هـــــــــــــــــــــام جــــــــــــــــــــدا: الدعوة إلى الله هي مهمة الرسل وأتباعهم

يوجد صفحات من موقع "دار الإسلام" مخصصة لمساعدة أصدقائكم من غير المسلمين عن طريقكم بدعوتهم إلى التعرف على الإسلام بأحد السُبل والخيارات التالية:
1- عن طريق صفحات لتعريف بالإسلام بأكثر من 90 لغة
2- عن طريق الحوار مع مختصين داخل الموقع للتحدث المباشر مع غير المسلمين والمسلمين الجدد
3- عن طريق كتب مميزة
4- عن طريق الأسئلة والأجوبة والفتاوى التي يسترشد بها لهداية الناس بمختلف اللغات
5- وطرق أخرى ستكتشفونها بأنفسكم
للدخول للموقع يرجى الضغط على الرابط التالي: https://islamhouse.com

أنظروا إلى فضل إدخال الناس للإسلام:

قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[فصلت:33]، وقال صلى الله عليه وسلم:لَئَنْ يَهْدِي بَكَ اللهُ رجلاً واحداً خيرٌ لكَ مِنْ حُمْرِ النعم متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله.رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أَجُورِ مَنْ تبعه، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً،رواه مسلم. فأبشر أخي الكريم، أختي الكريمة، فإن الله سيكتب لك أجر كل خير سيعمله من يسلموا بسببك، و أتمنى أن تجتهدوا في دعوة الناس إلى دين الله.

في الأخير لا تتردوا في نشر هذه الصفحة وشكرا






الاثنين، 25 يونيو 2012

آليات سير عمل الجباية المحلية -الفصل4


الفصل الرابع
آليات سير عمل الجباية المحلية









مقدمة الفصل:
تتحّدد سلطات و مهام الجماعات المحلّية حسب الشّكل الذي تكوّنت ضمنه الدّولة، ففي البلدان ذات النّظام الوحدوي كالجزائر فإن هذه السّلطات و المهام تحدّدها و تفوضها الدّولة، غير أنه في البلدان ذات النظام الفدرالي فإن مبدأ إحترام إستقلالية الجماعات المحلّية منصوص عليه ضمن الدّستور و هي حالة الولايات المتحدة الأمريكية و ألمانيا و بذلك فإن سلطات الجماعات الإقليمية تعتبر أكثر امتدادا.
 بإتباعها للنّظام الأحادي، فإن الجزائر تحتوي على مستويين للجماعات المحلّية المسّيرة بهيئات منتخبة وهما : البلدية و الولاية حيث أن استقلاليتها المالية محدودة جدا لأنها تعتمد في تمويلها على مخصّصات وإعانات الدّولة (المركز) بالدّرجة الأولى، ضف إلى ذلك نمط الـتّسيير المركزي للتنمية المحّلية الذي حال دون ممارسة الهيئات المنتخبة لمهامها فيما يخص توجيه الإنفاق المحلّي، مما يجعلها معفية من كلّ مسؤولية، فليس هناك استقلالية مالية بدون مسؤولية و ليس هناك مسؤولية بدون شفافية.
و في الفترة الأخيرة أصبحنا نسمع كثيرا عن إصلاح الجباية المحلّية المطالب به في إطار بعض الاجتماعات و الندوات الوطنية و الجهوية، لكن ما يلاحظ في الواقع أنه لا وجود لنظام جبائي محلي يستوجب الإصلاح، لأن تخصيص بعض الرّسوم القليلة من طرف السّلطات المركزية لصالح الجماعات المحلّية لا يعني وجود جباية محلّية ولا يعني كذلك منح الدّولة لجزء من سلطتها الجبائية.
إنٌ فشل الحلول المركزية في مواجهة التحوّلات الاقتصادية، الاجتماعية و الثقافية أدّى إلى البحث عن حلول أكثر لا مركزية و ذلك بالأخذ بعين الاعتبار اختلاف الخصائص المحلّية و استغلال التنوع في المناطق مما سوف يؤدي إلى إيجاد قوانين جديدة للامركزية، و بذلك تهيئة طرق ووسائل تضمن مشاركة المواطنين و الجماعات المحلّية المستقلة و المسؤولة في جهد التنمية، لاسّيما في ظل الظهور القوي لمتطلبات جديدة كحماية البيئة و الحفاظ على القيّم الطبيعية و الإنسانية.
و للإستجابة لهذا الرّهان فإننا لا نكتفي بإعداد وصف بسيط للنّظام الجبائي المحلّي بل إن الدراسة التحليلية الجادة المتعدّدة الأبعاد ضروريةّ و المنطق العملي يتطلب القيام بها من جانب النّظرية الاقتصادية في مرحلة أولى و هذا لا يستثني القيام بها من جوانب أخرى تعتبر مواضيع لعلوم أخرى كعلم السّياسة  و علم الاجتماع  و الديمغرافيا.
كذلك إنٌ علم الإقتصاد و لا سّيما ذلك الفرع منه الذي يدعي بالإقتصاد العمومي المحلّي يمنح قواعد محكمة و يمكنه تحديد أو حتى قياس آثار النّظام الجبائي المحلّي على الفعالية الإقتصادية أو على العدالة الإجتماعية،  إضافة إلى أنه يسمح بإيجاد التوافق بين الأهداف المتناقضة و الإجابة على أسئلة عديدة فعلى سبيل المثال: ما هي التكلفة بدلالة الفعالية أو بدلالة العدالة للإقتطاع الجبائي حسب مبدأ " الإقتطاع الجبائي المتساوي بالنسبة للمقدرة التكليفية المتساوية " بالنسبة للمواطنين من جهة و بالنسبة للبلديات من جهة أخرى ؟ و ماهي التكلفة بدلالة الفعالية أو بدلالة العدالة لتخصيص الإقتطاعات الجبائية حسب مستوى الجماعات المحلّية (البلدية أوالولاية ) ؟
في هذه المرحلة من دراستنا سوف نحاول وضع أصول للجباية المحلية تضمن إنسجامها مع الجباية الوطنية و ذلك من خلال التطرّق لثلاث عناصر أساسية و هي: أسس الإقتطاع الجبائي المحلّي، توزيع الإقتطاع الجبائي المحلّي بين العناصر الجبائية المحلّية من جهة و بين الجماعات المحلّية من جهة أخرى. و أخيرا العلاقات الجبائية بين الجماعات المحلّية.
المبحث الأول : أسّس الإقتطاع الجبائي المحلّي :
تعتبر عملية التوسّع في إعداد القوانين الّلامركزية حاليا ضرورة ملّحة، ممّا سوف يؤدي حتما إلى إيجاد تنظيم جديد للإدارة المحلية يتمحور حول تحديد مسؤوليات السّلطات العمومية المحلية حيث تعتبر السّلطة الجبائية المحلّية إحدى مكوناتها و هذا يعني وجود نظام جبائي محلّي يختلف عن النّظام الجبائي الوطني.
  هذا التصوّر هو نتيجة للوضع المزري الذي تعيشه الجماعات المحلّية خاصة إذا علمنا أن 92% من مجموع 1541 بلدية هي تعاني العجز المالي المزمن و بموجب هذا التصوّر فإن الجماعات المحلية تستفيد من إقتطاعات خاصة بها و مستقلة عن الإقتطاعات الوطنية.
إن الإقتطاع الجبائي المحلّي يخضع لنفس شروط و قواعد المردودية، الفعالية و العدالة المذكورة سابقا إلا أنه يجب الأخذ بمجموعة من الإعتبارات التقنية لتفادي التعارض أو التناقض مع الإقتطاع الجبائي الوطني، لا سيّما فيما يتعلق بخصائص العبء الجبائي المحلّي و سلطة العناصر الجبائية المحلّية على الإقتطاع الجبائي المحلّي.


المطلب الأول : أهمية الإقتطاع الجبائي المحلّي :
لماذا الإقتطاع الجبائي المحلّي ؟ الإجابة عن هذا السؤال تظهر سهلة و مباشرة، فالجباية المحلّية تسمح بالحصول على إيرادات مقابل الخدمات العمومية الممنوحة من طرف الجماعات المحلّية. و بذلك يسمح الإقتطاع الجبائي المحلي بتمويل حاجات الإستهلاك الجماعية التي يطلبها المستعملون، عن طريق الوساطة السّياسية للمنتجين( )؛ لكن بمجرد إستقراء مختلف الموازنات للجماعات المحلية نستخلص الخاصية الجادة للتساؤل أعلاه، و عليه فإن الإدارات الّلامركزية تحتوي على مجموعة معتبرة من الإيرادات المعبئة بنسب جد متميّزة من منطقة لأخرى و من فترة لأخرى. و على هذا الأساس فإن أهمية الجباية المحلّية تتطور بشكل محسوس في الزّمان و المكان، و الإجابة السّهلة و المباشرة تصبح صعبة و معقّدة.
1 - مصادر تمويل الموازنات المحلّية:
ترتكز عملية تمويل الموازنات المحلّية على تشكيلة متنوعة من المصادر و التي تصّنف عادة حسب أربعة أبواب رئيسية،  فالجماعات المحلّية يمكنها أولا الحصول على قروض سواء على المدى الطويل و المتوسط لغرض الاستثمار أو على المدى القصير لغرض تمويل الخزينة.
كما تستفيد الجماعات المحلّية من التحويلات سواء من الموازنة الوطنية أو داخلية من القطاع العمومي المحلي، هذا إضافة إلى إعانات التجهيز الممنوحة من قبل الولايات إلى البلديات و في  هذا الصّدد نشير إلى أن أصالة المالية العمومية الإقليمية تكمن في الأهمية المطلقة أو النسبية للمخصّصات، المساهمات و الإعانات الأخرى في تمويل الموازنات المحلّية، لا سّيما بالنسبة للمالية الوطنية المتكونة أساسا من الأموال و الممتلكات الخاصة، و عليه فإن وزن التحويلات يعتبر مؤشرا حقيقيا لقياس التبعية المالية للجماعات المحلّية إتجاه السّلطة المركزية.
كذلك تحتوي الإدارات الّلامركزية على الإيرادات الناتجة عن إستغلال ممتلكاتها سواء بالبيع أو بالتأجير، إضافة إلى مداخيل مختلف الخدمات التي تمنحها للمواطنين.
و في الأخير تستفيد الجماعات المحلّية من الإقتطاعات الجبائية المحلّية التي تحدّد مدى الإستقلالية الجبائية للإدارات المحلّية، فيمكن أن تكون مطلقة في الدّول الفدرالية التي تقتسم فيها الجماعات المحلية صلاحيات جبائية واسعة مع السّلطة المركزية، كما يمكن أن تكون نسبية في دول أخرى بحيث تتصّرف الجماعات المحلّية في نسب الاقتطاع الجبائي فقط ( )و ذلك وفق حدود لا يمكن تجاوزها و هي ما يسمى بالنسب السّقف و التي تحدّدها السّلطة المركزية ،أمّا في الجزائر فإن الإستقلالية الجبائية للجماعات المحلّة منعدمة  تماما فكل شيء يحدّد من قبل الوصاية المركزية.
إنٌ إعتماد التوزيع العمودي للإقتطاعات الجبائية الوطنية بين الجماعات المحلّية و الإدارة المركزية يخضع لقواعد قانونية دستورية لتوزيع الموارد( )، و بذلك فإنٌ الجماعات المحلّية لا تخضع لقيود سياسات الموازنة المركزية، فهي تستفيد من حق ملكية بعض الإقتطاعات الجبائية، مشابه للحق الذي تمارسه الدّولة و في إطار هذا الأفق يمكن تصوّر نوعين من الإجراءات. فيمكن أن ينصب التوزيع على قواعد الإخضاع مما يمنح للجماعات المحلّية إمكانية تعديل النسب أو بالعكس يمكن أن ينصّب التوزيع على الإقتطاعات الجبائية المحصّلة و بذلك عدم وجود إمكانية التأثير المحلّي على الضّغط الجبائي. وضمن هذا الاحتمال الأخير فإنٌ عملية التوزيع تشبه المخصّصات الإجمالية من موازنة الدّولة و لكن بفرق أساسي و هو: تطبيق مبدأ إقليمية الاقتطاع مما يبعد تماما كل فكرة لإعادة توزيع الموارد.
و تجدر الملاحظة إلى أن الجباية المحلّية يمكن أن تأخذ خصائصها من نظام الاقتطاع الوطني فالأهمية التي تعطى لاقتطاع جبائي ما على المستوى المركزي قد تجد لها صورة على المستوى المحلّي و هذا لا يعتبر قاعدة عامة و إنما يعتبر استثناءا فعادة ما تتأسس اختيارات  الأنظمة الجبائية المحلية بصفة مختلفة عن اختيارات الأنظمة الجبائية الوطنية، فمثلا في الولايات المتحدة الأمريكية تحصل الحكومة الفدرالية على معظم مواردها من ضريبة الدّخل، أمّا الولايات فتأخذ مواردها من رسوم الإستهلاك( )، فيما تستفيد مختلف الجهات من الضرائب على العقارات أمّا في فرنسا فإنٌ الجباية المحلّية تعتمد في معظمها على أسّس عقارية. ( )
2 - الجباية المحلّية و متناقضة الديمقراطية و المسّاواة:
إنٌ الرّهان الحاسم للامركزية المالية يندرج بشكل شبه تام ضمن إطار متناقضة الديمقراطية و المسّاواة و عليه فإنٌ الإقتطاعات الجبائية المحلّية تؤدي بدون شك إلى وجود فوارق لدى العناصر الجبائية فيما يتعلق بنسب الإقطاع المطّبقة , و تنتج هذه الفوارق عن قرارات التسيير التي تصدرها السّلطات المحلّية من جهة و عن التباين في الأوضاع الاقتصادية، الاجتماعية و الجغرافية للمناطق من جهة أخرى و ممّا قد يزيد في حّدة هذا التباين, هوالتقسيم الإداري المعتمد. كذلك فإنٌ لحرية الإخضاع الجبائي التي تمنح للمنتخبين المحلّيين ثمنا مكلّفا بالنسبة للعناصر الجبائية التي تتمسك لاسّيما في الجزائر بمبدأ المساواة أمام الضريبة و أمام هذا الوضع يمكن أن تتعالى أصوات  لانتقاد حلّ  التمويل المحلّي للموازنات الإقليمية وإحلال  الخيار البديل المتمثّل في التمويل المركزي الذي يؤدي إلى القضاء على مصادر التباين المذكورة أعلاه، لكّن المنتخبين المحلّيين سوف يفقدون سلطة التحكيم فيما بين النّفقة العمومية من جهة و الاقتطاع الجبائي من جهة أخرى مّما يضعف مسؤوليتهم. و بذلك تصبح الجماعات المحلّية مجرد امتداد للسّلطة المركزية .
في هذا السّياق يمكن القول أن منح الجماعات المحلّية جزء من السّلطة الجبائية المركزية إضافة إلى وجود إمكانية تجديد المجالس المحلّية المنتخبة يعتبران عاملان متلازمان لإرساء الديمقراطية المحلّية و بذلك إيجاد لا مركزية حقيقية.
كذلك فإنٌ النّظرية الاقتصادية ترى أن هناك مزايا في التمويل المحلّي للموازنات الإقليمية، و ذلك من خلال تحليل القيود الخاصة باختيار السّلع و الخدمات الجماعية. فمن الناحية القانونية فإنٌ سلطة القرار ترجع للمجالس المنتخبة في إطار القوانين و التنظيمات المعمولة بها، غير أن التجديد الدّوري لهذه المجالس عن طريق عملية الانتخاب لن يسمح لها بتجاهل المطالب المختلفة للناخبين و إلا سوف تخسر الانتخابات المقبلة. فعلى هذا الأساس فإنٌ سلطة القرار لدى الهيئات المحلّية المنتخبة يجب أن تحتوي على إجماع ديمقراطي من طرف أغلبية المواطنين حول الاقتطاع الجبائي المحلّي و حول أوجه إنفاقه. و بذلك نستنتج أن التصويت أو الاقتراع يمثّل مصدرا أوليا للاختيارات الجماعية، سواء كان هذا الاقتراع مباشرا ( استفتاء الموازنة في نظام الديمقراطية المباشرة )، أو غير مباشر ( تعيين ممثلين في نظام الديمقراطية التمثيلية ) ( )، لكن هل الاقتراع يسمح بالتعيير الصحيح عن إرادة المواطنين؟ و بعبارة أخرى هل يطابق عرض الخدمات العمومية من طرف المنتخبين، طلب الناخبين؟
إنٌ قدرة المسار الديمقراطي في تكوين الإختيارات الفعّالة أي التي تطابق رغبات المواطنين تتوقف على حجم المعلومات التي تمنح للناخبين حول تكلفة الخدمات المقدمة لهم و هو ما يتأتي عن طريق ربط الطّلبات بدفع المساهمة  النّقدية، فوجود علاقة بين الخدمات المقدّمة و التمويل المسّدد لها يعتبر ضروريا للتعبير الديمقراطي الفعّال عن الاختيارات الجماعية.

