هـــــــــــــــــــــام جــــــــــــــــــــدا: الدعوة إلى الله هي مهمة الرسل وأتباعهم

يوجد صفحات من موقع "دار الإسلام" مخصصة لمساعدة أصدقائكم من غير المسلمين عن طريقكم بدعوتهم إلى التعرف على الإسلام بأحد السُبل والخيارات التالية:
1- عن طريق صفحات لتعريف بالإسلام بأكثر من 90 لغة
2- عن طريق الحوار مع مختصين داخل الموقع للتحدث المباشر مع غير المسلمين والمسلمين الجدد
3- عن طريق كتب مميزة
4- عن طريق الأسئلة والأجوبة والفتاوى التي يسترشد بها لهداية الناس بمختلف اللغات
5- وطرق أخرى ستكتشفونها بأنفسكم
للدخول للموقع يرجى الضغط على الرابط التالي: https://islamhouse.com

أنظروا إلى فضل إدخال الناس للإسلام:

قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[فصلت:33]، وقال صلى الله عليه وسلم:لَئَنْ يَهْدِي بَكَ اللهُ رجلاً واحداً خيرٌ لكَ مِنْ حُمْرِ النعم متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله.رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أَجُورِ مَنْ تبعه، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً،رواه مسلم. فأبشر أخي الكريم، أختي الكريمة، فإن الله سيكتب لك أجر كل خير سيعمله من يسلموا بسببك، و أتمنى أن تجتهدوا في دعوة الناس إلى دين الله.

في الأخير لا تتردوا في نشر هذه الصفحة وشكرا






الاثنين، 25 يونيو 2012

عناصر السياسة الجبائية -الفصل2


عناصر السياسة الجبائية

مقدمة الفصل:
لوضع السّياسة الجبائية حيّز التطبيق أو التنفيذ هناك مجموعة من الحقائق التي يجب أخذها بعين الإعتبار، و هي كما يلي:          
حقيقة ذات طابع مالي، لأن التقنية الجبائية تستعمل كوسيلة لتمويل النّفقات العمومية فبمناسبة كل تغيير يجب النظر في الآثار و الإنعكاسات على مستوى التمويل الجبائي.
حقيقة ذات طابع إقتصادي و تتمثل في كون الجباية تتأثر بقيود الحياة الإقتصادية، كما تؤثر عليها، و لذا يجب أن لاتكون عائقا أمام النمّو الإقتصادي  ككّل أو عائقا أمام نمو قطاع من قطاعات  الإقتصاد  الوطني أو تؤدي إلى إضطراب المنافسة الإقتصادية( ).
حقيقة ذات طابع إجتماعي، حيث أن قبول النظام الجبائي اجتماعيا هو مرهون بعدم إحتوائه  على جرعات عالية من مظاهر الّلاعدل و اللاّمساواة , و بذلك فإن التعديلات الجبائية ضرورية  للتخفيف من هذه المظاهر، لأنها تنمو بصفة طبيعية بين مختلف طبقات المجتمع( ).
و أخيرا حقيقة ذات طابع سيكولوجي، حيث يجب إحتمال ردّ فعل العناصر الجبائية إتجاه الإجراءات الجبائية المستحدثة و أساليب تعاملهم معها.
إن هذه الحقائق تستلزم تظافر مجموعة هائلة من التقنيات تبدأ من تقنية جمع المعلومة الجبائية  و تنتهي عند فن الصياغة القانونية للنّص الجبائي.
كذالك فإنه على ضوء هذه الحقائق يمكن إستخلاص مجموعة من الإعتبارات التي تحدّد بنية النظام الجبائي، هذه الإعتبارات هي عناصر السّياسة الجبائية و التي تنقسم إلى مقومات، محدّدات و قيود لتوزيع العبء الجبائي



المبحث الأول : مقومات السّياسة الجبائية :
و هي مجموعة عناصر التي من شأنها أن تؤدي إلى تكوين محيط جبائي منسجم بحيث يكون هناك معنى للإجراءات الجبائية المتخذة ضمن السّياسة الجبائية و بصيغة أخرى ضمان بلوغ أهدافها و تتمثل هذه المقومات في ضبط و تحدّيد قدرة الأداء الجبائية التي يمكن تقييمها من حيث المقدرة التكليفية، تنظيم هيكل الإقتطاع الجبائي، إنتهاج استراتجية في الإخظاع الجبائي و أخيرا تهيئة المحيط المؤسساتي  L'environnement Institutionnel   و ضمان إستقراره .


المطلب الأول : المقدرة التكليفيةLa faculté contributive  
 إن نسبة الإقتطاعات الجبائية إلى الدّخل الوطني الخّام تعتبر ضعيفة جدّا في الجزائر مقارنة بالّدول المتقدّمة فهي تمثل حوالي 14 % () في حين تنحصر هذه النسبة بين 25 % و 40% في الدّول المتقدّمة و السبب لا يرجع لنقص قدرة الأداء الجبائية   Le potentiel fiscal و إنما يرجع لعدم  الإستكشاف و الإستغلال الفّعال  لهذه القدرة.
فإذا كانت المقدرة التكليفية تتوقف على فائض الإستهلاك الفعلي عن الحدّ الأدنى من الإستهلاك  الضروري  لمجموع الأفراد، فهذا معناه أن دفع الضرائب يكون من الفائض الإقتصادي أي فائض الإنتاج عن حدّ الكفاف( ) و الذي من الصعب قياسه لأنه يتحدّد  بعادات و تقاليد المجتمع،  الإتفاقيات الإجتماعية و المستوى  المعيشي السائد، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن المقدرة التكليفية تتحدّد كذلك و على نطاق واسع على أساس عدم المساواة الموجودة في توزيع الدّخل الوطني الخّام و بذلك فهي تتغير حسب المستوى الفعلي للدّخل الحقيقي للفرد. و على هذا الأساس يمكن إستخلاص نتيجة هامة و هي أن بلدين مختلفين يمكن أن يكون لهما نفس متوسط الدّخل الحقيقي للفرد بحيث يتعلق في البلد الأول بمستوى معيشي معتاد لأفراد المجتمع أما في البلد الثاني فإنه يتعلق بحصّة مرتفعة من الدّخل الوطني تحصلت عليها أقلية اجتماعية.
و بإعتبار المقدرة التكليفية إحدى عناصر المقدرة المالية للدّخل الوطني( ) فإن الإشكال  الذي يطرح   يتمثل في معرفة حدود تحمل الدّخل الوطني للإقتطاعات الجبائية بحيث أن المقدرة التكليفية الوطنية هي مقدرة الدّخل على تحمّل و تمويل التدفّق الجبائي عن طريق الإقتطاع الجبائي.
وعليه فإن هذه  النظرة يمكن تحليلها من زاويتين، على المستوى الكلّي حيث  تكوين الدّخل الوطني يحدّد المقدرة  التكليفية الوطنية و على المستوى الفردي حيث توزيع الدّخل الوطني يحدّد المقدرة التكليفية  الفردية،  فهذه الزاوية هي أكثر إنعكاسا من الأولى لأن معرفة الحدود الممكنة للقيام بالإقتطاع الجبائي على مداخيل الأفراد يحدّد و بقسط هام حجم التدفق الإجمالي للإيرادات الجبائية و بذلك الإقتطاع الجبائي الإجمالي
1- تحديد المقدرة التكليفية الوطنية :
و تتأثر المقدرة التكليفية الوطنية بثلاث فئات من العوامل: عوامل بشرية، عوامل إقتصادية، و عوامل سياسية.
أ - تأثير العوامل البشرية :
تتأثر المقدرة التكليفية أولا بالهيكل البشري للأمة، و هذا حسب درجة إحتوء المجتمع على أفراد في سن الإنتاج، فالأطفال و المسنين يستهلكون دون إضافة أي قيمة إلى الدّخل الوطني. فإذا كانت نسبتهم مرتفعة مقارنة بالسّكان العاملين أو المنتجين فإن حصّة الدّخل الوطني التي من المفروض أن تموّل المالية العامة تنقص نتيجة الإقتطاع الإستهلاكي الذي قامت به  هاته الشريحة الإجتماعية .
و تتأثر المقدرة التكليفية في مرحلة ثانية بمستوى الإستهلاك الوطني فكلّما كان هذا المستوى مرتفّعا،  فإن الجزء من الدّخل الذي كان بالإمكان إقتطاعه جبائيا ينخفض بنفس نسبة الإرتفاع  في مستوى الإستهلاك الوطني.
و أخيرا تتأثر المقدرة التكليفية بالانضباط الجبائي للأفراد، فحجم الغّش الموجود في الجزائر الناتج عن المقاومة التي فرضتها العناصر الجبائية إتجاه النظام الجبائي،  ينقص من حصّة الدّخل الوطني المقتطعة جبائيا مما يؤدي بالسّلطات العمومية إلى اللّجوء إلى طرق تمويل أخرى كالإقتراض و الإصدار النقدي و التي تفرز آثارا سيئة و خطيرة أحيانا.
ب - تأثير العوامل الإقتصادية :
إضافة إلى  العوامل البشرية فإن المقدرة التكليفية تتأثر كذلك بالعوامل الإقتصادية  فالهيكل الإقتصادي للبلاد يلعب دورا رئيسيا بحيث أن البلد الصّناعي له مقدرة تكليفية أكبر من البلد الزراعي نظرا للحجم الهائل لمداخيله السائلة و التداول المكثف لها.
أما في البلد الزراعي فنجد غالبا حجم هام للإستهلاك الذاتي ينفلت من الإقتطاع الجبائي، و ذلك بالإنقاص من المقدرة التكليفية عن طريق تقلص المادة الخاضعة كذلك فإن عملية توزيع المداخيل لها دور تلعبه،  بحيث أن الإقتطاع الجبائي المناسب الذي يمسّ  كمية كبيرة من المداخيل المتوسطة له مردودية أحسن من الإقتطاع الجبائي المتصاعد الذي يمسّ بدرجة عالية كميّة  قليلة من المداخبل المرتفعة، و يعفي  كتلة من المداخيل الضعيفة، و بذلك فإن تحقيق المساواة الجبائية للمداخيل يزيد في المقدرة التكليفية، كما أنه لا يمكن إهمال الظواهر النقدية بحيث أن التضّخم الذي يزيد في المردودية الإسمية للإقتطاعات الجبائية، فإنه ينقص في حقيقة الأمر من المقدرة التكليفية بسبب الإفقار الحقيقي الناتج عنه( )، و عكس هذا فإن الإنكماش غير المرفوق بتخفيض نسب الإقتطاع الجبائي يؤدي إلى إنخفاض المردودية  الإسمية  لكن في حقيقة الأمر فإنه يزيد في الحصّة المقتطعة جبائيا.
و تجدر الملاحظة إلى أن المقدرة التكليفية الوطنية تتوقف إلى حدّ بعيد على نسبة إنتاجية النّفقات العمومية، فإذا تمّ إستعمال الموارد الجبائية في تمويل النفقات المنتجة فإن الدّخل الوطني يرتفع و بذلك يمكنه تحمل العبء الجبائي بسهولة، أما إذا أدّت النّفقات العمومية إلى استهلاك الثروات إستهلاكا نهائيا  ( نفقات عسكرية مفرطة، رواتب غير مؤسسة للموظفين...الخ )، فإن المقدرة التكليفية تنخفض.
ج - تأثير العوامل السّياسية :
إذا كان من واجب السّلطات العمومية تسدّيد دّين خارجي أو تعرضت البلاد إلى إقتطاعات من رأس مالها المادي (تحويل المعّدات و التجهيزات، تحويل المواد الأولية...) موجهة نحو الخارج، فإن المقدرة التكليفية تصاب بصفة مؤقتة أو دائمة نتيجة الخسارة في رأس المال و انخفاض الدّخل الوطني، و لعّل هذا المظهر يمثل أهم أسباب عجز الموازنة في الجزائر في الفترة ما قبل إعادة جدولة الدّين الخارجي لها أي حتى سنة 1994 و على سبيل المثال فقد بلغ عجز موازنة  الدّولة سنة 1993 حوالي 168,4 مليار دينار أي حوالي 40 % من الإيرادات المقدرة بمبلغ  336  مليار دينار.
2 - تحديد المقدرة التكليفية الفردية :
تتمثل المقدرة التكليفية الفردية في قدرة الأشخاص الطبيعية و المعنوية على المساهمة عن طريق دخلهم في تحمّل العبء الجبائي و تطابق المقدرة التكلفية الفردية، الدّخل الفردي الصافي أي الدّخل المحصّل عليه بعد خصم مصاريف الحيازة أو مصاريف تحقيق الدّخل من جهة و خصم مصاريف الصيانة و الإهتلاك  من الدخل الفردي للعنصر الجبائي من جهة أخرى( ).
إن المقدرة التكليفية الفردية تتحدّد بعاملين : طبيعة الدّخل و إستعمال الدّخل.

