، ولكن العولمة من خلال ما تحققه من زيادة من حجم تدفقات رؤوس الأموال الدولية وسرعة حركتها قد أدت أيضا إلى زيادة المخاطر المالية وفي الوقت ذاته، نشأت مخاطر أخرى، وهي البلدان منخفضة الدخل، التي لم تستفد استفادة كبيرة بعد من العولمة، ستزداد في الوقت الذي ترتفع فيه مستويات المعيشة في البلدان الاخرى2.
2- بناء نظام نقدي عالمي أقوى:
كانت الأزمات المالية في الأسواق الصاعدة في منتصف وأواخر التسعينات تذكرة بالمخاطرة المرتبطة بالعولمة، حتى بالنسبة لاقتصاديات التي حققت استفادة هائلة من ورائها والتي تدار إدارة جيدة من جوانب متعددة فالاقتصاديات التي تضررت من الأزمة الأسيوية في الفترة 1997-1998 على وجه الخصوص كانت قد حققت طوال عدة عقود مكاسب ضخمة من التجارة الدولية التي تزداد تكاملا يوما بعد يوم، ولقد كشفت الأزمات عن وجود جوانب ضعف سياسات  البلدان التي أصابتها الأزمة بل وعن ثغرات في النظام المالي الدولي نفسه، مما ابرز الحقيقتين التاليتين:
إن المستثمرين قد يتراجعون على نحو سريع وجماعي إذا ما لمسوا وجود نقائص في السياسات الاقتصادية المحلية، ومتى فقد المستثمرون "المحليون أو الأجانب" ثقتهم في الاقتصاد يمكن أن تنصب تدفقات رؤوس أموال الداخلية وأن يؤدي خروج تدفقات صافية كبيرة على التعجيل بوقوع أزمة مالية أن الأزمة المالية التي تقع في بلد ما تمكن أن تمتد بسرعة لتنتشر في اقتصاديات أخرى، ومن أجل الحد من مخاطر وقوع الأزمات المالية في المستقبل ودعم إمكانية الحل السريع لما يقع منها، يعمل الصندوق النقد الدولي على تقوية النظام النقد المالي الدولي وتشمل الإصلاحات الجارية المجالات التالية:
أ- تقوية القطاعات المالية:
ومن الأسباب الرئيسية وراء حساسية البلدان للأزمات الاقتصادية ضعف نظمها المالية، تتجسد مظاهره في إعسار مؤسساتها أو افتقارها على السيولة، أو كونها عرضة للإعسار أو نقص السيولة نتيجة في حال حدوث مناوئة، ولتقوية النظام المالي، قد تحتاج البنوك والمؤسسات المالية الأخرى إلى تحسين ضوابطها الداخلية، بما في ذلك تقييم المخاطر وإدارتها كذلك قد تحتاج السلطات إلى رفع كفاءة رقابته للقطاع المالي وتنظيمها له بحيث تقترب من مستوى المعايير الدولية، وفي عام 1993 بدأ الصندوق والبنك (المركزي) الدولي بمساعدة برا، البنوك المركزية الهيئات النظامية المالية في عموم الحالات، بتقييم قوة النظم المالية في عدد من البلدان الأعضاء، ويجري تقديم هذه التقييمات إلى البلدان المعنية لتكون مرشدا لها فيما ينبغي اتخاذ من إجراءات، ويعمل خبراء الصندوق أيضا من الحكومات الوطنية والمؤسسات الدولية الأخرى لتحقيق ما يلي:
- وضع مجموعة أساسية من المعايير المحاسبية لأي هجوم.
- ضمان تدفق البيانات المالية إلى الأسواق بحرية أكبر وفي الوقت المناسب.
- الانتهاء من وضع مجموعة من المبادئ الأساسية لحسن التنظيم والإدارة في قطاع الشركات.
- تقوية الأطر القانونية والنظامية والرقابية للبنوك.
ب- تشجيع الانفتاح ونشر البيانات:
يعتبر نشر (البيانات) المعلومات حديثة وكذلك معلومات عن السياسة الاقتصادية والمالية والممارسات المتبعة وكيفية صنع قرار في مختلف البلدان مطلبا لازما لمساعدة المستثمرين في إصدار أحكام صحية ولتسكين الأسواق من العمل بكفاءة ويسر، في أعقاب الأزمة المكسيكية في الفترة 1994-1995 استحدث صندوق النقد الدولي في عام 1996 معيارا خاصا لنشر البيانات (SDDS) لإرشاد البلدان القادرة على دخول أسواق رأس المال الدولية، والأخرى التي قد تسعى لدخولها في نشر البيانات الاقتصادية والمالية للجسور ونوافق البلدان المشتركة في هذا النظام على نشر بيانات مالية واقتصادية وطنية مفصلة بما في ذلك بيانات احتياطات دولية ودين الخارجي حسب جدول زمني معلن وقد أنشئ أيضا في عام 1997م نظام لنشر البيانات والتي تحتاج إلى تحسين أنظمها الإحصائية.  
جـ- الشفافية والبساطة في صندوق النقد الدولي:
يعتبر تحسين المعلومات التي تقدم إلى الأسواق والجمهور العريض بمثابة عنصر أساسي من عناصر إصلاح النظام المالي الدولي كما أنه يمثل حجر الزاوية في عملية الإصلاح التي بدأت مؤخرا ولا تزال مستمرة في الصندوق ذاته.