3- الجباية المحلّية و متناقضة الفّعالية و العدالة:
الإقتطاع الجبائي المحلّي باعتباره أداة لتعبئة الموارد، ومؤشرا يدّل عن تكلفة الخدمات ( )، فإنٌه يعتبر كذلك وسيلة لإعادة توزيع المداخيل و بذلك التخفيف من حدّة الإختلالات الاجتماعية، لكن و كقاعدة عامة لا يمكن القيام بهذه المهام الثلاث و في أحسن الظّروف من قبل نفس النّظام الجبائي المحلّي لذلك يجب تحديد الأهداف ذات الأولوية التي سوف تحقّق من خلال هذا الأخير و هي تندرج عادة ضمن عنصرين أساسين و هما: البحث عن الفعّالية الإقتصادية أو البحث عن العدالة الإجتماعية .
إقتصاديا يمكن تحديد ثلاث مفاهيم فرعية لمصطلح الفعالية، فقد نقصد بها الفعّالية التقنية L'efficacité technique   و هي تفترض تخفيض التّكاليف المحاسبية إلى أدنى مستوى للتّكاليف الاقتصادية المطابقة لاستعمال أقل كمّية من عوامل الإنتاج و بتكنولوجيا عالية( )، و قد نقصد بها فعّالية التخصيص القطاعي.L'efficacité allocative sectorielle  و هي تقتضي تحديد كمّيات الإنتاج القصوى من السّلع و الخدمات بالأخذ بعين الاعتبار رغبات وحاجات المستهلكين من جهة، و الموارد الأولية المتاحة من جهة أخرى( )، و عليه فإنٌ توزيع وسائل الإنتاج بين الأنشطة المتنافسة ينتج و يقضي في نفس الوقت على الرّفاهية الإجتماعية، فعلى سبيل المثال فإنٌ تطور الخدمات العمومية المحلّية يستجيب للحاجات الجماعية للسّكان و المؤسسات، لكنه سوف يكون بالمقابل مصحوبا بإنخفاض في الإستهلاك الخاص الفردي بمقدار الإقتطاع الجبائي و نظرا لهذا الوضع فإنٌ التوزيع الفعّال لعوامل الإنتاج يستلزم تنمية كلّ قطاع طالما أنٌ المنفعة الإجتماعية التي أنشأها في المقابل أكبر من المنفعة الإجتماعية التي قضى عليها.
و على هذا الأساس يمكن القول أن زيادة الإستهلاك الجماعي على حساب الإستهلاك الخاص أي زيادة الضّغط الجبائي لا تسمح بزيادة الرّفاهية الإجتماعية بالضرورة , أمّا المفهوم الأخير لمصطلح الفعالية فيتمثل في الفعالية الإقليمية  L'efficacité spatiale وهي التوزيع الأمثل للتوطين الإقتصادي و السّكاني بين الجماعات الإقليمية ( )، و عليه فإنٌ خصوصية الاقتصاد العمومي المحلّي تكمن في البعد الإقليمي للعرض و الطّلب على السّلع و الخدمات الجماعية. ومنه فإنٌه يجب على الجباية المحلّية الفعّالة أن تحفز التوزيع الجغرافي الأمثل للعائلات و المؤسسات للحصول على تهيئة مثلى للإقليم، بحيث أن كل تعديل مستقبلي في التوطين سوف يؤثر على مستوى الرّفاهية الاجتماعية.
و تتمثل مسؤولية السّلطات المحلّية في مجال الفعّالية التقنية التي تهدف إلى تخفيض تكاليف الإنتاج في إعداد مناهج عصرية للتّسيير العمومي، مضافا إليها المسؤولية السّياسية للمنتخّبين في تحديد حاجات المواطنين و هذا في غياب التعبير المباشر عن الرغبات في إطار الديمقراطية التمثيلية، أمّا فيما يتعلق بعملية البحث عن الفعّالية القطاعية و الإقليمية، فإنٌ هذا الأمر من إختصاص المشرّع، بحيث أن النتائج تتوقف على الهيئات المستحدثة و هذا ما يفترض القيام بالإصلاحات المناسبة على الهياكل الإقليمية، الإدارية، الموازنتية و الجبائية.
 إنٌ الإقتطاع الجبائي المحلّي لا يمثل أداة لامركزية للفعّالية الاقتصادية فحسب بل إنٌه يمثل كذلك وسيلة لإعادة توزيع المداخيل، أي أنه يعتبر أداة لتحقيق العدالة الإجتماعية. و في هذا السّياق يطرح توزيع الإقتطاع الجبائي الإقليمي مشكلا مزدوجا للعدالة، يتمثل الأول في أن توزيع العبء الجبائي داخل كل إقليم فيما بين العناصر الجبائية التي تختلف من حيث المقدرة التكليفية، مما يفترض إستعمال قواعد، أوعية و نسب تتماشى و الهدف المسّطر ( خصائص العدالة العمومية )، أمّا المشكل الثاني فيرتبط بإخضاع عناصر جبائية لها نفس المقدرة التكليفية في أقاليم و جهات مختلفة، بحيث تستفيد هذه العناصر الجبائية من خدمات عمومية مختلفة  و هذا ما يسمّى بالعدالة الأفقية أو الإقليمية. ( )
يرمي هدف الفعُالية إلى تعظيم القدرات الإنتاجية للإقتصاد و هذا وفق توزيع معين للمداخيل، في حين يرمي هدف العدالة إلى إعادة توزيع الموارد المنتجة و هذا ما يظهر تكاملا في ميدان التدّخل الذي يبعد خطر التداخل و التناقض فيما بين السّياسات، و عليه يجب على الجماعات المحلّية أن تكون قادرة على الإشراك المنسجم للفعالية الإقتصادية و العدالة الإجتماعية في نفس الوقت.
و في الواقع فإنٌ الفعالية و العدالة يعتبران هدفين متناقضين على مستوى النتائج و على مستوى الوسائل، لذلك يجب قبول بعض التنازلات، و ذلك وفق طبيعة الأهداف المسّطرة و بصيغة أخرى فإنٌ الجباية الفعّالة تكون مكلّفة من جانب العدالة، و بالعكس فإنٌ الجباية العادلة تكون مكلّفة من جانب الفعّالية و منه ضرورة التحكيم فيما بين الأنظمة الجبائية الخاصة المعّدة لأحد الأهداف والتي لا تصلح للآخر  .
 غير أنه من بين المجموعة الواسعة للإختيارات الممكنة ,  قد يوجد هناك حلّ توافق يسمح بتدنية حجم التناقض في الأهداف و تعارضها، و ذلك من خلال المعانية الميدانية الدقيقة للواقع المحلّي.
المطلب الثاني : نقل عبء الإقتطاع الجبائي المحلّي:
إنٌ دراسة آثار نقل العبء الجبائي يعتبر موضوع النّظرية الاقتصادية للتأثير الجبائي و بإسقاطها على اقتصاد مكوّن من وحدات إقليمية مختلفة،  فإنٌ مسألة التأثير الجبائي تصبح ذات أهمية بالغة و معقّدة في نفس الوقت، فقد يحاول العنصر الجبائي المحلّي التحوّل عن طريق التصويت بالأرجل أي التنقّل، و هذا إضافة إلى الإمكانيات التقليدية لنقل العبء الجبائي، كما قد يحجم عن التنقّل و لكن يقبل على التحويل الاسمي لقواعد الإخضاع الجبائي نحو مناطق وجهات أخرى حيث الجباية معتدلة و خفيفة.
 و قد يقبل المواطن المحلّي على التصويت لصالح الزيادة في اقتطاع جبائي ما، في حين يمكن له التهرّب منه بنقله خارج حدود الجماعة المحلّية المعتبرة.
1- التأثير الإقتصادي و التأثير الإقليمي :
 يمكن تحليل تأثير الإقتصاد الجبائي المحلّي من وجهة نظر مزدوجة، فمن الناحية الاقتصادية يجب البحّث عن العناصر الجبائية الحقيقة مهما كان الإقليم الذي ينتمون إليه، أمّا من الناحية الإقليمية فإن الأمر يتعلّق بتحديد إقليم العنصر الجبائي الاسمي و إقليم العنصر الجبائي الحقيقي. و تجدر الملاحظة أنه لا يمكن تحليل التأثير الاقتصادي و الإقليمي لكلّ أصناف الإقتطاعات الجبائية المحلّية في هذه المرحلة من بحثنا فقد يحتاج هذا إلى دراسة منفصلة تأخذ بعين الاعتبار كل جوانب النّظرية الاقتصادية.
 و لعلّ أهم الإشكاليات المطروحة في هذا المجال. تلك المتعلقة بالاقتطاع الجبائي المحلّي على العقارات و الاقتطاع الجبائي المحلّي على الإنتاج من صنف الرّسم على النّشاط المهني في الجزائر.