أ - طبيعة الدّخل :
فكلّما كان الدّخل مستقرا من حيث تحصيله أو حيازته فإن المقدرة التكليفية الفردية تزداد، و على هذا الأساس فإن المداخيل المحققة من رأس المال، تعتبر دائمة و مضمونة،  في حين فإن مداخيل العمل تعتبر ظرفية و غير مضمونة نتيجة الخطر الدائم للبطالة، كذلك فإن رأس المال مستديم في حين أن العمل مرتبط بالمجهودات المادية و الفكرية للأجير و التي تبدأ في التناقص مع السّن، و الجباية لا يجب أن تقتطع حصّة بحيث تجعل الإدخار غير ممكن في كلتا الحالتين و عليه فإن الإقتطاع الجبائي يجب أن يترك هامشا كافيا لإهتلاك رأس المال كما يجب أن يترك هامشا كافيا لصيانة حياة العامل كذلك.
لهذه الأسباب المختلفة تظهر المقدرة التكليفية لعوائد رأس المال مرتفعة جدّا مقارنة بعوائد العمل و بذلك يمكنها تحمل العبء الجبائي الثقيل ( مبدأ الإقتطاع الجبائي التمييزي).
ب - إستعمال الدّخل :
تتحدّد المقدرة التكليفية الفردية كذلك بإعتبار آخر و هو أن الإقتطاع الجبائي لا يجب أن يكون بطريقة لا تسمح للعنصر الجبائي بحيازة مبالغ مالية كافية تغطي إستهلاكه و تكوّن له إحتياطي  حيث يحتفظ بحرّية التصّرف فيه.
فيجب على الإقتطاع الجبائي أن يحترم حدّ الكفاف على شكل خصومات و تخفيضات déductions et abattements إضافة إلى وجود محدّد آخر يفرض نفسه على السّلطات العمومية،  و يتمثل في إتجاه هذه الأخيرة نحو الرّفع من الإقتطاعات شبه الجبائية، فحتى وإن كانت الدوافع له مبرره إلا أنها تؤدي أحيانا إلى مظاهر الإفراط،  وعليه فإن الإشتراكات الإجبارية بإسم الضّمان الإجتماعي تخضع لهدف مبرّر، لكن يجب تفادي انقطاع امكانيات  الإستعمال الحرّ للمداخيل بسبب الأهمية المعتبرة لهذا النوع من الإدخار الإجباري، حيث أن انشغال الضمان الفردي أو ضمان الأفراد لا يجب أن يكون على حساب حرّية ممارسة المسؤوليات و حتى المسؤليات ذات الطابع الإقتصادي.
و أخيرا فإن الإقتطاع الجبائي و شبه جبائي  لا يجب أن ينصب على إحترام الحصّة من الدّخل المخصصة للنفقات الضرورية فقط، فالفرد كذلك يجب أن يتصّرف بحرية في فائض لتغطية النّفقات غير الضرورية (كمالية) و للإدخّار الحّر.
المطلب الثاني : هيكل الإقتطاع الجبائي
نقصد بهيكل الإقتطاع الجبائي مكانة كل من الإقتطاعات الجبائية المباشرة، و الاقتطاعات الجبائية غير المباشرة ضمن النّظام الجبائي و ما يمكن قوله في هذا الموضوع هو أن هناك إرتباطا وثيقا بين هيكل الاقتطاع  الجبائي و الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية القائمة، حيث أن من طبيعة هذه الأخيرة أن تكون محدّدا حقيقيا  لتأثير مفعول الاقتطاع الجبائي.
و إضافة إلى الإعتبارات الإقتصادية و الإجتماعية فان العوامل التاريخية و السيكولوجية تحدّد كذلك بنية الهيكل الجبائي.
في الجزائر تهيمن الإقتطاعات غير المباشرة على الهيكل الجبائي و هذا لا يمنع من وجود إتجاه نحو تعديل هذا الوضع لصالح الإقتطاعات المباشرة،  و في ظل هذه الظروف يجب الأخذ بمبدأ الأفضلية فيما يخص الإختيار بين الإقتطاع المباشر، و الإقتطاع غير مباشر و هذا بما يتماشى و أهداف السّياسة الجبائية في مرحلة أولى و شروط تهيئة المحيط الجبائي في مرحلة ثانية ويعتبر هذا الأخير أي المحيط الجبائي ميدانا لتشابك مجموعة من العلاقات و العوامل الّداخلية و الخارجية التي من طبيعتها أن تطرح إشكالا مستعصيا للنظام الجبائي و المتمثل في الكيفية التي تحقق توازن المعدّلات أو نسب الإقتطاعات الجبائية، و عند تحقيق هذا التوازن لا يمكن المساس بهذه النسب لتفادي التلاعب الجبائي. La manipulation fiscale  الذي قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.
إن النظام الجبائي المتكامل على المستوى التقني يجب أن يحتوي على مجموعة من الإقتطاعات  التي من شأنها أن تجعل عمليتي التهرّب و الغشّ الجبائيين عمليتين صعبتين، بحيث يتم تكييف الاقتطاعات حسب كل قطاع إقتصادي، حسب كلّ طبقة إجتماعية أو حسب كلّ فئة من فئات الدّخل، كذلك يجب أن يحتوي هذا النظام الجبائي على إقتطاعات ثابتة و إقتطاعات مرنة بحيث أن عامل الثبات يجعلها لا تتأثر بتطورات الوضع الإقتصادي  وبذلك ضمان الحصول على إيرادات في حالة تراجع النّشاط الإقتضادي كالضرائب على رأس المال، أما عامل المرونة فيجعل الإقتطاعات تتبع التقلبات الإقتصادية و بذلك يتم زيادة الحصيلة من الإيرادات في حالة التوسّع  مثلا عن طريق ضرائب الإنفاق أو الإستهلاك أو تجدر الملاحظة أن إضفاء طابع  المرونة على الإقتطاعات يتوقف على التغيير في قواعد الوعاء بحيث يمكن توسيعه أو تضييقه  حسب طبيعة الظّرف الإقتصادي.
و بإعتبار مفهوم الدّخل الوطني مركز إلتقاء كلّ الإعتبارات المذكورة سابقا و المحدّدة لبنية الهيكل الجبائي فإنه و بالتعدّي يمكن الإستنتاج أن هيكل الإقتطاع الجبائي يتحدّد و بصفة ضيّقة بهيكل الدّخل الذي يقتطع منه والذي يكون كلّيا على المستوى الوطني أو يكون فرديا على مستوى العناصر الجبائية.  فهذا الطرح النظري يتطلب المزيد من الإيضاح والتحليل.
1 - مكونات الدّخل الوطني و تحديد هيكل الإقتطاع الجبائي :
لإقتطاع حصّة من الدّخل الوطني يجب البحث عن مجموعة من القواعد والأسّس التي تسمح بالقيام بعمليات الإقتطاع،  وبالأخذ بعين الإعتبار أهمية مكونات الدّخل الوطني يمكن تحدّيد قواعد و أسّس الإخضاع التي تمنح جزءا معتبرا من خصائصها إلى الإقتطاع الجبائي و بذلك يتحدّد هيكله،  فمختلف التعاريف و التصورات  تمكّن من ذلك، حيث يجب التمييز بين الدّخل الوطني بسعر السّوق و الدّخل الوطني بتكلفة عوامل الإنتاج.


أ- قواعدالإخضاع المكوّنة من تدفقات النفقات:
إن تدفقات النفقات تكوّن الدّخل أو الناتج الوطني بسعر السّوق وهي تحتوي على تدفقات السّلع والخدمات المنتجة في السنة والممثلة بقيمتها الإسمية على شكل نفقات إستهلاكية ونفقات إستثمارية أجريت في السّوق خلال السنة( ).
يجد الإقتطاع الجبائي في تصريف هذه النّفقات الفرصة لإعداد مجموعة من قواعد الإخضاع بحيث يميل وبصفة خاصة نحو إخضاع النّفقات الإستهلاكية التي تعتبر وبدون منازع حقلا خصبا للإقتطاع غير المباشر،  فهذا الأخير يأخذ بعين الإعتبار أهمية النفقة المستخرجة من سعر السّوق، كما قد يأخذ بعين الإعتبار أحيانا الكمّية المنتجة  و المباعة في السّوق مستقّلة عن السّعر، ففي الحالة الأولى يطبق الرسّم القيمي La taxe ad-valorem  أما في الحالة الثانية فيطبّق الرّسم النوعي La taxe spécifique ، وبالعكس فإن النفقات الإستثمارية تستفيد في أغلب الأحيان من معاملة تفضيلية لا سيّما إذا تعلق الأمر بتحفيز تكوين رأس المال وتطوير الإستثمار و بإسم هذا الإنشغال لا  يتم إخضاع  الإستثمار حاليا في الجزائر.
كذلك فإن تدفقات النّفقات هي موضوع معاملة مختلفة من قبل السّلطات العمومية حسب ما إذا تعلقت بأنشطة صناعية،  زراعية أو خدمية،  فأهمية الإنتاج الصناعي هي مناسبة لإخضاع آخر مرحلة في عملية الإنتاج،  وبذلك نحصل تقنيا على الرّسم على القيمة المضافة حيث مردودية هذا الرّسم ترتبط بدرجة تقسيم العمل لأن كل مرحلة من مراحل الانتاج يمكن أن تؤدي إلى تكوين قاعدة إخضاع جبائية وهو ما يعتبر من مظاهر الإقتصاد الحديث.    
أما النشاط الزراعي في الجزائر فهو يرفض ويعارض الإخضاع الجبائي له، نظرا للهياكل الضعيفة التي تؤطره في ظّل إفلاس السّياسات الزراعية المنتهجة، بإستثناء إعداد قاعدة إخضاع عند مرحلة الإنفاق النهائي التي يقوم بها المستهلك لشراء المنتوجات الزراعية.
أما فيما يتعلق بالنّشاط الخدمي فإن تطوره الواسع يمنح إمكانيات هائلة لإعداد قواعد الإخضاع حيث يتذرّع  الإقتطاع الجبائي غالبا بمبرّر نفقات تأجير الخدمات.
ب- قواعد الإخضاع المكوّنة من تدفقات الدّفع:
في هذه الحالة تكوّن تدفقات الدّفع الناتج الوطني بتكلفة عوامل الإنتاج،  فهي تعبّر عن العوائد المدفوعة لعوامل الإنتاج حيث يأخذ الإقتطاع الجبائي حصّة من دفع هذه التكاليف( ) وبذلك تظهر الإقتطاعات الجبائية المباشرة على المداخيل التي تتخذ لها قواعد من مداخيل العمل(الرواتب والأجور)، مداخيل رأس المال ( الرّيوع،الإيجار،الفوائد) وتبقى أخيرا مداخيل المنظّم (الأرباح، والحصّص) التي تنتج عن الفرق بين الأسعار والتكاليف.
في هذا السّياق يمكن صياغة نظام إقتطاع جبائي تمييزي بحيث يتم إخضاع مداخيل العمل إخضاعا متواضعا وإخضاع مداخيل رأس الماال إخضاعا قويا، وأخيرا إخضاع مداخيل المؤسسة إخضاعا ثقيلا خاصة المؤسسات التي تأخذ شكل الشركات التجارية.
ج- قواعد الإخضاع وهيكل الإقتطاع الجبائي:
يعتبرتنظيم الإقتطاع الجبائي إنعكاسا لهيكل الناتج أو الدّخل الوطني لأنه على أساس هذا الأخير يتم إعداد قواعد الإخضاع التي يستند عليها الإقتطاع الجبائي،  كما نستطيع من خلال قراءة جدول مردودية الإقتطاعات الجبائية  معرفة الخصائص الكبرى لهيكل الناتج الوطني. وعلى سبيل المثال فإنه في البلد الصّناعي نحصل على نسبة مردودية مرتفعة بإخضاع نفقات الإنتاج الصناعي في مختلف مراحله، ثم إخضاع مداخيل العمل ومداخيل المؤسسة والتي تعتبر قواعد الإخضاع الجبائي الرئيسية ضمن النظام الجبائي لهذا البلد.
كذلك يمكن الإستنتاج أن تأثير الإقتطاع الجبائي يكون فعّالا  على الهياكل الإقتصادية و الإجتماعية من خلال الدّخل الوطني حيث بالتخفيض في الإقتطاع الجبائي  لفئة من  فئات النّفقات أو المداخيل فإن من شأن هذا أن يؤدي إلى تخفيز النّشاط المطابق.
د- التدفقات الجبائية والدّخل الوطني المتاح :
إن الدّخل الوطني المتاح يساوي تدفقات الدّفع ( الناتج الوطني بتكلفة عوامل الإنتاج) منقوصا منها التدفقات الجبائية( )، وعليه فإن قواعد الإخضاع المعدّة على أساس تدفقات الدّفع المكونة من تكاليف عوامل الإنتاج تؤدي إلى إقتطاع من عوائد هذه العوامل، و عندما يتمّ هذا الإقتطاع  يظهر الدّخل المتبقى في متناولهم.
إن التحاليل النّظرية السّابقة يمكن صياغتها رقميا عن طريق المثال التالي :
نفترض أولا تدفقات النّفقات :  تدفقات نفقات الإستهلاك الخاص 280 مليار دينار منها 120مليارمواد غذائية، 90 مليار سلع إستهلاكية صناعية و70 مليار دينار للخدمات المختلفة.
تدفقات نفقات الإستهلاك العمومي بلغت 115 مليار دينار، و إجمالي الإستثمار  150 مليار دينار.
الرصيد الخارجي (ميزان المدفوعات) مثل عجزا بقيمة 25 مليار دينار.
وعليه فإن الإنفاق الوطني الخام= (280+115+150)-25 =  520  مليار دينار.
حيث يتم إعداد قواعد الإخضاع في مختلف مكوناته، وقد أفرز مبلغ إقتطاعات جبائية غير مباشرة 85 مليار دينار غير أنه تمّ منح إعانات بمبلغ 09 مليار دينار، و بذلك فإن الإقتطاع الجبائي النهائي يساوي  85-09= 76 مليار دج.
و إذا أردنا الحصول على الدّخل الوطني المتاح فيجب أولا تحويل النّاتج الوطني الخّام إلى النّاتج الوطني الصافي و بذلك بطرح مبلغ إهتلاكات رأس المال و بقيمة 04 مليار دينار حيث : 520-04 = 516 مليار، و الدّخل الوطني المتاح يساوي الناتج الوطني الصافي منقوصا منه مبلغ الإقتطاعات غير المباشرة و هو : 516-76 = 440 مليار دينار.
ثم نفترض تدفقات الدّفع التالية :
عوائد الأجراء تمثل ما قيمته: 350 مليار دينار أما عوائد الممتلكات الخاصة و عوائد المؤسسات فتمثل ما قيمته 185 مليار دينار.
فعلى أساس هذين التدفقين الرئيسيين تتم الإقتطاعات الجبائية المباشرة و هذا ما يطرح مشكلا آخر و هو كيفية تحديد وعاء الإقتطاع على مستوى العناصر الجبائية.
2 - توزيع  الدّخل الوطني و تهيئة الإقتطاع الفردي .
لإقتطاع جزء من الدّخل الوطني يجب الوصول إلى مداخيل الأفراد التي يتوزع عليها , حيث أن مختلف الوقائع التي تؤدي إلى وجود الدّخل الفردي تضمن تواجد الدّخل الوطني ضمن قواعد الإخضاع الجبائي   و بذلك نكون بصدّد تفريد قاعدة الإخضاع   Individualisation de la base d'imposition. ( )


أ- كيفيات الإقتطاع من مداخيل الأفراد :
حيث يمكن التمييز بين ثلاث حالات :
الدّخل الفردي يؤدي إلى الإقتطاع الجبائي عند إنفاقه، و بصيغة أخرى عند إستعماله العادي للحصول على السّلع و الخدمات. فمجموع النفقات الفردية تؤدي إلى تكوين تدفقات النفقات الإستهلاكية الخاصة و لكن كلّ نفقة فردية تمثل قاعدة إخضاع للرّسوم على المعاملات، على القيمة المضافة أو على الإستهلاك.
كذلك يؤدي الدّخل الفردي إلى الإقتطاع الجبائي عند توظيفه أي عند إستعماله عن طريق الإدّخار الذي أدّى إلى تكوينه في الحصول على ممتلكات منقولة أو عقارية أو عند تخصّيصه لإنفاق إستثماري فهذا التوظيف أو الإستثمار يؤدي إلى تكوين قاعدة إخضاع على المستوى الفردي.
و أخيرا فإن إعداد قاعدة الإخضاع على أساس تدفقات الدّفع تكون فعلية أو حقيقية عند الحصول على الدّخل بحيث أن الحيازة على عوائد عوامل الإنتاج تنشىء قاعدة الإخضاع الفردية التي تعتمد لتحدّيد مبلغ الإقتطاع الجبائي.
و مما سبق يلاحظ أن الإقتطاع الجبائي الفردي يكون على أساس تدفقات النفقات و تدفقات الدّفع الفردية، و بذلك فإن هيكل الإقتطاع الجبائي يتوقف على خاصية جديدة تتمثل في طريقة توزيع الدّخل بين الأفراد، و في الواقع فإن هناك طريقتين للتوزيع: التوزيع الوظيفي و التوزيع الشخصي. Distribution fonctionnelle et distribution personnelle ()
ب- التوزيع الوظيفي للدّخل الوطني على الأفراد :
التوزيع الوظيفي للدّخل الوطني هو ذلك النوع من التوزيع الذي يخصّص أو يقسّم الدّخل الوطني إلى كتل ضخمة بين فئات عوامل الإنتاج ( العمل، رأس المال، الطبيعة و التنظيم )، أي حسب تنظيم الإنتاج الذي قام به المنظّم( ).
إن الإحصائيين يعتمدون في تحديد التوزيع الوظيفي على مختلف الحصّص من الدخل الوطني المتاح التي يحصل عليها الإفراد نتيجة نشاطهم أو نتيجة ملكيتهم بالإضافة إلى تحويلات المداخيل المكونة من دفع المعاشات،  منح التقاعد و الخدمات  الإجتماعية،  وبذلك يمكن الحصول على توزيع للدّخل بين الأشخاص حسب دورهم في النّشاط الإقتصادي.
كذلك فإنه على أساس مقارنة أهمية هذه الكتل الضّخمة من المداخيل الفردية يمكن إنتهاج الإقتطاع  التمييزي فمثلا يمكن التخفيف من الإقتطاع المباشر من  مداخيل الأجراء و تكثيفه على أصحاب المهن والأنشطة الحرّة، و إذا أخذنا بعين الإعتبار الفرضية بأن معظم مداخيل الأجراء سوف تنفق على الإستهلاك فإنه يمكن معرفة حجم الإقتطاعات غير المباشرة مسّبقا،  ونفس الأمر ينطبق على مداخيل رأس المال، بحيث وبإفتراض أنها سوف تستعمل وإلى حدّّ واسع في تمويل توظيفات وإستثمارات جديدة و عليه  يمكن إخضاع هذه المداخيل جبائيا و ذلك بترك هامش يسمح بإعادة تكوينها.
ج- التوزيع الشّخصي للدّخل الوطني على الأفراد :
إضافة إلى التوزيع الوظيفي يظهر من الضروري التطرّق إلى كيفية التوزيع الشخصي للدّّّّّّّّّخل على الأفراد حيث لايعتدّ بدورهم في الإنتاج أو بوضعيتهم الإمتلاكية، ولكن تؤخذ مبالغ مداخيلهم الفردية بعين الإعتبار( )،  وبذلك يتم تصنيف الأفراد حسب الوضعية المالية لهم بغض النظر عن كيفية الحصول على المداخيل،  ويحاط هذا التوزيع بكثير من الغموض بحيث تصعب معرفته،  لأن كل فرد يحاول حفظ سرّ مبلغ أرباحه و عوائده .
وعادّة نلجأ إلى تحديد متوسط، فقي سنة 1994 كان متوسط دخل الأفراد العاملين 218000دج ( ) لكن هذا المتوسط ليس له مدلول حقيقي لأنه لا يأخذ بعين الإعتبار دور كلّ فرد ضمن مجموعة النشاط وبذلك فإنه يستعمل لأهداف إحصائية فقط.
كذلك فإن هناك إستثناءا يخصّ الإجراء دون سواهم حيث يمكن معرفة مداخيلهم بسهولة، وذلك بالرّجوع إلى تصريحات الدّفع الجزافي  أو تصريحات الإقتطاع من المصدر للرواتب والأجور التي تقوم بها مختلف المؤسسات والهيئات إجباريا إلى الإدارة الجبائية و بذلك نحصل على فكرة لتوزيع المداخيل بين الأفراد الأجراء، فهذه الحالة أدّت إلى تركيز الإقتطاع الإجباري ( جبائي و شبه جبائي) على الرّواتب والأجور خاصة إذا علمنا أن كتلتهما تمثل حوالي 36% من الناتج الوطني.( )
هذه الملاحظة تؤدي إلى إثارة مشكل آخر و يتمثل في الأخطاء والصّعوبات المحيطة بتحديد مداخيل فئات الدّخل الأخرى، وبذلك الخطأ في تحديد الدّخل الوطني،  و في ظل هذه الأوضاع فإن الإقتطاع الجبائي يجب أن يأخذ بعين الإعتبار أن التصاعدية و إعادة توزيع الدّخل الوطني جبائيا لن يكون لها تأثير بعيد المدى في بلادنا.