أما الشفافية سواء في جانب البلدان الأعضاء في الصندوق أو الصندوق نفسه، وهي تساعد على تحسين الآداء الاقتصادي بطرق متعددة فزيادة الانفتاح البلدان الأعضاء تشجع الجمهور على تحليل السياسات هذه البلدان نطاق أوسع وباستناد إلى معلومات أدق وتزيد من بساطة صانعي السياسات ومن مصداقية السياسات المنتهجة، كما توفر الأسواق المالية معلومات تمكنها من العمل بنظام وكفاءة، أما زيادة الانفتاح والوضوح من جانب الصندوق فيما يتعلق سياسته والمشورة التي يقدمها الأعضاء، فمن شأنها الإسهام في عقد مناقشات مستنيرة بشأن السياسات، وتحقيق فهم أفضل بدور الصندوق وعملياته، ومن خلال إتاحة الفرصة للجمهور العريض كي يتناول تفاصيل المشورة بالفحص والنقاش، ممكن أن يعمل الصندوق أيضا على الارتقاء بمستوى التحليل لديه1.
أي بإمكانية أن ينجذب القطاع الخاص على الدخول في عمليات إقرار غير مضمونة من منطلق الثقة في أن الخسائر المحتملة ستكون محدودة نتيجة لعمليات الإنقاذ الرسمية، بما في ذلك الإنقاذ من جانب صندوق النقد الدولي.
ويعمل صندوق النقد الدولي ذاته على تعزيز مع الأطراف المشاركة في السوق، ومن خلال تشكيل المجموعة الاستشارية المعينة بأسواق رأس المال مثلا، والتي اجتمعت للمرة الأولى في سبتمبر 2000 وتمثل هذه المجموعة محفلا للاتصال المنتظم بين المشاركين في أسواق رأس المال الدولية وإدارة الصندوق وكبار الموظفين حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك التطورات الاقتصادية العالمية وتطورات السوق وتدابير تقوية النظام المالي العالمي، غير أن المجموعة لا تنافس المسائل السرية المتعلقة ببلدان بعينها.
يتعاون صندوق النقد الدولي تعاونا نشطا مع البنك الدولي وبنوك التنمية الإقليمية ومنظمة التجارة العالمية ووكالة الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى، وهي مؤسسات لكل منها مجال تخصص معين ومساهمة خاصة في الاقتصاد العالمي، ويتسم تعاون الصندوق مع البنك الدولي في مجال الحد من الفقر بطابع وثيق خاص، لأن البنك وليس الصندوق هو صاحب الخبرة في مجال مساعدة البلدان على تحسين سياساتها الاجتماعية.
رغم أن صندوق النقد الدولي هو مؤسسة نقدية وليس مؤسسة إنمائية، إلا أنه يسهم بدور مهم في الحد من الفقر في بلدانه الأعضاء، فالنمو الاقتصادي المقابل للاستمرار وهو عنصر أساسي في جهود الحد من الفقر، بتطلب سياسات اقتصادية كلية سليمة، وقد ساعد صندوق النقد الدولي البلدان منخفضة الدخل لسنوات عديدة في تنفيذ سياسات اقتصادية من شانها تعزيز النمو ورفع مستويات المعيشة وذلك بتقديم المشورة والمساعدة الفنية والدعم المالي1.
المطلب الثاني: التأثيرات المالية للعولمة:
ظهرت العولمة المالية، نتيجة لتحرير الأسواق المالية في كل الدول المصدرة والمتلقية لها، فقد قامت كثير من الدول النامية بإلغاء القيود على التدفقات المالية عبر الحدود، وأصبحت الدول النامية أكثر تكاملا مع النظام المالي العالمي، وقد دعم هذا التدفقات المالية عبر الحدود، وقد دعم أيضا التوجه العالمي في إطار اتفاقيات جولة الأوروغواي لتحرير التجارة في الخدمات المالية والمصرفية، وإزالة القيود التي تحول دون تدفق رؤوس الأموال ، وتعوق حرية المؤسسات المالية والمصرفية في ممارسة أنشطتها وترتبت ذلك إلى نشأت أسواق جديدة ليست لها تواجد جغرافي كما هو الحال بالنسبة للبورصات التقليدية إنما تجمعها وتنظمها شبكات الكمبيوتر المتصلة ببعضها البعض والتي توفر المعلومات عن الأدوات المالية الجديدة التي تتعامل فيها تلك الأسواق، كما انخفاض تكاليف المعاملات وابتكار أدوات مالية جديدة إلى نمو كبير في المعاملات المالية الخارجية، ويمكن أن يترتب على تدفقات رؤوس الأموال الوافدة إلى التخفيف من مشكلة التمويل الخارجي للدولة، وكل ما سبق ذكره أتت بع ظاهرة العولمة كما أنها خلقت تأثيرات، وهذه التأثيرات متباينة ومتنوعة، ويمكن توضيح أهم هذه التأثيرات في النقاط التالية:
1- العولمة والأسواق المالية:1
يشمل سوق المال على جميع المعاملات المالية في المجتمع أيا كانت هذه المعاملات وصورها والمؤسسات التي يجري التعامل من خلالها، وتماشيا مع مبدأ التخصيص الذي يمثل سمة العصر، فإن سوق المال ينقسم إلى مجموعة من الأسواق، لكل منها مقوماته ونظمه وبحيث تعمل هذه الأسواق بشمل مترابط ومتناسق لتحقيق التفاعل المطلوب وفي هذا الشأن إذ نؤكد أن الخطوط الفاصلة بين التقسيمات المتعددة لهيكلة سوق المال ليست جامدة، وأن التداخل بينها قائم في كثير من الحالات، سواء في المؤسسات التي تعمل في أكثر من سوق فرعي أو المعاملات التي قد تتخذ أكثر من أداة في وقت واحد.