الشكل 06 : التأثير الجبائي الإقليمي

البلديات الأخرى البلدية "أ"
تصدير إقتطاعات جبائية محلّية قادمة من البلدية ً" أ " تأثير جبائي محلّي  داخلي
البلدية "أ"
تأثير جبائي محلي
ما بين البلديات إستيراد إقتطاعات جبائية محلّية من البلدية ً" أ "
البلديات الأخرى
المصدر: ALAIN GUENANT : Les enjeux du budget local, PUF- Paris 1998- P 26.
2- الإقتطاع الجبائي المحلّي على العقارات:
حسب الرأي السائد، تعتبر الإقتطاعات الجبائية العقارية، اقتطاعات محلّية بدون منازع نظرا لارتباط وعائها مباشرة بالإقليم المحلي. إضافة إلى أنها تخصّص مباشرة لتمويل الموازنات المحلّية، و يأخذ هذا النوّع من الإقتطاعات عدّة أشكال كالرّسم على الممتلكات المبنية و غير المبنية، و حقوق التسّجيل، الضّريبة على فائض القيمة و الضريبة على الثروة.
غير أن هذه الإقتطاعات تلقى انتقادا حادّا، سواء تعلّق الأمر بتحديد الوعاء أو بتحديد النّسب المطبّقة، كذلك فإنٌ أحد أسباب الجدل القائم حول الاقتطاع الجبائي العقّاري المحلّي يتمثّل في  صعوبة تحديد من الذّي يتحمّل عبئه في النهاية،  حتى و إنٌ كانت الفكرة قديمة و مرسخة و     هي أن المالك هو المكلّف الوحيد و النهائي.                                                                  
  و لتحديد هذا التأثير فإنه من الملائم اعتبار حالة الاقتطاع المتناسب المؤسّس على القيمة السّوقية لعقار منتج لدخل سنوي بمبلغ معيّن مسّبق من قبل المالك طيلة مدة حياة العقّار.
و نفترض كذلك أن الأسواق المالية و أسواق رؤوس الأموال توجد في وضعية تامة و بذلك فإن القيمة السّوقية خارج الرّسم للعقّار تساوي القيمة الحالية للمداخيل المسّبقة و نفترض أخيرا أن الكمّيات الإجمالية من الأراضي و المباني تحدّد من قبل الجماعة المحلّية المعتبرة. ( )
إنٌ تأثير إقتطاع جبائي من هذا الصّنف يشبه ذلك الذي ينتج إمّا عن اقتطاع نوعي أو اقتطاع عام على رأس المال،  و إمّا ذلك المتعلق بدفع أتاوة من طرف المستعمل و بصيغة أخرى فإن الاقتطاع على الممتلكات العقارية يمكن مماثلته باقتطاع على صاحب رأس المال أو باقتطاع على رأس المال، حيث يمكن تحويل عبئه على الخدمة المقدّمة لأعوان اقتصادية أخرى، كما يمكن مماثلته بالسّعر الذي يدفع نظير استهلاك الخدمات الجماعية المحلّية.
و عليه فإن الضريبة على الممتلكات غير مبنية تقع في النهاية على عاتق المالك أو على الأقل المالك عند عملية الاقتطاع لأنه من المفروض أن يكون عرض الأراضي صلبا في المدى القصير في حين الضريبة على استعمال العقار يتحمّلها المستعمل.
و عكس هذا بالنسبة للاقتطاع المحلّي الواقع على الممتلكات المبنية و استعمالها كمساكن فإذا كانت أسواق رؤوس الأموال في وضعية تامة فإنه يمكن لرأس المال (*) التحوّل من قطاع غير مسّعر ممّا يسمح للمالكين بالإفلات من الاقتطاع الجبائي و لو جزئيا. أمّا المستأجر أو السّاكن فإنه يتحمل عبء الاقتطاع نهائيا و ذلك بصفة كلية إذا كان الطّلب على السّكن صلبا بالنسبة للسّعر، و بصفة جزئية إذا كانت أسعار الطّلب مرنة،  و بذلك فإن  توزيع الاقتطاع يكون بحسب أو بدرجة مرونة أسعار دوال العرض و الطّلب. هذا فيما يخصّ مماثلة الاقتطاع المحلّي العقّاري كرّسم نوعي على رأس المال العقّاري.
أمٌا فيما يخص مماثلة الإقتطاع المحلّي العقاري كاقتطاع عام على رأس المال، فإن عملية توزيع مخزون رأس المال من طرف صاحبه على مختلف الاستعمالات (عقارات، قيّم،لا منقولة، سيولة) ليست نهائية بحيث أن الأصول تحوّل في الغالب من قطاع لآخر و من منطقة لأخرى لأسباب جبائية و بذلك يظهر الاقتطاع المحّلي العقاري كاقتطاع على تخصيص معيّن لرأس المال من جملة عدّة تخصيصات و ذلك في قطاع معين ( القطاع العقاري ) و في جماعة محلية معيّنة مما يجعلها تتحمّل جزءا من الإقتطاع الجبائي ضمنيا.
و تجدر الملاحظة أن عملية تحوّل رأس المال بين القطاعات و بين الأقاليم أو الجماعات لن تتوقف إلا عندما تتساوى معدّلات المردودية في كل الجهات و بالنسبة لكل الأصول و بالطبع في مستوى أقل من مستوى الانطلاق الابتدائي أي قبل عملية التحوّل.
و أخيرا فإن مماثلة الإقتطاع العقاري المحلّي لدفع أتاوة نتيجة استعمال الخدمات العمومية يجعل المواطنين يتحرّكون من إقليم إلى إقليم آخر في سبيل البحث عن أحسن علاقة لديهم بين الخدمات المقدّمة و السّعر الجبائي Le Prix Fiscal المقترح و ينتج عن هذا الطّرح الآثار الهامة التالية:
لا يكون لمفهوم التأثير الجبائي معنى إذا وجد هناك تطابق تام بين الإقتطاع الجبائي و الخدمة المقدمة،  وتأثير نظام الأسعار ليس له معنى كذلك لأن من يدفع الثمن هو الذي يتحّمل العبء.
لا يشكّل الإقتطاع الجبائي المحلّي أية إعاقة فيما يخص اختيارات الأعوان الاقتصادية لأن العدد الكافي من الجماعات المحلّية يسمح لكل واحد منها بالحصول على حذاء حسب مقاسه و بذلك تصبح الجماعات المحلّية عبارة عن أندية تجمع في صفوفها مجموعات سكانية متجانسة تتخّذ قرارات جماعية بالإجماع.
الترخيص بالتخفيضات و الإعفاءات من الإقتطاعات الجبائية المحلّية و تعويض عجز التحصيل لدى الجماعات المحلّية من طرف الحكومة المركزية يعتبر دعما للإنفاق المحلّي مما يؤدي إلى الإفراط في الإنفاق، و هذا إذا كان العنصر الجبائي المحلّي عرضة " للوهم الجبائي" أي الفهم الخاطئ للالتزامات الجبائية و القيود الموازنتية و كذا عدم استيعابها.
الرسّملة السّلبية للاقتطاع الجبائي و القيّم العقارية على حساب الرسّملة الإيجابية لقيمة الخدمات العمومية المحلّية( )، فالقيم العقّارية تتوقف إيجابيا على كمّية و نوعية الخدمات العمومية المحلّية و يتوقف سلبا على الإقتطاعات الجبائية المحلّية، و الأسعار يمكن أن تختلف من جماعة محلّية لأخرى حسب خصائص أخرى (البعد عن المركز، الخصائص الجغرافية،  نوعية السّكن، الكثافة السّكانية ) لكن التأثير الخاص للجباية و الخدمات العمومية المحلّية يمكن أن يتحدّد بدقّة و بسرعة متناهية.

3- الإقتطاع الجبائي المحلّي على الإنتاج:
يعتبر وجود اقتطاعات جبائية محلّية على المبيعات أو على رقم الأعمال مهما إلى جانب الإقتطاعات على الملكية العقارية، وكمثال الرّسوم على مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية( ) و إلى حدّ ما الرّسم على النّشاط المهني في الجزائر.
إنٌ الآثار الاقتصادية للرّسم على النّشاط المهني ليست معروفة  بالقدر الكافي سواء كان ذلك على مستوى الاقتصاد الكلّي أو الاقتصاد الجزئي أو على مستوى التأثير الإقليمي، و هذا يرجع أساسا إلى الصعوبة في دراسة و تحليل تأثير هذا الرّسم.
فمن جهة  تعتبر قاعدة الإخضاع له معقّدة بحيث لا يمكن الحصول عليها بدون تبسيطها إلى قواعد الإخضاع التقليدية ( الإنتاج، الدّخل، رقم الأعمال، القيمة المضافة ) ومن جهة أخرى يجب التّمييز بين تأثير الرّسم المهني المدفوع من قبل العناصر الجبائية المحلّية وتأثير ذلك الذي تستفيد منه الجماعات المحلّية بعد تعويض الدّولة لنقص القيّم الجبائية الناتجة عن الإجراءات الجبائية الاستثنائية المفروضة على الجماعات المحلّية و يعتبر هذا الأخير ذو تمويل مزدوج من طرف العناصر الجبائية المحلّية و العناصر الجبائية الوطنية، و يدعّم هذا التفاعل بخصم الرّسم على النّشاط المهني من القاعدة الخاضعة للضريبة على الربح الإجمالي أو الضريبة على أرباح الشركات.
هذا ما يفرّض التعرض لأهم المشاكل التي يطرّحها الرّسم على النّشاط المهني اقتصاديا و إقليميا ,  فعلى مستوى الاقتصاد الكلّي تعتبر عملية تحليل الآثار الناتجة عن الرّسم على النّشاط المهني عن طريق استعمال النماذج الاقتصادية الكلّية الوسيلة الوحيدة لتحديد تأثير هذا الرّسم.
أمّا التأثير الاقتصادي الجزئي فيتوقف على درجة و نوعية المنافسة التي تهيمن على الأسواق( ). ففي وضعية المنافسة الكاملة لا يمكن للمؤسسة الخاضعة للرّسم المهني الزيادة في سعر البيع ( بكل الرّسوم محتواة) لمنتجاتها دون أن تخسر حصّصا في السّوق و عليه فإنها تتحمّل بصفة كلّية عبء الاقتطاع  في المدى القصير  أو/ و تمنح أقلّ عائد لعارضي عوامل الإنتاج ,  و في المدى الطويل فإن آلية التأثير تشبه تلك الناتجة عن الإقتطاع العقاري بحيث أن رأس المال يتحوّل نحو القطاع أو القطاعات غير الخاضعة أو الأقل خضوعا إلى غاية تساوي نسب مردودية رأس المال في كلّ القطاعات. وعليه فإن عبء الرّسم على النّشاط المهني يقع على عاتق أصحاب رؤوس الأموال سواء اختاروا أم لم يختاروا الإستثمار في المؤسسات، و هذا الطّرح يعتبر صحيحا عندما تسود المنافسة في سوق المنتجات و سوق رؤوس الأموال و في غياب الإحلال بين العمل و رأس المال من جانب الإنتاج.
أمّا إذا كانت أسواق المنتجات و عوامل الإنتاج في وضعية تنافسية و كان الإحلال بين العوامل ممكن فإن تأثير الرّسم على النّشاط المهني يزداد تعقيدا فهو يقع في النهاية على كل القطاعات سواء كانت مسّعرة جبائيا أو غير مسّعرة و على كل الأعوان الاقتصادية ( عائلات و مؤسسات) نتيجة مرونة أسعار دوال العرض والطّلب، إضافة إلى وجود إمكانيات الإحلال التقني( ). و تجدر الملاحظة أنه لا يمكن تكميم هذه الآثار إلا باستعمال نموذج حسابي للتوازن العام .
و في وضعية الإحتكار يمكن للمؤسسة تحميل الرّسم على المشترين مع وجود خطر انخفاض الكميات المباعة أو الحفاظ على نفس حجم المبيعات، باقتسام الرّسم و في الحالات الأخرى للمنافسة غير التامة فإن المؤسسة تدمج الرّسم ضمن تكاليف الإنتاج و منه سعر العرض بتطبيق هامش أقل أو أكثر مرونة و ذلك حسب ظروف السّوق.
و أخيرا يمكن القول أنه لا يمكن إهمال تأثير الرّسم على النّشاط المهني مهما كانت أهداف المؤسسة سواء كان الهدف البحث عن تعظيم الرّبح أو تسيير توازنها أو تعظيم حصّتها و وزنها في السّوق.
 كذلك هناك صعوبة في تحديد تأثير الرّسم على النّشاط المهني على المستوى الإقليمي، ففي فرضية الانعكاس النهائي أي التحميل ضمن أسعار السّلع و الخدمات المباعة من طرف المؤسسة الخاضعة، فإن الرّسم يصّدر، مما يؤدي إلى تمويل النفقة المحلّية من طرف مشترين غير قاطنين، في حين يقوم المستهلكون المحلّيون بدورهم بتمويل جزء من النّفقات العمومية لجماعات محلّية أخرى.
 أمّا في فرضية الانعكاس الأولي فإننا نعتبر أنه لا يمكن للمؤسسة الخاضعة إدماج الرّسم ضمن الأسعار و هذا بسبب حدّة المنافسة مثلا، فهي بذلك تحاول تحميله على عوامل الإنتاج حيث العائد و القيمة المرسملة ينخفضان.
لكن يفترض في المدى الطويل أن تكون عوامل الإنتاج متحرّكة جغرافيا، و علىه فإن الإقتطاع الجبائي المحلّي قد لا يؤدي إلى تحوّل أو ترحيل المؤسسات الموطّنة في الجماعة المحلية. لاسيّما إذا كانت تكاليف الترحيل مرتفعة، فهو يجعل اختيارات التوّطن مكلفّة فقط و بذلك فهو يؤثر على اختيارات توطين التجهيزات الجديدة، حيث تنقص برامج الإستثمار إلى غاية تساوي نسب مردودية رأس المال في كل المناطق.
و عليه فإن أصحاب رؤوس الأموال المتحرّكة يتهربون من الإقتطاع الجبائي و كذلك يفعل الأجراء إذا كانوا متحرّكين، و بهذا فإن نقص العمل و نقص رأس المال يؤدي إلى تناقص الرّيع العقاري.(*)
و بناءا على ما سبق فإن العبء الجبائي المحلّي يقع بصفة كلّية على ملاك العقارات أو بصفة عامة على كل عامل الإنتاج الثابت ( الأرض ) و على العمل كذلك إذا اختار العامل أو كان مجبرا على الثبات و على رأس المال إذا التصق هذا الأخير بالجماعة المحلّية.
إنٌ إستعمال النموذج الحسابي للتوازن العام يظهر من جديد ضروريا لتقدير كل الآثار الناتجة حيث يجب أخذ البعّد الإقليمي بعين الاعتبار
المطلب الثالث: سلطة العنصر الجبائي على الإقتطاع الجبائي المحلّي .
تعتبر عملية مراقبة السّلطة الجبائية للمنتخبين المحلّيين من طرف العناصر الجبائية ضرورية للتسيير العادي للديمقراطية المحلّية و هذا ما يتلاءم مع مبدأ الإجماع حول الإقتطاع الجبائي، و كذا مطلب الشفافية. كذلك تعتبر عملية المراقبة هاته ضرورية من الناحية الاقتصادية لأنها تعتبر الوسيلة الوحيدة الكفيلة بإعداد اختيارات جماعية فعّالة.
 لكن في الواقع تظهر السّلطة الجبائية لدى العناصر الجبائية ضعيفة جدا، و إلاّ كيف يمكن تفسير التراجع المستمّر للاقتطاعات الجبائية على المستوى المحلّي، ممّا أدى إلى محدودية الاختيارات الجماعية المحلّية.
 قد يردّ هذا إلى انعدام وجود ثقافة جبائية لدى المواطنين أو عدم جدوى المعلومات الجبائية الموجودة في حوزتهم بحيث يكونون ضحية للوهم الجبائي، ممّا لا يسمح لهم بالمطابقة الحقيقية للمساهمة الجبائية و الجهد العمومي المحلّي.
 كما قد يردّ هذا الضّعف إلى تأطير السّلطة الجبائية لدى العناصر الجبائية عن طريق تدّخل السّلطة المركزية أو عن طريق تدخّل المشرّع و بذلك تصبح رقابة المواطن صعبة الممارسة لأنها يجب أن تنصب على مستويين : مراقبة السّلطة الجبائية المحلّية و مراقبة السّلطة الجبائية المركزية.  و مهما كان مدى هذا الضّعف في ممارسة عملية المراقبة فإن للعنصر الجبائي المحلّي إمكانيات تأثير هائلة تتراوح من التصويت عن طريق الصناديق إلى التصويت عن طريق الأرجل و هذا مرورا بكل أشكال التأثير و الضّغط القانوني و غير القانوني ( الغّش الجبائي).
1- التّعديل المركزي للّسلطة الجبائية المحلّية  :
عادة يعتبر التدخّل التصحيحي للمستويات العليا في مالية الجماعات المحلّية ضروريا لأنه قد يحدث و أن تخرج آثار العمل العمومي المحلّي عن حدود الجماعة المحلية سواء تعلق الأمر بالخدمات العمومية المحلّية أو بسبب الإختلالات الناتجة عن الجباية المحلّية.  و يكون هذا التصحيح إمّا بتقديم الإعانات و إمّا عن طريق التنظيم القانوني و مجموع هذه التدخّلات يصطلح عليها بإسم الفدرالية الجبائية.Le fédéralisme Fiscal . ( )
إنٌ تحديد السّلطة الجبائية للمنتخبين المحلّيين يضاف إلى مراقبتهم من قبل العناصر الجبائية المحلّية و هو ما يعتبر مراقبة إضافية من طرف المستوى المركزي و بذلك مراقبة من طرف الناخب على المستوى الوطني ككّل.
و تجدر الملاحظة أن تحديد و مراقبة السّلطة الجبائية المحلّية تدرج ضمن النصوص الدستورية و القوانين الأساسية، و هي تمارس على قواعد الإخضاع الجبائي، و كذا النسب كما تمارس على كيفيات تقسيم الموارد الجبائية بين الجماعات المحلّية و تمارس أيضا على الإدارة الجبائية .
 و إذا كان التدخّل الجبائي حالة عامة و لا يمكن تفاديه فلا يمكن أن يجرى بصفة عفوية، فالتدخّل الفعال للمركز يفترض أن يكون هذا الأخير على دراية تامة بالمعطيات المحلّية، خاصة و أنه يوجد في موقع أحسن من الجماعة المحلّية يسمح له بالأخذ بعين الاعتبار كل الإختلالات لاسّيما تلك التي لا يمكن معرفتها من قبل الجماعة المحلّية.
كذلك  يمكن أن يستند تدخّل المركز على معطيات و معلومات خاطئة كما هو حال الجماعات المحلّية أيضا أو أن هذا التدخّل لا يخضع لمراقبة العنصر الجبائي الوطني حيث يظهر الجهل بالقواعد الجبائية سببا معقولا في هذا المستوى على غرار المستوى المحلّي.
2- الوهم الجبائي و إستراتيجيات الإعلام على المستوى المحلّي .
تتطلب المراقبة الفعلية للسّلطة الجبائية للمنتخبين، الإعلام التّام للناخبين حيث يجب أن يكون حقّ إعلام المواطن / العنصر الجبائي حول نفقات و موازنات كلّ الجماعات المحلّية مضمونا من طرف القانون.
و بمعانية الواقع نلاحظ أن المعلومات التي يحصل علىها المواطن في هذا المجال غالبا ما تكون مبهمة و غامضة فهي بذلك تتوقف عند مرحلة الوهم الجبائي " L'illusion Fiscale"
و ينتج هذا الوضع عن سلوك المسؤولين المحلّيين بحيث أنهم لا يستعملون قواعد و وسائل الإعلام ( إن وجدت ) لنشر المعلومات الجبائية، ضف إلى ذلك صعوبة استيعاب هذا النوع من المعلومات من طرف المواطنين لما تتطلبه من إستحضار لمعارف محاسبية و قانونية و هو ما ليس في متناول جميع المواطنين، و على هذا الأساس فإن تعقّد التنظيم الجبائي على المستوى المحلّي في الجزائر يحفز سوء الإعلام هذا.
 كذلك يساعد الهيكل الجبائي الموجود على إنتشارالوهم الجبائي بحيث يعتبر الإقتطاع الجبائي غير المباشر مولّدا لهذه الظاهرة،  أكثر من الإقتطاع الجبائي المباشر نظرا لتوفر إمكانيات هائلة لنقل العبء الجبائي ضمنه  و هناك أيضا عاملين إضافيين ساعدا على إستفحال الوهم الجبائي المحلّي و هما تدخّل السّلطة  المركزية في الجباية المحليّة و تمويل التحويلات، ممّا أدىّ إلي إستفادة العناصر الجبائية المحليّة من مختلف الإجراءات الاستثنائية و تعويض خسارة الإيرادات لدى الجماعات المحلّية  و بذلك تظهر تكلفة الخدمات العمومية المحلّية منخفضة مقارنة بتكلفتها الحقيقية.
غير أن المؤسسات أقل عرضة للوهم الجبائي مقارنة بالعائلات لأن الرّبح الذي تحققه من جراء الحصول على معلومة كاملة عادة ما يكون معتبرا (خاصة المؤسسات الضّخمة )، و ذلك باستعمال تقنيات عالية للتهرّب الجبائي تمكنّها من تعويض خسائرها المختلفة