المطلب الثالث: إستراتيجية الإقتطاع الجبائي:
في سياق إتباع إستراتيجية في الإقتطاع الجبائي يجب الأخذ بمفهومين أو مبدأين أساسيين، يتعلق الأول بإشكالية التوليف و التوفيق بين مختلف الإقتطاعات الجبائية أما المبدأ الثاني فيرتبط بضمان الإستمرارية للنظام  الجبائي على المدى الطويل، ممُا يتطلب إلماما وتحكما في أدوات التقنية الجبائية بحيث يتم الإستغلال العقلاني والفعّال لقدرة الأداء الجبائية.
لهذا الغرض يمكن تهيئة قواعد الوعاء من جهة، حيث نحصل بذلك على إقتطاعات ثابتة وإقتطاعات مرنة كما سبق ذكره ، وكذلك التحكّم في نسب الإقتطاع من جهة أخرى حيث يجب التمييز بين نسبة الإخضاع الحدّية أو الهامشية و نسبة الإخضاع المتوسطة فيما يتعلق بتصاعدية  الإقتطاع الجبائي. ( )
أ- النسبة الحدّية للإخضاع الجبائي :
و هي النسبة التي تطابق الجزء الأكثر إرتفاعا من مداخيل العنصر الجبائي و نفترض أن الدّخل الإجمالي الصّافي لهذا الأخير هو 4.000.000 دج،  و بما أن هذا الدّخل يطابق النسبة الحدّية 40%  في جدول الضريبة على الدّخل الإجمالي ( أقصى حدّ هو 3.240.000دج)، فإن هذا العنصر الجبائي متيقن من أن الدّولة سوف تقتطع نصف مداخيله تقريبا و هو ما يعتبر صحيحا عندما يقبل هذا العنصر الجبائي على تنمية مداخيله بزيادة نشاطه و بالفعل فإنه سوف يتم إخضاع هذا الفائض ( 4.000.000- 3.240.000= 760.000 ) لنسبة 40% لكن هذا لا يعني أن نسبة إخضاعها المتوسطة هي  40 %.
ب- النسب المتوسطة للإخضاع الجبائي:
تنتج النسبة المتوسطة للإخضاع الجبائي عن مقارنة مبلغ الإقتطاع إلى مبلغ الدّخل بحيث أن هذا العنصر الجبائي لايدفع ضرائب على الشريحة الأولى و النسب تكون نسب ضعيفة بالنسبة للشرائح الموالية وبذلك فإنه يتحمل فعلا نسبة 40% إبتداءا من الدّخل الذي يكون أكبر من 3.240.000دج.
و على هذا الأساس فإن النسبة المتوسطة لجدول الضريبة على الدّخل الإجمالي هي نظريا في حدود 27%.()

المطلب الرابع :  المحيط المؤسساتي.
إن إستقرار مختلف  المؤسسات و الهيئات الرّسمية في البلاد و كذا استقرار السّياسات الأخرى المتبعة، من شأنه أن يؤدي إلى إستقرار السّياسة الجبائية و الإرتقاء بها إلى مستوى إستقرار النّظام الجبائي و تدعيمه و لهذا الغرض فإن بعد النظر المبني على أسّس علمية سليمة يعتبر عاملا  و رئيسيا ضروريا.
بالحديث عن المؤسسات و الهيئات الرّسمية فإننا  قد نعني بذلك الإدارة الجبائية حيث أن إصلاح التشريع الجبائي لا يكفي لوحده، و فعاليته مرهونة بتطبيقه السليم من طرف إدارة مؤهلة لذلك، و مكونة من أشخاص ذوي كفاءة و إنضباط مهني عاليين الشيء الذي لا يمكن حيازته إلا بالتحفيزات المهنية ( نظام الأجور أو آفاق الترّقية ) لجلب المهارات الّلازمة للحفاظ على القيّم المهنية و الأخلاقية و هو ما يعتبر من متطلبات الخدمة العمومية و عليه فإن لكلّ نفقة إضافية لتحسين وضعية الموظفين في الإدارة الجبائية من حيث شروط العمل الإداري أو من حيث نمط معيشتهم الشّخصي تمنح حظوظا وافرة للحصول على نتائج إيجابية هامة و لعّل أهمها الإيرادات الجبائية المعتبرة.
إن ضعف الهياكل الإدارية و تفاقم المشاكل الناتجة عنها سوف يفرغ السّياسة الجبائية بدون شك من محتواها، لأن النظام الجبائي الجيّد الإعداد لا يمكن تصوره  إلا بالإدارة التي تضعه قيد التنفيذ و الإدارة الجبائية تعتبر الجهاز الذي تنفذ من خلاله السّياسة الجبائية لذلك يمكن تصّور الأثار الناتجة عن العطل أو العطب الذي يصيب هذا الجهاز.
 المبحث الثاني : محدّدات السّياسة الجبائية:
و هي عوائق لا تسمح ببلوغ السّياسة الجبائية لأهدافها و كذا إستمرارها شكلا و من خلال تحليلها مضمونا سوف يتبين لنا أن معرفة بعضها و القضاء النسبي على بعضها الآخر يساعد إذا أخذت كإعتبارات على ضمان إستمرارية النظام الجبائي و تدعيم القرار الجبائي و تتكون هذه المحدّدات من مظهرين:  الضّغط الجبائي و الغّش و التهرّب الجبائيين .                                                            
المطلب الأول : الضّغط الجبائي:
نقصد بالضّغط الجبائي نسبة الإقتطاعات الجبائية إلى الدّخل أو نسبة المساهمة المالية للمجتمع في تحمل العبء  الجبائي( ) و تكون هذه النسبة كليّة، قطاعية أو فردية حيث تحديدها هو كما يلي:
الضّغط الجبائي الكلّي   =
                                                       الدّخل الوطني الخام


الضّغط الجبائي القطاعي =
                                                            الدّخل القطاعي


الضّغط الجبائي الفردي =  
                                                     دّخل الفرد
و نشير في هذا الصّدد إلى الصعوبة الموجودة في تحديد مختلف  أصناف الدّخل و خاصة الدّخل الفردي و هذا حتى في الدّول المتقدمة  التي تحتوي على أجهزة إحصائية متطورة و لذلك سوف نأخذ مفهوم الصّحة النسبية للضّغط الجبائي . كذلك هناك الضّغط الجبائي الحقيقي و الضّغط الجبائي الوهميla pression fiscale réelle et  pression fiscale fictive  حيث يرتبط الضغط الجبائي الحقيقي بالتنظيم الدّاخلي للجباية( ) و بصيغة أخرى بالهيكل الجبائي فمثلا الإقتطاعات الجبائية غير مباشرة ترتبط بالإستهلاك أو الإنفاق، و الإقتطاعات المباشرة ترتبط بالمداخيل و للحصول على نسب ضغّط جبائي حقيقية يجب مقارنة الإقتطاعات غير مباشرة إلى حجم النّفقات الإستهلاكية و الإقتطاعات المباشرة إلى حجم المداخيل كما يلي :
الضّغط الجبائي غير المباشر :  
                                            حجم النّفقات الإستهلاكية    
                                         
الضّغط الجبائي المباشر :    
                                                             حجم المداخيل المحقّقة                            
أما الضّغط الجبائي الوهمي فهو من خصائص الدّول الريعّية و من بينها الجزائر حيث يتكون الهيكل الجبائي الرّسمي من الجباية البترولية و الجباية العادية فإذا قمنا بإحتساب الضّغط الجبائي المطبّق بأخذ الجباية أو الرّيع البترولي فإن من شأنه أن يضّخم هذه النسبة و لا يعطينا صورة حقيقية عن حجمها و هذا ما يبينه الجدول الموالي:
الجدول 03: الضغط الجبائي المطبق في الجزائر من سنة 1990 إلى سنة 2004
                     
2004 2003 2002 2001 2000 1999 1998
1997
1996
1995
1994
1993
1992
1991
1990
السنة

29,80 29,45 27,66 31,79 25,97 27,01 25,02 33,41 32,07 29,62 27,58 26,14 31,06 30,21 19,34 الضّغط الجبائي
 الكلّي %
14,05 14,32 10,79 12,88 7,06 12,05 13,98 12,18 12,02 11,42 11,17 11,09 11,37 10,23 09,72 الضّغط الجبائي دون المحروقات %
المصدر: إعداد الباحث  بتصرف.
كذلك يمكن إحتساب الضّغط الجبائي بالنسبة لإقتطاعات الدّولة، للإقتطاعات المحلّية أو للإقتطاعات شبه جبائية إلى الدّخل الوطني الخام .
إن الضّغط الجبائي له مجال يتحرك فإذا ارتفع فهذا ليس معناه أن الإيرادات الجبائية سوف ترتفع حتما (منحنى لافر LAFFER) حيث أنه إبتداءا من حدّ معين فإن كل زيادة في الضّغط الجبائي تؤدي بالموازاة إلى إنخفاض الإيردات الجبائية.()
1-   الحدّ الأدنى للضّغط الجبائي :
إن  الإقتطاع الجبائي العملي Le prélèvement fiscal fonctionnel يتطلب نوعا من الضغط الجبائي الموضوعي () سواء كان كليّا أو فرديا بحيث أن وزن السّياسة الجبائية في توجيه الحياة الإقتصادية يتحدّد ببلوغ الضّغط الجبائي الكلّي لحدّ أدنى . هذا الحدّ الأدنى يتراوح  نظريا من 1% إلى 100% الأمر الذي دفع بالكثير من الإقتصاديين أمثال Prest, Goode, Kaldor  إلى تزكية إختيار رفع الضغط الجبائي لأغراض النمو الإقتصادي، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، حيث اعتبروا مستوى الضّغط الجبائي من خصائص فعالية السّياسية الإقتصادية( ).
و في الواقع فإن الحدّ الأدنى للضّغط الجبائي لا يقاس أو  لا يتحدّد إلا بمقارنة الضّغط الجبائي على المستوى الدّولي أي بمقارنة العبء الجبائي على مستوى الدّول،  و بذلك تتحدّد معايير تموضع أو تموقع مستوى الضّغط الجبائي، فإذا أخذت البلدان المتطورة كمرجع فإن نسبة الضّغط الجبائي تتراوح ما بين 20% و 30%.
كما أن هناك أربع إختيارات لدفع مستوى الضّغط الجبائي يمكن إستعمالها جملة واحدة و هي: رفع نسب الإقتطاعات ، توسيع الوعاء، تحسين عملية التحصيل و أخيرا مكافحة الغّش والتهرّب  الجبائيين. و عادة ما يفضل الإختيار الأول نظرا لسهولته حيث يحتاج لمجرد مادة تشريعية ضمن قانون المالية و برفع مستوى الضّغط الجبائي هناك حدّ لا يجب تجاوزه و إلا أدّى إلى آثار و نتائج سيئة و خطيرة و بذلك تصبح السّياسة الجبائية أداة للتفكك المالي، و الإقتصادي، الإجتماعي و السّياسي و لعّل أهم هذه الأثار هو التهرّب و الغّش الجبائيين حيث يقول في شأنهما الأستاذTabatoni  " أن التحفيز الوحيد المؤكد للجباية المثقلة هو التحفيز على الغّش "( ).
و خارج إطار هذا التحليل، يمكن إيجاد نسبة مثلى للضغّط الجبائي يجب تحقيقها و يحدّدها كولين كلارك Collin Clark عند 25% من الدّخل الوطني الخام( )، و هذا يعني أن تجاوز هذا الحدّ عن طريق التلاعب الجبائي البسيط سوف يؤدي إلى أثار سيئة داخل الإقتصاد الوطني و بذلك فإن هذا الطرح يتوقف عن مرحلته النظرية فقط، فلا النظرية الجبائية و لا خصائص الإقتصاد العمومي تمنح وسيلة لقياس نسبة الضّغط الجبائي المثلى، إلا ّ أن ما يمكن قوله هو أنه يمكن الزيادة في الإقتطاعات الجبائية طالما أنها لم تؤدي إلى وجود الآثار غير المرغوب فيها. كذلك فإن النسبة المثلى للإقتطاع الجبائي تتوقف بالدرجة الأولى على إستغلال المقدرة التكليفية إضافة إلى الوضعية السيكولوجية للعناصر الجبائية إتجاه الإقتطاع الجبائي أي  التصّور الذي تضعه العناصر الجبائية للإقتطاع الجبائي، مما يحدّد سلوكها إتجاه النظام الجبائي ككل بحيث أن تواجد ضريبة سيئة و غير مبرّرة  كفيلة لوحدها فقط بتحدّيد سلوك العناصر الجبائية إتجاه السّياسة الجبائية عامة.
2- الضّغط الجبائي في الجزائر:
بقراءة معطيات الجدول  أعلاه نلاحظ أن نسبة الضّغط الجبائي الحقيقي ضعيفة جدا في الجزائر و هذا مقارنة بالدّول المتقدمة أو مقارنة بالدّول المجاورة كتونس و المغرب أين تتجاوز نسبة الضغط الجبائي في متوسطها 20% أحيانا، و هذا الوضع لا يرجع لضعف الهياكل الإقتصادية و الإجتماعية في الجزائر و إنما يرجع إلى حالة الفوضى التي تلازم هذه الهياكل إضافة إلى  الصعوبة و الخطأ في تحديد الدّخل الوطني الخام من حيث مكوناته بإستثناء الرواتب والأجور و تظل فئات الدّخل الأخرى غامضة بسبب وجود قطاع إقتصادي موازي هام و حسّاس للأضواء الكاشفة يقابله ضعف الهياكل الإدارية من حيث التأطير و من حيث شروط العمل الإداري أيضا.
كذلك فإن النفوذ السّياسي لبعض العناصر الجبائية حال دون اتخاذ القرارات الجبائية الحقيقية و التي  تلاحظ آثارها على أرض الواقع و ليس في صفحات الجرائد الرّسمية. كلّ هذه المظاهر تؤدي إلى نتيجة واحدة و هي عدم القدرة على إستغلال المقدرة التكليفية و بذلك فإن عملية التحّكم في نسبة الضّغط الجبائي تبقى بعيدة جدا و هو ما يترك بدون شك مجالا واسعا لإستفحال ظواهر التهرّب و الغّش الجبائيين.