ويمكن تقسيم هيكل (السوق) سوق المال إلى:
أ- سوق المال: هي تلك السوق التي يكون فيها لآجال قصيرة حيث تتلاقى فيها الوحدات ذات العجز المالي المؤقت بالوحدات ذات الفائض المالي المؤقت، لذا فإن أهم سمات الأدوات المالية المستخدمة في هذه الأسواق أنها قصيرة الأجل بمعنى أنها تغطي سنة على الأكثر، هذا وتقوم هذه السوق بأداء وظيفتها من خلال الجهاز المصرفي (البنك المركزي، البنوك التجارية، إضافة إلى البنوك غير التجارية فيما يتعلق بالعمليات قصيرة الأجل) الخزانة العامة للدولة، شركات الصرافة، بيوت الخصم والقبول.
ب- سوق المال: وهي تلك التي يتم التعامل فيها لأجل طويل أو متوسط الأجل (أكثر من سنة) وتتمثل أهمية سوق المال فيما يلي:
* هي الوسيلة الأساسية لتمكين المدخرين من توجيه مدخراتهم إلى الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة وبالتالي المساعدة على نجاح الخطط التنموية للدولة.
* إن وجود سوق رأس المال يساعد على تلاقي الآثار التضخمية، إذ يمكن تمويل المشروعات الاقتصادية دون الإفراط في خلق النقود ومنح الائتمان المصرفي.
* إن وجود رأس المال في دولة ما من شأنه أن يؤدي إلى منح فرص بتكلفة مناسبة إذا ما قورن ذلك باقتراض من الخارج يفقد الدولة الكثير من سيادتها.
* إن سماح لسوق رأس المال بمباشرة نشاطها بالعملات القابلة للتحويل، قد يؤدي إلى تحول هذه الأسواق من سوق مخلية إلى سوق إقليمية أو دولية، وما يؤدي إليه ذلك من نمو الحركة الاقتصادية في البلاد.



2- العولمة والجهاز المصرفي:
إن العولمة الاقتصادية لها تأثير واسع النطاق على الجهاز المصرفي في أي دولة من دول العالم، وهذه الآثار الاقتصادية للعولمة قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية لذلك يجب على المسؤولين القائمين على إدارة الجهاز المصرفي هو تعظيم الإيجابيات وتفليل الآثار السلبية عند أدنى مستوى، ويمكن الإشارة على عدد من الآثار الاقتصادية للعولمة على الجهاز المصرفي.
أ- إعادة هيكلة الخدمات المصرفية:
حيث حدث تغيير كبير في أعمال البنوك وتوسعت مساحة ودائرة ونطاق أعمالها المصرفية سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الدولي والعالمي، وأخذت البنوك تتجه إلى أداة خدمات مصرفية ومالية لم تكن تقم بها من قبل وتعكس ذلك بوضوح على هيكل ميزانيات البنوك، ويكفي الإشارة إلى أن تلك الميزانيات في أكبر خمسين بنك في العالم حدثت عليها تغيرات هيكلية واضحة حيث تنوعت مصادر أموال البنوك أي مواردها وكذلك أيضا تنوعت مجالات توظيفها واستخداماتها، ويمكن أن نرى ذلك بوضوح في الجهاز المصرفي والبنوك التي تأثرت بقوة بالعولمة، وخاصة في الدول المتقدمة حيث اتضح من أحدث التقارير عن أكبر خمسين بنكا أن المصدر الرئيسي لأرباح البنوك لم يعد يحقق من عمليات الائتمان المصرفي أي الإقراض، بل من الأصول الأخرى المدارة للدخل والعائد الكبير ومن عمليات إدارة الأصول التي سحبت الأعمال خارج الميزانية، ومن ناحية أخرى انخفاض النصيب النسبي (إلى اتجاه نصيب القروض للتناقص من إجمالي البنوك نتيجة لتزايد النصيب النسبي إلى) للودائع في إجمالي الخصوم بالبنوك، وأن الخصوم المقابلة للمتاجرة زاد نصيبها النسبي إلى اتجاه نصيب القروض للتناقص من إجمالي البنوك نتيجة لتزايد النصيب النسبي للأصول الأخرى وبخاصة إصدار السندات.
ومن الملفت للنظر أن أثر العولمة على الجهاز المصرفي في مجال إعادة هيكلة صناعة الخدمات المصرفية، قد امتد بشكل غير مباشر وتمثل في دخول المؤسسات المالية غير المصرفية، مثل شركات التأمين وصناديق المعاشات وصناديق الاستثمار كمنافس قوي للبنوك التجارية في مجال الخدمات التمويلية مما أدى إلى تراجع دور البنوك التجارية على وجه الخصوص في مجال الوساطة المالية1.