3- كيفيات ممارسة العناصر الجبائية المحلّية  لسلطتها:
يتوفر العنصر الجبائي المحلّي على إمكانيات هائلة و ذلك للتعبير عن قبوله أو رفضه للاقتطاع الجبائي، و هي تتراوح ما بين التصويت عن طريق الصناديق و التصويت عن طريق الأرجل كما سبق ذكره، بحيث نجد ضمن هذه  الإمكانيات ما هو قانوني كالشكاوى، المنازعات، نقل العبء الجبائي، و ما هو مخالف للقانون كالغشّ الجبائي.                                                                      
كذلك لا تكون كل هذه الكيفيات في متناول جميع العناصر الجبائية فالعائلات مثلا ليس لها إمكانية نقل العبء الجبائي و المؤسسات لا يمكنها التصويت عن طريق الصناديق . كما أن السّلطة الانتخابية لكل عنصر جبائي / فرد تبقى هامشية نظرا للعدد الهائل للناخبين في حين لا توجد سلطة انتخابية لدى المؤسسات من الناحية القانونية لكنها تمارس ضغوطا معتبرة و ذات مصداقية مقارنة بضغوط الأفراد لما تمثله من تهديد وهذا لتوفرها على إمكانية الترحيل وإعادة التوطين في جهات أخرى، بالإضافة إلى هذا فإن السّلطة الجبائية للمؤسسات على المستوى المحلّي تنتج عن الإستعمال الإستراتيجي للمعلومات الخاصة بها ( أفضليات التوطّن , تكاليفها أو وضعها المالي الحقيقي) فهذه الأخيرة تعتبر مناسبة لكلّ مساومة جبائية، التي قد تتخّذ شكل التّخفيض في الإقتطاعات الجبائية أو تقديم خدمات ضرورية لها أي لهذه المؤسسات.  وعلىه فإن التخفيض الجبائي المطلوب يتجسد عن طريق " الرّيع المعلوماتي " La rente informationnelle الذي يمكن أن يزداد كلّما كانت هذه المعلومات ضرورية بالنسبة للجماعة المحلّية. ( )
المبحث الثاني : إختيار وتوزيع الإقتطاع الجبائي المحلّي:
في الواقع، لا وجود لاقتطاع جبائي محلّي فعّال وعادل في نفس الوقت،.بحيث تدفع العناصر الجبائية ما يقابل الخدمات الممنوحة حسب مقدرتهم التكليفية، لأن الفعّالية و العدالة تعتبر أهدافا متناقضة على المستوى المحلّي كما هو الحال على المستوى الوطني،هذا بالإضافة إلى أن توطين المادّة الخاضعة  يتطلّب قيودا إجرائية، قد يزيد التقسيم الإداري المعتمد من حدّتها وتراكمها.
كذلك فإن هناك ظروفا أخرى تحكم اختيار الاقتطاعات الجبائية المحلية بحيث وبالإضافة إلى فعّاليتها و عدالتها، يجب أن تضمن حدّا معينا من المردودية المالية، أي اختيار قواعدها على أساس القيّم  العاكسة لتطوّر الظّرف الاقتصادي.  وإذا سلمنا بضرورة إخضاع المؤسسات محلّيا، فكيف يوزّع العبء الجبائي بينها و بين العائلات،وهناك مشكل أساسي  آخر، متعلّق بتوزيع المّادة الخاضعة بين  مختلف مستويات التدرّج  الإقليمي.
المطلب الأول: إختيار الإقتطاع الجبائي المحلّي على العائلات.
المعطيات الإحصائية المتعلّقة بتوزيع ناتج الإقتطاعات الجبائية المحلّية بين العائلات و المؤسسات غير متوفرة، فمعظم هذه الإقتطاعات تؤدى من طرف العائلات والمؤسسات معا. وإذا أخذنا بعين الاعتبار التصوّر الّّذي مفاده أن الإقتطاع الجبائي المحلّي هو مقابل الخدمات الممنوحة فإنه يتكوّن لدينا أشكالين يتعلّق الأول بإختيار قاعدة التأسيس أو الإخضاع من بين الدّخل، الضريبة الّرأسية والضريبة العقارية أو ضريبة الرسملة. ويتعلّق الثّاني بكيفية إضفاء صفة العدالة على الإقتطاع المحلّي أي كيف يمكن شخصنة الإقتطاع الجبائي المحلّي؟
كذلك فإن الإتجاهات التي تعالج الوعاء، و كذا تلك التي تعالج نسبة الإقتطاع ليست مستقّلة عن بعضها، بل هي في مجموعها تعتبر تعبيرا عن متناقضة العدالة و الفعّالية  والتي لا يمكن لأي نظام جبائي أن يفرّّ منها سواء كان محّليا أم وطنيا، فهل توجد قاعدة إخضاع و نظام  للنسب تضمنان با لموازة أن كل ساكن يؤدي الضريبة بمقدار ما يستفيد منه من خدمات توفّرها الجماعة المحلّية،  و أنّ ما يطلب من كلّ فرد يتناسب مع مقدرته التكليفية، فأنصار الضريبة الرّأسية يعتمدون على حياد الإقتطاع و فعّاليته  الإقتصادية وهو حال أنصار ضريبة الرّسملة أيضا و لكن هذا الإختيار يكون على حساب  العدالة والتي بإسمها يقترح آخرون استعمال قاعدة الدّخل، ولكن ما هو حجم الآثار على الفعّالية الإقتصادية ؟
1- الرّهان المستحيل للضّريبة الرّأسية :L' IMPÔT  DE CAPITATION
الضريبة الرّأسية هي شكل قديم للضريبة ومعرفة عريقة لدى المؤرخين وتمثّل مزايا عديدة لدى منظري إقتصاديات المالية العمومية، فهي إقتطاع جزافي على كلّ رأس يشبه المسّاهمة الموحّدة المطلوبة كمقابل للسّلع والخدمات الجماعية التي توفّرها الجماعة المحلّية. ومن خصائصها أنّها محايدة، سهلة التسّيير وغير قابلة للإنعكاس، فهي بذلك تظهر كسّعر يعلم الناخبين عن تكلفة الخدمات التي يستهلكونها وعيبها الأساسي هو أنها لا تأخذ بعين الإعتبار المقدرة التكليفية فهي ضريبة غير عادلة في أصلها.
إن إصلاح الجبائية المحلّية لبريطانيا من قبل حكومة " تاتشر" سنة 1988 توقع إستبدال الضرائب العقاريةThe rates  بضريبة رأسية ( تدفع من قبل كل البالغين الناخبين و بمبلغ موحّد بالنسبة لكل جماعة محلّية ) The poll tax ورغم إحتوائها على إعفاءات بالنّسبة للأشخاص ذوي الدّخل المحدود و الفئات المحرومة إلا أنها ساهمت في فشل سياسة الوزير الأول و لم يمكن تطبيقها أبدا. ( )
2- الضريبة العقّارية أو ضريبة الرّسملة :
إنٌ تبرير الوعاء العقّاري أو وعاء القيّم الثابتة كقاعدة لتأسيس الإقتطاع المحلّي يكمن أولا في ظاهرة الرّسملة، بحيث أن الجماعات المحلية تقوم بتهيئة الإقليم و بذلك فإن النفقات العمومية التي صرفت لأجل هذا تزيد في القيمة التّجارية  للأراضي  و البنايات المتواجدة ضمن هذا الإقليم و هذا التزايد في القيمة التجارية للأراضي و البنايات المتواجدة ضمن هذا الإقليم و هذا التزايد في القيمة الذي تم رّسملته في سعر البيع يمكن أن يكون موضوع اقتطاع يسمّى إقتطاع أو ضريبة الرّسملة.  فالعنصر الجبائي و في هذه الحالة هو الفرد الذي يستفيد من الإنفاق العمومي المحلّي بصفته مالكا يدفع الضريبة إلى الجماعة المحلّية كمقابل.
و هناك مبرّر آخر لصالح الإقتطاع العقاري و يتمثل في كون المّادة الخاضعة موزّعة بصفة واسعة على إمتداد الإقليم و غير متحركة و علىه فإن إستقرار الوعاء يضمن دفع الإقتطاع و يسمح كذلك بتنوع نسب الإقتطاع من جماعة محلّية لأخرى، طبقا لمبدأ الإستقلالية الجبائية، دون وجود خطر النزوح الجبائي أي نزوح المّادة الخاضعة. غير أن ما يعاب على الإقتطاع العقاري كونه لا يأخذ بعين الإعتبار المقدرة التكلفية و بذلك فهو يعتبر اقتطاع غير عادل. كذلك لكي يضمن الإقتطاع الجبائي المر دودية الجيدة و العدالة الكافية يجب أن يعكس وعاؤه تطور الظّرف الإقتصادي، و هذا ما لا يتوفر في الإقتطاعات العقارية التي تأخذ القيّم التأجيرية المسحية Valeurs locatives cadastrales للملكيات المبنية و غير المبنية كوعاء لها، و هي قيم مرجعية نظرية عادة ما تكون موضوع تقييم إداري بعيدا عن تطورات الظّرف الاقتصادي، أي بعيدا عن القيّم السّوقية التي تتحدّد في الأسواق العقّارية باعتبارها إطار التقييم الحقيقي و المستقبلي للعقارات.(*)
 -3شخصنة الإقتطاع المحلي بإخضاع الدّخل
إذا كان الأفراد متنقّلون، و إذا كان في وسع الجماعات المحلّية التدخّل فيما يخصّ عملية إعادة توزيع المداخيل فإن السّكان الفقراء يتجهون نحو الجماعة الأكثر سخاءا، غير أن الأغنياء يغادرونها تاركين وراءهم استحالة تمويل سياسات إعادة التوّزيع المحلّية، و هذا هو شأن الإقتطاع الجبائي المحلّي الذي لا يمكنه متابعة هدف إعادة التوزيع، بحيث يترك للدّرجات العلىا و علىه فإن تطبيق ضريبة تصاعدية على الدخّل محظور على المستوى المحلّي، هذا من الناحية النظرية، أمّا في الواقع فإنه يمكن للجماعات المحلّية أن تنتهج سياسة إعادة التوزيع تأخذ بعين الإعتبار المقدرة التكليفية خاصة إذا كان في إمكانها التّصويت بصفة مستقّلة على نسب الإقتطاعات على الدخّل و بذلك استعمال الإقتطاع على الدخّل لشخصنة الإقتطاع المحلّي ضمن إطاره العام.
فبعض الدّول اختارت إخضاع الدخّل بصفة موزعة ( ألمانيا و إسبانيا ) و البعض الآخر يطبق اقتطاعات على الدخّل بنسب مختلفة أمّا القاعدة فيتّم تحديدها على المستوى الوطني (بلجيكا و الدنمارك) أو تطبيق نسب مختلفة مصحوبة بإجراءات إستثائية خاصة ( النرويج، فنلندا، السّويد) وهناك من يحتوي على نظام للاقتطاع على الدّخل مختلف تماما في القاعدة و النسبة(سويسرا) ( )
و بصفة عامة فإن قاعدة إخضاع الدخّل متقاربة جدّا سواءا كان الإقتطاع محلّيا أو وطنيا و الاختلاف الرئيسي يتمثّل في نسب الإقتطاع، فالاقتطاع المحلّي عادة ما يكون نسبيا (ماعدا سويسرا(  غير أن نسبة الإقتطاع تختلف من جماعة محلّية لأخرى.
إن الإقتطاع الجبائي المحلّي الأمثل على السّكان لا وجود له لأن طريقة الإقتطاع التي تضمن الحصول بالموازاة على الفعّالية الاقتصادية و العدالة الاجتماعية لم تستحدث بعد، فالحديث عن الإقتطاع الجبائي المحلّي على السّكان يندرج ضمن متناقضة الفعّالية و العدالة، و علىه فإن البديل واضح و هو إمّا إهمال هذه المتناقضة  و  إمّا التسليم بها و بذلك تحمّل كل الآثار الناتجة.
فإهمال المتناقضة معناه اعتبار الجباية ضمن تدرج الجماعات الإقليمية خاضعة لخاصية عقلانية واحدة دون سواها أي خاضعة لخدمة هدف واحد، فإذا أخذنا بعين الاعتبار جباية محلّية وظيفتها الوحيدة هو كونها المقابل للخدمات المقدّمة للسّاكن،  فإن معيار الأمثّلية في هذه الحالة هو المكافئة، و بذلك فإن ضريبة الرّسملة محبذة مقارنة بالضريبة الرّأسية ذات المساهمة الضئيلة في الفعّالية الاقتصادية أو بالاقتطاع المحلّي على الدّخل.
 أمّا إذا تمّ اختيار المقدرة التكليفية كمعيار وحيد فإن ضريبة الدّخل تفرض نفسها لأنها تلاءم متطلبات شخصنة الإقتطاع و منه العدالة الاجتماعية.
أمّا التسليم بمتناقضة الفعّالية و العدالة. و تقبّل كافة الآثار الناتجة يؤدي بنا إلى توجيه الجباية المحلّية نحو الاختصاص على مستوى تدرّج الجماعات المحلّية و هذا ما يقتضي تخصيص هدف أساسي لجباية كل درجة إقليمية، ثمّ تحديد و تقييم التكاليف الناتجة عن استبعاد أحد الأهداف (الفعالية أو العدالة) و بعد ذلك تعويضة بتحويلات مناسبة من مستويات أخرى للجماعات المحلّية.
المطلب الثاني : إختيار الإقتطاع الجبائي المحلّي على المؤسسات :
إنٌ الإخضاع الجبائي المحلّي للمؤسسات يطرح إشكالات عديدة في كل البلدان المطبّقة لهذا النوع من الجباية  فبغض النّظر عن إمكانية الإقتطاع المتاحة فإن الطرح يمتد إلى اختيار قاعدة الإخضاع و كذا تحديد المستوى المسموح به من الاختلاف الإقليمي للنسب ضمن اقتصاد تنافسي، كما يوجد في صلب هذا الاهتمام قضية تأثير الضّغط الجبائي المحلّي على توطين الأنشطة و هو ما يمثل الرّكيزة الأساسية لإستراتيجيات الجماعات المحلّية في التنمية الاقتصادية الإقلّيمية.
 و تجدر الملاحظة أن المقارنة الدّولية للكيفيات القانونية لإخضاع المؤسسات تبرز أوجه  تشابه و اختلاف من بلد إلى آخر، فالخاصية العامة للاقتطاع المحلّي على المؤسسات كونه يعتبر من مكونات المصاريف العامة و بذلك فإنه ينقص من حصّة الإخضاع الوطني للأرباح، كما أن الجباية الإقليمية على المؤسسات تشمل تشكيلة متنوعة من الضرائب و الرّسوم ما عدا في المملكة المتحدة( ). أما الاختلاف الرئيسي فإنه يكمن في قاعدة الإخضاع التي تختلف اختلافا محسوسا من بلد لآخر و على أقل تقدير في الجزئيات، و عليه فإنه يمكن التمييز بين نوعين من الجباية المحلّية، ففي ألمانيا و اليابان فإن الرّبح هو العنصر المهيمن  على وعاء الإقتطاع( )، أما في إنجلترا، و الولايات المتحدة و بلجيكا فإن الإقتطاع يتأسس و بالدّرجة الأولى على العقّار الصناعي و التجّاري( )، و بذلك فإن إخضاع المؤسسات لا يختلف عن إخضاع العائلات.
1- الرّهانات الإقتصادية للإخضاع الجبائي المحلّي  للمؤسسات :
لقد أدّت إمكانية الإخضاع المحلّي للمؤسسات إلى انقسام السلّطات العمومية و الاقتصاديين ما بين مؤيد و معارض. بحيث أن المبررات الملائمة لهذا الإخضاع تتأسس على مبدأ المكافئة و بذلك فإن مشروعية الإقتطاع تستند إلى ضرورة تمويل المؤسسات للجماعات المحلّية بالتناسب مع الخدمات التي استفادت منها. و هذا ما يندرج ضمن الفعالية الإقليمية L'efficacité Spaciale لكن ما هي قاعدة الإخضاع التي من خلالها يمكن إعطاء صورة حقيقية لحجم الأعباء الناتجة عن توطين المؤسسات.
 أمٌا المعارضون فإنهم يستندون إلى أنه بعكس العائلات المالكة، فإن المؤسسات تتوفر على إمكانية نقل العبء الجبائي إلى أعوان اقتصادية أخرى ( مستهلكين، أجراء، ...الخ ) غير قاطنة بإقليم الجماعة المحلّية، عن طريق نشر عبء الاقتطاع على مستوى كامل النّظام الاقتصادي و على مستوى الإقليم الوطني و بهذا فإن الإقتطاع لا يعتبر محلّيا. ممّا أدّى إلى ظهور إقتراحات تهدف إلى إعداد ملاءمة بين  التطبيقات الجبائية و الواقع ، لا سّيما تلك المتعلّقة بجعل الإقتطاع وطنيا مع توزيع الناتج. و أيا كان الإتجاه، فإن إخضاع المؤسسات محلّيا يطرح إشكال إختيار الوعاء وعليه فإن الإخضاع على أساس الأرباح المحقّقة يندرج ضمن منطق المقدّرة التكليفية. و ليس "الخدمات المقدّمة"، فلا يمكن ضمان حدّ معين من الارتباط بين نتائج الاستغلال والخدمات الجماعية التي توفرها البلدية مثلا، هذا بالإضافة إلى الحساسية الظرفية للأرباح الصّناعية و التّجارية التي لا تناسب تمويل الجماعات الإقليمية إطلاقا أمّا إخضاع رأس المال العقّاري الصّناعي و التّجاري فيظهر أنه يستجيب أكثر لمتطلبات التمويل هاته بحيث أن ضريبة الرّسملة المؤسسة على  القيّم السّوقية للمساكن توفر وسيلة مثلى لتمويل المدن كما سبق ذكره , لكن إسقاط هذا النموذج على المؤسسات يهمل بدون شك رهانا أساسيا يتمثل في كون رأس المال العقاري أحد عوامل الإنتاج أو أحد المدخلات و إخضاعه قد يؤدي إلى توليفات غير فعّالة بهدف تخفيض الإقتطاع، غير أنه يمكن الإحتفاظ  بتوليفة الإنتاج التي تأخذ في الحسبان العلاقة بين تكاليف التهيئة الإقيلمية التي تتحمّلها الجماعات المحلّية و أهمية القدرات الإنتاجية المتواجدة ضمن الإقليم، فهذه التكاليف تتحدّد بحجم المدّخلات المعبئة من طرف المؤسسات.
وفي ظلّ هذه الظّروف فإن القيمة المضافة توفر لنا وعاءا جبائيا أكثر واقعية و هو حيادي من ناحية مختلف التوليفات الإنتاجية وله طابع تمثيلي للقدرات الإنتاجية و الاقتصادية للجماعات المحلّية، في حين يبقى إختيار نسبة الإقتطاع من القيمة المضافة قائما و بذلك تحدّيد التوزيع الجبائي بين مختلف النشاطات أو القطاعات مما يسمح بتفادي الإنزلاق القطاعي(*) أي إنتقال المّادة الخاضعة من إقليم لآخر وهنا نلح على ضرورة خلق إنسجام بين مختلف الإختيارات الجبائية للجماعات المحلّية.
وفي هذا السّياق نشّير إلى أن السّّلوك المالي للجماعات المحلية يتحدّد بمدى تركّز قدرة الأداء الجبائية والتي تتأثر بدورها بفوارق الضّغط الجبائي القطاعية وذلك وفق ظروف جدّ متغيرة.