المطلب الثاني : ظاهرة الغش الجبائي:
ترتبط ظاهرة الغّش الجبائي بفكرة الهروب من الواجبات الجبائية وتفادي تحمل العبءالجبائي وهي تعتبر أهم محدّد للسّياسة الجبائية مقارنة بالضّغط الجبائي الذي يمكن التحّكم في مستواه إذا توفرت الشروط اللازمة لذلك.
كما أن الغّش الجبائي لا يعتبر الشكل الوحيد لمقاومة العبء الجبائي بحيث أن  العناصر الجبائية كانت و لازالت تبحث عن التملص من الإقتطاعات الإجبارية ولهذا الغرض فهي قد تستعمل إحدى  الطرق التالية:
الطريقة الأولى  و الأكثر عنفا تتمثل في التمرّد الصريح ضد الإدارة الجبائية وهو ما يؤدي غالبا إلى الصراع المسلّح للإطاحة بالنظام السّياسي و الإقتصادي القائم ولعّل هذا المظهر يمثل أحد الأسباب الرئسية لقيام الثورة الجزائرية سنة 1954.
و الطريقة الثانية حيث تكون المقاومة بممارسة الضّغوط على السّلطات العمومية في إطار النظّام القائم، سواء كانت هذه الضّغوط على السّلطة التشريعية للتصويت على قوانين جبائية لصالح فئة عن العناصر الجبائية، أو على السّلطة التنفيذية أي على الإدارة التي تعمد إلى منح تخفيضات و إمتيازات جبائية، التخفيف من المراقبة أو غضّ الطرف تطبيقا لأوامر صادرة من الهيئات العليا للبلاد.
أما الطريقة الثالثة فبدون تغيير التشريع أو التنظيم الجبائي لتفادي العبء الجبائي فإن العناصر الجبائية تقوم بإستغلال الفراغ القانوني أو بإستغلال الإمكانيات التي يمنحها الظّرف الإقتصادي، و هو ما يصطلح عليه بالتهرّب الجبائي( ).  و كمثال عن ذلك إعطاء واقعة ما شكلا قانونيا أقل إخضاعا من ذلك الذي يجب أن توجد فيه هذه الواقعة بصفة عادية و هو ما يسمى بتحويل الحدث المنشىء " "  أو تحميل العبء الجبائي على شخص آخر  Le transfert du fait générateur- l'imputation de la charge fiscale"   فالإقتطاعات على الدّخل تكون من مداخيل العناصر  الجبائية و قد يلجأ الصّناع و التّجار إلى تحميل عبء هذه الإقتطاعات بزيادة في الأسعارالمطبّقة من طرفهم أثناء فترة التوسّع الإقتصادي.
و أخيرا تتمثل الطريقة الرابعة في الغّش بمعنى الكلمة و هي تختلف عن الطّرق السابقة لمقاومة الإقتطاعات الإجبارية بإعتبارها تتمثل في مخالفة قرارات التشريع الجبائي و الإجراءات التطبيقية للإدارة الجبائية( )، فهذا الشّكل للمقاومة أي الغّش الجبائي هو الوحيد الذي يتطلب تدّخل موظفي الإدارة الجبائية لأن مكافحة التمرّد الصريح  يعتبر من شؤون الشّرطة و الجيّش.
و مكافحة جماعات الضّغط أو الحدّ من تأثيرها تعتبر من شؤون السّياسيين و البرلمانيين،  أما مكافحة التهرّب الجبائي فهي إما من شؤون المختصّين في القانون و التنظيم الذين يكون من واجبهم غلق منافذ التهرّب في كلّ مرّة تظهر فيها، و إما من شؤون الذين يقع عليهم عبء ضمان نجاح السّياسة الإقتصادية التوسعّية في إستقرار( )، و هم المختصّين في مختلف فروع الإقتصاد و خاصة الإقتصاد الجبائي.
كذلك نشير إلى أن عملية مكافحة الغّش الجبائي لا تكون عفوية، و إنما تكون حسب أهمية هذا الغّش ضمن المعطيات الإقتصادية و الإجتماعية لأن النظام الجبائي يمكنه أن يتعايش مع نسبة معينة من الغّش الجبائي لا تؤدي إلى إختلال التوازنات الأساسية.  و هذه الأهمية يمكن تقييمها من عدّة جوانب : من حيث أسباب الغّش الجبائي أشكاله، آثاره و طرق قياسية و بذلك نكون بصدّد تشخيص ظاهرة الغّش الجبائي ضمن إطار مضبوط لأن عملية التشخيص تختلف من بلد لآخر.
1- أسباب الغّش الجبائي :
من أسباب الغّش الجبائي ما هو متعلق بالعوامل التاريخية، الإقتصادية، السّياسية، الإجتماعية و السيكولوجية و التي نسميها أسبابا خارجية، هذا من جهة، و من جهة أخرى هناك من الأسباب ما هو مرتبط بوضعية التشريع الجبائي و إجراءات تطبيقية و كذا مدى تكيف المصالح الجبائية مع الظاهرة و هي الأسباب الداخلية ()

أ- الأسباب الخارجية :
في هذه الفئة من الأسباب نصّنف كل العوامل الإقتصادية، الإجتماعية، الثقافية..... الخ، التي أدّت إلى تكوين وسط حي يسمح بإنتشار واسع و حقيقي لظاهرة الغّش الجبائي في الجزائر و إعطائها نموا سريعا بحيث أصابت كل ميادين الإقتطاع الجبائي.
الأسباب التاريخية و الإجتماعية :
هناك علاقة قوية بين ظاهرة الغّش الجبائي و نوعية العلاقات التي تربط الأفراد بالدّولة و عليه فإن الغّش يعتبر في بعض الحالات تعبيرا مباشرا عن رفض جهاز الدّولة بصفة عامة و لنظامها الجبائي  بصفة خاصة.
تاريخيا و منذ الإحتلال  العثماني ( التركي ) للجزائر و مرورا بالإستعمار الفرنسي لم يكن الإقتطاع الجبائي سوى وسيلة لسلب و نهب أملاك السّكان الأصليين و أداة فعالة لتفقيرهم و لا يزال هذا التصّور المرسّخ في الذاكرة الجماعية ثابتا إلى يومنا هذا بسبب العوامل التالية:
o إستمرار النظام الجبائي الإستعماري مدّة زمنية معتبرة بعد الإستقلال (حتى سنة 1976) و هو ما كان منافيا لتطلعات الشّعب و قيادته أثناء الفترة الإستعمارية .
o عدّم الثقة في هيئات الدّولة و التي غذاها عجز الإدارة في القضاء على مختلف الأمراض الإجتماعية.كالرّشوة، الإختلاس و استغلال النفوذ.
o الإستعمال غير العقلاني للأموال العمومية و صرفها في الكماليات بإفراط كبير.
o الإعتقاد الديني الذي يعتبر الجباية منافية لأحكام الشريعة الإسلامية.
فكل هذه العناصر ساهمت في تكوين وعي جماعي مقتنع بالغّش الجبائي، مما أدى إلى الإندثار المستّمر للحسّ الجبائي داخل المجتمع.
الأسباب السيكولوجية:
أو ما هي دوافع الغّش لدى العنصر الجبائي ؟
يمكن إعتبار سيكولوجيا العنصر الجبائي علما قائما بذاته لأنه ينصّب على دراسة تصرفات أو سلوك العنصر الجبائي إتجاه واجباته الجبائية،  فهناك موضوع للدراسة و منهج يمكن إستخلاصه من المناهج المتبعة في علم النفس.
في هذا السّياق نستطيع طرح مشكل الغّش الجبائي من زاوية مبسطة و ذلك بإفتراض أن بعض العناصر الجبائية تقوم بواجباتها الجبائية بصفة إرادية لكن إرادة هؤلاء و احترامهم للقانون الجبائي هي قضايا نسبية لإرتباطها بعنصر الخطر عند إكتشافهم من طرف الإدارة الجبائية أي إرتباطها بدرجة فعالية نظام المراقبة الجبائية.
فالعنصر الجبائي يقوم بحساب نسبة الخطر ثم يطبقها على مبلغ الإقتطاع و الغرامات المستحقة و النتيجة التي يحصل عليها يقارنها بقيمة الإقتطاع المغشوش فإذا كانت النتيجة أقل من هذا الأخير أي أقل من الإقتطاع المغشوش، فإن العنصر الجبائي يستطيع إنتهاج الغّش، .كما أنه يمتنع في الحالة العكسية ( )  لكن في الواقع العملي العنصر الجبائي لا يستطيع القيام بهذا الحساب و موقفه اتجاه عامل الخطر يتحدّد بين عدّم رضاه من أداء الإقتطاع و عدم رضاه عند إكتشافه  من طرف الإدارة الجبائية حيث يدفع مبلغ الإقتطاع إضافة إلى العقوبات و الغرامات الجبائية كذلك، إن التصّور الذي يضعه العنصر الجبائي لنفسه حول النّظام الجبائي.يكون محدّدا لسلوكاته المستقبلية إتجاه واجباته الجبائية و هذا ما يؤدي إلى الإستدلال بالنّظرية الحتمية و التي بموجبها تكون طبيعة المعطيات التي يحصل عليها العنصر الجبائي حول جهاز الدّولة عامة و النظام الجبائي خاصة محدّدا  لسلوكه الجبائي.

الأسباب الإقتصادية :
المعروف أن النّشاط الإقتصادي في الدّولة يحدّد حصيلتها من الإقتطاعات الإجبارية و تثبيت هذه الحصيلة عن مستوى معين يتطلب التحكم في أدوات السّياسة الجبائية  و  في الجزائر الكّل كان يضّن أن العائدات من المحروقات قادرة على تمويل أعباء الدّولة و تمويل التنمية الإقتصادية و الإجتماعية و بذلك ظهرت الجباية العادية في موقع ثانوي و العنصر الجبائي الجزائري عند إقباله على الغّش كان يبرّر فعله بأنه لا يسبّب أي ضرر للمجتمع و سير هياكل الدّولة لا يتوقف على ما يدفعه.
إضافة إلى هذا فإن وفرة الموارد المالية المتأتية  من المحروقات في مرحلة معينة أدى إلى إعادة تقييم الكتلة الأجرية مرات عديدة مما أدى إلى تزايد الطّلب الوطني في حين لم يكن الجهاز الإنتاجي قادرا على إستيعاب هذا الطّلب و لذلك ظهرت الإختلالات و الإضطرابات على مستوى الإقتصاد الوطني لعدم الإنسجام بين الطّلب الضّخم و العرض المتواضع، و نتيجة لهذا الوضع ظهرت الفوضى في شبكات التوزيع و إتسع نطاق السّوق الموازية ، فالدّولة إذن لها جزء كبير من المسؤولية نتيجة تورطها و مساهماتها في الإنتشار المستمر للغّش الجبائي بسبب عدم قدرة الإحتكار، الذي كانت تمارسه على تنظيم سوق السّلع والخدمات و كذا القضاء على الندرة وبظهور المحتوى الإقتصادي الجديد و المتمثل في تبني إقتصاد السّوق بسبب إنكماش عوائد الريّع البترولي و السّقوط في الحلقة المفرغة للدّيون الخارجية، أحدثت السّلطات العمومية مجموعة من التغييرات على مستوى الإقتصاد الكلّي و الإقتصاد الجزئي في إطار الإصلاحات الإقتصادية و التي كان من شأنها التخفيض من أهمية الغّش الجبائي، لكن ما يلاحظ من زيادة تأزم الوضع الإقتصادي على جميع المستويات لم يكن بسبب هذه التغييرات فحسب و التي تعتبر من شروط الهيئات المالية الدّولية التي لا تراعي الخصائص الداخلية للبلاد، بل كذلك نتيجة عدم التنسيق بين مختلف أدوات السّياسة الإقتصادية و التعارض بين آلياتها أحيانا. فتنازل الدّولة عن الإحتكارات، خوصصة وسائل الإنتاج ، تحرير التجارة الخارجية و حرية المبادرة الفردية في غياب رقابة الدّولة أدّى إلى تحويل مفهوم إقتصاد السّوق إلى مفهوم سوق الإقتصاد بحيث أصبح الإقتصاد الوطني يقايض كأية سلعة عادية و من مظاهر هذا الوضع الإنتشار الواسع لظاهرة الغّش الجبائي، حيث ظهرت مؤسسات تجارية وهمية لا مقر لها بينما هي مقيدة في السّجل التجاري، و بذلك يمكن تصّور نوع و حجم العمليات التي تقوم بها من إستيراد وبيع بعيدا عن أنظار هيئات الرّقابة في الدّولة و هذا ما يضّر بالجهاز الإنتاجي الذي ينشئ القيمة المضافة.
الأسباب السّياسة :
وهي أسباب ساعدت كذلك على إنتشار ظاهرة الغّش الجبائي، فقد لا يساعد المناخ السّياسي السائد في البلاد على قمع الغّش و يظهر ذلك من خلال العوامل التالية :
o الإختيار الإيديولوجي و السّياسي الذي اعتمدته السّلطات العمومية غداة الإستقلال المتمثل في النظام الإشتراكي، ممُا كان له أثر مميز في تكوين و بلورة النظام الجبائي الذي لم يضطلع بأدواره حتى تلك المتعلقة بإعادة توزيع المداخيل.
o وجود موارد هامة من المحروقات جعل السّلطات العمومية تعتبر موارد الجبائية العادية ثانوية أدّى إلى ظهور نوع من التراخي في صياغة الإقتطاعات الجبائية حسب المعطيات الداخلية و محاربة الغّش الجبائي لم تكن من الأولويات الوطنية و مازال هذا الوضع قائما إضافة إلى أن الوسائل الضرورية لمواجهة الظاهرة لم تكن في متناول المصالح الجبائية فهل يعقل أن تطلب من المواطن ما كان في راحة من أدائه و لمدة زمنية معتبرة بدون مشكل، حتما أنه سوف يحتجّ و يعارض عن طريق الغّش الجبائي.
ب - الأسباب الداخلية :
و هي فئة الأسباب المتعلقة بالنظام الجبائي ككلّ و التي يمكن تقسيمها إلى أسباب ناتجة عن النّظام الجبائي في  حدّ ذاته وأسباب ناتجة عن التقنية الجبائية و التي ساعدت أيضا على تعمّق جذور ظاهرة الغّش الجبائي.
الأسباب الناتجة عن النظام الجبائي : ولعل أهمها مايلي:
النظام الجبائي المعقّد:
و يرجع هذا التعقيد إلى حجم النصّوص القانونية التي تحّكم مختلف أنواع الضرائب و الرّسوم فهناك خمسة قوانين منفصلة: قانون الضرائب المباشرة و الرّسوم المماثلة، قانون الرّسوم على رقم الأعمال ، قانون التسجيل ، قانون الطابع و قانون الضرائب غير المباشرة إضافة إلى الصعوبة الموجودة في تسيير بعض أنواع الضرائب و الرّسوم و كمثال عن ذلك الضريبة على الدّخل الإجمالي التي تحتوي على مجموعة من الضرائب النوعية كالضريبة على الأرباح الصناعية و التجارية، الرّسم على النشاط المهني، الدّفع الخراجي.....إلخ و كلّ نوع له أحكامه الخاصة، كما أنه لإخضاع دخل واحد يجب تدخل ترسانه هائلة من القواعد والإجراءات الجبائية، كذلك فإن الرّسم على القيمة المضافة الذي يحسب على أساس نسب مختلفة و كل نسبة تخص فئة طويلة من السّلع و الخدمات، و مما زاد في هذه الصعوبة أساليب العمل الإداري التي تعتمدها الإدارة الجبائية و التي تجاورها الزّمن و وتجاوزتها الأحداث.
عدم إستقرار النّظام الجبائي :
نتيجة التعديلات المتوالية و المختلفة و كذا إلغاء بعض الأحكام الجبائية التي تستحدث بمناسبة قوانين المالية السنوية و قوانين المالية التكميلية، فبهذه السّرعة لم تتمكن لا العناصر الجبائية و لا موظفوا الإدارة الجبائية من إستعاب مضمون النّظام الجبائي.
النقص الكمّي و النوعي للوسائل :
ما يلاحظ في هذا المجال أن الإمكانيات البشرية و الإمكانيات المادية من عتاد و تجهيزات و مباني و وسائل نقل الموضوعة في متناول الإدارة الجبائية و على كل المستويات ( مفتشيات، قباضات، و مديريات ولآئية) تبقى دون الحدّ الأدنى الضروري  و المطلوب.
كذلك فإن الموظف في الإدارة الجبائية يقوم بمعالجة و دراسة حوالي 538 ملف كمتوسط()  لتحديد الوعاء، هذا في غياب أدنى شروط العمل الإداري و في غياب شبه تام للوسائل الحديثة لمعالجة المعلومة الجبائية، لاسّيما المعلوماتية،  كذلك نشير إلى النقص الملاحظ في تكوين هؤلاء الموظفين و في الكثير من الحالات يكونون محّل سخرية بعض العناصر الجبائية التي تحترف الغّش،أما المؤهلين منهم و بعد تحصليهم التكوين الكافي و اكتسابهم الخبرة اللازمة يتركون الإدارة في إتجاه قطاعات أخرى أكثر مكافأة من ناحية الأجر و الإمتيازات المهنية أو يمارسون المهن الحرّة بإعتبارها أكثر مردودية و بذلك يشكلون درعا واقيا للعناصر الجبائية التي تلجأ إلى أساليب الغّش الجبائي.
الأسباب الناتجة عن التقنية الجبائية  : وتتمثل في مايلي:
نظام التصريح  :
النّظام الجبائي الجزائري على غرار معظّم الأنظمة الجبائية في العالم هو نظام تصريحي و بذلك يعتمد تصريح العنصر الجبائي كأساس لتحدّيد الوعاء و تصفية مبلغ الإقتطاع لأنه نظريا يحتوي على المعلومات الكافية عن نشاطه و وضعه المالي، لكن في ظل عدم إمكانية مراقبة كل التصريحات و التأكد من مصداقيتها إنتهزت بعض العناصر الجبائية الفرصة لتقديم تصريحات كاذبة للإدارة الجبائية أو عدم تقديمها أصلا لأن الإخضاع التلقائي و ما يتبعه من غرامات و عقوبات مالية يكون في أغلب الأحيان لصالح العنصر الجبائي.
تقنية الخّصم :La technique de déduction
بموجب هذه التقنية يتمكن العنصر الجبائي من خصم جميع الأعباء و التكاليف التي تحّملها من جراء ممارسة نشاطه و بذلك تتحدّد النتيجة الجبائية  Le résultat fiscalلتحديد مبلغ الإقتطاع الواجب الأداء، فتستعمل بعض العناصر الجبائية و لانبالغ إن قلنا كلّهم هذه التقنية لتضخيم كتلة التكاليف و الأعباء الواجبة الخصم مع توفر كل الوثائق الثبوتية مما يؤثر على النتيجة الجبائية و بذلك إنخفاض  مبلغ الإقتطاع أو إمكانية عدم أدائه في حالة العجز( التكاليف و الأعباء أكثر من الرّبح الخام ) و هذا كلّه في غياب جهاز فعّّّال للرّقابة.