ب- التحول إلى البنوك الشاملة:
في ظل العولمة وإعادة هيكلة صناعة الخدمات المصرفية زاد اتجاه البنوك وخاصة البنوك التجارية بل وباقي البنوك، إلى التحول نحو البنوك الشاملة وهي تلك الكيانات المصرفية التي تسعى دائما وراء تنويع مصادر التمويل والتوظيف وتعبئة أكبر قدر ممكن من المخدرات من كافة القطاعات، وتوظيف مواردها في أكثر من نشاط وفي عدة مجالات متنوعة وتفتح وتمنح الائتمان المصرفي لجميع القطاعات.
بحيث نجدها تجمع ما بين وظائف البنوك التجارية التقليدية ووظائف البنوك المتخصصة وبنوك الاستثمار والأعمال أي هي تقوم بأعمال كل البنوك، وقد شملت إستراتيجية تنويع محاور عديدة، وهناك المحور الخص بمصادر التمويل والمحور الخاص بالاستخدامات المصرفية والمحور الخاص بدخول مجالات غير مصرفية مثل التأجير التمويلي والإيجار بالعملة وإصدار الأوراق المالية وإدارة الاستثمارات لصالح العملاء وغيرها، والمحور الخاص بممارسة بعض الأنشطة غير المصرفية من خلال شركات شقيقة تضمها شركة قابضة مصرفية والمحور الخاص بممارسة أنماط جديدة لأنشطة الفروع المصرفية.
جـ- احتدام المنافسة في السوق المصرفية بعد اتفاقية تحرير تجارة الخدمات المصرفية:
فمع تزايد العولمة المالية وإقرار اتفاقية تحرير الخدمات المصرفية من القيود التي جاءت بها اتفاقية الجات في جولة الأورجواي 1994م وتولي منظمة التجارة العالمية تطبيقها من أول جانفي 1995م، فقد أخذت المنافسة تشتد في السوق المصرفي، وقد اتخذت المنافسة ثلاثة مظاهر واتجاهات رئيسية:
الاتجاه الأول: المنافسة بين البنوك التجارية فيما بينها سواء فيما يتعلق بالسوق المصرفية المحلية أو السوق المصرفية العالمية.
الاتجاه الثاني: المنافسة فيما بين البنوك والمؤسسات المالية الأخرى.
الاتجاه الثالث: المنافسة بين البنوك والمؤسسات الغير مالية على تقديم الخدمات المصرفية.
وكل هذه الاتجاهات أدت على احتدام المنافسة في السوق المصرفية، في ظل إزالة الحواجز الجغرافية لتلبية احتياجات العملاء وتغذي هذه المؤسسات المالية بخلاف بنوك السوق المصرفية بقوة وخاصة في أسواق الخدمات المالية، ومن المتوقع أن تستمر هذه المنافسة مع دخول شركات التأمين وشركات الأوراق المالية ومؤسسات الوساطة المالية الأخرى في ظل تزايد المصرفي حيث يمكن أن تزيد من كفاءة الجهاز المصرفي وتؤدي إلى تخفيض التكاليف وتحسين الإدارة وتخفيض العمولات وزيادة كفاءة تقديم الخدمات المالية وتحسين جودة الخدمة ولكن سيكون لها أثر سلبي على الكيانات المصرفية الضعيفة والبنوك الصغيرة وستزداد الحاجة إلى وجود كيانات مصرفية عملاقة تقوى على المنافسة في السوق المحلي والسوق الخارجي1.
د- خصخصة البنوك:
تعتبر خصخصة البنوك أحد نواتج العولمة وهي مرتبطة في كل الأحول بظاهرة الخصخصة بشكل عام كظاهرة عالمية، وقد حدث الاتجاه نحو خصخصة البنوك في الدول النامية بالتحديد بعد دوافع الملكية العامة للبنوك في ظل تحول الكثير من هذه الدول إلى تطبيق برامج  الإصلاح الاقتصادي التحول لآليات السوق، وتتلخص أهم خصخصة البنوك في مواجهة التحديات التي تواجه العمل المصرفي في ظل المتغيرات المصرفية العالمية والتكيف مع ما جاءت به اتفاقية تحرير الخدمات المالية لـ70 دولة في ديسمبر 1997م، ويضاف إلى تلك الدوافع الدافع الخاص بتحقيق عدد من الإيجابيات أهمها الوصول إلى تطبيق مفهوم البنوك الشاملة ومواجهة المنافسة وتحقيق الكفاءة، وبالتالي تتحدد أهداف الخصخصة ي تنشيط سوق الأوراق المالية وتوسيع قاعدة الملكية وزيادة المنافسة في السوق المصرفية وتحسين الأداء الاقتصادي وتحديث الغدارة وزيادة كفاءة أداء الخدمات المصرفية وإدارة أفضل السياسات النقدية1.