  2- تأثير الضّغط الجبائي المحلّي على قرارات توطين المؤسسات :
قد يعتبر الضّغط الجبائي العامل الرئيسي المحدّد لسّياسة التنمية الإقتصادية المحلّية كونه مؤشرا لإعداد برامج توزيع الاقتطاع الجبائي، وبذلك فإن.وجود إرتباط سلبي  بين كثافة المّادة الخاضعة  ومستوى النسّب يسمح بإستنتاج تفسيرين مختلفين حسب علاقة السببية المعتبرة، فالبعض يرّد تركّز المّادة الخاضعة إلى المستوى الضّعيف للضّغط الجبائي بحيث أن تخفيض نسب الإقتطاع الجبائي المحلّي يؤدي إلى جذب المؤسسات نحو الأقاليم الجذابة جبائيا، أمّا بالنسبة للبعض الآخر فإن المستوى الضعيف للضّغط الجبائي ينتج بصفة آلية عن تكّثف المّادة الخاضعة، كذلك فإن الترّكز الإقليمي غير المتساوي للأنشطة الاقتصادية يعكس حجم الخصائص أو المزايا المقارنة غير جبائية للتوطين الموجود في حوزة الجماعات المحلّية كالقاعدة التّحتية المتعلّقة بالمواصلات، هذا ما يؤدي إلى عدم وجود تأثير حقيقي للتحفيزات الجبائية الإقليمية على توطين المؤسسات.
 فهذا الطّرح يفترض توجيه جهود حقيقية لتوطين المؤسسات و كذا العائلات. بحيث يتم تعبئة الأداة الجبائية و كذلك الأداة العقارية بهدف إنشاء مناطق مهيأة تسمح باستقطاب المؤسسات و الأنشطة و بذلك يكون في متناول الجماعات المحلّية وسائل تأثير على التنمية الاقتصادية المحلّية.
غير أنٌ تعميم سلوك جذب المؤسسات سوف يؤدي بدون شك إلى ظاهرة تنافسية فيما بين الأقاليم على مستوى الهياكل السياسية المحلية (البلديات والولايات) أو حتى خارج الحدود، و هو ما يسمّى بالتنافس الإقليمي و الذي يعتبر فرضية بالنسبة لكلّ تحاليل الاقتصاد العمومي المحلّي، بحيث أن مزايا و عيوب هذا التنافس تمثّل مؤشرا لتوجيه سياسات التهيئة الإقليمية و التنمية المحلّية هذا مع وجوب توفر إمكانية قياس تأثير التغيرّات المحلّية للموازنة و الجباية عن طريق نماذج القّياس الاقتصادي المحلّي.
و عليه فإن اختلاف نسب الاقتطاع المحلّي تعود إلى الاختلاف في قيّم الأوعية العقارية لمختلف الأقاليم و هذا معناه أن الرّسملة الجبائية تصدر عن مزايدات الأعوان المتحرّكة في إطار بحثها عن التوطين الأمثل و التي تعتبر مؤشرا لتحدّيد مستوى الضّغط الجبائي المحلّي عند أسعار المزايدة للأراضي الصّناعية.
و بذلك فإننا نحصل على المرونة الّلازمة للتكلفة العقارية من خلال المنافسة بين الجماعات المحلّية خاصة تلك الأدنى درجة ( البلديات ) فالفوارق الجبائية تكون محايدة من الجهة البعدية نظرا لرسملتها داخل العبء العقاري الإجمالي، وفاعلة من الجهة القبلية باعتبارها طرفا يساهم في تكوين الرّيع التفاضلي للأراضي أو القّيم العقارية. ( )
وأخيرا يمكن استخلاص استنتاجين : فمن ناحية فإن السّياسة المنسجمة  لعرض المساحات العقارية من طرف الأقاليم تتطلب تحكما فعلىا في العبء العقاري ككّل و ليس مراقبة بسيطة للضّغط الجبائي، الذي يبطل مفعوله في حالة صلابة أسعار الأراضي، و من ناحية أخرى فإن غياب أي تأثير للاقتطاع الجبائي المحلّي ضمن وضع تنافسي لا ينفي أي مسؤولية جبائية للجماعات المحلّية في قيادة التنمية المحلّية، بحيث إذا مكّنت مرونة الرّيع العقّاري المؤسسات الجديدة من تعويض الاقتطاع المرتفع،  فإن تفاقم العبء الجبائي يؤدي إلى تخفيض رأس مال الملاك العقّاريين أو يلحق بالمهيئين العموميين في الغالب خسائر في الاستغلال، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار التكاليف المرتفعة لتجهيز الأراضي وتهيئتها.
المطلب الثالث : توزيع العبء الجبائي المحلّي :
نادرا ما تعرّضت الأدبيات الجبائية لقضية توزيع الاقتطاع الجبائي المحلّي بين العائلات و المؤسسات من ناحية وهو ما يدعى بالتوزيع الأفقي و بين مختلف مستويات التدرّج الإقليمي من ناحية أخرى و هو ما يدعى بالتوزيع العمودي.
ففي ما يتعلّق بالتوزيع الأفقي فإنه يتوقف على القرار السّياسي فهو بذلك من اختصاص السّلطات المحلّية، بواسطة التصويت على نسب الاقتطاع و هو ما يندرج ضمن مبدأ الاستقلالية الجبائية للجماعات المحلّية، بحيث أن التّسيير الفعّال وكذلك العادل للموارد العمومية ضمن سيّاق ديمقراطي يتطلّب توزيع خاصا و متميزا للاقتطاع الجبائي المحلّي، تتوفر فيه العقلانية الاقتصادية و الاجتماعية، التي لا يمكن أن تتأتى إلاّ بوعي عام لدى الناخب و المنتخب.
أمّا التوزيع العمودي للاقتطاع الجبائي المحلّي، فإنه يفترض توزيع الاختصاصات و كذا الموارد على مختلف مستويات التدرّج الإداري بالإضافة إلى المستوى المركزي و في هذا الشأن نشير إلى أن نمط التوزيع يختلف من بلد إلى آخر حسب اختلاف ظروف التنمية الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية و السّياسية للدّول و المجتمعات المعنية.
كذلك فإن تحليل التوزيع العمودي لا يتوقف على وصف الهرم الإقليمي بل يتعداه إلى تحليل متطلبات توزيع الاختصاصات و الموارد من جهة و تحليل الأدوات و لاسّيما المالية منها لتحقيق التنسيق الفعّال بين القرارات الجبائية الوطنية و المحلّية من جهة  أخرى.
1-توزيع الإقتطاع الجبائي المحلّي بين العائلات و المؤسسات ( التوزيع الأفقي ) :
إنٌ وجود أنشطة إقتصادية خاضعة محلّيا و مستعملة للخدمات الجماعية الجوارية على مستوى إقليم البلدية يغيّر بشكل محسوس في شروط سير عمل الديمقراطية المحلّية و خاصة من جانب الفعالية الإقتصادية،  ممّا يؤدي إلى ظهور إشكالين جديدين : الأول على مستوى القرار و الثاني على مستوى الجباية.
 فعلى مستوى القرار فإن المؤسسات تستهلك الخدمات الجماعية و تؤدي المستحقات الجبائية المحلّية لكنها لا تساهم بصفة عضوية في تحديد الإختيارات الجبائية و كذا اختيارات الموازنة، فالأفراد هم وحدهم الذين يمتلكون حقّ التصّويت و بذلك تكون لهم سلطة القرار على حجم الخدمات الممنوحة و على طبيعة الإقتطاعات من الأنشطة , لكن هذا الفصل بين مصدر القرار من جهة و الإستهلاك و التمويل من جهة أخرى ليس مطلقا، و هو الحال بالنسبة للطابع الشخصي للمهن الحرّة حيث هناك خلط بين مصالح المؤسسة و مصالح صاحبها، غير أن الناخبين لا ينتمون دائما لهذا الصنف حتى يتمكنوا من الأخذ بعين الإعتبار و بالموازاة  وجهة نظر المنتخبين و المستهلكين المحلّيين.
 كذلك فإن المبدأ الديمقراطي الذي يقتضي أن كل صوت يقابله فرد يحرم المؤسسة كتنظيم قائم من حق التصّويت أو الإنتخاب و من ثمّة حق المشاركة في تحديد إختيارات الموازنة المحلّية. في حين يمكن إيجاد معنى للتأثير الإنتخابي عندما يقوم الأجراء الناخبون بدمج مصلحة مستخدميهم ضمن قراراتهم . حيث لا يمكن إستبعاد هذا الإحتمال إذا أدّى التّسيير المحلّى بسبب عبء جبائي  ثقيل إلى ظواهر التسريح أو إنكماش الأنشطة أو رحيل المؤسسات و بذلك تتمكن هذه الأخيرة من ممارسة تأثير غير مباشر لكنه قوّي على السّلوك الجبائي للمسؤولين المحلّيين.
أمٌا على مستوى الجباية، و بما أن المؤسسات لا تساهم بصفة عضوية في تحديد الاختيارات الجبائية، فهي لا تتحمّل أيضا و بصفة عضوية العبء الجبائي المصّوت علىه من طرفّ السّلطات المحلّية بإعتبارها عناصر جبائية مرئية وليست حقيقية، لأن الإقتطاعات الجبائية المدفوعة تحمّل على الأفراد حسب قنوات معقدة. و من هذا المنطلق فإنه ضمن فرضية الرّسملة الكلّية للعبء الجبائي المحلّي ( التأثير إلى الخلف )  يفقد التوزيع الأمثل للإقتطاع الجبائي المحلّي بين المؤسسات و العائلات كلّ معنى إقتصادي, بحيث في المدى الطويل و تحت تأثير حركة رأس المال و العمال، فإن التوزيع السّياسي للإقتطاع الجبائي بين مختلف فئات العناصر الجبائية يعتبر وهما يخفي التأثير النهائي للإقتطاع الجبائي الذي يقع على الملاّك العقّاريين وحدهم، فهذا الإحتمال يؤدي إلى إفراغ فكرة التوزيع الجبائي من محتواها الإقتصادي. في حين و ضمن فرضية تصدير العبء الجبائي ( الثأثير إلى الأمام ) فإن تحويل العبء الجبائي على عناصر جبائية خارجية (مستهلكين أو زبائن خارجيين ) يخفّف من الإقتطاع الجبائي المتبقي الواقع على العناصر الجبائية القاطنة، و بذلك تجد السّلطات المحلية نفسها في مواجهة تكاليف مرئية منخفضة للخدمات العمومية المحلّية مقارنة بالتكاليف الحقيقية التي تحملتها الجماعات المحلّية.
 و عليه فإن الإختلالات تتوقف على توزيع التكاليف و كذا تمويل التهيئة العمرانية بين العائلات و المؤسسات.
وفي سّياق البحث عن الفعّالية الإقتصادية، فإن توزيع الإقتطاع الجبائي و كذا إختيار الوعاء الخاضع ينتج عن التخصيص الأمثل للموارد و عن إمكانيات التوطين و علىه فإن الفعالية الإقليمية تتطّلب إخضاع العناصر الجبائية المتحرّكة حسب التكاليف الهامشية للتهيئة العمرانية الناتجة عن وصول مستعملين جّدد لإقليم الجماعة المحلّية، ففي المدى الطويل فإن حركة العناصر الجبائية توفر لنا أداة لإحتساب و تحديد الإقتطاعات الجبائية بحيث أن معيار التكاليف يسمح بالإحاطة بالحدث المنشئ للإقتطاع، ممّا يؤدي إلى إخضاع العائلات و المؤسسات فقط عند وصول مستعملين جدد يتطلب إستقبالهم نفقات إضافية للحفاظ على كمّية و نوعية عرض الخدمات العمومية.
 و بعبارة أخرى وجوب إخضاع إستهلاك الخدمات لأثر الإزدحام.( )L’effet d’encombrement
أمٌا بالنسبة للسّلع و الخدمات غير قابلة للتجزئة. بحيث إزدياد عدد المستعملين لا يؤدي بالضرورة إلى نفقات إضافية، فإن الفعّالية الإقتصادية لا تستوجب إخضاع الأعوان المتحرّكة و لكن تمويل الإنفاق العمومي المحلّي يكون من الرّيع  العقاري بحيث يكون الإقتطاع من ملاّك العقارات الحاصلين على عائد الأرض أي عامل الإنتاج الوحيد ذو الطبيعة المستقرّة أو الثابتة.
بالإضافة إلى هذا فإن معيار التكاليف يسمح بتقدير أمثل لمبلغ الإقتطاع الجبائي بحيث عند إثبات الإقتطاع فإن مساهمة العائلات و المؤسسات المتحرّكة تطابق التكاليف الإضافية الناتجة عن المحافظة على عرض الخدمات المجزأة، و في جميع الحالات فإن مبلغ الإقتطاع الأمثل يتوقّف على حدّة أثر الإزدحام المحمّل على كل فئة من المستعملين و على مستوى الخدمات العمومية المقدّمة، و بطبيعة الحال إذا كان هناك إستهلاك للخدمات الجماعية غير المجزأة فإنه يتعّين على ملاّك العقارات المساهمة في التمويل كتكملة لتمويل العناصر الجبائية المتحركة.
 و عليه فإنٌنا نوصي بإعداد نظام جبائي محلّي أمثل و ليس إقتطاع جبائي محلّي أمثل، بحث يتكون هذا النّظام من ثلاثة أنواع من الإقتطاعات : الأول يقع على السّكان حسب تكاليف التهيئة العمرانية الناتجة و الثاني على المؤسسات حسب تكاليف الإنضغاط أي التكاليف الناتجة عن أثر الإزدحام، أما الإقتطاع الأخير و الذي يمثل الرّصيد فيقع على ملاّك العقارات.
2- توزيع الإقتطاع الجبائي المحلّي بين البلديات و الولايات ( التوزيع العمودي) :
قد يكون التقسيم الإداري المعتمد مجرد تسيير لا مركزي لمصالح الإدارة المركزية، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه الدوائر الإقليمية جماعات لامركزية تترأسها مجالس منتخبة عن طريق الإقتراع العام و تتمتّع بسلطة القرار و بالاستقلالية المالية سواء تعلّق الأمر بالبلدية أو الولاية، فعلى المستوى المعياري فإن هناك مخططين لتوزيع الإختصاصات بين الدرجات المتراكبة للإدارة العمومية المحليّّّّة بحيث ضمن مخطط التخصّص Spécialisation. فإن لكلّ جماعة محلّية إختصاصات و قواعد إخضاع جبائي مختلفة عن تلك التي في حوزة الجماعات المحلّية الأخرى( )و بذلك تعتبر كل واحدة منها مستقّلة و مسؤولية جبائيا
أمٌا  ضمن مخطط التراكب Superposition فإن الجماعات  المحلية  تقتسم الإختصاصات ونفس قواعد الإخضاع الجبائي( )،فهي  بذلك  توجد في وضع تنافسي ، وإذا توفرت لديها إمكانية  التحكم  في النسب فإنٌ القرارات الجبائية لإحداها لها آثار على  الجماعات المحلية  الأخرى  ومع الأخذ بعين الإعتبار  فرضية  اقتسام نفس أوعية  الإقتطاع وعدم التمتٌع بالإستقلالية  الجبائية  فإنٌها لا تصوت على  نسب الإقتطاع والتي  تحدٌد  على المستوى الوطني،   حيث تستفيد الجماعات  المحلية  من الإيرادات الجبائية  حسب  معايير  قانونية .
و تعتبر النّظرية الإقتصادية التخصّص العمومي شرطا أساسيا لضمان فعّالية السّياسات العمومية و نجاعتها، لكن مع بعض الإستثناءات تتعلّق بإسقاط الوظّائف العادية للدّولة على الجماعات المحلّية و عليه فإن وظيفة إعادة  التوزيع هي من صلاحية الدّولة أو على الأقّل الجماعات المحلّية من الدرجات العليا (الولايات ) نظرا لأن تنقل العناصر الجبائية (التصويت بالأرجل) بين الجماعات المحلّية  المتباينة من حيث نسب الإقتطاع يزيد من حدّة التمييز بين الأغنياء و الفقراء.