تقنية المراقبة والتحقيق :
و هي العملية التي تمكّن من كشف مكامن الغّش و تسّليط العقوبات على مرتكبيه، فمستقبل الغّش الجبائي و كذا إستمرارية النظّام الجبائي مرهونة بنجاعة هذه العملية و ما يلاحظ عن هذه العملية في الجزائر هو عجزها و محدوديتها وهذا نظرا للأسباب التالية :
o عدم إمكانية برمجة أكبر عدد ممكن من العناصر الجبائية التي يحقّق بشأنها وهذا لنقص الإمكانيات والوسائل المادية والبشرية المشار إليها أعلاه.
o عدم وجود تعاون حقيقي بين مختلف هيئات الرّقابة الأخرى كإدارة الجمارك، إدارة أملاك الدّولة، مديرية المنافسة و الأسعار بغرض توحيد الجهود لقمع الظّاهرة و حتى حقّ الإطلاع المعترف به للإدارة الجبائية في المواد من 309 إلى 316 من قانون الضرائب المباشرة و الرّسوم المماثلة فهو نسبي نتيجة عدم الصّرامة في تطبيقه.
o ظاهرة الرّشوة التي تفشت في أوساط المصالح الجبائية بصفة عامة و مصلحة المراقبة و التحقيق بصفة خاصة بسبب غياب المحفزات المهنية فكيف يعقل أن يقوم الموظف بتحصيل عشرات الملايين من الدينارات لصالح خزينة الدّولة ويتقاضى في المقابل أجرا متواضعا يصنف بين الأجور المتدنية في المجتمع، لا يكفي حتى حاجياته الشّخصية.
2-  أشكال الغّش الجبائي

أ- الإخفاء القانونيLa dissimulation Juridique :
الغّش  عن  طريق  العمليات  القانونية  يتمثل  فيما  يسمى  بالتصنّع  و  التظّاهرLa  dissimulationأي إستحداث وضعية قانونية مرئية( ) ، و هذا النوع من الغّش يأخذ  شكلين أساسيين و هما:
 الغّّش عن طريق التكييف الخاطئ للوضعية القانونية الحقيقية و الغّش عن طريق تركيب عمليات  وهمية :

التكييف الخاطئ للوضعية القانونية الحقيقية : هذا الشكل من الغّش معقد  جدّا و يتمثل في تغيير عملية قانونية حقيقية بمظهر عملية أخرى أكثر إمتيازا، و هذا ما يسمح بعدم أداء الإقتطاع الجبائي أو آدائه بنسبة أقل من تلك الناتجة عن الوضعية  القانونية الأولى و بصيغة أخرى فإن  لهذا الغّش أثر تغيير المعنى الحقيقي لعملية ما و تزييف حالة أو حادثة خاضعة بحادثة أخرى غير خاضعة أو تخضع لمعاملة جبائية خاصة أكثر إعتدالا كحالة إخفاء عملية توزيع الأرباح الخاضعة للضريبة  استبدالها بشكل آخر و هو دفع أجور مفرطة للشّركاء لتفادي الإقتطاع بمناسبة توزيع الأرباح.
تركيب عمليات وهمية  : و يعتبر هذا الشّكل من الغّش أكثر إستعمالا حيث يتمثل مثلا في إعداد مؤسسة تجارية لفواتير وهمية لا تطابق أي توريد حقيقي للسّلع و الخدمات لحساب مؤسسة أخرى و بذلك تتمكن هذه الأخيرة من خصم مبلغ الرّسم على القيمة المضافة الوهمي من مبلغ الرّسم على القيمة المضافة على مبيعاتها مما يؤدي إلى تخفيض الرّسم على القيمة المضافة الواجب الدّفع أما في الحالة التي يكون فيها مبلغ الرّسم على القيمة المضافة الوهمي أكبر من الرّسم على القيمة المضافة على المبيعات فإنه من حق هذه المؤسسة الحصول على تعويض (إسترجاع الرّسم ) يساوي مبلغ الفرق.
       ب - الإخفاء المحاسبي : La dissimulation comptable
الغّش عن طريق العمليات المحاسبية يتطلب بلوغ مستوى جيّد من المؤهلات في مجال تقنية المحاسبة، فإذا كانت هذه الأخيرة قاعدة للقيام بالتحقيق و المراقبة من قبل  المصالح الجبائية للتأكد من مطابقة التصريحات للدفاتر المحاسبية، والأوراق الثبوتية فإن العنصر الجبائي الماهر يبحث عن وضع مطابقة  للتسجيلات في الدفاتر المحاسبة  فيما بينها من جهة و مطابقة بين هذه التسجيلات و الأوراق الثبوتية من جهة أخرى.
هذا الشّكل من الغّش يكون بزيادة الأعباء أو/ و بتخفيض النواتج
الغّش بزيادة الأعباء  :
لقد سمح المشرّع  بخّصم الأعباء التي يتحملها العنصر الجبائي عند القيام بنشاطه بشرط أن تكون هذه الأعباء مرتبطة مباشرة بالإستغلال و في الحدّود (السّقف) التي وضعها القانون للبعض منها.  بعض العناصر الجبائية تستغل هذا الحق في خصم أعباء ليس لها علاقة بنشاط المؤسسة أو المبالغة في تقديرها و ذلك بإستعمال الطرق التالية :
o التسجيل المحاسبي للنفقات الشخصية من محاسبة المصاريف العامة( ).
o الزيادة في مختلف العوائد الممنوحة ( الأجور و مصاريف الخدمات ....).
o الخطأ المقصود في تطبيق تقنية الإهتلاكات و المؤونات لتضخيم كتلتيهما.( )
و هذا لتخفيض وعاء الضريبة على الأرباح و بذلك تخفيض الضريبة على الأرباح.
الغّش بتخفيض النواتج :
إن تخفيض النواتج هو شكل كلاسيكي للغّش الجبائي و يتمثل في عدم إجراء التسجيل المحاسبي بصفة كلّية أو جزئية للنواتج المحققة و ذلك بإستعمال طرق و وسائل مختلفة  و لعّل أهمها :
o إهمال التقييد المحاسبي للمبيعات بالّلجوء للبيع نقدا.
o التخفيض المحاسبي لمبلغ المبيعات بتسجيل العودة الوهمية للبضائع و المنتوجات  أو المنح الوهمي للتخفيضات  التجارية.
o التخفيض المحاسبي لمبلغ المبيعات بالبيع  بالفرق أو الفوترة الجزئية.
o عدم التسجيل المحاسبي للنواتج الإستثنائية المحقّقة عن التنازل عن عناصر الأصول( ).
o إستغلال تواجد فروع الشركات في الملاجئ الجبائية في الخارج لتحقيق مبيعات هائلة بعيدا عن المصالح الجبائية الداخلية.
3 - آثار الغش الجبائي :
يمكن للنظام الجبائي أن يتعايش مع حدّ معين من الغش الجبائي كما سبق ذكره  و هو حال كل الأنظمة الجبائية في باقي دول العالم لكن لا يجب تجاوز هذا الحدّ  و إلا كان له من الآثار ما يهدّد وجود الدّولة، فإذا كانت الجباية وسيلة للتدّخل في الحياة الإقتصادية و الإجتماعية فإن الغّش الجبائي سوف يحدّ حتما من قيمة هذا التدّخل و ينعكس على الوضع المالي و الإقتصادي و الإجتماعي  للبلاد. فأهمية الغّش الجبائي و الآثار الناتجة عنها هي في الحقيقة مؤشرات يجب الأخذ بها لإصلاح الأوضاع على جميع المستويات.
أ- الآثار المالية :                                  
وهي أول الأعراض التي تظهر بحيث أن الغّش الجبائي يحدث نزيفا للمالية العمومية ويتسبب في  خسائر معتبرة للخزينة العمومية و هذا ما يؤدي إلي تقلص نشاط السّلطات العمومية وهكذا فإن الدّولة تستثمر أقل، كما تنفق أقل من أجل إنجاز الهياكل القاعدية و أمام هذا الوضع تلجأ إلى طلب المزيد من الذين لا يمكنهم الغّش و تتوقف عن تقديم الإعانات والإعفاءات الجبائية الموجهة لدعم وترقية الحياة الإقتصادية و الإجتماعية.
 ب- الآثار الإقتصادية : وتتمثل في العناصر التالية :
إعاقة المنافسة :
وهي تشوه إقتصادي يحدثه الغّش الجبائي حيث أن الإقتطاع المرتفع من النشاطات الصناعية و التجارية يمنح إمتيازات معتبرة للمؤسسة التي تغّش مقارنة بتلك التي لا يمكنها الغّش، مما يفشل المنافسة و يبطل شروط تصنيفها، فمن المؤسسات من تلجأ إلى التسيير المحكم و الزيادة في الإنتاج لرفع أرباحها، ومنها من تلجأ إلى الغّش للحصول على وسائل تمويل وبذلك تبيع منتوجاتها بأسعار مخفضة مقارنة  بالأسعار المطبقة من طرف نظيراتها و المثال واضح في الجزائر من خلال مقارنة  أسعار القطاع الإقتصادي العام بأسعار القطاع الإقتصادي الخاص لا سّيما في  الفترة المباشرة للتفتّح على إقتصاد السّوق.
فالقطاع  الخاص يفضّل الاحتفاظ  بحصيلة الغّش ليضمن مستوى معيشي راق لأصحابه أو لتكوين رؤوس أموال جديدة تساعدهم على التوسّع في نشاطهم. وهذه الأساليب تجعل الرّابح في اللّعبة الإقتصادية ليس دائما المسّير الجيّد ولكن ذلك البارع في الغّش الجبائي وهذا جانب لأحد الأسباب المفسرة لفشل القطاع  العام ونجاح القطاع الخاص في الجزائر.
إعاقة التقدّم الإقتصادي:
من آثار إعاقة المنافسة أنها تؤخر التطّور أو التقدّم الإقتصادي عندما تسمح لبعض المؤسسات القليلة الإنتاجية بالحفاظ على وجودها رغم منافسة المؤسسات المنتجة ذات المردودية و بذلك تنافس مؤسسات ليست من نفس الفئة الإقتصادية نتيجة لجوء بعضها إلى أساليب الغّش الجبائي.
كما أن الغّش الجبائي يحدٌ من الجهود الرّامية إلى رفع الإنتاجية، فالمنظّم الذي يريد الزيادة في دخله بإستعمال طرٌق إنتاج و تسيير مطورّه يتوقّف عن إنتهاج هذا الطريق لمجرد تعرفه على الإمكانيات الهائلة التي يمنحها الغّش الجبائى( ).
التوجيه الوهمي للنشاط الإقتصادي :
يمنح الغّش الجبائى توجها وهميا للنّشاط الإقتصادي عندما يصبح الشغل الشاغل للعناصر الجبائية وبذلك فهم يوّجهون مصالحهم الإقتصادية أكثر حسب الإعتبارات الجبائية و ليس حسب الإعتبارات الإقتصادية و في الجزائر يمكن  معاينة هذا الوضع حيث تتوجه الأنشطة الإقتصادية عامة نحو القطاعات الأكثر حساسية للغّش الجبائي، .دون التوجّه نحو النّشاطات التي تنشئ الثروات و تساهم في تكوين القيمة المضافة، و بذلك فإن الغّش الجبائي يعتبر أحد أسباب الرّكود الإقتصادي( ) .
ندرة رؤوس الأموال:
العنصر الجبائي الذي  يمارس الغّش يخفي أرباحه دون أن ينفقها مخافة من أن تكتشفه الإدارة الجبائية، فعلى المستوى الداخلي فهو يلجأ إلى الإكتناز أي إكتناز حصيلة الغّش أو يلجأ إلى التوظيف المغفلLe placement anonyme  على شكل نقود إكتتابية (سندات الصندوق) أو على شكل معادن نفيسة ( الذّهب ) و هذا ما ينقص موجودات الإقتصاد من رؤوس الأموال، أما على المستوى الخارجي فإن العنصر الجبائي يتوجه نحو فتح الحسابات البنكية في الخارج و التحويل التدليسي للأرباح التي تمّ إخفاؤها و بذلك تهريب رؤوس الأموال .
ج- الآثار الإجتماعية و السيكولوجية :
يؤدي الغّش الجبائي إلى إسقاط العبء الجبائي على العناصر الجبائية النزيهة و هذه الوضعية تحفزهم على اللّجوء لأساليبه و عليه فإن آثاره تبدو أكثر وضوحا على المستوى السيكولوجي .