هـ- تزايد حدوث المنافسات بالبنوك:
يمكن القول أن من أهم الآثار السلبية للعولمة المالية هي تلك الأزمات القوية التي يتعرض لها الجهاز المصرفي في عدد من دول العالم، حيث تشير بعض الدراسات على أنه خلال الفترة 1980/1996، حدثت أزمات في الجهاز المصرفي في ما يقل عن ثلث الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي، حيث تصاعدت أزمات البنوك في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وشمال أوربا وجنوب شرق آسيا وإفريقيا  وأمريكا ألاتينية، فضلا عن الأزمات التي واجهتها بنوك روسيا ودول الشرق الأوسط، وقد حدثت كل تلك الأزمات في ظل العولمة، مع الأخذ في الاعتبار أن تلك الأزمات كان لها أثر شديد على مجمل الاقتصاديات الوطنية التي حدثت فيها، بل وامتد تأثيرها السلبي على الجهاز المصرفي في بلاد أخرى غير تلك التي حدثت فيها الأزمة ولذلك طرحت تلك الأزمات بقوة ضرورة تحليل لكل الأزمات وأهمية وضع نظام للإنذار المبكر يعتمد على تطوير مجموعة من المؤشرات التي تحذر من الأزمة قبل وقوعها.
وقد أثبتت إحدى الدراسات الحديثة التي أجريت عام 1997م والتي أجريت على 65 دولة خلال دورة من 1980 على 1994م أنه هناك علاقة وطيدة بين إجراءات العولمة المالية وأزمة الجهاز المصرفي  التي حدثت في هذه الدول وقد أوضحت الأزمة التي اندلعت في جنوب شرق آسيا كيف تأثرت العولمة المالية من خلال تحرير حساب رأس المال والتمادي في الاقتراض الخارجي، إعطاء قروض دون دراسة وضوابط وعرف مصرفي والانفتاح دون ضوابط الأسواق المالية العالمية مما أدى إلى اندلاع أزمة الجهاز لمصرفي.
و- تزايد مخاطر غسيل الأموال من خلال البنوك:
يلاحظ مع تزايد العولمة المالية المقرونة بالتحرير المالي زادت عمليات غسيل الأموال القذرة التي وصل حجم الأموال التي يتم غسلها في أنحاء العالم سنويا حوالي 1998 إلى أن تكون عمليات غسيل الأموال إلى 5.2% من الناتج المحلي العالمي البالغ حوالي 29 تريليون دولار في هذا العام ومصدر هذه الأموال القذرة يأتي من الأنشطة الغير مشروعة التي تمارس من خلال ما يسمى بالاقتصاد الخفي، وأهم هذه الأنشطة هي التجارة بالمخدرات والاتجار في السوق السوداء للسلع الهامة والإستراتيجية والعمولات والرشاوى والاختلاسات والأموال الناتجة عن الفساد الإداري والسياسي والقروض المصرفية المهربة والدعارة والسرقات
          ويستخدم الجهاز المصرفي كوسيط لعمليات غسيل الأموال حيث تمر عمليات غسيل الأموال بثلاثة مراحل: مرحلة الإيداع النقدي، ثم مرحلة التقييم ثم مرحلة التكامل مع الأخذ في الاعتبار أن غسيل الأموال يؤثر تأثيرا سليبا على الاقتصاد القومي، وقد بدأت موجهة عالمية لتلك الظاهرة من قبل الحكومات والمنظمات المختلفة ومجموعة الدول السبع وتقوية أوجه التعاون الدولي في هذا المجال.
3- إضعاف قدرة البنوك المركزية على التحكم في السياسات النقدية:
كان من الآثار الاقتصادية الهامة للعولمة المالية هو إضافة قدرة البنوك المركزية على التحكم في السياسات النقدية ومما يدل بوضوح على ذلك ما حدث من أزمات الجهاز المصرفي في دول جنوب شرق آسيا والعجز التام للبنوك المركزية عن إنقاذ العملة الوطنية وسعر الصرف في تلك الدول من التدهور والانخفاض المتتالي لقيم العملات الوطنية والربح السريع.
ومن ناحية أخرى إذا وقع الاقتصاد القومي في يد العالميين فإن البنوك المركزية في العالم لا تستطيع أن تفعل الكثير اتجاه هؤلاء الفاعلين غير الرسميين، حيث اتضح أن كافة البنوك المركزية في العالم لو اجتمعت فيما بينها على اتخاذ موقف معين لحماية عملة ما في مواجهة هجوم المضاربين فإن أقصى ما يمكن أن تجمعه هذه البنوك المركزية حوالي 14 مليار دولار يوميا، مقارنة بحوالي 800 مليار دولار لا يستطيع أن يضخها المضاربون العالميون في السوق، وهذا يعني أن إمكانياتهم تفوق 55 مرة البنوك المركزية الموجودة في العالم، مع العلم أن الأموال التي يضارب بها المضاربون يوميا وصلت إلى أكثر من 1.2 تريليون دولار1.
المطلب الثالث: التأثيرات الاقتصادية والتجارية:
إن التأثيرات الاقتصادية للعولمة متعددة ومتنوعة بشكل كبير ومن أهمها كالآتي:
1- عولمة الاستثمارات الأجنبية:
حقق الاستثمار الأجنبي المباشر معدل النمو في الستينات بلغ ضعف معدل نمو الناتج المحلي العالمي، بينما تجاوز في الثمانينات أربعة أضعاف معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، واستمر نمو الاستثمار الأجنبي المباشر في أوائل التسعينات وبلغ حجم الاستثمار الأجنبي في عام 1996 حوالي 350مليار دولار بزيادة مقدارها 10% عن عام 1995م.