  أمٌا وظيفة الإستقرار فهي من صلاحيات الدّولة أيضا بإعتبارها المراقب لتطورها الظّرف الإقتصادي ذو البعد الوطني، غير أن النّفقات العمومية المحلّية تؤثر على النّشاط الإقتصادي، ممّا يتطلب القيام ببعض التدخّلات الّلامركزية لتوجيهة. و فيها يتعلّق بتدخّل الجماعات المحلّية فإنه يندرج أساسا ضمن وظيفة التخصيص Allocation أي عرض السّلع و الخدمات الجماعية، حيث وجود صاحب القرار و المستعمل في علاقة جوارية يعتبر ضمانا للفعالية، هذا مع وجوب ربط المّادة الخاضعة بمستوى و طبيعة النّفقات العمومية لكلّ جماعة محلّية
كذلك فإن الجماعات الإقليمية عن طريق تدخلاتها تساهم في التنمية الإقتصادية المحلّي (*) عن طريق قيامها بالترقية العقارية، مانحه بذلك المؤسسات الجديدة أو المتنقلة أفضل إمكانية للتوّطن. فهذا الوضع  يؤدي إلي جو تنافسي بين المدن و البلديات على المستوى المحلّي ،الوطني و حتى القاري و هو الأمر الذي يجب إدماجه ضمن الدراسات الإقتصادية الكلّية. فهذا حل بديل للتدخّل المركزي أي تدخل الدّولة مع العلم أن التسيير المحلّي لا يخلو من النقائص التي يجب تصحيحها سواء بالتدخّل المالي الوطني أو عن طريق إنشاء قنوات للتعاون بين الجماعات المحلّية.                                                                    
  و من زاوية توزيع الموارد، فإن هناك طريقتين للتوزيع العمودي للإقتطاعات الجبائية بين الإدارات المتراكبة  يمكن تصورهما, بحيث ترتكز طريقة التّكديس  Empilementعلى تجانس النّظام الجبائي من أعلى إلى أسفل هرم الإدارة العمومية ( )و بذلك فإن الجماعات الإقليمية و كذا الدّولة تحتوي على نفس قواعد الإخضاع. هذا مع إفتراض التحكّم في نسب الإقتطاع عند كل مستوى للقرار أو أن تقوم بإقتسام نفس الإيرادات الجبائية في حالة التحدّيد الوطني لمستوى الضّغط الجبائي، حسب خصائص قانونية أو دستورية للتوزيع.
 أمٌا طريقة التخصّص البديلة فتتطلب منح كل جماعة إقليمية مجموعة خاصة من الإقتطاعات الجبائية تستند على قواعد إخضاع متباينة، و تجدر الملاحظة أن التخصّص الإداري في الإقتطاعات لا يطابق بالضرورة تخصّصا إقتصاديا حقيقيا.للعناصر الجبائية، حيث أن إختلاف قنوات جمع الإقتطاعات يؤدي غالبا إلى تراكم العبء الجبائي على نفس فئة العناصر الجبائية لاسّيما عن طريق تأثير الإقتطاعات غير المباشرة على أسعار البيع و تأثير الإقتطاعات المباشرة على العوائد أو المداخيل.
 و في الواقع، فإنه يتم التوليف بين التراكب و التخصّص في درجات مختلفة و ذلك بإختلاف السّياق السّياسي، الإقتصادي و الإجتماعي الذي يزامن بناء النّظام الجبائي المحلّي و تطوّره و علىه فإننا نقترح التقليل قدر المستطاع من تخصّص قواعد الإخضاع بين الدّولة كجهاز مركزي(*))و الجماعات المحلّية بغرض منح الإدارات الّلامركزية مجالا واسعا للإقتطاع لأنه و حسب القوانين الطبيعية يملأ الكيس من الأسفل إلى الأعلى و بالموازاة  رفع مستوى التخصّص للنّسب المصّوت علىها عند كل درجة إقليمية للإخضاع بحيث يمكن تصور إجرائين ممكنين:
إمٌا تحديد نسبة الإقتطاع الهامشية لكل نوع إقتطاع من طرف جماعة محلية واحدة وهذا بالحفاظ على ثبات نسب الجماعات المحلّية الأخرى لنفس نوع الإقتطاع
أو الفصل الكامل للإقتطاعات الجبائية بمنح إقتطاع خاص لكل درجة إقليمية مع توفر إمكانية التصويت على النّسب فقط.
فتخصّص الأوعية الجبائية يتحدّد بدلالة الإختصاصات و السّلطات التي تمارسها كل طبقة من طبقات الهرم الإداري بحيث يتمثل الهدف في تكييف الموارد الجبائية مع الخدمات العمومية الممنوحة كمقابل مما يؤدي  إلى إعتماد التمويل حسب مستوى الإستفادة المحقّقة  و بذلك يندرج التخصّص الجبائي ضمن آفاق الفعّالية الإقتصادية .
المبحث الثالث : العلاقات الجبائية بين الجماعات المحلّية :
من شأن الّلامركزية أن تؤدي إلى فوارق جبائية بين الجماعات المحلّية لأن إستقلالية القرار و الموازنة يحفزان على تزايد و تنوّع الحاجات الجماعية داخل الإقليم الوطني ككل جامع، و في ظّل هذه الأوضاع فإن الإختلافات المالية الإقليمية تندرج ضمن منطق البناء المؤسساتي الذي لا يمكن إعادة النظر فيه دون المساس أو حتى القضاء على أسس الّلامركزية ذاتها.
ولعلّ هذه الفوارق الجبائية تظهر بصورة خاصة في قاعدة الهرم الإداري الإقليمي و المتمثل في البلديات، فهل يرجع أصلها دائما إلى أنماط التسيير المتبعة من طرف المنتخبين المحلّيين؟ أو أنها تصدر عن قيود الوضعية الإقتصادية، الإجتماعية و الجغرافية التي تحيط بهذه الجماعات الإقليمية؟ كذلك ألا يؤدي تصحيح الفوارق الجبائية المنظّم بإسم العدالة الإجتماعية إلى تقليص الإستقلالية الجبائية للبلديات من جهة و معاقبة البلديات الأكثر فعّالية من جهة أخرى؟
  إضافة إلى هذا، فإن التنقّل الجغرافي للمؤسسات و العائلات قد يضع البلديات في وضع تنافسي إتجاه إمكانيات التوطين الإقتصادي و السّكاني و تزداد حدّة هذا التنافس بتجزئة المقاطعات الإدارية خاصة في المناطق الحضرية (تزايد الوحدات الإدارية)، مما يؤدي بدون شك إلى تقديم تخفيضات و إعفاءات جبائية لتخفيض تكاليف التوطين، كما تعتبر نوعية التهيئة و الخدمات الجماعية عامل آخر يدعّم قدرة الجذب لدى الأقاليم أيضا و هو ما يندرج ضمن الإستراتيجيات التنافسية .
فهذا السّلوك يعتبر عقلانيا في حالة وجود البلدية ضمن تأثير معزول عن باقي البلديات الأخرى ، لكن الواقع غير ذلك حيث تهمل المنافسة الجبائية الآثار الناتجة عن التسهيلات الجبائية على الجماعات الإقليمية الأخرى حيث الثروة الجبائية أو قدرة الأداء الجبائية محدودة و لا يمكن تعديل مستوى الضّغط الجبائي نحو الإنخفاض و علىه فإن المنافسة الجبائية التي تعتبر نوعا ما غير نزيهة قد تؤدي كذلك إلى التبذير نتيجة التضاعف العشوائي لمناطق النّشاط داخل إقليم البلدية دون مراعاة قواعد التهيئة العمرانية و الإقليمية و ما ينجرّ عنها من سلبيات.
  و من هذا المنطلق يجب إحلال إستراتيجيات للتعامل بين الجماعات المحلّية عوض الإستراتيجيات التنافسية، ممّا يسمح بتحسين ظروف الحياة المحلّية على المستوى الوطني، و هو الأمر الذي يشترط الإصلاح التدريجي للهياكل الإقليمية من خلال إستحداث بعد آخر لأنماط التسيير المحلّي من كل جوانبه بهدف التخفيف قدر الإمكان من الفوارق الجبائية المحلّية.
المطلب الأول : تصحيح الفوارق الجبائية المحلّية :
يقوم الاقتصاد العمومي المحلّي بتصنيف اختيارات الموازنة البلدية وفق مجموعتين: الحاجات من جهة(*) و الموارد من جهة أخرى،  و إذا كانت هذه  الأخيرة لا تطرح صعوبات تصّورية و مفهوماتية فإنها تطرح صعوبات تقنية،  و عليه فإنه يمكن الإحتفاظ بتعريفين للثروة الجبائية المحلّيةLa richesse fiscale locale , فالتعريف الأول يتمثل في دخل المقيمين , أمّا التعريف الثاني فيتعلّق بالمبالغ الناتجة عن إخضاع مختلف قواعد الإقتطاع و هو ما يصطلح عليه أيضا بقدرة الأداء الجبائية( )و التي تعتبر مؤشرا لقياس الثروة الجبائية المحلّية حيث تحدد الإيرادات الجبائية المحلّية بالنسبة إلى الإقتطاعات المباشرة فقط نظرا لحساسية الإقتطاعات غير المباشرة الشديدّة للظّرف الإقتصادي أين ينخفض مستواها أثناء فترة الأزمات و تتطلب عملية التحديد هذه تطبيق النسب المتوسطة الوطنية و ليس نسب الجماعة المعتبرة و بإلغاء تأثير النسب الخاصة بكل جماعة إقليمية فإننا نتمكّن من مقارنة الوضعيات المختلفة للجماعات المحلّية.  
ومن طبيعة الوقائع أن عملية المقارنة سوف تؤدي إلى نتائج تسمّى عادة فوارق جبائية محلية أو إقليمية قد تأخذ أحيانا حجما معتبرا و بذلك فإن مصدر الفوارق الجبائية هو إختلاف قدرة الأداء الجبائية من جماعة إقليمية لأخرى بالدرجة الأولى حيث توجد مداخيل القاطنين في وضع ثانوي، فعلى سبيل المثال يمكن لإقليم معين أن يستقبل فئات سكانية ذات مداخيل ضعيفة في حين توجد في حوزته إيرادات جبائية نظرية هائلة، غير أن التأثير شبه الكلّي للأنشطة الإقتصادية (المؤسسات)  في تكوين الإختلافات في قدرة الأداء الجبائية و بصيغة أخرى تكوين الفوارق الجبائية لا يقصي بصفة نهائية الدّور المميّز للدّخل، و بذلك فإن إختلافات قدرة الأداء الجبائية و إختلافات الدّخل تؤثران سويا على السّلوك الجبائي للبلديات و يشاركان بالموازاة في ظهور هذه الفوارق، ممّا يؤدي إلى أخذ التعريفين للثروة الجبائية المحلّية بعين الإعتبار ضمن السّياق الجزائري.                              
فإستقراء الواقع الجزائري من حيث مصدر إختلافات الموازنات للبلديات يسمح بإصدار بعض الاستنتاجات: فمن زاوية فوارق التسيير و فوارق الوضعية تظهر هذه الأخيرة مهيمنة بشكل واضح (حولي 85% من مجموع البلديات). أما من زاوية  فوارق الحاجات و فوارق الموارد، فإن مجموعة المتغيّرات الثانية تلعب الدّور الأساسي( 92% من مجموع البلديات). و بإصدار الإستنتاجات السّابقة يمكن إصدار إستنتاج هام و هو أن مصدر الإختلافات الجبائية المحّلية يتمثل في الفوارق المحلّية للوضعية و لا سّيما قدرة الأداء الجبائية بالنسبة للمؤسسات
1- تصحيح الفوارق الجبائية المحلّية وفق متناقضة الديمقراطية و المسّاواة:
لطالما ظلت مشاكل العدالة الإجتماعية بعيدة عن التحليل الإقتصادي، إلاّ أنّ تطور الفكر الإقتصادي أدّى إلى وجود تيارات تهتم بمتطلبات العدالة لا سّيما فيما يتعلق بتوزيع الثروات و المداخيل و منه عدالة توزيع الإقتطاع الجبائي, بحيث يمكن التمييز بين الأبعاد العمودية (بين غير المتساوين) و الأبعاد الأفقية (بين المتساوين) للعدالة الجبائية.
   كذلك فإن تحليل العدالة الجبائية بين الجماعات الإقليمية يسمح لنا بتحديد مجال البحث عند المشاكل الإقتصادية و الإجتماعية فقط و التي يطرحها تعايش العديد من الجبايات المحلّية المستّقلة في نفس البلد، و ضمن هذا الطّرح تمّ إقتراح العديد من التحاليل، فالتحليل الأول المعروف بنظرية العدالة الإقليمية( )يستند إلى مبدأ المعاملة المتساوية للمتساوين و بذلك يمكن وضع  تصورين :
بحيث يوصي التصوّر الأول بإخضاع موحّد للمتساوين أي تعديل الضّغظ الجبائي الإقليمي ضمن نظام إخضاع تناسبي، فهذا التصوّر للعدالة الجبائية الأفقية يتطلب القضاء على كل الإختلافات الإقليمية في النسب  و بذلك حرمان السّلطات المحلّية من إمكانية التصويت على الإقتطاع الجبائي المحلّي، أمّا التصوّر الثاني الذي يأخذ بعين الإعتبار تشابك الأوجه الجبائية و الإنفاقية، فإنه يستوجب وضع علاقة بين الإقتطاع الجبائي و نسبة الإستفادة  من الخدمات الجماعية و بذلك فإن العدالة الإقليمية تتطلب تحديد الإقتطاع عند مستوى إستهلاك الخدمات العمومية و بصيغة أخرى يجب أن تكون العلاقة التي تربط الإستفادة بالجهد هي نفسها في كلّ المناطق، غير أنٌه للحصول على هذه النتيجة يجب تصحيح كل الإختلافات و الفوارق في قدرة الأداء الجبائية الحقيقية لكل قاطن أي تصحيح القدرة الشرائية للإقتطاعات الجبائية بدلالة الإستهلاكات الجماعية الجوارية بصفة آلية على المستوى المركزي و هذا معناه أن عملية التعديلla péréquation يجب أن تغطي في نفس الوقت فوارق الثروة الجبائية و فوارق التكاليف الهامشية لإستهلاك الخدمات العمومية المحلّية.( )
أمٌا التحليل الثاني الخاص بتعديل الموارد العمومية المحلّية فإنه يستند إلى مفهوم المسؤولية بحيث لا وجود للتمييز بين عنصرين جبائيين وفقا لمظاهر ليست لهما أية مسؤولية فيها و هذا معناه أن المعيار المعتمد هو الفوارق الناتجة عن المسؤولية الجماعية للناخبين بإعتبارهم عناصر جبائية و ليس الفوارق الناتجة عن الوضعية الإقتصادية، الإجتماعية و الجغرافية للبلديات. وبذلك يلتصق مفهوم المسؤولية بمبدأ العدالة الإقليمية من حيث أليات تصحيح الفوارق الجبائية.
  و في غياب ميكنزمات ذاتية للتصحيح يجب إعداد سياسة لتخفيض الفوارق الجبائية بهدف تحقيق العدالة الإجتماعية،بحيث أن التحويلات تهدف إلى تعديل نسبة الإقتطاع في كل بلدية إلى مستواها العادل بإفتراض تقديم حجم معين من الخدمات العمومية المحلّية و توزيع المادة الخاضعة على كل الأقاليم توزيعا موحدا، وبالنسبة للبلديات التي تحتوي على قدرة أداء جبائية أكثر من المتوسطة فإنه يجب تحقيق تسوية للموارد بحيث تستفيد المناطق الأخرى من فائض الإيرادات الجبائية (*)و في جميع الحالات فإن الإقتطاعات و التحويلات تتناسب مع نسبة الإقتطاع الجبائي .
و ممٌا سبق يظهر أن العدالة الإقليمية تتطلب إستحداث عملية إعادة التوزيع المباشر بين الجماعات الإقليمية إما عن طريق إعادة التوزيع من الموازنة،  و إما بتعديل قواعد الإخضاع الجبائي و توزيعها بالتساوي ،و هو الأمر الذي لا يستدعي تدخل الدّولة ، لكن لماذا ترتكز سياسة تعديل الموارد العمومية عادة على منح المخصصات و الإعانات للبلديات من طرف  الدّولة ؟