تدهور عامل الصّدق في المعاملات:
الغّش الجبائي يفسد تصرفات محترفيه و بذلك تنعدم الثّقة بين المتعاملين لأن كل واحد منهم يعلم بأن الطرف الآخر يمسك محاسبة مزورة لاعتبارات جبائية مما يؤدي إلى عدم الإطمئنان في منح القروض للزبائن لأن الإدارة الجبائية قد تتدخل في كل وقت وتلقي على عاتقهم ديونا ثقيلة بسبب الغّش الجبائي، ممّا يؤدي إلى عدم أداء مستحقات الموردين و الذين قد يتابعون جبائيا أيضا.
 تثبيت و تعميق الفوارق الإجتماعية :
الغش الجبائي يعكّر صفو العلاقات بين مختلف الطبقات الإجتماعية حيث امكانية الغش غير متساوية لديها، فعند إعداد الدّولة لموازنتها تأخذ بعين الاعتبار الخسائر الجبائية الناتجة عن الغّش و للإحتفاظ بهامش أمان تقوم بزيادة طلباتها مقارنة باحتياجاتها المالية و ذلك عن طريق زيادة نسبة الضّغط الجبائي، مما يؤدي إلى تحول العبء الجبائى الإضافي نحو الطبقة الإجتماعية التي لا تتوفر لديها امكانيات الغّش إضافة إلى أنها لا تستطيع تحميل هذا العبء على غيرها (طبقة الموظفين والأجراء).
تدهور الحّس الجبائي :
إن المناخ العام للغّش و الخداع بين مختلف طبقات المجتمع يساهم في تدهور الحسّ المدني بصفة عامة و الحّس الجبائي بصفة خاصة فلا يمكن تفضيل النفع العام على النّفع الخاص إذا كان الفرد يقبل مبدئيا امكانية التخفيض من المساهمة المالية التي يجب أن يؤديها المجتمع  و بذلك فإن الغّش هو عامل من عوامل تلاشي و إندثار الحّس المدني.
و عليه فالظاهرة تهدّم سّلطة الدّولة و تعوّد المواطن على العيش بالمخالفة( ) و فضلا عن ذلك فإن سوء السّيرة الجبائية ما هي إلا خاصية واحدة من خصوصيات ظاهرة عامة و عميقة  و هي سوء السّيرة الإجتماعية .
4 - طرق و مناهج تقدير أهمية الغش الجبائي :
إن عملية تحديد مدى أهمية الغّش الجبائي حسابيا بالأرقام و الإحصائيات تعتبر ضرورية،  و هذا حتى تتمكن السّلطات العمومية من توجيه و تصحيح سياستها الجبائية،  كذلك فإن تقدير المضبوط للظاهرة سواء باستعمال الأسلوب المطلق (المبالغ) أو الأسلوب النسبي (النسب المئوية) يبدو مستحيلا من الناحية العملية لأن الغّش بطبيعته مستور و غير مرئي حتى يمكن قياسه بمعايير محدّدة و الحصول على إحصائيات دقيقة عنه هذا من ناحية و من ناحية أخرى فإن هناك مشاكل حقيقية ذات طابع إحصائي و تقني تطرحها عملية القياس في حد ذاتها ( طريقة القياس ) و في هذا السّياق يقولGuy Houchon : " بأن المختص في علم الإجرام لا يندهش لعدم دقة الإحصائيات فيما يتعلق بالغّش الجبائي( ) و عليه فإن كلّ المحاولات لتكميم الظاهرة التي سوف نعرضها ما هي إلى محاولة للتقرّب من الحقيقة و إعطاء فكرة عن مفهوم أهمية الغّش  الجبائي.
أ - التقدّير عن طريق قدرة الأداء الجبائية :
يمكن تعريف قدرة الأداء الجبائية على أنها مجموع الثروات النظرية أو الحقيقية الموجودة في حوزة شخص معنوي تابع للقانون العام ( الدّولة، الولاية و البلدية ) و منه يمكن التمييز بين نوعين لقدرة الأداة الجبائية  : قدرة الأداء الجبائية النظرية وهي مبلغ مجموع الإيرادات التي يتم تحصيلها إذا تمّ دفع  كل الإقتطاعات الجبائية من طرف العناصر الجبائية أما النوع الثاني فيتمثل في قدرة الأداء الجبائية الحقيقية و هي مبلغ مجموع الإيرادات التي تمّ تحصيلها فعلا من قبل الدّولة، الولاية أو البلدية .
وعليه فإن:
 قدرة الأداء الجبائية النظرية = مجموع قواعد الإخضاع × نسبة الإقتطاعات المتوسطة.
و قدرة الأداء الجبائية الحقيقية =  مجموع الإقتطاعات المحققة فعلا.                          
والفرق بين القدرتين يمثل الإقتطاعات غير المدفوعة أو الإقتطاعات المغشوشة.              
ونلاحظ أن القدرة النّظرية تكون أكبر من القدرة الحقيقية دائما وهو الشرط اللازم لوجود الغّش الجبائي بعدم دفع الإقتطاعات .


ب- التقدّير عن طريق النسبة الثابتة للإقتطاع :
أو عن طريق معامل الضّغط الجبائي ( الإقتطاعات الجبائية / الدّخل الوطني الخام ) حيث نلاحظ إستعمال تجمعين من تجميعات المحاسبة الوطنية و هما الإقتطاعات الإجبارية و الدّخل الوطني الخام و لإستعمال طريقة التقدير هاته نتبع الخطوات التالية :
o إختيار سلسلة إحصائية زمنية تمثل تطوّر الدّخل الوطني الخام و الإقتطاعات الإجبارية.
o تحديد الفترة التي تكون فيها معاملات الضّغط الجبائي مستقرة ثم حساب المتوسط الحسابي لها.
o تطبيق النسبة المتوسطة على الدّخل الوطني الخام للسّنة موضوع الدراسة و بذلك نحصل على الإقتطاعات الإجبارية المقدرة كما يلي :

الإقتطاعات الإجبارية المقدرة =  الدخل الوطني الخام × النسبة  المتوسطة لمعاملات الضّغط  الجبائي .
ثمّ مقارنة الإقتطاعات الإجبارية المحقّقة الى الإقتطاعات الإجبارية المقدرة بالصيغة :

الإقتطاعات الإجبارية المقدرة – الإقتطاعات الإجبارية المحقّقة، و الفرق الموجب يمثل حجم الغّش الجبائي.
ج - التقدير عن طريق التحقيق الجبائي :
نقصد بالتحقيق الجبائي مجموعة العمليات التي تهدف إلى إيجاد الفرق بين المداخيل الحقيقية و المداخيل المصّرح بها و بصيغة عامة مجموعة العمليات التي تهدف إلى مراقبة صّحة التصريحات الجبائية و يتخذ التحقيق الجبائي ضمن الإجراءات الجبائية ثلاث أشكال و هي التحقيق في المحاسبة، التحقيق المعمّق في مجمل الوضعية الجبائية و التحقيقات الخاصة حيث يمكن إستعمال كل شكل في تقدير أهمية الغّش الجبائي كما يلي :
التحقيق في المحاسبة :La vérification de la comptabilité    
يتمثل التحقيق في المحاسبة في مجموع العمليات المادية التي تسمح بالتأكد من صحة و مصداقية التسجيلات المحاسبية التي اعتمدت كأساس لإعداد تصريحات الجبائية لا سّيما فيما يتعلق برقم الأعمال  و النتيجة المحاسبية و في إطار عملية التحقيق هاته يمكن لموظفي الإدارة الجبائية تحديد الإقتطاعات الواجبة لأداء بإلتزام العنصر الجبائي بجميع واجباته  الجبائية و بذلك يمكن تقدير أهمية الغّش الجبائي عن طريق مقارنة قواعد الإخضاع المصرح بها بقواعد الإخضاع المعدلة أو المصحّحة كما يلي :
                     مبلغ الغش الجبائي= المبلغ المعدّل- المبلغ المصرّح به .

التحقيق المعمّق في مجمل الوضعية الجبائي:  Vérification approfondie de la situation fiscale d' ensemble
و يتمثل هذا التحقيق الجبائي في مجموعة عمليات المراقبة التي تهدف إلى التأكيد من وجود الإرتباط بين تصريحات الدّخل من جهة و وضعية الممتلكات و الخزينة و كذا نمط المعيشة من جهة أخرى كما يعتبر هذا النوع من التحقيق إمتداد للتحقيق في المحاسبة حيث ينتقل أعوان التحقيق من مراقبة النشاط إلى مراقبة المظاهر الخارجية للثروة التي تسمح بإعداد ميزان الخزينة Balance de trésorerie   و بذلك الكشف عن الدّخل المفترض و الذي يفوق في معظم الحالات و بكثير  الدّخل المصرّح به.
وفي إطار هذا التحقيق تقارن الموجودات المتوفرة و هي مجموع الموارد التي توجد في حوزة العنصر الجبائي مع الموجودات المستعملة  و التي تمثل مجموعة النفقات التي تحملها خلال الفقرة المحقّق بشأنها، فإذا كانت الموجودات المستعملة تفوق الموجودات المتوفرة و هو  الوضع الغالب  فإن الفرق يعبّر عن مبلغ الغّش الجبائي.    
مبلغ الغّش الجبائي = الموجودات المتوفرة -  الموجودات المستعملة.

التحقيق الخاص : La vérification spéciale
إضافة إلى النوعين المذكورين أعلاه، فهناك نوع آخر يستعان به في تقدير أهمية العبء الجبائي و هو التحقيق الخاص و يستعمل هذا النوع من قبل المصالح الجبائية للولايات المتحدة الأمريكية  و يدعىTax compliance measurement program  أو برنامج قياس تكيّف الضريبة و بموجبه يتم تحديد الإقتطاعات الواجبة الأداء عن طريق التحقيق الدقيق في التصريحات فتؤخذ عينة من المجتمع الجبائي تمثل 50.000 عنصر جبائي من كل البلاد بحيث يتوفر فيها شرطان و هما القيام بعملية التصريح و تمثيل مختلف فئات الدّخل.
و بعد تحديد مبلغ الإقتطاعات الواجبة الأداء بإحترام القوانين الجبائية يمكن حساب درجة الحسّ الجبائي بالصيغة التالية :

درجة الحّس الجبائي( ) =                                                       ×100  
                         عدد العناصر الجبائية التي تصرّح بدقة عن مداخيلها .            
   
و بتعميم تطبيق هذه النسبة على مبلغ الإقتطاعات الواجبة الأداء تحصل على مبلغ الغّش الجبائي  و للتوضيح ندرج المثال التالي :
عدد العناصر الجبائية التي لا تصرّح بدقة عن مداخيلها هو 600.000 و عدد الذين يصرّحون بدّقة عن مدا خيلهم هو  1.700.000عنصر جبائي.

               درجة الحّس الجبائي  =                  × 100   = 35.29 %
                                                   1.700.000                                                

و إذا كان مبلغ الإقتطاعات الواجبة الأداء المقدرة بطريقة TCMP. على مجموع التصريحات هو 250 مليار دينار مثلا فإن مبلغ الغّش هو 250 ×35.29 % = 88.22 مليار دينار
د - التقدير عن طريق نظام العفو الجبائي : l'Amnistie fiscale
و حسب هذه الطريقة فإن الغّش الجبائي يقدر على أساس المعلومات المحتواة في  التصريحات الجبائية بحيث أن العناصر الجبائية غير الموجودة في وضعية قانونية حسنة، إتجاه  الإ دارة الجبائية تلتزم بالتصريح الحقيقي عن مداخيلها مقابل إلغاء العقوبات و الغرامات الجبائية أو تطبيق نسب إقتطاع ضعيفة( ) و عليه يمكن قياس أهمية الغّش الجبائي بمقارنة المعطيات المصّرح بها خلال فترة العفو بتلك المصّرح بها قبل دخول نظام العفو حيّز التطبيق بحيث أن الفرق يعبّر عن مبلغ الغّش الجبائي.
كذلك يمكن تحدّيد نسبة مئوية للمبلغ الذي خرج عن نطاق الإقتطاع و تعميمها على العناصر الجبائية من نفس قطاع النّشاط أو من نفس فئة الدّخل أو من نفس طبيعة الإقتطاع ... الخ.
      المبحث الثالث :  قيود توزيع العبء الجبائي :
يرتبط العبء الجبائي الزائد أو المفرط بمبدأ الحدّ الذي لا يجب تجاوزه و الصعوبة التي تطرح أمام السّياسة الجبائية هي معرفة متى و كيف يتحدّد هذا الحدّ ولحل هذه المشاكل هناك نوعين  من المعطيات فالنوع الأول يتعلق بالمعطيات  الإقتصادية أي الدّخل الوطني، أما النوع الثاني فيتعّلق بالمعطيات السيكولوجية أي ردود فعل العناصر الجبائية .
المطلب الأول : المعطيات الإقتصادية :
حسب التصوّر الكلاسيكي فإن الدّولة تعتبر مستهلكا لثروات المجتمع( ) و بذلك فإن الإقتطاع الجبائي يمثل عائقا أمام نمو الدّخل الوطني  لأن ليس له أثر إنتاجي، و عليه فإن أحسن السّياسات الجبائية هي التي تؤدي إلى عبء جبائي ضعيف.
1- وجود حدّ للعبء الجبائي :
لقد أظهر تطوّر الإقتصاد المالي الحديث عدم صحة التصوّر المذكور أعلاه،  حيث نعلم الآن أن نفقات  الدّولة إذا كانت مرشّدة  سوف تساهم عن طريق الإستثمار العمومي في نمو التجهيز الوطني، إضافة إلى أن الإستهلاك العمومي يضاف إلى الإستهلاك الخاص لزيادة الإستهلاك الكلّي الذي يؤدي إلى زيادة مستوى الطلب و منه  زيادة مستوى العرض و على أساس هذه المعطيات يمكن الإستنتاج أن العبء الجبائي يجب أن يبلغ نقطة توازن وهي لا تتموقع حتما عند المستوى الذي يتوافق مع الحاجات الضرورية للدّولة،  وبذلك نكون بصدد الحديث عن النسبة المثلى للضّغط الجبائي، والتي تعرّف على أنها النسبة التي تؤدي إلى زيادة الناتج الوطني عن طريق الإقتصاد الخاص إضافة إلى الأثر الإنتاجي للإقتصاد العمومي( )، و بذلك فإن هذه النسبة المثلى للضّغط الجبائي تظهر حدّ العبء الجبائي أي أن إنخفاضها يجعل العبء الجبائي ضعيفا و إرتفاعها يجعله مفرطا .
غير أنه إذا كان حّد العبء الجبائي يتحدّد بالضّغط الجبائي الأمثل نلاحظ أنه من غير الممكن تحدّيد قيمته بحيث نكتفي بالقول أنه يساوي 15% أو 25% من الدّخل الوطني. كذلك فإن النسبة المثلى، تتحدّد دائما بدلالة وضعية معينة و التي يمكن أن تتغير بتغير العناصر المحدّدة لها و بذلك فإن من مهام السّياسة الجبائية البحث  بالنسبة لكل حالة أو وضعية خاصة تعدّ بدلالتها عن موضوع هذه النسبة المثلى مما يؤدي إلى تحليل عبء جبائي معين على دخل محدّد في زمن  معين و هذا ما يفترض أيضا دراسة الإختيارات المقارنة للدّولة و التي تتمحور حول تلبية الحاجات الخاصة أو تلبية الحاجات العمومية، مما يتطّلب الدور التحكيمي للدّولة الذي  يخضع إلى إعتبارات إقتصادية في نفس الوقت.
2- تحديد حدّ العبء الجبائي :
لتحديد حدّ  العبء الجبائي نعتمد خاصية تغيرات الدّخل الوطني أي الخاصية الدينامكية أو الحركية للّدخل الوطني حيث يفترض أن العبء الجبائي هو في تزايد مستمر. و بذلك يمكن القول أن العبء الجبائي لم يبلغ حدّه طالما أنه يتزايد بتزايد الدّخل الوطني و تجاوز هذا الحدّ يّدل على أن الزيادة في العبء الجبائي تزامنت مع انخفاض في الدّخل الوطني أو إستقراره
و عليه فإن بلوغ العبء الجبائي لنسبته المثلى تتحدّد بوصول الدّخل الوطني إلى أعلى مستوياته عن طريق الأثر الإنتاجي المندمج للقطاع الخاص و القطاع العمومي، بحيث أن عدم بلوغ هذه النسبة معناه أن العبء الجبائي منخفض عن ما يجب أن يكون عليه لأنه أدّى إلى عدم تلبية هامش من الحاجيات العمومية، و تجاوز هذه النسبة معناه أن العبء الجبائي مفرط، لأنه أدّى إلى تلبية فائض من الحاجيات العمومية مقابل عدم تلبية هامش من الحاجيات الخاصة (انخفاض إنتاج السّلع و الخدمات).
إن الحسابات الإقتصادية الوطنية تسمح بإستخراج المعطيات و المعلومات  الكفيلة بأن تسمح للسّياسة الجبائية بمعرفة الزّمن الذي يبلغ فيه العبء الجبائي حدّه بشرط أن تكون هذه الحسابات صحيحة و دقيقة
3- ضبط حدّ العبء الجبائي عند نسبة توازن الضّغط الجبائي :
تتحدّد نقطة توازن الضّغط الجبائي عن طريق نسبة حدّ العبء الجبائي إلى أعلى مستوى للدّخل الوطني، بحيث إعادة استعماله في شكل نفقات (عمومية أو جبائية ) أدّت إلى هذا المستوى، ففي هذه الحالة تبلغ النفقات العمومية أقصى حدود الإنتاجية و بذلك فإن نسبة العبء الجبائي إلى الدّخل الوطني ( الضغط الكمّي ) تكون أكثر ملائمة، لأن العبء الجبائي المعبّر عنه بالقيّم المطلقة (الأرقام) قد إزداد، لكن الحصّة التي يمثلها من الدّخل الوطني تعتبر ضعيفة ( تزايد غير متناسب) كذلك فإن عند هذا المستوى تكون الآثار على الإنتاج و الإستهلاك ( الضّغط النوعي ) ملائمة جدّا لأن الإنتاج الكلّي المكوّن من الإنتاج الخاص و الإنتاج العمومي و الإستهلاك الكلّي المكوّن من الإستهلاك الخاص و الإستهلاك العمومي يبلغان حدودهما القصوى.
المطلب الثاني : المعطيات  السيكولوجية:
هناك  إمكانية عدم إحاطة السّياسة الجبائية بالمعطيات الإقتصادية و بذلك يمكن إيجاد عنصر آخر لا يمكن للسّلطات  العمومية  الإستغناء عنه و المتمثل في  ردود فعل  العناصر  الجبائية و قد  يحصل  أن  يكون  سلوكهم  منافيا  لمتطلبات  الظرف، حيث  أن  مردودية  الإقتطاعات  الجبائية  تنخفض  مقارنة  بما يعد  به  إرتفاع  نسب  الإقتطاعات،  فالّلجوء إلى أساليب الغّش و التهرّب الجبائيين تؤكد  وجود  حدّ  ذو  طبيعة  سيكولوجية.  يرتبط  بآثار  الإقتطاع الجبائي في حدّ ذاته و  التي يمكن  أن تكون  في شكل تعديل للتوازن  الفردى لدى العنصر الجبائي بإعتباره عنصرا إقتصاديا و عليه فإن هذا الأخير يبحث عن تحقيق توازنه الإقتصادي الفرديEquilibre économique individuel ( ).
قبل و بعد الإقتطاع الجبائي كما يلي:
بين الإنتاج و الإستهلاك عندما تكون المنفعة الحدّية لدخله الناتج عن نشاطه مساوية للتكلفة الحدّية لهذا النشاط.
بين مختلف أشكال الإستهلاك عندما تتساوى منافعها الحدّية الناتجة عن مقارنة منافع مختلف السّلع و الخدمات .
1 - تعديل التوازن الإقتصادي الفردي  قبل الإقتطاع الجبائي:

أ- تعديل التوازن الفردي بين الإنتاج و الإستهلاك:      
إن الإقتطاع الجبائي يقضي على التوازن الذي تمّ إعداده سابقا من طرف العنصر الجبائي لأنه يؤدي إلى الإنقاص من دخله بحيث لا يمكنه الحصول على كمية الإشباع السّابقة إذا لم يعمل أكثر و بذلك يقع على عاتقه تعديل ظروف توازنه من خلال محاولته بتغطية إنخفاض دخله عن طريق الزيادة في العمل المنتج مما يؤدي إلى وجود تكلفة إضافية.
و نتيجة لهذا فإن العنصر الجبائي سوف يبحث عن مستوى جديد لتوازنه بين تكلفة عمله الإضافية و المنفعة الناتجة عن دخله الإضافي المحقّق من كمية العمل الإضافي بطريقة أنه يغطي إنخفاض دخله بفعل الإقتطاع الجبائي و لا يعمل إلى درجة أنه يحصل على دخل أكثر من ذلك المحقّق سابقا.
و من هذا المنطلق نستخلص أن الضّغط الجبائي الفردي يؤدي بالعنصر الجبائي الذي يريد الحفاظ على مستوى استهلاكه على الإنتاج أكثر،  لكن بدون تعويض المنفعة المقتطعة جبائيا سابقا حيث نلاحظ عادة" أنً الضّغط الجبائي المرتفع لا يؤدي إلى زيادة الإنتاج و لكن زيادة  الكمية غير الكافية من الدّخل بحيث أن الدّخل الحالي يساوي الدّخل السّابق"( )
   ب-  تعديل التوازن الفردي بين مختلف أشكال الإستهلاك:
إن الدّخل ينكمش بفعل الإقتطاع الجبائي و بذلك يضطر العنصر الجبائي إلى إعداد توازن جديد بين مختلف أشكال إستهلاكه بحيث يتوقف عن تلبية الحاجات ذات  المنفعة الحدّية الضعيفة و يأخذ بعين الإعتبار أن المنفعة النهائية للدّخل المخصّص لإشباع مختلف الحاجات سوف تزداد لأن الدّخل الكلّي قد إنخفض غير أن تلبية الحاجات لا يمكن تخفيضها جملة واحدة لأن تخفيض حاجة معيّنة يتوقف على درجة مرونتها أي قابليتها للتخفيض، و عليه فإن الإستهلاك لإشباع الحاجات الضرورية يعتبر الأكثر صلابة .
و قد يعتبر العنصر الجبائي أن تخفيض الدّخل بسبب الإقتطاع الجبائي يعتبر نهائيا و بذلك سوف يقبل على تعديل استهلاكه بصفة دائمة، كما نشير إلى أن للإدخار درجة مرونة أعلى من الإستهلاك لهذا سوف يكون أول سلوك اقتصادي يحجم عنه العنصر الجبائي لا سيّما إذا أعتبر كإحتياطي للإستهلاك، و مما سبق نستنتج أن الضّغط الجبائي المرتفع  يؤدي إلى إنخفاض الإستهلاكات الكمالية بالدرجة الأولى ثم إلى الإنخفاض المتتالي للإستهلاكات الأقل فالأقل صلابة .


2- تعديل التوازن الإقتصادي الفردي بعد الإقتطاع الجبائي :
قد يحدث و أن يكون سلوك العنصر الجبائي غير مطابقا للمصلحة العامة، لأنه ينصب على إعتبارات شخصية بحتة، و بذلك فإن السّلطات العمومية تتخوف من أن تكون هذه الإعتبارات منافية للأهداف التي تتوخاها، كالزيادة في النشاط الإنتاجي أو تحقيق العدالة الجبائية لذلك فهي تعمل للتأثير في تحقيق توازن جديد لدى العناصر الجبائية من خلال إستغلال الإمكانيات التي يمنحها الإقتطاع الجبائي.
أ- التأثير على التوازن الفردي بين الإنتاج و الإستهلاك:
في هذا المجال يعتبر تأثير الإقتطاع الجبائي ضيّقا جدا، بحيث أنه ينصّب على خاصية واحدة و تتمثل في رغبة العنصر الجبائي في زيادة دخله عن طريق تكثيف عمله و إنتاجيته و لهذا السّبب لا يجب أن يكون الإقتطاع الجبائي عائقا أمام هذه الرغبة، نظرا لأن الجباية الثقيلة تؤدي إلى القضاء على الجهود التي تهدف إلى الحصول على دخل إضافي.
كذلك فإذا أقدمت السّلطات العمومية على الإخضاع المكثّف لإنفاق الدّخل، فيجب و بالمقابل التخفيف من إخضاع حيازة الدّخل و هذا لتحفيز العناصر الجبائية للإنتاج أكثر حتى يتمكنوا من تعويض ما اقتطع منهم عند إنفاق مداخيلهم.
كما يمكن أن ينصب اهتمام السّلطات العمومية على تفضيل تحقيق التوازن بالنسبة لفئة معينة من العناصر الجبائية نظرا للأهمية الخاصة لها من حيث طبيعة نشاطها أو من حيث مداخيلها المتواضعة و بالعكس فإن المداخيل المحققّة من الأنشطة غير المرغوب فيها يمكن إخضاعها بقوة.
ب - التأثير في التوازن الفردي بين مختلف أشكال الإستهلاك :
و بالعكس فإنه في هذا المجال يعتبر تأثير الإقتطاع الجبائي متسّعا جدّا، حيث يمكن للسّلطات العمومية أن تقوم بتوجيه التوازن الإقتصادي الفردي بين مختلف أشكال الإستهلاك عن طريق تهيئة جديدة لمكوناته( )، و لهذا الغرض يمكن إخضاع إنفاق الدّخل في سلع استهلاكية كمالية بصفة مكثّفة، لكن الإشكال المطروح يتمثل في تحدّيد السّلع الكمالية بحيث هناك إجماع  فيما يخصّ بعض السّلع و إختلاف في بعضها الآخر، فأين ينتهي الضروري و من أين يبدأ الكمالي؟ لأن الإجابة ذات طبيعة ذاتية.
كما يمكن اللجوء إلى أسلوب آخر يتمثل في إستعمال الإقتطاع الجبائي المتصاعد الذي يمتصّ الحصّص الكبيرة من الدّخل الموجهة غالبا نحو الإنفاق الكمالي، إضافة إلى أنه يمنح إمكانية التمييز بين فئات العناصر الجبائية، حيث أن الإقتطاع الضعيف من المدّاخيل المتواضعة يسّهل إعداد التوازن بين مختلف أشكال الإستهلاك، أما الإقتطاع المكثّف من المداخيل المرتفعة يؤدي إلى إعادة إعداد التوازن()، و تجدر الملاحظة أن مبدأ إعادة التوازن يجد له أصلا في مبدأ العدالة الجبائية ضمن توجهات السّياسة الجبائية.
و في هذا السّياق، هناك حدود جديدة  ترتبط بالإقتطاع الجبائي في حدّ ذاته.
3 - حدود الإقتطاع الجبائي :
مما سبق ذكره يظهر أن عملية توجيه التوازن لدى العنصر الجبائي عن طريق الإقتطاع الجبائي صعبة للغاية،  بحيث أنها تصطدم بالإستعمال غير المحدود للإقتطاع الجبائي لإحداث الأثر الفعلي، مما قد يؤدي إلى الإخضاع المفرط دون الحصول على أي توازن فردي، و لهذا يجب البحث عن الحدود الكامنة في الإقتطاع الجبائي و التي يمكن إستنتاجها من منفعة الدّخل و من المقدرة التكليفية الفردية.
أ - الحدود المرتبطة بمنفعة الدّخل :
يستعمل الدّخل لإشباع الحاجات، غير أنه كلّما كان هذا الدّخل مرتفعا فإن منفعة الحصّص المرتفعة منه تكون ضعيفة لأنها تستعمل لإشباع الحاجات غير الضرورية، و عليه يمكن للسّلطات العمومية الإقتطاع دون إحداث أي ضرر بإستعمال  مبدأ التصاعدية لكن من أي حصّة ( شريحة ) للدّخل تستطيع الإقتطاع ؟ يمكن الإجابة و ببساطة أنه يمكن الإقتطاع من الحصّة حيث المنفعة تكون أكبر عند الدّولة منه عند العنصر الجبائي، هذا ما يؤدي إلى طرح تساؤل آخر و هو كيف يمكن تقدير هذه المنفعة ؟ هذا التقدير غير ممكن حيث لا يمكن معرفة مبلغ الدّخل الذي يبدأ منه الإقتطاع كما لا يمكن معرفة نسبة التصاعدية و بذلك فإن الإمكانية الوحيدة المتوفرة للسّلطات العمومية تتمثل في الأخذ بعين الإعتبار الدّخل الضروري() لبدء عملية الإقتطاع.
ب - الحدود المرتبطة بالمقدرة التكليفية الفردية :
حيث لا يجب أن يتجاوز الإقتطاع الجبائي المقدرة التكليفية للعناصر الجبائية و التي تتحدّد بطبيعة الدّخل أو بإستعمال الدّخل كما سبق التطرق إليه، فالخاصية الأولى أي المقدرة التكليفية حسب طبيعة الدّخل تسمح بعملية مقارنة المداخيل و بذلك فإن الإقتطاع من العناصر الجبائية يجب أن يكون متكافئا و ليس متساويا، أما الخاصية الثانية أي المقدرة التكليفية حسب إستعمال الدّخل تسمح بعملية الإستدلال حيث تفترض أن تقوم السّلطات العمومية بتحدّيد المستوى الكافي للإستهلاك و الإدّخار لكي تبدأ عملية الإقتطاع.
بناءا على ما سبق ذكره نلاحظ أن توازن العنصر الجبائي يكون بصفة عفوية، غير أن الإقتطاع الجبائي يقيّد المعطيات السيكولوجية لديه و يجبره على تعديل حجم الإشباع  و حجم التكاليف التي حدّدها سابقا، غير أن هناك مؤشرات تدل على أن هناك حدودا غير مرئية،  لا يجب تجاوزها من قبل السّلطات العمومية و هي ردود فعل العناصر الجبائية و التي غالبا ما تأخذ شكل مظاهر الغّش و التهرّب الجبائيين، و بذلك يجب على السّياسة الجبائية توقعها.
المبحث الرابع : النموذج الجبائي :
النموذج بصفة عامة هو تمثيل مثالي للحقيقة بغرض إبراز مختلف الخصائص المكوّنة لها أمّا النموذج الإقتصادي فيقصد به الصّياغة المبسّطة للظواهر الإقتصادية( )، بهدف إظهار العلاقات السّببية و البنيوية التي تحكمها و بذلك إيجاد إمكانية تعديل هذه العلاقات للحصول على وضع مثالي،  كما أن إعداد هذا النموذج يكون عادة باستعمال منهجين و هما المنهج الإحصائي و المنهج الرّياضي .
و قد يتعدّد النموذج الإقتصادي بحجم الظواهر الإقتصادية الموجودة التي تكون على المستوى الجزئي، و على المستوى الكلّي لذلك يمكن تقسيم النماذج الإقتصادية إلى نماذج  إقتصادية جزئية و نماذج اقتصادية كلّية . و تعتبر النماذج الإقتصادية الكلّية أكثر تعقيدا لتعاملها مع المعطيات الكليّة للإقتصاد الوطني من جهة و تعاملها كذلك مع المعطيات و الخصائص الأخرى ذات الطبيعة غير الإقتصادية من جهة أخرى،  و تتفرع هذه النماذج إلى ثلاث فروع :
النماذج الإقتصادية الكليّة النّظرية و التحليلّية و التي تدعى بنماذج النمّو الإقتصادي( ) حيث تستعمل المعطيات التجميعية لتحليل ظواهر النمّو، كالدّخل الوطني الخام، مستوى الإدّخار  و الإستهلاك، مستوى الإستثمار ......الخ
النماذج الإقتصادية الكلّية القياسية أو نماذج التنبؤ الإقتصادي ذات الإستعمال المتعدّد و التي تتطلب توفر المادة الإحصائية الملموسة و الواقعية كنموذج سلوك الطلب مثلا.
النماذج الإقتصادية الكلّية التطبيقية أو نماذج التطبيقات الإقتصادية ذات الإستعمال الوحيد أي أنها تستعمل في إطار الظاهرة الإقتصادية الواحدة كنموذج مخطط توزيع الدّخل مثلا
و فيما يخص النموذج  الجبائي بإعتباره نموذجا إقتصاديا كلّيا و إن كان يبدو في الظّاهر نموذجا للتطبيق الإقتصادي فإنه  يأخذ له جذورا من جميع أنواع  النماذج الإقتصادية كلّية كانت أم جزئية  و بصيغة أخرى فإن جميع النماذج الإقتصادية يمكن إعتبارها مرجع للنموذج الجبائي لأنه يستعمل  نتائجها إضافة لإستعماله للمعايير الخاصة به.