اتجه معظم تدفق رؤوس الأموال خلال السنوات السابقة على الأسواق الصاعدة إذ تلقت 21 دولة من هذه الدول التي تقع في آسيا وأمريكا الجنوبية في الفترة من 1990-1995م ما يزيد عن 65% من صافي التدفقات، وقد ترتب على العولمة زيادة المنافسة على الاستثمار الأجنبي المباشر بين الدول المختلفة، وبالإضافة إلى السياسات الاقتصادية، فإن عدد من العوامل الأخرى تقوم بدور مهم في جنب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتتمثل هذه العوامل، الاستقرار السياسي، والأسواق المحلية وأسواق التصدير والنظام التشريعي والبنية الأساسية ورأس المال البشري والنظام المالي والمصرفي وكفاءة وحجم القطاع الخاص، وتوافر الأمن الشخصي.
قد أوضح "شان" و"برجسمان" أن انخفاض تكلفة العمل لم تعد كافية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، فالمستثمر يهتم بصفة أساسية بالإنتاجية ويتجه حيث يكمن الإنتاج بالجودة والمعايير والسعر العالمي، التحدي الآخر الذي يواجه الدول النامية يأتي من انخفاض نصيب تكاليف الأجر المتغير من إجمالي تكاليف الإنتاج في ظل الإنتاج المرن، ويرجع ذلك إلى استخدام الآلية وتناقص دور العامل الأقل مهارة، واستمرار ارتفاع الأهمية النسبية للاستثمار في البحوث والتطوير والتسويق العالمي، بالإضافة إلى الاتجاه لمعاملة العمل كتكاليف ثابتة في ظل نظام ما بعد الإنتاج الكبير، ومن ثم فإن أهمية الإنتاج بالدول النامية من قبل الشركات متعددة الجنسيات من المحتمل أن تنخفض.
كما يوجد عامل آخر يقلل من أهمية الإنتاج بالدول النامية في ظل العولمة، وهو الإنتاج الذي يتميز بالمرونة والابتكار المستمر والذي يعتمد بصفة رئيسية على العلاقات الوثيقة بين المنشآت وموردهم.
وتعتبر الشركات متعددة الجنسيات محرك العولمة والتي تساهم في تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، ويعتبر "دوينغ" أن الشركات متعددة الجنسيات مصدر لنقل المعرفة الفنية والإدارية والتنظيمية وذلك من خلال تدريب وتوفير العمالة المتخصصة، الأمر الذي يساهم في تضييق الفجوة التكنولوجية والتنظيمية بين الدول النامية والدول المتقدمة.
والملاحظ في الآونة الأخيرة زيادة اختراق الشركات متعددة الجنسيات الأسواق الخارجية وفي نفس الوقت زاد في قوتها زادت من قوتها في أسواقها المحلية وتكاملت أيضا عملياتها على النطاق العالمي لتخفيض التكاليف، ومن ثم زاد الاعتماد الاقتصادي المتبادل القائم على الإنتاج وليس فقط القائم على التجارة1.
2- العولمة والتجارة الخارجية:
إن أهم الجوانب تأثيرا بالعولمة هي التجارة الخارجية وذلك الناتج الطبيعي للانفتاح العالمي وإزالة أو الحد من الحواجز الجمركية لما من ذلك من آثار بعيدة ومتدرجة ومؤثرة على مختلف دول العالم المصدرة منها أو المستوردة على حد السواء. إن الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (GATT) وكذلك المنظمة العالمية للتجارة هما أساس التجارة العالمية وقد تأثرتا كثيرا في ظاهرة العولمة لذا لابد أن تعرف عليهم أولا.
تتبع أهمية الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة من العدد الكبير من الدول المنظمة إليها وبالتالي الحجم الكبير من التبادل التجاري الدولي الذي شملته هذه الاتفاقية في ظل العولمة وذلك يقدر بحوالي 90% من حجم التجارة الدولية، إن شروط الانضمام إلى الاتفاقية تقتضي تقديم العضو جداول أو قوائم تنازلات تعريفة جمركية يتمتع بها باقي أعضاء عند حدوث تبادلات تجارية مع ذلك العضو ومن هنا ندرك الفوائد التجارية والتأثيرات التبادلية والمزايا التعريفية من الانضمام لاتفاقية الجات ولذلك بدأت دول العالم تبحث عن وسائل عديدة تمكنها من تخفيف القيود والمعوقات التي تعرقل حركة التجارة الدولية1.
أما عن أهم أهداف هذه الاتفاقية فيمكن إجمالها فيما يلي:2
- إقامة نظام التجارة الدولية الحرة يقضي إلى رفع مستويات المعيشة في الدول المتعاقدة والعمل على تحقيق مستويات لتوظيف الكامل بها.
- السعي إلى تحقيق زيادة تصاعدية ثابتة في حجم الدخل القومي.
- الاستغلال الكامل للموارد والمبادلات التجارية السلعية الدولية والخدمات.
- تنمية وتوسيع الإنتاج والمبادلات التجارية السلعية الدولية والخدمات.
- تشجيع الحركات الدولية لرؤوس الأموال وما يرتبط بها من زيادة الاستثمارات العالمية.
- سهولة الوصول إلى الأسواق ومصادرة المواد الأولية.