هذا لأن إعادة التوزيع تفترض الإقتطاع من موارد الجماعات الإقليمية الغنية و تحويلها نحو الجماعات الإقليمية الفقيرة  ,غير أن البلديات  موضوع خصم الإيرادات لا تقبل هذا الحل بسهولة و قد يلاقي رفضا حادّا و علىه  فإن التدخّل المالي للدّولة يعتبر ضروريا بإعتبارها الجهاز المركزي ذو الدّور المعدّل  Rôle régulateur و لا يمس بمبدأ الإستقلالية المالية للجماعات المحلّية .
2- تصحيح الفوارق الجبائية المحلّية وفق متناقضة العدالة و الفعّالية :
يهدف التصحيح الانتقائي للفوارق الجبائية  المحلّية إلى الحدّ من متناقضة الديمقراطية و المسّاواة لكن هذا التقارب بين الأهداف المتناقضة يكون صعب التحقيق أو حتى مستحيل التحقيق إذا ما تعلق الأمر بصراع العدالة و الفعالية و هو ما يمكن تبريره من خلال مظهرين، فمن جهة فإن البلديات ذات الضّغط الجبائي الضعيف تكون حسنة التسيير. و من جهة أخرى فإن ضعف الضّغط الجبائي المحلّي يساعد على إنتعاش  التنمية الإقتصادية، و بذلك فإن التضامن  المالي بين البلديات الغّنية و الفقيرة  يخفي في الحقيقة  عملية إعادة التوزيع بين بلديات  حسنة و سيئة التسيير و بصيغة أخرى  معاقبة  البلديات التي تتميز بالجدوى الإقتصادية  من خلال عملية إعادة التوزيع التي تجسد متناقصة العدالة و الفعالية .
فهذا الطّرح يترجم التسيير الجيد بضعف الضّغط الجبائي، و بذلك يمكن تقييم فعالية التسيير العمومي المحلّي بنسب الإقتطاعات الجبائية المطلوبة من  العناصر الجبائية  المحلّية، كذلك فإن تنوع الخدمات الجماعية المقدّمة يتطلب إضافة فوارق الإستهلاك الجماعي، بحيث أن مقاربتها بعلاقة الإستفادة و الجهد لا ينفي صّحة التشخيص السّابق و لكن يدعّمه إذ أن البلديات ذات  الإخضاع الضعيف غالبا ما تحتوي  على تجهيزات عمومية كاملة و متنوعة  و بذلك فإن نوعية التسيير المحلّي تقاس بمستوى الضّغط الجبائي المطبّق.
  كذلك فإن هذا التحليل يكون مقبولا بأكمله إذا كان أصل إختلاف النسب يتمثل أساسا في فوارق التسيير دون تداخل فوارق الوضعية، وكذلك إذا إنعكس عبء الإقتطاع الجبائي على كل سكان الجماعة المحلّية دون سواهم، ممّا يسمح بإعتبار الضّغط الجبائي مؤشرا للفعّالية.
 غير أن وجود إقتطاع ذو مردودية عالية على المؤسسات يؤدي إلى الفصل بين الإقتطاع المحصّل من طرف البلدية و الإقتطاع المدفوع فعليا من طرف القاطنين، بحيث أن تأثير الإقتطاعات غير المباشرة على الأسعار يؤدي إلى تحويل جزء من العبء الجبائي على المستهلكين غير القاطنين بإقليم البلدية.
 و قد تتحدد أهمية التصدير الجبائي بالتوزيع الإقليمي للأسواق، حيث تكون متواضعة بالنسبة للأنشطة التجارية و الحرفية كما تصل إلى مستويات معتبرة بإخضاع الأنشطة الصناعية مما يوفّر للجماعات المحلّية المستفيدة إمكانية الإقتطاع  غير مرئية من الجماعات المحلّية الأخرى.
إنٌ وفرة الموارد الجبائية تسمح بزيادة الإستهلاك الجماعي و بالموازاة تخفيض نسبة الإقتطاع الجبائي على السّكان و الأنشطة الإقتصادية في نفس الوقت. و على هذا الأساس فإن ضعف الضّغط الجبائي  يدل على قدرة البلدية في تصدير إقتطاعاتها الجبائية و لا يمثل بذلك مؤشرا حقيقيا و ذو مصداقية لتحديد نوعية التسيير المحلّي و الحكم عليه.
  و بالنّظر إلى متناقضة العدالة و الفعالية فإن إعادة التوزيع المباشر للإقتطاعات المحلّية قد تحتوي على بعض التحفّظات, لا سيّما فيما يتعلق بتأثير عملية إعادة التوزيع على مستوى الضّغط الجبائي, بحيث يمكن أن نلاحظ إرتفاعه في البلديات المانحة مقابل ثباته و عدم إنخفاضه في البلديات المستفيدة , و بذلك فإن التضامن المالي بين البلديات لا يصاحبه بالضرورة تضامن مشابه بين عناصر جبائية مختلفة الإخضاع.
  كذلك هناك تأثير ممكن لعملية التعديل على قرارات التوطين للمؤسسات بحيث تنشأ تعويضات بين الضّغط الجبائي المحلّي و سعر بيع الأراضي تؤدي إلى القضاء على الفوارق الجبائية المحلّية عن طريق الرّسملة( )، و في ظل هذه الأوضاع فإن التعديل لا يعاقب بالضرورة التنمية الإقتصادية المحلّية، و لكن يؤدي إلى تثمين الممتلكات العقارية على المستوى المحلّي.
المطلب الثاني :  التعاون الجبائي بين الجماعات المحلّية.
من الطبيعي أن يرقي التضامن الجبائي بين الجماعات المحلّية إلى تعاون جبائي، خاصة إذا علمنا أن هذا التعاون هو ذو طابع تقني و أنه يؤدي إلى تحقيق منافع معتبرة ، مقارنة بالتسيير المنعزل مما يحفز البلديات على الإقدام عليه إراديا.
كذلك فإن تجميع الحاجات و الموارد يسمح بتخفيض التكاليف الوحدوية لبرامج الإستثمار دون المساس بالإستقلالية السّياسية للجماعات الإقليمية ، وهو الأمر الذي ينتج عن تقسيم المهام بين توفير الخدمات الجماعية و إنتاجها بحيث أن البلديات الصّغيرة المكلّفة بتوفير الخدمات العمومية وهو ما يعتبر إختصاصا لها تستطيع التوجّه نحو الإقتصاديات المحلّية ذات الإنتاج الواسع و منح عملية الإستغلال لمتعامل عمومي أو خاص وحيد دونما إندماج، و بذلك فإن توفر إمكانية إستعمال منتجين خارجين أو منح التسيير بحقّ الإمتياز يفصل البعّد السّياسي للبلدية عن البعّد التقني للوحدات الإنتاجية الإستغلالية .
و يرتكز التعاون التقني فيما بين البلديات على مبدأ التبادل الإرادي التعاقد( )  بحيث أنّ وجود المنافع يكفي لضمان المحافظة على الشّراكة ، فكلّ جماعة محلّية مشتركة تحاول الحصول على ربح إضافي معتبر من الإستغلال المشترك  دون وجود أي نوع من القيود، أمّا منطق العقد فإنه يوفر إمكانية تسيير هذه التجّمعات حسب تطور الحاجات، لا سّيما الحلّ أو التوقيف المؤقت  للتنظيمات دون موضوع أو التي حقّقت أهدافها ، وهكذا فإن التعاون ما بين البلديات يسمح بإيجاد المنافع المختلفة الناتجة عن كبر و صغر الأقاليم. و على هذا الأساس فإن التعاون التقني يصبح عامل تدعيم للهياكل الإقليمية الموجودة بحيث تمنح للبلديات وسائل للإستفادة من المزايا الإقتصادية ذات الحجم الكبير و الصّغير في نفس الوقت.
 إن هذا التّعاون التقني يحتوي على بعض المحدّدات، لاسّيما تباين وعدم تجانس المتعاملين ( البلديات) من تجمع لآخر، ممّا يعقّد تنسيق البرامج الإستثمارية ويطيل مدّة تجاوب العرض بالطّلب، كذلك فإن الصيغة التعاقدية للشّراكة تهدد باستمرار حياة التنظيم ممّا يحفّز الإقدام على الإختيارات قصيرة المدى على حساب مخططات العمل طويلة المدى، إضافة إلى هذا فإن التعاقد بين البلديات غير مؤهل بكفاية لحلّ مشاكل التعاون الإستراتيجي المطروحة بسبب التنقّل الجغرافي للمؤسسات و السّكان، و بذلك التوزيع الإقليمي للموارد الجبائية الناتجة عن التنمية المحلّية.
1-دواعي التّعاون الإستراتيجي بين الجماعات المحلّية :
إنٌ غياب العقبات السّياسية ضمن التعاون التقني ينتج عن وجود منافع إقتصادية محدّدة،مؤكدة و موزعة بإنتظام على كامل المتعاملين أو الشركاء في نفس الوقت، كما يقوم هذا التعاون التقني بين البلديات أساسا بتسيير الحاجات الجماعية للسّكان و الأنشطة الإقتصادية المتواجدة على الإقليم، و علىه فإن إستقرار المستعملين يسهل كثيرا عملية إختيار المشاريع الإستثمارية وبذلك تقيّيم الأرباح الناتجة عن الشراكة.
 و قد يكون تأثير التعاون الإستراتيجي عكس هذا بحيث تتوجّه التهيئة العمرانية و الصناعية نحو العناصر الجبائية المستعملة غير قاطنة، ممّا يؤدي إلى ترجيح قرارات التوطين لفائدة بعض البلديات على حساب بعضها الآخر، و بذلك يؤدي تنقل المؤسسات و السّكان إلى منافسة بين البلديات المشتركة أو المنتمية لنفس التجمع، نتيجة تعارض المصالح و لاسيمّا فيما يتعلق بتوطين المؤسسات.
  لكن يمكن تثمين التعاون الإستراتيجي بين البلديات من حيث توجيهه نحو القطاع الإنتاجي على أسس إرادية  خاصة في الميادين غير المستغّلة، وبذلك نقضي على النزعة التنافسية بتوحيد الجهود نحو الأهداف التنموية المحلّية وإقصاء المزايدات () المكلفّة  للمالية المحلّية من جانبها الجبائي و الإنفاقي .
وبتزايد وإنتشار التجمعات المحليّة ذات التوزيع الإرادي للإقتطاع الجبائي ينتج لدينا تصور جديد للتّضامن فيما بين البلديات، فبعد أن كان المقصود به تحقيق العدالة الإجتماعية فقط أصبح يساهم شيئا فشيئا ضمن مشاريع الشّراكة للتنمية المحلّية و هو ما يندرج ضمن منطق الفعّالية الإقتصادية المؤسس على مبدأ التبادل التعاقدي ( ) L'échange Contractuelو بذلك تصبح قيود تحقيق التعديل القانوني غير ضرورية، بحيث أن كل جماعة محليّة مشاركة في التجمع تنتظر تقديم منافع من قبل الجماعات الإقليمية الأخرى مقابل مساهمة تريدها هذه الأخيرة .
و بمقتضى هذا الطّرح  يمكن لبلديتين أو عدة بلديات تقرير توزيع الإقتطاعات الجبائية على مستوى أقاليمها على أساس إتفاق مشترك و هو ما يفترض القيام بمداولات و مفاوضات مشتركة تفضي إلى الخروج بقرار سياسي مشترك لكل بلديات التجمّع، و لعّل أهمّ الأسباب التي تدّفع إلى إنتهاج طريق التعاون الجبائي الإستراتيجي ذو الرؤية المستقبلية هي :
توزيع الإقتطاع الجبائي يمثل السّعر الواجب دفعة للقضاء محلّيا على ظاهرة المنافسة بين البلديات.
كذلك فإن توزيع الإقتطاع الجبائي يمثّل المقابل لتغطية جماعية للمخاطر الناتجة عن حركية التنمية الإقتصادية.
2-التعاون الجبائي بين الجماعات المحلّية و الإصلاح الإقليمي :
يظهر مما سبق أن السّلطات الإقليمية تفضل بدون منازع  التعاون التعاقدي الذي يحترم الحرّيات المحلّية و بذلك فإن التعاون فيما بين البلديات يستبعد كلّ فكرة للإصلاح الإقليمي و بلعكس فإن التصوّر ما فوق البلدي Supra-communale يرى في تنمية التعاون فيما بين البلديات  مجموعة من المراحل تفضي في النهاية إلى إندماج البلديات سياسيا، إقتصاديا، و إجتماعيا ( ) و بذلك ظهور تنظيمات إقليمية جديدة تستوجب إعادة مراجعة التقسيم الإداري المعتمد، فالتعاون في هذه الحالة يعتبر قاعدة تأسيسية للإصلاح التدريجي للهياكل الإقليمية.
إنٌ البعد الإقليمي يعتبر ثانويا ضمن التصوّر لما بين البلديات خاصة و أن التنوع الجغرافي يعتبر ضروريا ليتطابق  مع تغييرات الطّلب على الخدمات العمومية  المحلّية وهو ما يحفز الجهاز الإنتاجي، أما التصّور لما فوق البلديات فإنه يعطي أهمية بالغة للحدود الإقليمية بإعتبارها القاعدة الجغرافية للجماعة المحلية المستقبلية، كذلك فإن هناك إختلافا آخر يتمثل في كون التعاون فيما بين البلديات يمول المشاريع المشتركة بمساهمات البلديات أي عن طريق رؤوس أموال الشركاء.
أمّا  التعاون ما فوق البلديات فإنه بالعكس يوصي بجباية خاصة به تعتبر مصدر لإستقلالية مالية واسعة للتجمع أو للتنظيم مقارنة بالأعضاء، فالفرق يكمن أساسا في ممارسة سلطة القرار حيث يندرج التعاون فيما بين البلديات ضمن منطق العقد الذي يتطلب في الواقع إجماع المتعاقدين أمّا التعاون ما فوق البلديات فإنه يرتكز على ّتسيير ديمقراطي تكون فيه سلطة القرار لأغلبية ممثلي البلديات الأعضاء ضمنّ التنظيم الإقليمي الجديد.
       كذلك تتطلب إستراتيجية التّنمية المحلّية أي توسيع قدرة الأداء الجبائية المحلّية الإقدام على الإستثمار و ما يتضمنه من نفقات, ممّا يدّل على وجود عامل المخاطرة، بحيث يمكن أن تتعرض برامج التهيئة العمرانية و الصناعية لصعوبات تجارية، و بذلك عدم الحصول على الفائض المنتظر من قواعد الإخضاع في الآجال المحدّدة، فعدم كفاية أو غياب العائد الجبائي من الإستثمار  قد يؤدي إلى الإستدانة المفرطة للبلدية أو يجبر المنتجين المحلّيين على رفع مستوى الضّغط الجبائي قصد تعويض الصلابة أو المرونة الضعيفة للمادة الخاضعة بالنظر إلى برامج التنمية، و هو ما يبعد خطر عدم إمكانية الدّفع  أو العسر و تحوله إلى مخاطرة سياسية  ( إستياء الناخبين) أو مخاطرة إقتصادية ( إنحدار و تدهور المنافسة الجبائية على مستوى الإقليم المحلّي )،   ممّا يستوجب توسيع دائرة الإقتطاع و تنوعه و لعّل أهم إستراتيجية فعّالة لتحقّيق هذا الهدف هو التعاون الجبائي.                                                                  
و تجدر الملاحظة أن التسيير ضمن منطق التعاون الجبائي فيما بين البلديات يسمح بتنظيم التغطية المتبادلة للمخاطر الجبائية المرتبطة بالتطورات المستقبلية لقواعد الإخضاع الجبائي، بحيث يشبه هذا التعاون في بعده الزّمني عقد التأمين المكتتب من قبل البلدية مقابل تغطية المخاطر المالية عن طريق التحكّم في المحيط الجبائي المحلّي من قبل التجمّع أو التنظيم البلدي الجديد.
إضافة إلى هذا، فإن توسيع دائرة  الإقتطاع الجبائي المحلّي تؤدي بصفة آلية إلى التخفيف من ظاهرة التركز الجبائي أي ترّكز الإقتطاع على فئة معينة من العناصر الجبائية أو تركزه في جهة معينة، و بذلك فإن التنظيم التعاوني يحتوي على قدرة أداء جبائية إقتصادية أكثر تنوعا و أقل حساسية للمصاعب و الأزمات الظّرفية التي قد تصيب أحد فروع النّشاط الإقتصادي.
خلاصة وإستنتاجات الفصل الرٌابع