المطلب الأول : تقديم النموذج الجبائي :
يعتمد النموذج الجبائي أساسا على مدى تطور التطبيقات المعلوماتية    Les applications Informatiques التي تسمح بالتحدّيد السّريع و الدقيق لحصيلة الإقتطاعات الجبائية المثلى، و ذلك بالأخذ بعين الإعتبار نوعين من المتغيرات و هي المتغيرات الجبائية كمستوى المداخيل، نسب  الإقتطاع أو الإخضاع و النّفقات الجبائية .....الخ و المتغيرات الإقتصادية الكلّية المرتبطة بالظّرف الإقتصادي كحالة التوسّع، الإستقرار، الإنكماش، التضّخم ...الخ، و هو ما يؤدي إلى الإعداد الصحيح للتوقعات الجبائية ضمن موازنة الدّولة.
إن تصّور النموذج  الجبائي كان نتيجة لعاملين أثنين فالعامل الأول يتمثل في كون سّعر برميل النفط هو المرّجع الوحيد المعتمد لإعداد توقعات موازنة الدّولة في الجزائر و هو يخضع للظروف الخارجية أي لظروف السّوق العالمية للمحروقات، فهل يعقل أن يرتبط مصير مجتمع بأكمله لظروف خارجية تتيح إمكانية الإستسلام لها فقط، هذا مع وجود إمكانيات أخرى للتوقع أكثر إستقرارا. أما العامل الثاني فيمثل في ضعف المرونة الداخلية للإقتطاع الجبائي أي ضعف المردودية الجبائية الداخلية() مع أن هناك إنخفاض محسوس لنسب الإقتطاع منذ إحداث الإصلاحات الجبائية سنة 1992 ( مراجعة تصاعدية الضريبة على الدذخل الإجمالي، مراجعة نسب الضريبة على أرباح الشركات و كذا نسب الرّسم على القّيمة المضافة ....), كذلك فإنه من المفروض أن ترتفع المرونة الداخلية للإقتطاع الجبائي بإرتفاع مستوى  المداخيل  ( دون الأجور)، غير أن الإحصائيات المتوفرة حاليا لا تسمح بمعاينة هذا الوضع نظرا لضعف مصداقيتها حيث تبقى بعيدة كل البعّد عن الواقع،  و لذلك فإن إستعمالها يبقى محدودا.
كما أن التقدير المقرّب لتأثير التوسيع المحتمل للوعاء على مستوى الإيرادات الجبائية( )، يبقى سائدا, في  حين يجب تقدير هذا التأثير من حيث المرونة الجبائية في مرحلة أولى، بحيث أن الكثير من الناس و خاصة صنّاع القرار الجبائي يجهلون أن حجم التعديلات و التصحيحات على التصريحات الجبائية المختلفة له تأثير سلبي على مستقبل الإدارة الجبائية أيضا و عليه يمكن تقيّيم فعالية العمل الإداري من حيث حجم التدّخلات و من حيث نسبة التعديلات الموقعة على مختلف التصريحات الجبائية.
لهذه الأسباب فإنه قبل إعداد النموذج الجبائي يجب البحث أولا عن طرق لتحديد المقدرة التكليفية أي تحديد مستوى المداخيل و طريقة توزيعها على المجتمع و التي تعتمد كقاعدة لبناء فرضيات النموذج الجبائي،  و تتمثل هذه ه الطرق في إستنتاجات مختلف النماذج الإقتصادية المحليّة ( نموذج توزيع الدّخل، نموذج الإستهلاك، نموذج الإستثمار.... الخ ) التي تستوجب إيجاد نظام مهيكل للمعلومات والإحصائيات الوطنية لضمان الحصول على المعلومة الجبائية المتعدّدة المصادر، وفى إنتظار هذا فإن المادة الإحصائية الوحيدة التي يمكن إستغلالها حاليا تتمثل في الملفات الجبائية التي تحتوي على التصريحات الجبائية والتي لم تستغل إحصائيا إلى يومنا هذا .

المطلب الثاني: بناء النموذج الجبائي :
لبناء النموذج الجبائي يجب القيام بثلاث عمليات فهي إختيار عينة من المجتمع الجبائى أي إختيارعينة من التصريحات الجبائية ثم إستخلاص أهم المعلومات من كلّ تصريح جبائي وأخيرا نقل هذه المعلومات على الأنظمة المعلوماتية لإجراء مختلف التطبيقات عليها بإستعمال البرامج  المعلوماتية
1- إختيار العينة :
عملية إختيار عينة من تصريحات العناصر الجبائية لسنة معينة يجب أن تخضع لشرطين أساسين وهما أن تكون هذه العينة ممثلة لكل فئات الدّخل من ناحية وإحتوائها على مجموع الأنشطة الخاضعة للإقتطاع الجبائى من ناحية أخرى،  بحيث يتم تصنيف هذه العينة حسب الدّخل وطبيعة النشاط وطبيعة للإقتطاع الجبائى () وبذلك نحصل على توزيعات تكرارية بالنسبة لشرائح الدّخل وعلى سبيل المثال شريحة الدّخل من 10.000 إلى 020.00 دينار
- غير تجارية ............................................X
- تجارية و صناعية ......................................X

2- استخلاص أهم المعلومات:
إن المعلومات الموجودة على التصريحات تختلف من عنصر جبائي لآخر لذلك يجب توحيد الخصائص العامة لها بإستخلاص عدد من العناصر المعيارية التى تسمح بإجراء المماثلة المعلوماتية عليها ولعلّ أهمها الدّخل الخام المعدّل أو المصّحح () الدّخل الخاضع إلى مبلغ الاقتطاع قبل وبعد خصّم القروض الضريبية Crédits d’impôts،الإعفاءات، التخفيضات، الخسائر و الأرباح من رأس المال وكذا المصادر الأخرى للدّخل.
3- إجراء التطبيقات المعلوماتية :
والتي تتم بإعداد مسّبق لبرامج معلوماتية تتيح إمكانية تحدّيد مبلغ الدّيون الجبائية بالنسبة للعينة المختارة وذلك بالأخذ بعين الإعتبار نوعين من الفرضيات المشار إليها أعلاه وهي الفرضيات المتعلقة بالمعطيات الجبائية وتتمثل في مختلف الأحكام والإجراءات الجبائية كتحدّيد الرّبح أو الدّخل الخاضع، الأعباء القابلة للخصّم، الإعفاءات، التخفيضات، نسب الإقتطاع.....الخ و كذا الفرضيات المتعلّقة بالحالة العامة للإقتصاد الوطني وبعد ذلك تعمّم النتائج على كل التصريحات الجبائية، حيث يتم توزيع العبء الجبائي بصفة صحيحة نسبيا.
المطلب الثالث : تطبيقات النمّوذج الجبائي :
يمكن تلخيص التطبيقات المختلفة للنموذج الجبائي في ثلاث تطبيقات أساسية و هي : إعداد الموازنة، إعداد النصّوص التشريعية الجبائية و فتح آفاق واسعة للبحث .
1 - إعداد توقّعات الموازنة :
تحتوي  الموازنة دائما على تقدير للإيرادات المنتظرة في السنة القادمة و هذا التقدير يكون عادة على مرحلتين:
بحيث تتمثل المرحلة الأولى في إعتماد  فرضيات متعلقة بمستوى الدّخل الوطني الخام و طريقة توزيعه أما المرحلة الثانية فتتمثل في تحويل هذه الفرضيات إلى تقدير لإيرادات الموازنة  الموزعة حسب طبيعتها وهذا ما يستلزم معرفة العلاقات الموجودة بين  قواعد الإخضاع الجبائي، و المؤشرات العامة  للنّشاط الإقتصادي، و في غياب المعطيات المتعلقة بالظرف الإقتصادي ، نعتمد عادة  فرضية تغير الإيرادات الجبائية بتغيرّ المداخيل، الأرباح و الإستهلاك أي حسب طبيعة المادة الجبائية، لكن بساطة هذه الفرضية  سوف تؤدي إلى نتائج خاطئة ( بإستثناء  الإقتطاعات الجبائية المتناسبة)، لهذا السبب تظهر أهمية النموذج الجبائي في  تقدير الإيرادات الجبائية الرئيسية (ضرائب الدّخل و الإنفاق ) بالأخذ بعين الإعتبار الفرضيات السابقة إضافة إلى الفرضيات المرتبطة بالتطور المختلف للمداخيل، و هذا بدلالة  عوامل مختلفة كفئة الدّخل، الحالة العائلية  و المنطقة الجغرافية ..... إلخ
2- إعداد النّصوص التشريعية الجبائية :
إن سرعة أداء الأجهزة المعلوماتية عند إعداد التقديرات أو التوقعات الجبائية تسمح بمعرفة طبيعة تأثير الإجراءات المتخذة في إطار السّياسة الجبائية، عند تحضير النصّوص التشريعية الرامية إلى تعديل النظام الجبائي، و على هذا الأساس فإن النموذج الجبائي يمّكن من إختبار فعالية النصّوص التشريعية الجبائية، و بذلك الحصّول على المعلومات الضرورية عن تأثيرها قبل وضعها حيّز  التنفيذ،  بحيث تعدّل بعض الإجراءات و يحذف بعضها الآخر نظرا لتأثيرها السيئ غير المرغوب فيه، كما تضاف إجراءات أخرى بغرض الحصول على الإقتطاع الجبائي الأمثل، و الذي يتماشى مع أهداف السّياسة الجبائية.

3- فتح آفاق واسعة للبحث :
بحيث أن النتائج المستخلصة من النموذج الجبائي تسمح بالإّطلاع على هيكل الإقتطاعات الجبائية و بذلك وجود إمكانية تعديله حسب متطلبات الوضع الإقتصادي  و الإجتماعي، و هذا ما يفترض إعادة تعريف قواعد الإخضاع الجبائي  أي طرق و كيفيات تحدّيد الوعاء،  و كذلك إعادة النظّر في أهمية الإعفاءات و التخفيضات الممنوحة  و التي تمسّ بمبدأ عدالة  الإخضاع الجبائي وإضافة  إلى تحدّيد نسب الإقتطاع الملائمة و مراجعة شرائح الإقتطاع في حالة التصاعدية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه بتطبيق نسب الإقتطاع الجديدة يجب تقييم المرونة الداخلية للإقتطاع الجبائي للسّنوات القادمة، و هذا ما يعطي بعدا إستراتيجيا للسّياسة الجبائية المتبعة و ذلك من خلال دراسة  مقارنة  للنسب ( القديمة و الجديدة ).
فمثلا بالأخذ بعين الإعتبار نسبة نمو سنوية 5 % و نمو ديمغرافي يطابق إسقاط الوضع الحالي يمكن إجراء المماثلة المعلوماتية لسلسلة من النسب و الإعفاءات و بذلك الحصّول على النتائج المثلى.
و أخيرا فإن النموذج الجبائي يسمح بتقييم و إستعمال مختلف عناصر السّياسة الجبائية حسب منهجية  واقعية هدفها التوزيع الأمثل للعبء الجبائي و خدمة الأهداف الإقتصادية و الإجتماعية المسّطرة.












خلاصة وإستنتاجات الفصل الثاني
عناصر السّياسة الجبائية هي مجموعة الإعتبارات الإقتصادية و الإجتماعية، المالية و السيكولوجية التي يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار  لصياغة القرارات الجبائية و تتلخص هذه الإعتبارات في ثلاثة محاور و هي مقومات السّياسة الجبائية، محددات السّياسة الجبائية و قيود توزيع  العبء الجبائي.
تتمثل مقومات السّياسة الجبائية في مجموعة المعطيات التي يجب استغلالها كتهيئة المحيط اللازم لضمان بلوغ السّياسة الجبائية لأهدافها و هي إستغلال المقدرة التكليفية، تهيئة هيكل الإقتطاع الجبائي، انتهاج إستراتجية للقيام بالإقتطاع الجبائي و تهيئة المحيط المؤسساتي بإعتباره إطار الإقتطاع الجبائي.
أما محدّدات السّياسة الجبائية فهي معطيات يجب توقعها، لأنها قد تؤدي إلى انحراف السّياسة الجبائية عن مسارها و تتمثل في نسبة الضّغط الجبائي، التي يمكن التحكم فيها إذا توفرت الشروط اللازمة لذلك، كما تتمثل كذلك في ظاهرة الغّش الجبائي التي تعتبر أهم محدّد للسّياسة الجبائية لأن أهميتها تعتبر من عوامل فشل و إفلاس السّياسة الجبائية لذلك فإنها تستوجب ضرورة مكافحتها.
كذلك فإن توزيع العبء الجبائي داخل المجتمع يخضع لمعطيات إقتصادية تمكن من قياس نسبة الضّغط الجبائي و بذلك الحصول  على حدّ مادي يجب تعديل الإقتطاع الجبائي عنده، كما يخضع توزيع العبء الجبائي كذلك لمعطيات سيكولوجية تضع حدودا غير مرئية للإقتطاع الجبائي لا يمكن ملاحظتها إلا من خلال بعض المؤشرات كالتهرّب و الغشّ الجبائيين التي يجب توقعها أيضا عند إعداد السّياسة الجبائية نظرا لإرتباطها بالوضعية السيكولوجية الذاتية للعناصر الجبائية بصفة خاصة.
و أخيرا فإن كل هذه الإعتبارات لا يمكن دراستها و تحليلها بجدية إلا من خلال التطبيقات النموذجية بصفة عامة و النموذج الجبائي بصفة خاصة، بحيث أن تطبيقاته تمنح بعدا إستراتيجيا لأدوات السّياسة الجبائية و هو ما يضمن تحقيق أهدافها.








الـقسم الثـاني
محاور السّياسة الجبائية






تمهيد:
إن ممارسة السّلطة المالية في بلد ديمقراطي تكون من طرف ممثّلي الأمّة، وبذلك فإن البرلمان في الجزائر يعتبر مركز القرار الحقيقي فهو لا يراقب النّشاط المّالي للحكومة فحسب، بل يفرض في أغلب الأحيان إرادته.
غير أن الواقع يظهر عكس هذا، فالبرلمان يوجد في وضعية ثانوية و لا يحوز على سلطة مالية حقيقية بالرّغم من أن المبادئ الدستورية تؤكد على أنه من بين مهام البرلمان  التصويت و المصادقة على مشاريع قوانين المالية، و التي نادرا ما يتمكّن من إحداث تعديلات على نصوصها، لأنه لا يعتبر صاحب السّياسة المالية بصفة عامة و السّياسة الجبائية بصفة خاصة.
فمعظم القرارات الجنائية تتّخذ من طرف أخصائيين و الذين من المفروض أن تكون لديهم القدرة الكافية على الإحاطة بالمشاكل الجبائية المعقّدة و الصّعبة و معالجتها و عليه فإن الظّاهرة الفنية أو التقنوقراطية تسيطر بحدّة على السّياسة الجبائية.
و حسب رأينا ترتكز السّياسة الجبائية الجيدة الإعداد على محاور ثلاثة حيث يتمثل المحور الأول في الأخذ بقواعد التأثير الجبائي الأمثل، و يتعلق المحور الثاني بإيجاد آليات لتسيير الجباية المحلّية و بذلك ضمان إندماجها مع الجباية الوطنية، أما المحور الثّالث فيرتبط بتحديد الترتيبات الخاصة بالوقاية و مكافحة ظاهرة الغّش الجبائي.
هذه المحاور تشكل فصول هذا الجزء من دراستنا.