- تشجيع التجارة الدولية من خلال إزالة القيود والحواجز التي تعترض طريقها.
انتهاج المفاوضات كوسيلة لحل المشكلات المتعلقة بالتجارة الدولية وجل النزاعات بين الأطراف المتعاقدة.
فمنذ التوقيع على اتفاقية إنشاء الجات سنة 1947م إلى غاية 1993 دخلت الدول الأعضاء في مفاوضات كانت على مراحل أو جولات من بينها جولة جونيف  "سويسرا 1947م"، جولة أنسي "فرنسا 1949"، جولة طوكيو "1972 إلى 1979"، جولة أورغواي "1986إلى 1993"، وقد حاولت خلال كل جولة دول الأعضاء العمل على تخفيض التعريفات الجمركية ومنافسة العوائق التجارية الأخرى بما في ذلك مساعدة الدول النامية على تنمية تجارتها للتأقلم مع برنامج الاتفاقية، وفي هذا الصدد تم إنشاء مركز التجارة العالمي (ITC) سنة 1964م وعهد بإدارته إلى كل من الجات ومنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.
وخلال هذه الجولات زاد انضمام الدول إلى الاتفاقية حيث أصبح عدد الدول المتوقع إلى 117 دولة خلال الفترة 1965م حتى 1993م وهذه الأخيرة تملك في مجموعها على نحو 95% من تجارة العالم3.
واجتمع وزراء المالية والتجارة والاقتصاد تلك الدول في مراكش "المغرب" في 15 أفريل 1994م ليعلنوا عن قيام المنظمة العالمية للتجارة والتي تحل محل الجات وليصبح قيامها رسميا ابتداء من 01 جانفي 1995م4.
اكتسبت المنظمة صلاحيات أكبر من الجات كالتفتيش على كافة الدول في إطار حرية التجارة ومحاربة سياسات الحمائية والاهتمام بالمسائل الملكية والفكرية وتسوية المنازعات، وقد وصل عدد الأعضاء إلى 143 في نهاية سنة 2001م، أما عن المبادئ التي قامت عليها المنظمة العالمية للتجارة هي نفس الأسس التي قامت عليها الجات والتي تتمثل في 1:
- استخدام القواعد متعددة الأطراف عوض استخدام القواعد الفردية: أي قيام نظام تجاري متعدد الأطراف تشارك في وضعه وتطبيقه مجموعة من الدول ولا تنفرد كل دولة بوضع نظام تجاري خاص بها لهدف الوصول على نظام تجاري عالمي حر.
- اقتصار الحماية على استخدام التعريفية الجمركية: حيث أقرت الاتفاقية إمكانية استخدام الضريبة الجمركية كأداة لتحقيق الحماية التي تحتاجها الدول العظمى في حالات محددة ومسموح بها واستبعاد كل الوسائل والتقيد عن طريق الحصص الكمية التي يتم الاتفاق عليها بحيث لا يمكن زيادتها مستقبلا والعدول عن استخدام أسلوب الدعم والامتناع عن الإغراق وغيره من الممارسات التجارية الضارة.
- مبدأ عدم التمييز: ويقد به أن التجارة يجب أن تجري على أساس عدم التمييز بين الدول، في كل الأطراف المتعاقدين يلتزمون بمنح كل منهم الآخر نفس المعاملة التفضيلية التي يمنحها لأي بلد آخر سواء فيما يتعلق بالرسوم والضرائب على الواردات، أو الإجراءات الأخرى التي تطبق على هذه الواردات وهو يضع جميع الدول على قدم المساواة، مع وجود بعض الاستثناءات التي تتعلق بالتفصيلات الإقليمية بين الدول والمناطق الحرة، لكن يتم إلغاء القيود في حالة موجهة العجز الخطير للمواد الغذائية أو بحالات العجز في الإنتاج المحلي أو ميزان المدفوعات.
- قاعدة المعاملة الوطنية: تلتزم الأطراف المتعاقدة بمعاملة المنتجات الأجنبية نفس المعاملة التي تمنحها للسلع الوطنية وذلك فيما يتعلق بالضرائب المحلية.
- المعاملة الخاصة بالدول النامية والأقل نموا حيث تمنت الاتفاقية إقرار بمبدأ حق الدول النامية والأقل نموا في تنفيذها لإتاحة درجة أعلى من المرونة، ومنح فقرات انتقالية تقوم خلالها بتوفيق أوضاعها مع القواعد الجديدة فضلا عن التزام الدول المتقدمة لإتاحة المساعدات والمعونات الفنية اللازمة لهذه الدول وتوفير الأجهزة الضرورية لتنفيذ هذه القواعد وتدريب المسؤولين على تنفيذها.
ومن خلال ما سبق يمكن ذكر أهم الفروقات بين الجات والمنظمة العالمية للتجارة فيما يلي:
- الجات تمثل اتفاقية قانونية متعددة الأطراف أما المنظمة العالمية للتجارة وهي منظمة عالمية وجهاز للإشراف والمراقبة وحل النزاعات بين الأعضاء.
- قواعد الجات تطبق بشكل مؤقت أما قواعد المنظمة العالمية للتجارة فهي شاملة ودائمة وبالتالي فإن قواعد الجات لم تكن ملزمة غالبا أما قواعد المنظمة العالمية للتجارة فإنها ملزمة الأطراف لها جهاز دائم لحل النزاعات وتسويتها.