إنٌ إستعراض الجوانب المحيطة بالجباية المحلّية يبيّن لنا مدى قدرة علم الإقتصاد و خاصة ذلك الفرع منه الذي يدعى بالإقتصاد الجبائي المحلّي على شرح و تحليل الظواهر الإقتصادية ذات الأصل أو المصدر الجبائي المحلّي من جهة، و كذا تحليل الأهداف المتنافرة لكلّ سياسة جبائية تعتمد على التوزيع العمودي للإختصاصات و المسؤوليات من جهة أخرى، لا سيّما  و أن كلّ نظام جبائي يعتبر محليا بمجرد إنتمائه إلى سيّاق مجمّع.
 فلا يمكن هندسة النّظام الجبائي المحلّي بإهمال المتغيرات و الإختلافات الإقليمية التي قد تنعكس على التوجهات نحو الأهداف المتناقضة، بحيث أن الأخذ بعين الإعتبار و في نفس الوقت بهدف الفعّالية الإقتصادية، العدالة الإجتماعية، الإستقلالية و المسؤولية يؤدي بالضرورة إلى محدودية الإختيارات الجبائية المتوفرة لدى الجماعات الّلامركزية، لذا يجب البحث عن منافذ و توليفات قادرة على التعبئة المثلى للثروة الجبائية بإحترام تناقض الأهداف طبعا.
و قد يؤدي تطور و تنامي دور الهياكل الإقليمية القائمة من خلال توحيد مخططات عملها إلى ظهور تنظيمات جديدة ذات أنظمة جبائية مستقّلة و هو ما يطرح مشكل إصلاح تنظيم السّلطة السّياسية و الإدارية أو بالأحرى إعادة تنظيم الديمقراطية المحلّية، فعادة نلجأ إلى التجزئة الإدارية العقيمة أي التي ليس لها أي هدف سوى تزايد المقاطعات الإدارية فقط في حين نرى أن الواقع يسير نحو الظاهرة التكتلية قصد إستغلال التّنوع الإقتصادي، الإجتماعي و الجغرافي الذي يحفز على تزايد الثروة الجبائية و ماله من تأثير على التّنمية الإقتصادية المحلّية.