- إن قرارات الجات لم تكن تستلزم إقرار من السلطات التشريعية للدول الأعضاء، أما قرارات المنظمة العالمية للتجارة فيتم إقرارها من السلطة التشريعية للدول مما يعطيها أساسا قانونيا راسخا.
إن اتفاقية الجات كانت تنظم التعامل في التجارة بالسلع في حين أن المنظمة العالمية للتجارة تغطي اتفاقياتها بالتعامل في السلع والخدمات والملكية الفكرية1.
3- العولمة والمنشآت الصغيرة:
إن تأثير العولمة شمل المنشآت الكبيرة والصغيرة على السواء والخلاف يكمن في نوعية التأثير ومداه والقدرة على التكيف مع المتغيرات العالمية المحيطة، ومجال حديثنا عن الصناعة الصغيرة ذات الدور المميز الذي تلعبه وتساهم به في الاقتصاديات المتقدمة والاقتصاديات النامية سواء بسواء، فالصناعات الصغيرة باعتبار أن أغلبها مملوكة للقطاع الخاص صاحب المرونة والديناميكية والبعد عن الروتين والبيروقراطية والسرعة ومرونة اتخاذ القرارات، والصناعات الصغيرة رغم أنها حضانات للأفكار والابتكارات فهي أيضا صناعات مغذية للكثير من الصناعات الكبيرة كصناعة السيارات والطائرات والمعدات، وخير مثال على ذلك أن شركة جنرال موتور تتعامل مع أكثر من 30 ألف مورد من الشركات الصغيرة في مقابل 50 ألف متعامل معهم شركة رينو RUNAULT الفرنسية لإنتاج السيارات.
هذا بالإضافة إلى الدور الملموس للمنشآت الصغيرة في توفر الأعداد الكبيرة من فرص العمل، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك أن إجمالي فرص العمل المتاحة من قبل المنشآت الصغيرة (35 ألف منشأة) في محافظة "دمياط" يفوق فرص العمل المتاحة من قبل القطاع العام بنفس المحافظة.
ومع التوجه نحو العولمة تزايدت المشاكل والمعوقات التي تواجه وتهدد مستقبل الصناعات الصغيرة ومن أهم هذه المشاكل:
- المنافسة الشديدة داخليا وخارجيا من قبل المنشآت الكبيرة.
- تزايد الاتجاه العالمي نحو الكيانات العملاقة والاتحاديات والاندماجات.
- ضعف القدرات المالية للمنشآت الصغيرة يجعلها في موقف ضعيف في خوض غمار المنافسة.
- الوضع التكنولوجي الغير متكافئ بين المستوى التقني للمنشآت الصغيرة والمنشآت الكبيرة حيث نستطيع توفير تكنولوجيا متقدمة تساعدها في حلبة الصراع غير المتكافئ بينها وبين الصناعات الصغيرة.
- تفوق المنشآت الكبيرة في إمكانية الإنفاق على البحوث والتطوير حيث تعجز المنشآت الصغيرة بمفردها القيام بذلك على الوجه المعقول والمقبول.
- الصعوبات التصديرية التي تصل إلى حد عجز المنشآت في القيام بعمليات تصديرية في غياب دعم وحماية حكومية مقبولة سابقا مرفوضة حاليا في اتفاقية الجات، بمقارنة خبرة المنشآت الصغيرة نجد أن ذلك ينعكس على عنصر التكلفة بانخفاض لصالح المنشآت الكبيرة وبالتالي تصبح المنافسة السعرية قاتلة للمنشآت الصغيرة.
- إن كثير من المنشآت الصغيرة في الدول النامية تعتمد على المصيبة والأحداث وهنا تقع المخالفة، مبادئ منظمة العمل الدولية التي منها تحريم عمل الأطفال والأحداث وهذا سيعرض هذه المنشآت إلى العقوبات.
- إن حصول المنشآت الصغيرة على العمالة المؤهلة والماهرة يحتاج إلى تكاليف عالية ولا تستطيع دفع ذلك فتعوضها عن طريق عمالة نصف ماهرة أو عادية مما ينعكس بدورها على جودة المنتجات وضعف موقفها التنافسي.
وفي الأخير يمكننا القول على أن الظروف العالمية والاتجاه نحو العولمة يفرض على هذه المنشآت الاعتماد على إستراتيجية جديدة تتفاعل مع تحديات عصر العولمة حتى تستطيع أن تصمد وتستمر في دائرة العمل والإنتاج1.        


خاتمة الفصل:
لقد تطرقنا في هذا الفصل و الأخير إلى أثر العولمة الاقتصادية على النظام النقدي الدولي موضحين بذلك التنافس بين العملات و ظهور التجارة الالكترونية و ما حدث في أوربا من اندماج في العملات مؤدية ذلك إلى ظهور الأورو و بروز التكتلات الاقتصادية.
بالمقابل برزت العولمة في الاقتصاديات العربية بشكل كبير و واضح مما أدى بها إلى ربط علاقاتها بمؤسسات العولمة الاقتصادية كصندوق النقد الدولي إضافة إلى هذا فقد كان للعولمة الاقتصادية علامات على الاقتصاديات المالية و التجارية في مختلف دول العالم.